الصين قوة جديدة فى قلب إفريقيا.. وبكين أسقطت ديون 17 دولة مشروعات غربية معاكسة ل «الحزام والطريق».. وممر «لوبيتو» لن ينجح دول القارة الأغنى عالميًا «تحت الأرض» والأفقر «فوق الأرض»! رغم انحسار شمس الاستعمار التقليدى عن إفريقيا منتصف القرن العشرين، إلا أن ظلّه البغيض مازال يُثقل كاهلها، فتبدلت السيوف بالاتفاقيات، والجيوش بالقروض، لتتوالى حلقات مسلسل «التبعية الاقتصادية».. اقرأ أيضًا| سواء للصحة أو البيئة.. تعرف على الجانب المظلم لزيت النخيل لا تزال القارة السمراء تُستنزف ثرواتها التى تُنهب بحجة التنمية، وتُغرق فى ديون تُكرّس ارتهانها لقوى أوروبيةٍ تتلاعب بمصيرها كما يشاء مكرُها.. أرض تختزن تحت ترابها ذهبًا وألماسًا ويورانيوم ونفطًا بإجمالى 24 تريليون دولار من الموارد الطبيعية، مازالت هدفًا لأطماع القوى الكبرى لتحصد من وراء خيراتها أرباحًا طائلة بعد أن تعيد تصدير خاماتها إلى القارة نفسها فى صورة منتجات بأسعار مضاعفة!.. فالنيجر، التى تُزود ثلثى مفاعلات فرنسا النووية باليورانيوم، لا يتمتع أكثر من 10% من سكانها بالكهرباء!.. ورغم انتهاء الاحتلال الاستعمارى مع منتصف الخمسينيات وحتى عام 1975؛ فإن الفقر المدقع مستمر فى أسر 40% من الأفارقة، بما يجعل بلدان القارة تمثل أغنى دول العالم «تحت الأرض»، وأفقرها «فوق الأرض»؛ حسبما يصفها د. السيد فليفل أبرز المفكرين فى قضايا القارة، وأستاذ التاريخ الإفريقى، وعميد كلية البحوث والدراسات الإفريقية سابقًا، ورئيس لجنة الشئون الإفريقية بمجلس النواب سابقًا؛ فى حواره معنا؛ يأخذنا د. فليفل، فى رحلة لتحليل جذور تحدى التبعية التى فرضها الاستعمار ونهج المقاومة الذى تسلكه القارة فى المقابل. كيف تُقيم واقع القارة الإفريقية حاليًا فى التحرر من التبعية الاقتصادية للاستعمار؟ كانت الدول الاستعمارية الأوروبية التى استمر تواجدها فى البلاد الإفريقية فى فترات تتراوح بين عشرات السنين إلى 500 عام تستغل الموارد الطبيعية بشكل كامل دون أى اعتبار لحقوق شعوب القارة السمراء. وتقوم الدولة الأوروبية المستعمرة بتدشين خط سكك حديدية ينتهى بميناء على المحيط لنقل «نخيل الزيت» فى غرب إفريقيا إلى الدولة المستعمرة، وهناك يتم تصنيعه فى أشكالٍ متعددة من المنتجات كالروائح العطرية والصابون وغيرها، ثم يتم تصدير تلك المنتجات لبيعها داخل أسواق الدول الإفريقية مرة أخرى وتحصيل ثمنها مراتٍ مضاعفة لصالح الدولة الاستعمارية. كذلك الحال فى منتجات الكاكاو والبن والمطاط وغيرها. اقرأ أيضًا| بسبب الجفاف ودرجات الحرارة المرتفعة.. «ذهب الصحراء» في خطر! انعزال دول الجوار تعانى العديد من الدول الإفريقية انعزال عن بعضها رغم التماس الحدودى.. حدثنا عن دور الاستعمار فى تعظيم تلك العزلة بما يخدم مصالحها؟ اعتمد اقتصاد الدول الإفريقية على الدول الأوروبية سنواتٍ طويلة فى إعادة تصنيع المواد الخام سواء المعدنية أو الزراعية أو غيرها، وكان لزاماً على الدول الاستعمارية أن ترسم شبكة نقل تربطها بالدول التى بها مناطق غنية بالموارد الطبيعية، وكانت النتيجة بالمخالفة هى عدم وجود أى شبكات نقل تربط بين الدول الإفريقية وبعضها؛ وكذلك الحال بين السنغال وموريتانيا رغم أنهما دولتان تشتركان فى حدود واحدة، أو بين غينيا وغانا، كان من الأسهل لأى دولة منهم أن تُخرج منتجاتها إلى دولة الاستعمار القديم بسبب وجود شبكة اتصال متكاملة ونظام مالى يرتبط بالاستعمار مع الدول الإفريقية؛ لأن ذلك غير متاح بين الدول الإفريقية وبعضها البعض. مرّ على استقلال الدول الإفريقية عن الاستعمار أكثر من 60 عامًا .. ومع ذلك فسياسة التبعية ما زالت مستمرة، كيف نجحت شعوب القارة السمراء فى دحض آمال تلك السياسة؟ وهل نجحت بشكل كامل؟ أدركت الشعوب الإفريقية مؤخرًا أن سبب استمرار التبعية عندما لاحظت أن خطط التقدم والإصلاح التى تقدمها الدول الأوروبية كانت ترمى إلى تحقيق مصالحها الخاصة؛ بمعنى أنها سيناريوهات «مُصنعة فى أوروبا» تلعب فيها الشعوب الإفريقية دور «المستهلك» لمنتج مُعاد تصنيعه فى أوروبا من مواد خام أصلها إفريقى، وكانت خطط الإصلاح الأوروبية دومًا ما حرمت الدول الإفريقية من التصنيع. وبالفعل نجحت الشعوب الإفريقية فى التخلص من التبعية عبر الامتثال للقادة العسكريين الجدد الذين عهدوا بمقاومة الاستعمار الاقتصادى كالرئيس السنغالى «باسيرو ديوماى فاى» الذى تم انتخابه بعدما أعلن عزمه وقف «الانتهازية» الفرنسية ضمن برنامجه الانتخابى. وهى نفس المدرسة التى ينتمى إليها القادة العسكريون الشبان فى بوركينا فاسو ومالى والنيجر. اقرأ أيضًا| وزير الزراعة الماليزي : مصر استوردت مليون طن من زيت النخيل في 2023 حدثنا عن أبرز مظاهر التبعية الاقتصادية، ونماذج من نتاج التنمية الصناعية بعد التخلص منها؟ مظاهر التبعية الاقتصادية فى إفريقيا لا تنتهى، مثال الفرنك الإفريقى الذى تصدره فرنسا ل 14 دولة تتحكم من خلاله فى اقتصادياتها، كذلك وجود القواعد العسكرية بتلك الدول وغيرها مثال حى على الانتقاص من دور المؤسسة العسكرية فى كل منها. كذلك خروج إنتاج الدول بالكامل من المطاط والبن والكاكاو إلى أوروبا للتصنيع هناك ، ثم بيع تلك المنتجات داخل الأسواق الإفريقية، الأمر الذى يعنى أن يخسر الأفارقة الموارد ذاتها بالإضافة إلى تحمل فروق الأسعار. لكن بعد أن تم تصنيع منتج مثل: الرمال السوداء أصبحنا نحقق 20 ضعفاً عائداً إضافياً بدلاً من تصديره كمادة خام. اقرأ أيضًا| رئيس مجلس الأعمال المصري الماليزي: مصر بها فرص واعدة للاستثمار الحزام والطريق تحاول الصين لعب دور إيجابى فى إفريقيا على عدة مستويات أهمها: القطاع الاقتصادى.. ما أهم الوسائل التى اعتمدتها فى ذلك؟ اعتمدت الصين على تقديم ما هو مناسب لطموحات وآمال شعوب القارة السمراء من خلال توفير خاصية التصنيع داخل الدول الإفريقية ذاتها ضمن تحقيق تبادل الاستفادة للجانبين؛ الصينى والإفريقى، لقد طرحت بكين ما لم يقدمه أحد غيرها دون المنافسة مع أمريكا أو أوروبا، وبالفعل قدمت الصين لإفريقيا مبادرة واضحة هى «الحزام والطريق»، وترتكز على نقل السلع بين الجانبين الصينى والإفريقى باستخدام قطار يستغرق 15 يومًا بدلاً من 3 أشهر عبر البحر. وهى تأتى فى إطار التعاون المشترك وتخدم الأسواق الإفريقية وتحقق طموحات وآمال شعوبها فى الاستغلال الأمثل لمواردها الطبيعية ، إلى جانب ارتكازها على العمل بقوة فى مشروعات البنية التحتية رغم أنها مشروعات تتكلف فيها أمولاً طائلة وعائدها بطىء، وكل ذلك لتحقيق التصنيع داخل إفريقيا وهو الأمر الذى تعمد الاستعمار الأوروبى إغفاله.. اقرأ أيضًا| سفير إندونيسيا: مصر أصبحت دولة مركزية للصادرات والواردات إلى الدول الأفريقية مثلاً تجد أن الصين ضمن مبادرات أخرى تدشن خطط سكك حديدية بتمويل خالص منها بين زامبيا وتنزانيا بطول 1500كم. إفريقيا بها مئات اللغات المحلية إلى جانب اختلاف اللهجات بشكل كبير داخل الإقليم الواحد.. كيف ترى جهود الصين فى اختراق تلك الحواجز الثقافية الإفريقية؟ خلال زيارتى لبكين وجدت أن معهد اللغات الأجنبية يقوم بتدريس أكثر من 200 لغة تضم كل اللغات الإفريقية منها والسواحيلى والأمهرى والفرنسى وطبعًا اللغة العربية، بالإضافة إلى أن «التواضع» هو السمة الرئيسية للتكوين النفسى للصينيين كما هو الحال لدى الأفارقة، بعكس الفرنسيين أو الإنجليز الذين يتكبرون على الأفارقة. باختصار الصينيون هم «أبناء العالم الثالث». كما أن الصين تسافر تخاطب الأفارقة وتضع إمكانياتها بين أيديهم دون «وكلاء» لها فى المنطقة، بعكس الدول الاستعمارية القديمة التى اعتمدت إسرائيل وكيلاً لها فى مناسباتٍ عديدة. اقرأ أيضًا| ضبط 15 طن سكر وزيت ومقرمشات مجهولة المصدر بالقاهرة خطايا الغرب كيف تفسر المحاولات الغربية لمواجهة النفوذ الصينى فى إفريقيا؟ رغم أن الصين سبق لها أن وصلت إلى قلب أوروبا ولم يحدث أى انهيار فى الاقتصاد الأوروبى، كما أعلن الرئيس الصينى «شى جين بينج» أن بلاده ليست «عدواً» لأى قوى اقتصادية كبرى فى العالم، إلا أن هناك محاولات تحاول إجهاض أو على الأقل منافسة المبادرة؛ فبعض الدول الغربيةوأمريكا أشاعت أن الصين تريد أن تُحمّل الدول الإفريقية بالديون ثم تسيطر عليها، لكن المفاجأة أن قامت الصين بإسقاط ديون تُقدر بمليارات الدولارات مُستحقة على 17 دولة إفريقية، وإذا نظرت إلى الجانب الأوروبى والأمريكى فلن تجد أى مبادراتٍ بإعفاء الأفارقة من الديون المُستحقة لصالحهم. الخطيئة التى وقعت فيها أمريكا والغرب هى اتهام الصين بما فيها وهو «الاستغلال البشرى». أما الثانية فكانت إشاعة أن الدول الإفريقية لا تقدر على تصنيع ما لديها من موارد، الأمر يحتاج إلى خبرة وقدرة الأوروبيين، وانتهاج نمط استغلالى «متعجرف» يعمل على توفير دعم محدود لاقتصاديات الدول الإفريقية. هل هناك أى مبادرات أو مشروعات مماثلة أو منافسة ل «الحزام والطريق».. وما تقييمك لها؟ بالفعل أعلنت أمريكا والغرب عن مشروعات «معاكسة» بهدف إيجاد طرق بديلة للمبادرة، مثل: تدشين طريق يمر بالهند ثم الإمارات ثم السعودية ثم الأردن ثم فلسطينالمحتلة، هذا الطريق لن يُكتب له النجاح وليس له مستقبل، لأنه يشتمل على ممراتٍ بحرية وبرية ويمر من نطاقات جغرافية ليست مستقرة بسبب الحرب على غزة أو توترات سياسية كتلك الموجودة فى البحر الأحمر. المشروعات «المعاكسة» الغرض منها تشتيت العرب والأفارقة وإتاحة فرص متكررة لاتهام بعضها بزعم تضارب المصالح.. ولعل أقوى مثال هو مشروع ممر «لوبيتو» الذى أعلن عنه الرئيس الأمريكى جو بايدن منذ نحو سنتين، وحسب الإعلان الأمريكى هو عبارة عن خطط سكك حديدية يمر ب 4 دول إفريقية وهي: ( تنزانيا، والكونغو الديمقراطية، وزامبيا، وأنجولا)، لكن المشروع لم ينتج أى بارقة أمل أو حتى بادرة بتنفيذه. قوات «فاجنر» فى ظل التنافس على الشراكة مع إفريقيا.. هل تسعى روسيا لضمان دور لها إلى جوار الصين أو القوى الغربية؟ روسيا تختلف عن الصين فى كونها موجودة فى القارة الإفريقية منذ الحرب الباردة، وهى صاحبة فضل فى وجود واستمرار جيوش إفريقية مسلحة، والآن قوات «فاجنر» الروسية تحيى التسليح الروسى وتعيد ربط الجيوش الإفريقية ببعضها، وفى نفس الوقت تقوم بأعباء الجيوش الوطنية لحين امتلاكها القدرة على أداء مهامها والسيطرة على مقدرات الدولة، وهى تغطى نقفاتها بحصة من الموارد بشكلٍ مؤقت، وهى تلعب دور «المستشار العسكرى» لفترة مؤقتة. كيف ترى مستقبل إفريقيا خلال السنوات العشر القادمة فى ظل التحديات الاقتصادية الراهنة؟ مستقبل إفريقيا يتوقف على تقوية الاتحاد الإفريقى ودعم هيكله، والاعتماد على الدول الإقليمية التى تمتلك مقوماتٍ اقتصادية كبيرة مثل: مصر وجنوب إفريقيا ونيجيريا، وكذلك الدول التى تمتلك مقومات قوية فى مجال البنية الأساسية حتى يمكن نقل السلع والمنتجات بين المدن الإفريقية فى الداخل وليس للتصدير فقط. كذلك مصر التى دشنت سدًا فى تنزانيا خلال 3 سنوات فقط يُمكنها من زراعة ما يزيد على نصف مليون فدان وتوليد كهرباء بطاقة 2.8 ميجاوات، ما يُعد نموذجًا للنجاح المصرى.