عندما تأسس منتدى التعاون الصيني- الأفريقى فى عام 2000، بمبادرة من الصين، أخذت العلاقات الصينية- الأفريقية بعدا جديدا تمثل فى التعاون الجماعى الأفريقى مع الصين، بعد سنوات من العلاقات الثنائية بين الصين ودول أفريقيا وتاريخ من النضال المشترك فى فترة مقاومة الاستعمار والتحرر الوطني. والحقيقة أن العلاقات الدبلوماسية الصينية- الأفريقية، التى بدأت فى الثلاثين من مايو 1956، عندما أقامت مصر العلاقات الدبلوماسية مع الصين، شهدت منذ تأسيس منتدى التعاون الصيني- الأفريقي، عددا من المحطات الهامة، أبرزها وثيقة تأيسيس المنتدى فى عام 2000، والوثيقة التى أصدرتها الحكومة الصينية فى يناير 2006، والتى حددت فيها مبادئ وأهداف ومعالم سياستها تجاه أفريقيا؛ وقمة بكين لمنتدى التعاون الصيني- الأفريقى عام 2006 التى أعلنت خلالها الصين ثمانى مبادرات لأفريقيا شملت زيادة المعونات المقدمة للدول الأفريقية وإقامة صندوق لتشجيع الشركات الصينية على الاستثمار فى أفريقيا وإلغاء الديون عن بعض الدول الأفريقية وإقامة منطقة تعاون اقتصادى وتجاري، وتعزيز التعاون فى مجالات تدريب الموارد البشرية والزراعة والصحة والتعليم. هذه المبادرات تم تنفيذها جميعا برغم الأزمة المالية العالمية التى اجتاحت دول العالم ومنها الصين؛ وقمة جوهانسبرج لمنتدى التعاون الصيني- الأفريقى فى ديسمبر 2015، والتى أعلن فيها الرئيس شى جين بينج عن أكبر حزمة دعم مالى لأفريقيا مقدمة من الصين، شملت ستين مليار دولار أمريكى لمشروعات التنمية، وإلغاء بعض الديون ودعم الزراعة وفق خطة مدتها ثلاث سنوات. واللافت فى هذا الإطار هو الاهتمام الصينى الكبير بتنمية الموارد البشرية الأفريقية، فلا يكاد يمر يوم إلا وتستقبل المدن الصينية وفودا أفريقية معظم أعضائها من الشباب لتدريبهم فى مجالات متنوعة، وقد تجاوز إجمالى عدد الأفارقة الذين تلقوا تدريبات فى الصين خمسة آلاف دارس، مقارنة مع عشرات الطلاب فقط قبل تأسيس منتدى التعاون الصيني- الأفريقي. وإذا كانت التجارة تعد أحد أهم مؤشرات تطور ومتانة العلاقات بين أى طرفين دوليين، فإن نمو حجم التبادل التجارى بين الجانبين الصينى والأفريقى خير شاهد على الدفعة الكبيرة التى شهدتها العلاقات الصينية- الأفريقية، فقد كان حجم التبادل التجارى بينهما عشرة مليارات دولار أمريكى فى عام 2000، وصل فى عام 2017، وفقا لإحصاءات الجمارك الصينية، إلى مائة وسبعين مليار دولار أمريكي، منها صادرات صينية إلى أفريقيا قيمتها حوالى 95 مليار دولار أمريكى مقابل صادرات أفريقية إلى الصين قيمتها أكثر من 75 مليار دولار أمريكي، مع تراجع الفائض التجارى للصين بنسبة 45% تقريبا مقارنة مع العام السابق. تأتى قمة بكين 2018 لمنتدى التعاون الصيني- الأفريقي، بعد تطورات تهيئ لتعاون أوسع بين الجانبين، وخاصة فى ظل مبادرة «الحزام والطريق» التى تتبناها الصين وشاركت فيها دول أفريقية عديدة، وفى أعقاب قمة دول «بريكس» فى جنوب أفريقيا التى عقدت تحت عنوان «بريكس فى أفريقيا.. التعاون من أجل المشاركة فى النمو الشامل وتقاسم الرخاء فى الثورة الصناعية الرابعة». لا غرو أن تزايد الوجود الاقتصادى الصينى فى أفريقيا أثار اهتماما دوليا خلال السنوات الماضية، خاصة أن هذا الوجود لم يصحبه نفوذ سياسى ملموس، فالصين لديها طموحات سياسية قليلة فى أفريقيا، وتتعاون مع مختلف الأنظمة السياسية والاجتماعية فى القارة السمراء، وتقدم معونات غير مشروطة لكافة دول القارة، وتركز مشروعاتها فى أفريقيا على البنية الأساسية مثل الطرق والسكك الحديدية ومحطات الطاقة والمياه، وغيرها من المشروعات التى يستفيد منها عامة الشعب. فى قمة جوهانسبرج لمنتدى التعاون الصيني- الأفريقى 2015، أعلن الرئيس الصينى شى جين بينج أن بلاده وإفريقيا رفعتا العلاقات الثنائية بينمهما إلى شراكة تعاون إستراتيجية شاملة، وفتح مرحلة جديدة فى التعاون المربح للطرفين والتنمية المشتركة. وأعلن شى أيضا عن عشر خطط كبرى لتعزيز التعاون المربح للطرفين، وتخصيص ستين مليار دولار أمريكى للتنمية فى أفريقيا، مؤكدا أن بلاده تسعى لإقامة علاقات مع دول أفريقيا تقوم على المساواة. وكان شى قد أعلن فى سبتمبر 2015، فى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، عن تأسيس صندوق لدعم تعاون الجنوب- الجنوب وتوفير مليارى دولار أمريكى للمرحلة الأولى لدعم الدول النامية فى تنفيذ أجندة التنمية لما بعد 2015. ومواصلة الاستثمار فى الدول الأقل نموا لتبلغ قيمة استثمارات الصين اثنى عشر مليار دولار أمريكى بحلول عام 2030. التعاون بين الصين وأفريقيا يستند إلى جملة حقائق، منها: الأولى، أن الصين تنتهج سياسة براجماتية ولكنها ليست نفعية، ومن ثم فإن الصين عندما تكثف تعاونها وعلاقاتها مع أفريقيا، تريد تحقيق مصالح جوهرية ومكاسب حقيقية لها، ولكن فى ذات الوقت تحقيق مصالح ومكاسب للطرف الآخر بتعظيم الاستفادة من إمكانيات كل طرف. وفى الحالة الصينية- الأفريقية، تتمتع الصين بمزايا نسبية فى مجال التقنيات ورأس المال والخبرات الفنية، وتتمتع أفريقيا بتفوق فى الموارد الطبيعية وإمكانات التنمية والتطوير والأسواق. ثانيا، أن الصين لا تنظر إلى أفريقيا من منطلق المصلحة الاقتصادية فحسب، وإنما أيضا من منظور شامل فى إطار إستراتيجى أوسع كثيرا، يشمل مجالات التعاون السياسى على الصعيد الدولى وتأمين إمدادات الطاقة ومكافحة الإرهاب والأعمال الهدامة. إن تعاظم قوة الصين يعنى توسع إطارها الإستراتيجى ليشمل نطاقات أبعد من محيطها الآسيوى وتعتبر أفريقيا، لأسباب عديدة، مجالا حيويا للصين أكثر لينا وأقل مشكلات من مناطق أخرى قد تكون أقرب جغرافيا منها. ثالثا، أن تاريخ العلاقات الصينية- الأفريقية، قديما وحديثا، لم يعرف أى خلافات جوهرية وليس للصين تاريخ استعمارى فى أفريقيا، ومن ثم فإن علاقات الطرفين تخلو من الحساسية والمخاوف والشكوك. رابعا، أن هناك تكاملا مثاليا لاقتصادات الطرفين، حيث تتوفر تقريبا لدى كل منهما احتياجات الآخر، فالصين لديها رأس المال والتقنيات وتمر بمرحلة نمو اقتصادى فى حاجة إلى موارد عديدة، وأفريقيا أرض بكر للاستثمارات ومتعطشة لتقنيات تناسب ظروفها وتحتاج إلى شريك دولى يستثمر وينمى ويطور مواردها دون أن تكون له مطامع أبعد من الاستفادة الاقتصادية المشتركة. الصين تريد من أفريقيا شريكا دوليا يعتمد عليه، وتحتاج الموارد الأولية المتوفرة فى أفريقيا وفى مقدمتها النفط، وتريد مجالا أرحب لاستثمار فوائضها المالية الضخمة وأسواقا لكثير من منتجاتها. ولكن الصين لا تريد ، كما فعلت القوى الاستعمارية الغابرة، أن يكون لها وجود يحمل أى صفة استعمارية ولا تسعى إلى فرض نفوذها وتوجهاتها ومبادئها ونظمها الاجتماعية أو السياسية أو الثقافية فى أفريقيا. الصين تريد علاقة تحقق الربح المشترك، ولهذا فإن المحاولات الغربية والادعاءات بأن الصين تمارس استعمارا جديدا فى أفريقيا لم تفلح فى أن تجد من يسمع لها فى أفريقيا. إن الشعوب الأفريقية التى ذاقت مرارة الاستعباد والاستعمار واستنزاف مواردها، صارت من الوعى والفطنة بحيث يمكنها أن تميز بين من يأتيها رافعا شعارات براقة ويضمر أهدافا خفية، ومن يأتيها طالبا المشاركة فى ثمار التنمية.