خلال اتصال هاتفى أجراه نتنياهو قبل أيام ب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، تحلَّلت شائعات الضغط الأمريكى على إسرائيل فى ملف قطاع غزة. وبينما دار الاتصال حول مقتل شخصين إثر اعتداء على سفارة تل أبيب لدى واشنطن، لم يفوِّت ترامب فرصة تأكيد مطالب نتنياهو: إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، وتدمير حماس، وتسريع وتيرة خطة تهجير سكان القطاع، والحيلولة دون امتلاك إيران أسلحة نووية. اقرأ أيضًا | ضباط وطيارون وأطباء.. تمرّد صامت يعصف بالجيش الإسرائيلي في حرب غزة ربما امتصَّت رباعية تعهدات ترامب شكوك تل أبيب فى تجاوز المتفق عليه مع ممثل رئيس الوزراء الإسرائيلى رون ديرمر، لا سيما بعد إعلان ترامب المفاجئ إجراء مباحثات مباشرة مع إيران، وتجميد مواجهة الحوثيين فى اليمن، والمطالبة بوضع أوزار الحرب، وفورية إدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة بعد إجراء محادثات مباشرة مع حماس. ولم يشفع تسهيل ترامب حصول تل أبيب على ملف الجاسوس إيلى كوهين من سوريا، ولا ضلوعها غير المباشر فيما يوصف بمنظومة الدفاع الإقليمى، أو حتى ترسيخ مفاهيم التهديد الإيرانى فى المنطقة، وآثرت فى المقابل، حسب صحيفة «معاريف» توجيه رسائل للرئيس الأمريكي، تشى بتذمر من «تجاهل إسرائيل عند مناقشة قضايا شرق أوسطية»؛ ولعل ذلك كان سببًا فى إطلاق هجمات إسرائيلية على الحوثيين فى اليمن تزامنًا مع زيارة ترامب للمنطقة، ما أثار استياء المبعوث الأمريكى ستيف ويتكوف حين اتهم نتنياهو بالإصرار على إطالة أمد الحرب. رغم ذلك، لا يجافى المشهد المرتبك فى ظاهره تنسيقات خلف الكاميرات بين واشنطن وتل أبيب، خاطب أثرها أكثر من مسار؛ فعلى مستوى الداخل الإسرائيلي، عمد نتنياهو إلى تصدير فكرة الضغط الأمريكى فى ملف غزة، لتحييد مواقف ائتلافه المتطرف. وبعد الإعلان عن توجه وفد إسرائيلى إلى قطر، تحدث نتنياهو مع شركائه فى الائتلاف لتمهيد الأرض سياسيًا أمام مواصلة المباحثات مع حماس. وحسب تقرير لقناة «أخبار 13»، أوضح نتنياهو لائتلافه أن «إسرائيل ستناقش فقط الخطة الأمريكية، التى وضعها ستيف ويتكوف على الطاولة»، ما حدا بعضو الائتلاف المتطرف، وزير المالية بيتسلئيل سيموتريتش إلى تأكيد موافقته على إبرام اتفاق، طالما لم يتضمن مرحلة إنهاء الحرب فى غزة. بذلك أيضًا، تخلَّص نتنياهو نسبيًا من صداع رأس وزير الأمن القومى إيتمار بن جافير، الذى أوضح بعد اللقاء أن «نتنياهو يعى جيدًا خطوطى الحمراء». ووفقًا للمحلل الإسرائيلى ليئور كينان، فرغم الرسائل القوية التى أطلقها وزراء «عوتسما يهوديت»، و«الصهيونية الدينية»، يستطيع نتنياهو تمرير أى اتفاق يريده بالتنسيق مع ترامب دون مخاطرة الذهاب لانتخابات جديدة، خاصة فى الوقت الراهن، وبعد استمتاع الائتلاف ب«هوامش واسعة» منذ انضمام وزير الخارجية جدعون ساعر إلى الحكومة. وأمام هذا الحراك، بلورت إدارة ترامب تجاوبًا مع ما وصفته بضغوط إقليمية لإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وحيَّدت بتجاوبها حكومات أوروبية من بينها لندن وباريس ومدريد، شرعت فى الصدام مع إسرائيل، سواء من خلال إلغاء اتفاقات سابقة معها، أو اعتزامها الاعتراف الأحادى بالدولة الفلسطينية. لم يبتعد تبادل ركل الكرة بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل عن ملف التفاوض مع إيران، فبينما أبدت تل أبيب امتعاضًا من إقبال واشنطن على الخطوة، وسوَّقت تأهبًا لتوجيه ضربة عسكرية أحادية لمنشآت إيران النووية، استغلت واشنطن التصعيد فى خلق ثقل يمكنه إحراز مكتسبات خلال عملية التفاوض، فضلًا عن ترسيخ حضور الورقة الإسرائيلية بقوة على الطاولة. وفيما روَّجت شبكة CNN لما أسمته «نوايا إسرائيل»، وضعت حكومة طهران التقرير الدرامى فى سياقه المنطقى، واعتبرته «حربًا نفسية لا أكثر». وفيما وُصف برسالة مزدوجة إلى واشنطن وتل أبيب، هددت طهران بأن فشل مفاوضتها الحالية مع الإدارة الأمريكية، يقودها حتمًا إلى تعزيز التحالف مع الصين وروسيا بشكل أكبر. ونقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مسئول إيرانى أن «الخطة B تتمثل فى مواصلة الاستراتيجية التى كانت قائمة قبل بدء المحادثات. وستتجنب إيران التصعيد، وهى مستعدة للدفاع عن نفسها». وبينما يعوِّل نتنياهو على ترامب فى صياغة اتفاق ينتزع من إيران لقب الدولة النووية، يترقب فى الوقت نفسه فشل المفاوضات وما ينطوى عليه ذلك من فرض عقوبات أوروبية جديدة على طهران؛ فبدون اتفاق جديد تستطيع الدول الأوروبية الثلاثة الموقعة على الاتفاق السابق: فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا استئناف العقوبات على إيران حتى 18 أكتوبر المقبل، حتى أنه يمكن التبكير بالخطوة العقابية، وفقًا لدبلوماسيين أوروبيين، فى أغسطس العام الجاري. خلافًا لما يشاع، لا تقبل أحادية السياسة بين ترامب ونتنياهو القسمة على اثنين، لا سيما وقد حفرت لنفسها موطئًا فى البيت الأبيض حتى قبل جلوس الرئيس الجمهورى فى المكتب البيضاوى مجددًا، وساهم فى صياغة محدداتها عناصر موالية لإسرائيل، يأتى فى طليعتها سيدة الأعمال الأمريكية الإسرائيلية مريام أدلسون، صاحبة نصيب الأسد فى تمويل حملة ترامب الانتخابية.