استأنفت إسرائيل فجر اليوم الثلاثاء عدوانها على قطاع غزة، بعد شهرين من وقف إطلاق النار، مما أسفر عن سقوط مئات الشهداء المدنيين الفلسطينيين، إلا ان الأمر الذي يلفت الانتباه هو حالة الغضب والاحتقان غير المسبوقة داخل المجتمع الإسرائيلي، حيث يتهم العديد من السياسيين والمسؤولين السابقين وعائلات الأسرى المحتجزين في غزة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتفجير الموقف لدوافع سياسية بحتة مرتبطة ببقائه في السلطة، على حساب حياة الأسرى الإسرائيليين المتبقين في القطاع. مئات الضحايا وغارات مكثفة على القطاع أفادت وزارة الصحة الفلسطينية والمصادر الطبية في غزة، أن الغارات الإسرائيلية خلفت أكثر من 400 شهيداً و1000 مصاب، معظمهم من الأطفال والنساء. وكشفت صحيفة "التليجراف" أن جيش الاحتلال الإسرائيلي شن فجر اليوم أكثر من 35 غارة على مناطق متفرقة في قطاع غزة، بينما تواجه طواقم الإنقاذ الفلسطيني صعوبة بالغة في الوصول إلى المناطق المستهدفة بسبب استمرار القصف العنيف. ووفقاً لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، فإن الضربات الإسرائيلية تعد الأوسع نطاقاً منذ سريان وقف إطلاق النار في يناير الماضي، بينما أفادت وكالة أسوشيتد برس بمقتل محتجز إسرائيلي وإصابة اثنين آخرين جراء الغارات على قطاع غزة. شكوك حول توقيت الهجوم كشفت العديد من الشخصيات السياسية الإسرائيلية عن شكوك قوية حول توقيت استئناف العدوان على غزة، ربطاً بأزمة سياسية داخلية تعصف بحكومة نتنياهو، إذ صرح المعلق السياسي الإسرائيلي حاجيت كلايمان، بأن "48 ساعة قبل بدء التصويت في الكنيست على ميزانية 2025، أعلن نتنياهو عن استئناف القتال في غزة"، مضيف: "في الائتلاف الحكومي، أدركوا أنه لا يمكن الاعتماد على أصوات الأحزاب الحريدية لتمرير الميزانية، وأنه يجب إعادة 'عوتسما يهوديت' إلى صفوف الحكومة". وأكد هذه الفرضية بعودة الوزير المتطرف إيتمار بن غفير إلى الحكومة الإسرائيلية، بعد أن كان قد استقال احتجاجاً على الهدنة مع حركة حماس في يناير الماضي. وعلق عضو الكنيست أيمن عودة قائلاً: "عودة الحرب على قطاع غزة تهدف لإعادة بن غفير إلى الحكومة، لأن نتنياهو بحاجة إليه للمصادقة على الموازنة العامة للدولة للحفاظ على الائتلاف". حرب لأجل سلامة الحكومة انضمت شخصيات إسرائيلية بارزة إلى موجة الانتقادات الموجهة لقرار نتنياهو، حيث صرحت وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفي بأن "هذه حرب من أجل سلامة الحكومة". بينما قال اللواء احتياط نوعام تيبون: "هذه الحرب، منذ 8 أكتوبر، يديرها نتنياهو بطريقة سياسية بهدف البقاء في الحكم". وفي تعليق صادم، نقلت قناة "كان" الإسرائيلية عن مسؤول إسرائيلي قوله: "ضغط عسكري أكبر من الذي حدث الليلة، لم يدفع حماس إلى تقديم تنازلات في المفاوضات حتى الآن، فلماذا هناك من يظن أن غارات الليلة قد تنجح في تحقيق ذلك؟"، في إشارة واضحة إلى شكوك حول الجدوى العسكرية للعملية. مصدومون وغاضبون شكلت ردود فعل عائلات الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة عنصراً بارزاً في الاحتجاجات المندلعة، إذ أصدر مقر عائلات الأسرى بياناً قال فيه: "نحن مصدومون، وغاضبون، وقلقون من التدمير المتعمد للصفقة، وإن العودة إلى القتال ستكلفنا حياة 59 أسيراً لا يزالون في غزة". وأضاف البيان: "الادعاء بأن استئناف القتال يهدف إلى إعادة الأسرى هو تضليل كامل، بل الضغط العسكري يعرض الأسرى والجنود للخطر. يجب العودة إلى وقف إطلاق النار فوراً، فحياة الكثيرين على المحك". وفي تصريحات مؤثرة، قالت عائلات الأسرى الإسرائيليين: "دفعنا أثماناً باهظة وهذه الحرب ستزهق أرواح مزيد من المخطوفين"، مضيفين: "مقتل 41 من مخطوفينا جاء نتيجة مباشرة للتدخل العسكري في غزة... حماس لا تموت من جراء عملياتنا العسكرية بل أحباؤنا هم من يموتون". شهادات صادمة من أسرى سابقين وفي شهادات مؤثرة، صرح الأسير السابق لدى حماس ساشا توربانوف قائلاً: "لا وقت أمام المختطفين في قطاع غزة"، مضيفاً أن "المسؤولين لا يستمعون لنا وغارات الجيش قد تصيب المختطفين"، وأن "العملية العسكرية في غزة تعرض حياة المختطفين للخطر". وفي تصريح صادم، قال الأسير السابق لدى حماس ميت سيجال: "المختطفون لا يخافون من حماس فحسب بل من غارات الجيش كذلك"، بينما أكد أسير إسرائيلي سابق آخر أن "انهيار المفاوضات سيمنع عودة باقي المختطفين". خلفية سياسية معقدة لكسر الهدنة تزامن استئناف العدوان على غزة مع توترات سياسية حادة داخل إسرائيل، إذ يواجه نتنياهو محاكمة بتهم فساد قد تؤدي به إلى السجن إذا أدين. وفي تطور لافت، وافقت المحكمة على طلب نتنياهو بعدم الحضور في جلسة استماع "بسبب تجدد الحرب"، حسبما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية. كما شهدت الأيام الأخيرة إعلان نتنياهو عن نيته إقالة رئيس جهاز الشاباك (الأمن الداخلي الإسرائيلي) رونين بار، بعد خلاف متصاعد بين الرجلين حول المسؤولية عن الإخفاقات التي سمحت بهجوم حماس المفاجئ في 7 أكتوبر 2023. أداة للمصالح السياسية اتهم محتجون في إسرائيل بنيامين نتنياهو بأنه أمر بالغارات الجوية التي حطمت وقف إطلاق النار في غزة يوم الثلاثاء لتوفير "غطاء" لحملة تهدف إلى تفكيك النظام الديمقراطي في إسرائيل والحفاظ على قبضته على السلطة. وقالت أورا بيليد نكاش، وهي ضابطة سابقة رفيعة المستوى في البحرية الإسرائيلية ومنظمة للاحتجاجات: "الحقيقة هي أن هذا الهجوم في غزة يُستخدم كأداة للمصالح السياسية. الطريقة التي يعملون بها هي خلق هذا التهديد الخارجي واتهام من يرفعون أصواتهم بأنهم معادون للديمقراطية". دعوات للعودة للتفاوض في ظل هذه التطورات المتسارعة، تتعالى الأصوات داخل إسرائيل الداعية للعودة إلى طاولة المفاوضات وإنهاء الأعمال العدائية. وقالت أييليت سفاتيتسكي، التي قُتل شقيقها ناداف بوبليويل أثناء احتجازه في غزة: "لا يزال من الممكن إعادتهم إلى الوطن، والذين لم ينجوا يستحقون أن يعودوا ويدفنوا بكرامة... يجب أن نعود إلى وقف إطلاق النار والمفاوضات، وضمان إطلاق سراحهم. الصفقة هي السبيل الوحيد لإعادتهم جميعاً. من فضلكم، لا تدعوا عائلات أخرى تعاني من نفس المصير الذي عانت منه عائلتي". وفي دعوة واضحة، طالبت عائلات الأسرى الإسرائيليين قائلة: "59 محتجز ما زال يمكننا إنقاذهم وعلينا فعل كل شيء لإعادتهم ولا سبيل لذلك إلا بصفقة"، مضيفين: "ندعو إلى وقف الحرب فوراً والتفاوض لإعادة أحبائنا جميعاً".