لم يكن القتال فى الإسلام أو المعارك التى خاضها المسلمون يومًا من الأيام بهدف الاعتداء على الغير، بل كان لرد العدوان الذى يتعرض له المسلمون، من خلال هذا الباب وعلى مدار أيام شهر رمضان المبارك نقدم لك عزيزى القارئ معركة فى ذاكرة التاريخ الإسلامى خاضها المسلمون دفاعا عن أنفسهم وعن دينهم وعن أرضهم. كان لمراكش «المغرب حاليًا» تاريخ حافل بالنضال ضد الأوروبيين فى البحر المتوسط، لذلك ظلت المغرب بعيدة عن السيادة العثمانية أربعة قرون، وكانت آخر الدول العربية التى وقعت فى قبضة الاستعمار الأوروبى عام 1912م، حينما قامت فرنسا بعقد سلسلة من الاتفاقات مع الدول الاستعمارية وعلى رأسها إسبانيا، بهدف احتلال مراكش، فتقاسمت الدولتان مناطق النفوذ بينهما، فكان الشمال المغربى (إقليم الريف، وجبالة) من نصيب الإسبان فى محاولة لأسبنة المغاربة والقضاء على الهوية العربية الإسلامية. اقرأ أيضًا | شيخ الأزهر يكشف عن أكثر الأدعية التي يرددها يقول د. محمد ممدوح حسن أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر: فى عام 1921م بدأت «ثورة الريف» التى حملت لواء الدفاع عن الحرية والاستقلال والوحدة المغربية ضد الاحتلال الإسباني، فظهر عبد الكريم الخطابى قائدًا لها، ونجح فى تجميع المجاهدين حوله وتدريبهم على إستراتيجيات الحروب غير النظامية، فكانت «معركة أنوال» درة المعارك المغربية التى تتجلى فيها عبقرية المقاومة والشجاعة لدى الشعب المغربي، ترجع بدايات المعركة إلى الأول من يونيو عام 1921م حينما نجحت القوات المغربية التى لا يتجاوز عددها الثلاثمائة مقاتل فى تحرير مدينة «أبران» والاستيلاء على ما بها من أسلحة، وفرض حصار مُحكم على الإسبان، وقطع الإمدادات عنهم، واحتلال مواقعهم، وفى الحادى والعشرين من يونيو عام 1921م، دارت «معركة أنوال» حيث اندفعت القوات الإسبانية بأسلحتها الثقيلة والخفيفة إلى منطقة «أنوال»، وفى الوقت نفسه كانت القوات المغربية المسلحة بأسلحة بدائية قد أعدَت كمائن محكمة نجحت عن طريقها فى إلحاق هزيمة ساحقة بالقوات الإسبانية، ولم يكتف المغاربة بهذا النصر، بل قاموا بتتبع فلول القوات الإسبانية الهاربة من المعركة ومن جميع المراكز الإسبانية فى منطقة الريف، وبلغت خسائر القوات الإسبانية 19ألف قتيل، بخلاف الجرحى والأسري، لذلك استقالت الحكومة الإسبانية فى العاشر من أغسطس عام 1921م، وتعالت الأصوات الإسبانية المطالبة بالجلاء عن المغرب، وهذا ما دفع الإسبان إلى الاعتراف بأن معركة «أنوال» هى أكبر كارثة عسكرية عرفتها إسبانيا عبر تاريخها، لقد كان لهذه المعركة نتائج مهمة على كافة الأصعدة، حيث شعر المغاربة بقدرتهم على الوقوف فى وجه الاستعمار الأوروبى رغم محدودية إمكاناتهم، وتأسيس جمهورية الريف فى التاسع عشر من سبتمبر عام 1921م برئاسة عبد الكريم الخطابي.