أثار تصريح الدكتور مصطفى وزيري، عالم الآثار والمصريات جدلًا واسعًا بين المهتمين بالتاريخ وعلم الآثار، حين أشار إلى أن المتحف المصري الكبير يضم قطعة أثرية يُقدّر عمرها بحوالي 700,000 سنة. هذه القطعة هي فأس حجري تم اكتشافه في منطقة العباسية بالقاهرة، ويُعتبر من أقدم الأدوات التي استخدمها الإنسان في مصر، بل وفي القارة الإفريقية. ◄ فأس من عصر الأشوليين الفأس الحجري المعروض في المتحف المصري الكبير يعكس جانبًا مهمًا من عصور ما قبل التاريخ. فقد كان يُستخدم في عدد من الأنشطة اليومية مثل صيد الحيوانات البرية والأسماك، وقطع النباتات، وسلخ الجلود. وهو ينتمي إلى الحضارة الأشولية، وهي حضارة بشرية قديمة بدأت منذ حوالي 1.6 مليون سنة واستمرت حتى 200 ألف سنة، وارتبطت باستخدام أدوات حجرية مزدوجة الوجه تُعرف بدقتها وفعاليتها في الصيد والقطع. ◄ كيف تم تأريخ الفأس؟ تم تقدير عمر هذه القطعة الأثرية باستخدام مجموعة من الأساليب والنظريات العلمية المتطورة، أبرزها: - التحليل السياقي «Stratigraphy»: حيث تم العثور على الفأس داخل طبقات رسوبية قديمة من رواسب نهر النيل، وكلما كانت الطبقة أعمق وأكثر استقرارًا، زادت موثوقية التأريخ. - دراسة الطبقات النيلية «Nile Sediment Chronology»: من خلال مقارنة طبقات الطمي مع طبقات أخرى معروفة عالميًا وتأريخها بناءً على التغيرات المناخية، مثل ما حدث في مواقع مثل حلوان والمعادي. - التحليل المورفولوجي «Typological Analysis»: بمقارنة شكل الفأس مع أدوات مشابهة تم العثور عليها في مناطق مختلفة حول العالم، حيث وُجد أن تصميمه يشبه إلى حد كبير أدوات الحضارة الأشولية. - تقنيات التأريخ غير المباشر: مثل تقنية التلألؤ الحراري «Thermoluminescence» التي تُستخدم لتأريخ الحبيبات الرملية المحيطة بالأداة، وتقنية الرنين المغناطيسي الإلكتروني (ESR) التي تُستخدم مع السيليكا أو العظام المجاورة. - مقارنة مع مكتشفات مماثلة: حيث تشير الاكتشافات الأثرية في شمال إفريقيا ك«الجزائر والمغرب» إلى وجود أدوات حجرية مشابهة تم تأريخها بين 500,000 و800,000 سنة، مما يُعزز صحة تقدير عمر فأس العباسية. ◄ هل كان هناك إنسان في مصر قبل 700 ألف سنة؟ الإجابة: نعم. تشير الأدلة الأثرية إلى وجود أشباه البشر في مصر منذ مئات الآلاف من السنين. واكتشاف مثل هذا الفأس يُعد دليلًا ماديًا على وجود نشاط بشري قديم في المنطقة، مما يؤكد أن الإنسان كان يعيش في مصر ويستخدم الأدوات الحجرية في حياته اليومية منذ عصور سحيقة تسبق التاريخ المعروف. اقرا أيضا| صرح حضارى وثقافي متكامل.. الإعلام الدولي يتغنى بالمتحف المصري الكبير يأتي عرض هذا الفأس ضمن توجه الدولة المصرية لتوثيق وعرض التاريخ العميق لمصر، والذي يمتد إلى ما قبل الفراعنة، بل إلى بدايات وجود الإنسان نفسه. هذا الاكتشاف يؤكد أن مصر لم تكن فقط مهد الحضارة الفرعونية، بل كانت أيضًا من أوائل المناطق التي شهدت تطور الأدوات والتقنيات البشرية في عصور ما قبل التاريخ. كما يُبرز هذا الاكتشاف الدور الكبير لمصر في خريطة البحث العلمي والأثري عالميًا، ويعزز مكانتها كمركز محوري لدراسة تطور الإنسان عبر العصور. ◄ المتحف المصري الكبير.. تتويج الحضارة المصرية الحديثة بعد مسيرة استمرت أكثر من عقدين، اكتملت ملحمة إنشاء المتحف المصري الكبير، المشروع الثقافي الأضخم في تاريخ مصر الحديث، وأحد أكبر المتاحف في العالم. تكاليف تجاوزت 1.5 مليار دولار، جهود محلية ودولية متشابكة، تحديات سياسية وصحية وجغرافية، كلها اجتمعت لتشكل مساراً حافلاً بالتحديات والرؤى. والآن، يقف المتحف، الملاصق للأهرامات، شامخًا على مساحة شاسعة، ينتظر لحظة افتتاحه الرسمي في 3 يوليو 2025، ليقدم للعالم تجربة ثقافية استثنائية تمزج بين عبق التاريخ وتقنيات المستقبل. ◄ بناء حلم على عتبة الحضارة يقع المتحف المصري الكبير على بُعد كيلومترين فقط من أهرامات الجيزة، على مساحة 117 فدانًا «نحو 490 ألف متر مربع». وقد بدأ التخطيط له في تسعينيات القرن الماضي، انطلاقًا من حاجة ماسة إلى مساحة جديدة تحتضن كنوز الحضارة المصرية، خاصة تلك التي كانت مكدسة في المتحف المصري بالتحرير منذ افتتاحه في عام 1902. وضع حجر الأساس في عام 2002، ومرت عملية البناء بمراحل متعاقبة، توقفت أحيانًا بسبب ظروف اقتصادية وأخرى سياسية. وبينما شكّك البعض في مصير المشروع، وُلد من رحم التحدي عزيمة وطنية ودولية لإخراجه إلى النور. يُعد المتحف المصري الكبير من بين أغلى المشاريع المتحفية على مستوى العالم، حيث بلغت التكلفة الإجمالية له أكثر من 1.5 مليار دولار، شملت قرضًا سخيًا من الحكومة اليابانية بقيمة 300 مليون دولار، وهو ما يعكس ثقة المجتمع الدولي في أهمية المشروع. إضافة إلى ذلك، ساهمت شركات كبرى وهيئات حكومية ومؤسسات ثقافية في تمويل المشروع، سواء عبر شراكات أو تبرعات أو رعايات خاصة. ◄ تصميم هندسي يُحاكي الخلود اختير التصميم الفائز من بين أكثر من 1500 تصميم قدمها معماريون من 82 دولة، وقد فاز به مكتب «هينغان بينج أركيتكتس» الأيرلندي، حيث اعتمد التصميم على تكوين بصري مستلهم من الهندسة الفرعونية، مزاوجًا بين الخطوط الحديثة والطابع التاريخي. تتخذ واجهة المتحف شكل مثلثي مائل، يُشبه واجهات الأهرام، لكنها مصنوعة من الألومنيوم والحجر، تعكس الشمس وتضفي بُعدًا بصريًا فريدًا على المبنى. في قلب المتحف، وتحديدًا على مساحة 7500 متر مربع، تتربع قاعة توت عنخ آمون، التي تضم أكثر من 5000 قطعة أثرية تعود للملك الشاب، بينها القناع الذهبي الشهير، والتوابيت، والأسلحة، والعربات، والمجوهرات، وقطع تُعرض لأول مرة، مثل الأجنة الصغيرة التي عُثر عليها في المقبرة، والتي يعتقد أنها بناته. صرح الدكتور أحمد غنيم، الرئيس التنفيذي لهيئة المتحف المصري الكبير، بأن عرض المجموعة الكاملة لتوت عنخ آمون سيكون لأول مرة منذ اكتشاف المقبرة عام 1922، موضحًا أن هناك قطعًا أثرية ظلت محفوظة لعقود في المخازن، لم يرها الجمهور من قبل، مما يجعل هذه القاعة من أبرز مفاجآت الافتتاح. ◄ مراكب الشمس تنقل من باطن الأرض إلى قلب المتحف من أبرز الكنوز الأخرى التي يعرضها المتحف: مراكب الشمس الخاصة بالملك خوفو. المركب الأول، بطول 44 مترًا، تم نقله من مكان اكتشافه بجوار الهرم الأكبر باستخدام أحدث تقنيات النقل، بينما يخضع المركب الثاني حاليًا لأعمال ترميم دقيقة استعدادًا لعرضه ضمن سينوغرافيا متكاملة تحاكي رحلة الشمس المقدسة في المعتقدات المصرية القديمة. عند دخول المتحف، يستقبل الزوار تمثال ضخم للملك رمسيس الثاني، يبلغ وزنه أكثر من 80 طنًا، ويقف في القاعة الكبرى كشاهد على عظمة التاريخ. يؤدي هذا البهو الفسيح إلى الدرج العظيم، حيث تصطف التماثيل الملكية التي تُجسّد عصورًا مختلفة من الحضارة المصرية، قبل الوصول إلى القاعات المتنوعة التي تُعرض فيها أكثر من 100 ألف قطعة أثرية، تمثل مختلف العصور: من عصور ما قبل التاريخ، إلى الدولة القديمة، والوسطى، والحديثة، والعصرين اليوناني والروماني، وصولًا إلى العصرين القبطي والإسلامي. ◄ الربط بين الأثر والتكنولوجيا يتفوق المتحف المصري الكبير ليس فقط بما يحتويه من قطع أثرية فريدة، بل بتقنياته الرقمية الحديثة. فقد تم تزويد المتحف بأنظمة عرض تفاعلية، وأجهزة عرض ثلاثية الأبعاد، وقاعات واقع افتراضي، تساعد الزوار على التفاعل مع التاريخ بوسائل متعددة الحواس، تعزز الفهم وتُضفي طابعًا ترفيهيًا وتعليميًا في آنٍ واحد. تستعد مصر لتنظيم حفل افتتاح ضخم في 3 يوليو 2025، تولت مسؤوليته شركة «يونايتد ميديا سيرفيسز»، التي سبق أن أبهرت العالم بعرض موكب المومياوات الملكية في القاهرة عام 2021، وافتتاح طريق الكباش في الأقصر في نفس العام. وصرح رئيس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولي، أن الافتتاح سيكون على مستوى عالمي يليق بهذا الصرح الفريد، مشيرًا إلى أنه ليس مجرد متحف، بل مشروع قومي يجسّد الهوية المصرية ويُعد سفيرًا ثقافيًا دائمًا لمصر أمام العالم. ◄ المتحف كمقصد سياحي عالمي يتوقع القائمون على المتحف أن يجذب أكثر من 5 ملايين زائر سنويًا، لا سيما مع موقعه الاستراتيجي القريب من الأهرامات، التي يُزورها ملايين السائحين كل عام. وقد تم تطوير البنية التحتية المحيطة بالمتحف، بما في ذلك الطرق، ومواقف السيارات، ومناطق استقبال الوفود، بالإضافة إلى سلسلة من الفنادق والمطاعم والمحال التجارية التي تُحيط بالموقع، مما يحوله إلى مجمع سياحي ثقافي متكامل. قال الدكتور أحمد غنيم، في تصريحات صحفية، إن أحد الزوار من العاملين في شركة «ديزني» العالمية عبّر عن انبهاره الشديد بالمتحف، مؤكدًا أنه لم ير شيئًا مشابهًا في أي مكان آخر، ودعا المصريين إلى الشعور بالفخر تجاه هذا المشروع الضخم الذي يضاهي أضخم المتاحف العالمية من حيث البنية والمحتوى. ◄ الرسالة الحضارية والبعد الرمزي لا يُعد المتحف المصري الكبير مجرد مكان لعرض القطع الأثرية، بل هو رسالة للعالم مفادها أن مصر، رغم كل التحديات، قادرة على الحفاظ على إرثها وتقديمه بصورة عصرية تتناسب مع روح العصر. كما يُعد المشروع خطوة في سياق طويل من الاهتمام بالثقافة والآثار، يربط بين الماضي المجيد والمستقبل الواعد، ويُرسّخ مكانة مصر في طليعة الأمم ذات الإرث الحضاري الممتد.