تشهد القارة السمراء منذ عقد من الزمان صراعا مريرا علي مواردها, تلك القارة التي تركها الاستعمار التقليدي الغربي بعد أن نهب ثرواتها الطافية علي السطح. ممزقة بين المرض والفقر والجهل التي أورثتها نظما دكتاتورية أشعلت القارة صراعات مسلحة علي مدار القرن الماضي, وبعد أن بدأت بعض شعوبها في مسيرة تنمية وقضاء علي الصراعات المسلحة في ليبريا والكونغو وسيراليون وأوغندا وبورندي وإثيوبيا والسودان علي سبيل المثال, وتحقيق هذه الدول لنمو اقتصادي معقول, جاءها نوع جديد من الاستعمار الاقتصادي يريد نهب الباقي من ثرواتها التي مازالت هائلة في مجالات الزراعة والتعدين والبترول والطاقة والسياحة وحتي صيد الأسماك. إفريقيا التي نقصدها تلك المشار إليها في تقارير المؤسسات الدولية بدول جنوب الصحراء الكبري, حيث ظهر أخيرا تكالب الدول الكبري عليها بمجموعة من المبادرات الاقتصادية, كانت الصين أولها منذ2001, بعد أن كان الغرب علي رأسه الولاياتالمتحدة يلعب وحده في هذه الساحة الخالية, وتلي الصين قوي أخري. وبدأ الصراع جليا بين كل من الولاياتالمتحدة والصين, فتحت عنوان مبادرة إفريقيا الكبري, قالت الولاياتالمتحدة إن هناك أسبابا عديدة لكي تكون القارة السمراء أولوية أولي للولايات المتحدة في القرن الحالي, فبعد أن وصفت مجلة الإيكونومسيت إفريقيا بالقارة الميئوس منها في2000, عادت ووصفتها بأنها قارة الأمل في2011, ذلك لأن دول جنوب الصحراء أصبحت مكانا لأسرع الاقتصاديات نموا في العالم لأنها أصبحت مناخا جاذبا للاستثمار وأن التغييرات الديمقراطية في الحكم والتنمية الاقتصادية ساعدت علي ذلك, خاصة في مجالات الخدمات وتكنولوجيا المعلومات مما أثر علي الطبقة المتوسطة في شعوب هذه الدول وأصبحت هذه الدول سوقا كبيرا لاستهلاك السلع والمنتجات الغربية بالإضافة إلي الاستثمار في المواد الخام لهذه الدول التي يحتاجها الاقتصاد الغربي الذي سال لعابه عليها من جديد إثر حاجتها لاستمرار نموه الاقتصادي بعد أزمته المالية في.2008 تقول الدراسات الغربية إنه بعد سيطرة القوي الاستعمارية الغربية علي ثروات القارة السمراء, وبعد التحولات التي شهدتها دولها, ظهر لاعبون آخرون جدد أهمها الصين والهند وروسيا والبرازيل وتركيا وإيران علي الترتيب وعلي ذلك فإن علي الولاياتالمتحدة أن تقتنص هذه الفرص الواعدة مدعية أن استثمارات الولاياتالمتحدة التي وصلت إلي104 مليارات دولار مازالت صغيرة جدا, وأن عليها أن تعمق ارتباطها بالقارة في ظل بداية تشكل اقتصاديات هذه الدول وتراكيبها في الحكم والإدارة التي لم تستقر بعد وأنه بقدر ما تستفيد إفريقيا من الولاياتالمتحدة بقدر أكبر ستستفيد الولاياتالمتحدة منها. الصين التي تخشي الولاياتالمتحدة من تغلغلها في القارة, تصفها الولاياتالمتحدة بأن لها دورا يتزايد بشكل خطير في السياسة والتنمية الاقتصادية والأمن في القارة, حيث بدأت بتنمية العلاقات الدبلوماسية والسياسية مع دول القارة التي لها طموح أيدولوجي يقوم علي الترابط بين دول العالم الثالث ومنذ2001, تتسارع خطي الصين في المجال الاقتصادي مركزة علي الموارد الطبيعية الغنية لبعض الدول الإفريقية لكي تغذي النمو الاقتصادي الصيني, حيث عملت بمبدأ الموارد مقابل التنمية واستفادات من فائضها المالي في الاستثمار بتوسع في مشروعات البنية الأساسية في إفريقيا مقابل استخراج الموارد الطبيعية ثم العودة بشركات الخدمات وإعادة تصدير العمالة من خلال مشروعات كثيفة العمالة مثل الحديد والصلب ودعم القضايا الإفريقية في المحافل الدولية لبناء سمعة صينية في القارة علي أنها شريك مسئول عند دخول الدول الإفريقية الأخري ذات الموارد الأقل. وتتهم الولاياتالمتحدة الصين, بأنها في سعيها الأناني نحو استغلال موارد القارة السمراء, فإنها تغفل بناء ما تسميه الحكم الرشيد والعدالة والاستدامة في هذه التنمية, وأنها, أي الصين, رغم أنها ستكسب علي المدي القصير, لكنها ستترك نتائج سلبية علي المدي الطويل علي اقتصادها واقتصاد القارة, بينما تقول الصين إن الولاياتالمتحدة تهمل القارة الإفريقية سياسيا واقتصاديا, وأنها جاءت من أجل خير القارة وتعتبر ذلك الولاياتالمتحدة تهديدا صريحا لدورها في هيمنتها علي العالم, حيث تعتبر أن دخول الصين لإفريقيا له تأثيرات جيوسياسية عميقة, لأنها في ظل انشغال الولاياتالمتحدة بإعادة التوازن في منطقة المحيط الهادي وآسيا, وصعوبة تغلغل الصين في هذه المنطقة, فإنها في المقابل نقلت جهدها إلي جنوب آسيا ومنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا, لإيجاد مساحات للتأثير السياسي والاستراتيجي. وتقول الدراسات: إن علي الولاياتالمتحدة أن تتعاون مع الصين في تقديم المساعدات والتكنولوجيا والدعم الفني في مجالات الرعاية الصحية والطبية والزراعية وأن تحاول الولاياتالمتحدة استغلال تأثيرها السياسي والدبلوماسي وقوتها الناعمة في التخفيف من الأثر السلبي للتوجه الاقتصادي الصيني الخطير وأن تعمق جهودها التعليمية في القارة لمساعدة الإفريقيين علي تكوين رؤية بعيدة الأمد حول خطورة الاستعمار الصيني الجديد الذي يتخذ من التنمية الاقتصادية شعارا لتدخله, مع إعاقة تغلغلها بإشراكها في الملف الأمني في القارة مثل جنوب السودان علي سبيل المثال. ويبدو أن تكرار وصف القرن الواحد والعشرين بأنه قرن إفريقيا من قبل مبيكي رئيس جنوب إفريقيا و دلاماني زوما رئيسة مفوضية الاتحاد الإفريقي لن يكون في صالحها من حيث إنه يعني أن يعم القارة السمراء السلام والرخاء الاقتصادي والنهضة الحضارية, وربما يعني حسب نفس الوصف من قبل كل من ديف أوريلي رئيس شركة شيفرون العالمية في إنتاج الطاقة والغاز, و أو نيل وزير الخزانة الأمريكي, وصولا إلي ديفيد كاميرون وأوباما وحتي رئيسة كوريا الجنوبية, من أنها ستشهد رافدا لاستمرار نهب القوي الكبري لثرواتها علي حساب شعوبها.