يعد منتدي تعاون الصين إفريقيا, الذي أعلن عن تدشينه مطلع الألفية الجديدة, إحدي الآليات التي طورتها الصين لتنسيق التعاون الاقتصادي مع الدول الإفريقية. واتسعت عضويته لتشمل في الوقت الراهن نحو53 دولة إفريقية. وقد ركز في بادئ الأمر علي قضايا المساعدات التنموية والتبادل التجاري وتخفيف عبء المديونية وتبادل الخبرات فيما يتصل بإعداد وتأهيل الأيدي العاملة والتدريب البشري. وبمرور الوقت, أضحي المنتدي بمثابة منصة شاملة لتعزيز التنسيق حول قضايا الأمن والتنمية والتصنيع في مختلف القطاعات وتمويل المشروعات والصحة وخفض الفقر وغيرها من المجالات. وهي قضايا شكلت مرتكزات أساسية للبحث والنقاش إبان القمتين السابقتين للمنتدي وهما قمة بكين في عام2006 وقمة جوهانسبرج في عام.2015 وثمة مبادئ أساسية يستند إليها منتدي تعاون الصين إفريقيا وفقا لتصريحات الجانب الصيني, وهي مبادئ الإخلاص وحسن النية وقيم الصداقة والمنفعة المتبادلة فضلا عن التأكيد غير ذي مرة علي عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الإفريقية, أو بمعني آخر, نفي أي مزاعم تتعلق بالرغبة الصينية في بسط الهيمنة علي الساحة الإفريقية أو إملاء إرادتها علي الدول الإفريقية. وهي مبادئ دائما ما يجري التأكيد عليها مرارا في محاولة لطمأنة الدول الإفريقية منذ أن أصدرت بكين, ولأول مرة, وثيقة سياسات الصين إزاء إفريقيا مطلع عام.2006 واستطاعت الصين, وفقا لتلك المبادئ المعلنة, أن تقدم طرحا مغايرا للطرح الذي درجت القوي الكبري ومؤسسات بريتون وودز علي الأخذ به في سياستها تجاه الدول الإفريقية, والذي جعل من المشروطية السياسية والاقتصادية عنوانا له; إذ تصف الصين نفسها باعتبارها أكبر الدول النامية تولي الاهتمام الأكبر لتوطيد تعاون جنوب جنوب كأبرز دوائر حركة السياسة الخارجية الصينية, وترفع شعار العولمة التنموية. وانطلقت الصين توظف أدوات عدة, في طليعتها الأداة الاقتصادية, في إستراتيجية مكتملة الأركان لأجل تعزيز دورها الاقتصادي في إفريقيا ليكلل الأمر بالنجاح حينما تمكنت الصين من الإطاحة بالولايات المتحدة كأكبر شريك تجاري للقارة لتصبح الصين الشريك التجاري الأكبر لإفريقيا في عام2013 بحجم تبادل تجاري قدر آنذاك بنحو200 مليار دولار. وينمو حجم التبادل التجاري الصيني الإفريقي بمعدل19% سنويا. فضلا عن الاستثمارات الصينية المباشرة في مجالات التعدين والتصنيع والموارد الطبيعية, والتي قفزت بنسبة64% في الربع الأول لعام2017, وسجلت دول منها جيبوتي والسنغالوجنوب إفريقيا زيادة أكثر من100% في الفترة ذاتها. ويدلل انعقاد قمة منتدي تعاون الصين إفريقيا في هذا التوقيت بعد مضي فترة قصيرة علي الجولة الإفريقية التي اضطلع بها الرئيس الصيني شي جين بينغ في21 يوليو المنقضي, وشملت كلا من السنغال ورواندا بالإضافة إلي دولة جنوب إفريقيا حيث عقدت القمة العاشرة لمجموعة بريكس, علي عظم الأهمية التي تحظي بها القارة السمراء في الإستراتيجية الصينية. وهي أهمية استدعت حراكا دبلوماسيا صينيا نشطا في الآونة الأخيرة مما أفضي إلي نشر قرابة52 بعثة دبلوماسية صينية في ربوع القارة, ونحو79 زيارة رفيعة المستوي تبادلها الجانبان الصيني والإفريقي في الفترة2007 .2017 ومن المأمول أن تخلق مثل تلك الفعاليات, جنبا إلي جنب مع الزيارات المتبادلة, قنوات ليس فقط لتعزيز التنسيق حول قضايا التنمية والتعاون الاقتصادي والأمن, وإنما أيضا لتسوية بعض القضايا العالقة بين الطرفين بما يحقق المنفعة المتبادلة والمصلحة المشتركة. ولعل أبرزها أزمة الديون الإفريقية الجديدة, والتي بدأت تثقل كاهل دول إفريقية عدة, رغم جدولة بكين لكثير منها, منها كينيا, والتي بلغت ميدونتها للصين نحو57% من إجمالي دينها الخارجي. فضلا عن تفعيل الالتزام الصيني بالحصص المقررة لتوظيف الشباب الإفريقي في المشروعات التي تنهض الصين بتدشينها في إفريقيا درءا لاستفحال أزمة البطالة في القارة. ومن القضايا الجديرة بالاهتمام والنقاش أيضا, سياسة الإغراق الصينية; فالسوق الإفريقية أضحت تعج بالمنتجات الصينية. الأمر الذي يؤثر سلبا علي الصناعة المحلية الوليدة التي لا تصمد منتجاتها كثيرا أمام المنافسة الصينية. وتوفر القمة المقبلة فرصة سانحة لبحث ومناقشة هذه القضايا بشفافية; وذلك لتذليل أي عقبات أمام التعاون الصيني الإفريقي ودفعه للمضي قدما كنموذج يحتذي به لتعاون دول الجنوب.