تناولنا بالعرض فى مقالنا السابق أهم أسباب ودوافع التنافس الدولى على القارة الأفريقية موضحين أهمية تلك القارة لكثرة الموارد الطبيعية ومن أهمها الطاقة والنفط والغاز والمياه والمواد الأولية والمعادن النادرة التى حباها الله بها، والتى تُعدْ بمثابة الركائز الرئيسية لاشتداد عوامل التنافس بين القوى الكبرى والدول المستهلكة لهذه الموارد فى ظل ازدياد الطلب العالمى وتقلص نسبة الاحتياطيات العالمية، إضافة لكون العديد من دول القارة تُعدْ أسواقاً رائجة لتجارة السلاح، واليوم نعرض لأهم الأساليب التى تتبعها تلك القوى لتحقيق أهدافها بغية التواجد والسيطرة على موارد القارة الأفريقية، والتى سنخلص منها إلى أن تدافع القوى غير العربية على أفريقيا جاء نتيجة لحالة الضعف والانقسام العربى مما يشكل تهديداً لا يمكن إغفال تأثيراته على المديين المتوسط والبعيد على نظام الأمن القومى العربى فى امتداده وبعده الأفريقى، كما أنه من الواضح أن الصراع الدولى والإقليمى على أفريقيا يجرى فى ظل غياب تام للتأثير العربى بشكل عام والمصرى بشكل خاص، حيث تجدر الملاحظة بأن التغلغل الإسرائيلى فى أفريقيا يُشكل على الدوام جزءًا من الصراع العربى الإسرائيلى وجزءًا من نظرية الأمن الإسرائيلية القائمة على التفوق العسكرى ومحاولة اكتساب الشرعية والهيمنة وتطويق البلدان العربية خصوصاً مصر وحرمانها من أى دور داخل القارة الإفريقية وعلى هذا يظل التساؤل حائراً « أين أنت يا مصر من كل ذلك؟!! وفيما يلى عرضنا اليوم : أولاً: الولاياتالمتحدةالأمريكية:/U/ تزايد اهتمام الولاياتالمتحدة بالقارة الأفريقية عندما ارتفعت وارداتها النفطية من منطقة غرب أفريقيا من 15 % قبل حوالى خمس سنوات إلى 20 % من إجمالى وارداتها النفطية حالياً ومن المتوقع وصولها إلى 25 % عام 2015، حيث انعكس تزايد الإهتمام الأمريكى لحماية مصالحها بالقارة الأفريقية فى شكل: - تقديم الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ ستينيات القرن الماضى أكثر من 50 مليار دولار لدول جنوب الصحراء كمنح ومساعدات فى سبيل حماية وتعزيز المصالح الأمريكية والنفوذ الأمريكي. - ممارسة أنواع من الضغوط على البلدان الأفريقية من أجل عقد اتفاقيات دائمة للتجارة الحرة بغية تحرير تجارة السلع والخدمات والحد من العوائق الاستثمارية. - فى ظل تزايد اهتمام الصين بالتواجد بالقارة الأفريقية والذى عرف نمواً مطرداً فى عدة بلدان إلى جانب العلاقات الصينية الإفريقية المتنامية، فقد حاولت الإدارة الأمريكية بدءًا من عام 2007 إقناع دول المغرب العربى والساحل الإفريقى بإقامة قواعد عسكرية أمريكية فيها، لكنها تخلت عن ذلك مقابل إقامة مقر قيادة أركان مشترك « أفريكوم''. - إرسال قوات أمريكية أوائل حقبة تسعينيات القرن العشرين إلى أكثر من بلد إفريقى إلا أنه وبعد فشل التدخل العسكرى فى الصومال عام 1993 تم الامتناع عن المشاركة بقوات فى عمليات حفظ السلام فى دول القارة وانحصر الدور الأمريكى على تقديم دعم مالى ولوجيستى لبعض تلك العمليات. - سرعان ما تغير الأمر بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001، فعادت الولاياتالمتحدة إلى الاهتمام والتدخل المباشر فى شئون القارة فى إطار الحرب العالمية على الإرهاب. فأقامت عام 2002 قاعدة عسكرية فى جيبوتى فى إطار القوات الخاصة وقوة المهام المشتركة لمنطقة القرن الإفريقى، إلى جانب القيام بتدريب القوات المسلحة لدول فى المنطقة فى مجالات مكافحة الإرهاب. - تبنى مبادرة لدعم قدرات كل من النيجر ومالى وموريتانيا وتشاد لحماية حدودها ومنع تسلل الإرهابيين وتهريب الأسلحة والمخدرات، ثم توسيع هذه المبادرة عام 2005 لتشمل عشر دول أخرى فى المنطقة ضمن مبادرة أكبر لمكافحة الإرهاب. - إعلان تشكيل قيادة عسكرية أمريكية موحدة للقارة الإفريقية فى فبراير 2007 والذى عكس تزايد الاهتمام الأمريكى بالقارة الأفريقية لاحتمالات الصراع المستقبلى عليها وفيها والذى يرتبط بشكل وثيق بالتنافس على النفط والمواد الأولية الأخرى. ثانياً: الصين: /U/ - يرجع اهتمام الصين بقارة أفريقيا إلى ستينيات القرن الماضى، وبعد انتهاء الحرب الباردة وتحول الصين إلى قوة إقتصادية عظمى، حيث وضعت الصين نصب أعينها الإهتمام بمجالات التجارة والاستثمار والطاقة كسبيل أساسى لتوسيع نفوذها فى دول القارة من أجل تأمين إمداداتها من الموارد الطبيعية، ولمواجهة النفوذ السياسى والاقتصادى الغربى ولتوسعة نفوذها على الصعيد العالمى، مستندة إلى قوتها وقدرتها الاقتصادية المتنامية بقوة حيث تمكنت خلال سنوات معدودة من أن تصبح الشريك التجارى الأول لعدد واسع من الدول الأفريقية. - تضاعف حجم تجارة الصين وأفريقيا ليصل لحوالى عشرة أضعاف ما سجله خلال العام الأول من الألفية الثالثة، حيث سجل عام 2009 حوالى 107 مليارات دولار الأمر الذى يعبر عن نجاح التوجه الصينى نحو القارة، إضافة لعرض النموذج التنموى الصينى بوصفه مثالاً يُحتذى به من قبل الآخرين. - أدى تزايد الطلب المحلى الصينى على الطاقة لمسايرة متطلبات التنمية والذى تزامن مع انخفاض المنتج محلياً من البترول والفحم، إلى البحث عن مصادر خارجية لمواجهة إحتياجات الطاقة حيث أصبحت الصين ثانى أكبر مستهلك للنفط فى العالم بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية. - تشير التقديرات إلى أن حوالى ربع واردات الصين النفطية تأتى من أفريقيا، الأمر الذى جعلها تضع فى أعلى سلم أولوياتها الاحتفاظ بعلاقات قوية مع الدول الأفريقية الموردة للطاقة وذلك من خلال المشروعات الاستثمارية والاهتمام بالوفود والزيارات المشتركة، إضافة للالتزام بسياسة عدم التدخل فى الشئون الداخلية لتلك الدول. ثالثاً: إسرائيل:/U/ - بدأ التغلغل الإسرائيلى فى القارة الأفريقية منذ عدة عقود من خلال العديد من الأساليب السياسية والاقتصادية والثقافية، وذلك فى إطار إستراتيجية تطويق الدول العربية خصوصاً مصر والسودان وإبعاد الدول الأفريقية عن الصراع العربى الإسرائيلى وإثارة مخاوف تلك الدول من المد الإسلامى والحركات السياسية الإسلامية - تستند إسرائيل فى تغلغلها الإفريقى إلى شراكتها الاستراتيجية مع الولاياتالمتحدةالأمريكية والتى ضمنت لها حرية الحركة فى علاقاتها مع الدول الأفريقية، مما نتج عنه وكمثال فتح أبواب اقتصاد العديد من تلك الدول أمام الشركات الإسرائيلية كما أسفر أيضاً عن إقامة علاقات دبلوماسية مع حوالى 90 % من الدول الأفريقية 20 % منها بدرجة سفير. - تحاول إسرائيل إستغلال معاناة أغلبية دول القارة من تأثيرات المجاعة والفقر والتخلف لتقديم نفسها كدولة صديقة يمكنها تخليص الآخرين من الاضطهاد وتحقيق التنمية والتقدم. - يمثل البحر الأحمر أهمية قصوى للحفاظ على المصالح الإسرائيلية والاستراتيجية والاقتصادية وتجارتها مع دول أفريقيا وآسيا واستراليا، إضافة لسعيها لفتح أسواق جديدة لمنتجاتها والتمكن من الحصول على امتيازات للتنقيب عن البترول والسيطرة على الصناعات الاستخراجية والمواد الأولية الأفريقية واستغلال الثروات الطبيعية مثل اليورانيوم فى النيجر والألماس فى الكونغو وسيراليون وغانا، مما نتج عنه تحكم إسرائيل تقريباً فى تجارة معدن الألماس الأفريقى. - على الرغم من اختلاف تقديرات حجم التبادل التجارى بين إسرائيل وأفريقيا فإن معظمها يؤكد تجاوزه لحاجز المليارى دولار، وقد عكست زيارة وزير الخارجية الإسرائيلى إلى إثيوبيا وكينيا وغانا ونيجيريا وأوغندا فى سبتمبر 2009، مدى اهتمام إسرائيل بتطوير التعاون مع دول القارة الأفريقية حيث أسفرت الزيارة عن الاتفاق على تأسيس العديد من مشروعات اقتصادية مشتركة مع هذه الدول، وتوقيع اتفاقيات لتدعيم التعاون فى مجالات مختلفة كالزراعة والصحة والتعليم.