مع الساعات الأولى من الصباح، يأتي صوت الفنان كارم محمود، من مذياع دكان عم إدريس، وهو يغني أغنيته الشهيرة: «عنابي يا عنابي يا خدود الحليوة أحبابي يا أحبابي يا رموش الحليوة». في نفس توقيت خروج النساء في قرية «النمسا» الواقعة بقلب مدينة «إسنا» بالأقصر، لحصاد محصول الكركدية المشروب الرمضاني الأشهر، والذي يعد لدى أهالي القرية بمثابة «الذهب الأحمر». ◄ تنتشر زراعته في الصعيد لتوافر درجة الحرار العالية ◄ اللوزة والسوداني أشهر الأنواع ويقبل عليها المصريون والأجانب بيوت عتيقة بجوار «معبد إسنا» وعلى بعد حوالي 100 متر من الضفة الغربية للنيل.. مكان ينبض بالحياة بقدر ما يحتوى على تفاصيل كثيرة من الماضى، صحيح أن كثيرا من تلك البيوت هى عصرية البناء لكن بعضها مازال يحفظ فى جنباته بعضا من الماضي مثل حوائط الأسوار المبنية من الطوب اللبن والطين و«معرشة» بأسقف الجريد وأفلاق النخيل. تجلس النساء أمام بيوتهن وأمامهن أشجار الكركديه الأحمر الذى يشبه الورد، تكتسى أيديهن بحمرته، ورغم ما به من أشواك فإن لقمة العيش لا تعرف الأيدى الناعمة، بينما وكما قلنا يأتى «صوت كارم محمود» يغنى غزلا للخدود التي تكتسي حمرة وقت الخجل، فلم يجد أجمل من عذوبة وجمال شراب «العناب» الذي يشكل «الكركديه» مكونه الأصلى. سيدات يتبادلن أطراف الحديث بشكل هامس ولا يبالين بالحركة من حولهن فهن مشغولات ولا يعرفن سوى العمل والجد فى البيوت وفى الغيطان ومساعدة أرباب المنازل «الرجال» المشغولين بالعمل فى «غيطان الكركديه». تجلس السيدات مرتديات ملابسهن السوداء.. بشرتهن السمراء تختلط بحمرة الورد الذى يملأ الغيطان، فى حارات واسعة يجلسن ينتظرن عربات نقل «الكركديه» أو «القرقدان» كما يطلق عليه هنا فى «إسنا»، حيث تتصدر السيدات العمل فى المرحلة الثانية بعد الحصاد وهى فصل القشرة واللوزة، وذلك عبر قطع عود الكركديه بإحدى الأدوات المصنوعة من المواسير تشبه مواسير الستائر ويتم بيعها ب 30 جنيها، وتقوم السيدة فى اليوم بعمل صفيحة أو صفيحتين بسعر من 30 ل 35 جنيها عمالة للصفيحة الواحدة، وتقوم كل سيدة بالعمل منذ الصباح الباكر وحتى الظهيرة فى كميات الجرار التى تصل ل100 صفيحة، ولذلك يتم العمل فى مجموعات من السيدات برفقة فتياتهن وأبنائهن فى تلك المهمة اليومية مع قدوم الموسم بالكامل. ◄ عنابى الصعيد تنتشر زراعة الكركديه - وهو نبات عطرى أحمر اللون في محافظات الوجه القبلى، لتوافر درجة الحرارة العالية اللازمة لنموه، ويشتهر مشروبه هناك باسم «العنابي». وبحسب الدكتور طارق موسى، أستاذ الاقتصاد الزراعي بمركز البحوث الزراعية، فإن مصر تصدر محصول الكركديه بالفعل، نظرا لفوائده الكبيرة لعدة دول أجنبية، لكن لا يتم التصدير بنسبة مرتفعة لانخفاض مساحات الأراضي المزروعة بالنباتات العطرية بشكل عام، يتم حصاد «الكركديه» فى صعيد مصر من شهر نوفمبر بعد زراعته فى سبتمبر وأكتوبر، وفى الحصاد يتم جمع «الكركديه» بكف اليد وبالمقص؛ لضمان المحافظة على الثمار، ثم يتم وضعه على مشمع، ويتم تغطيته من الندى، ويقلب يوميا، كي لا تصاب بالتعفن، بعدها يبدأ فصل الزهور أى البذور والغربلة، وتعقبها عملية التقشير التى تتم على أيدى السيدات، وبعدها يتم نشر المحصول تحت الشمس حتى يجف تماما خلال فترة من أسبوع ل10 أيام، قبل أن تتم تعبئته قبل توريده للتجار، وطرحه للبيع. ◄ اقرأ أيضًا | 4 فوائد للكركديه لحماية القلب ◄ إبراهيم باشا يعتبر «الكركديه» من النباتات الإفريقية القديمة، فهو مُخفض لضغط الدم، ويبرد الجسم، وكما يقول الدكتور وفيق سلامة، الباحث بمركز البحوث الزراعية، إن زراعة «الكركديه « قد انتشرت من خلال السودان إلى العالم، وقد تمت زراعته فى النوبة قديما، لتشتهر محافظات الصعيد مثل قنا، وأسيوط، والفيوم، وبنى سويف بزراعته بعد ذلك، بل إن أسوان تشتهر حتى الآن بتسويقه وبيعه، حيث يوجد التجار المحنكون الذين يعرفون أصنافه وآلية تسويقه، وهى مهنتهم التى توارثوها عن أجدادهم الذين اشتغلوا فى تجارة الكركديه منذ القرن التاسع عشر. وقد كان الكركديه من أهم الزراعات التى اهتم بها إبراهيم باشا فى حديقته، وهى الحديقة التى أدخلت زراعات عديدة لم تكن فى مصر مثل: البطاطس، والبطاطا والجوافة، وتتم زراعة الكركديه بالبذور أو الشتلات، وتتم الزراعة فى سطور وأحواض، حيث تبعد كل بذرة كركديه عن الأخرى بمسافة 15 سم، ثم تحرث الأرض، على أن يتم ريه باعتدال، ويعطى الفدان الواحد ما بين 250 كيلو جراما ل300 كيلو جرام من البذور، ويستحسن زراعته فى الأراضى الصفراء الخفيفة متوسطة الخصوبة جيدة الصرف غير الملحية. وبعد الحصاد يجمع الكركديه فى أكياس أو فى أجولة من الخيش، ثم يقوم التاجر بالشراء والتربيطات مع التجار الآخرين لتوريده فى كافة أسواق مصر. ◄ التصدير مستمر من القواعد المعروفة أنه لا يوجد موسم محدد لتصدير الكركديه، حيث تتم طوال العام، وكما يقول المهندس على قناوى، نقيب المهن الزراعية بالأقصر، فإن الأقصر تزرع لوحدها 2000 فدان من هذا المحصول، علمًا بأن زراعة «الكركديه « قد انتشرت من خلال السودان إلى العالم أجمع، سواء فى العالم العربى أو فى الغرب، وقد تمت زراعته فى النوبة قديمًا، لتشتهر محافظات الصعيد مثل قنا، وأسيوط، والفيوم، وبنى سويف بزراعته بعد ذلك، إلا أن أسوان تشتهر حتى الآن بتسويقها وبيعها، حيث يوجد التجار المحنكون الذين يعرفون أصنافه وآلية تسويقه. هناك ثلاثة أنواع رئيسية للكركديه كما يقول عبدالله الترامسى، من كبار مزارعى هذا المحصول فى قنا، وهى البلدى والسودانى والسعودى، ويختلف إنتاج كل نوع باختلاف الصنف، فالفدان الواحد من الكركديه البلدى ينتج ما بين 200 و250 كيلوجراما، بينما ينتج الفدان من النوعين الآخرين «السعودى والسودانى» ما بين 300 و350 كيلوجراما، ويعتبر الكركديه السودانى هو الأعلى جودة، ويتم استخدامه بشكل أساسى فى صناعة الشربات والعناب. ◄ أشهر نوعين وبشكل عام فإن أشهر نوعين هما الكركديه البلدى الأسوانى ويسمى أيضا اللوزة أو الزهرة، والنوع الثانى هو الكركديه السودانى وجميع أنواع الكركديه متوافرة وأسعاره فى متناول الجميع وتحظى بإقبال المصريين والأجانب. فبالنسبة لأسعار «الكركديه» فإنه يباع سعر الكيلو من الكركديه الأسوانى اللوزة ب120 جنيها ولونه نبيتى وطعمه مميز وهو نوع صاف غير مخلط، وتتم زراعته فى أبو سمبل وكوم أمبو والنقرة والرمادى، وعليه إقبال كبير ومعروف بجودته، بينما الكركديه السودانى متوافر وسعر الكيلو حوالى 75 جنيها تقريبا. تجار الياميش، يتنافسون بشدة لشراء أكبر كمية ممكنة من الكركديه، خاصة قبل حلول شهر رمضان المبارك، ويرجع ذلك إلى الإقبال الكبير على شراء وشرب الكركديه خلال هذا الشهر، مما يجعل تجارته مربحة للغاية، وفى السنوات الأخيرة، زادت أهمية الكركديه فى السوق المحلية، خاصة بعد زيادة الوعى بأهميته الصحية وزيادة المقاطعة للمنتجات الأجنبية. الدكتور حاتم أبوعالية، أستاذ التنمية الريفية بمحطة بحوث سخا الزراعية فى كفر الشيخ أوضح أن زراعة الكركديه من المحاصيل المُهمة، وله عوائد مالية ممتازة على المزارعين، ويتميز كركديه «اللوزة» بارتفاع سعره، إذ يصل سعر الطن إلى 70 ألف جنيه، بينما يسجل سعر طن الكركديه الأسوانى نحو 40 ألف جنيه، ويسجل سعر طن الكركديه السودانى 50 ألف جنيه، وتمتاز محافظتا كفر الشيخ، والبحيرة فى الوجه البحرى بزراعة الأنواع الثلاثة بإنتاجية كبيرة من المحصول، بل إن كفر الشيخ تنتج وحدها ما يقرب من 30% من محصول الكركديه. ◄ فوائد صحية وغذائية يتمتع نبات «الكركديه» بفوائد صحية كثيرة كما أن زراعته تتميز بتطلبها لكميات قليلة من المياه والسماد، الأمر الذى جعل كثيرين ينادون بزيادة المساحات المزروعة بهذه النبتة، والعمل على تحويلها لمنتج تصديري مهم. يقول الدكتور أحمد نصر، أستاذ التغذية بالمركز القومى للبحوث، إن الكركديه يستخدم فى الصناعات الدوائية، وعلاج الصفراء ولإدرار البول وتطهير الأمعاء.. ويدخل فى صناعات غذائية مثل الجلي والمربّي وحلويات الأطفال، وكذلك يستخدم كغذاء للماشية والتسميد. أضاف، مُخفض لضغط الدم، ويبرد الجسم، ومن فوائده أنه مشروب ملطف ومرطب ومنعش، يساعد على الهضم، سواء فى حال شربه باردا أو دافئا، وقد ظهرت منه مشروبات عديدة حديثة فى العالم مثل: شاي الكركديه، وبعض المشروبات التى تلقى لها رواجا فى الإنترنت والخاصة بالمشروبات، مشيرًا إلى أن من فوائد الكركديه أنه مشروب ملطف ومرطب ومنعش، يساعد على الهضم، مُدر للبول ومُلين خفيف، وخافض لارتفاع ضغط الدم سواء فى حال شربه باردا أو دافئا، كما يدخل فى صناعة الحلوى. اختتم: «ويتواجد الكركديه طوال العام فى المنازل أو المقاهى، ويكون لك الاختيار بين أى مشروب تفضله فى الكركديه ساخن أو بارد، حيث يتم نقع الكركديه على البارد فى حال الضغط المرتفع.