انتهجت الولاياتالمتحدة سياسة مستقلة تجاه افريقيا من خلال التركيز علي الدبلوماسية كأداة للاختراق وهو ما أكدته زيارة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري للعاصمة الأثيوبية أديس أبابا للمشاركة في الاحتفال بالذكري ال50 لإنشاء الاتحاد الإفريقي. والتي يري كثير من المراقبين إنها مؤشر واضح للأطماع الأمريكية في القارة السمراء والتي اتخذت أشكالا مختلفة خلال العقود الماضية بعد انتهاء سياسة الاستعمار التقليدي, حيث تسعي إدارة أوباما لتوسيع نفوذ الولاياتالمتحدة في القرن الأفريقي حتي لا تستأثر بها الصين. وتتكشف الأهداف الأمريكية من خلال حث كيري للشركات الأمريكية علي الاستثمار في إفريقيا كشكل من أشكال الدبلوماسية التجارية للتسلل إلي القارة الأفريقية. ويأتي التأثير علي منابع المياه أبرز الأهداف غير المعلنة للسياسة الأمريكية خاصة منطقة النيل الأزرق, بالإضافة إلي سياسة أوباما تجاه حركات التمرد الأفريقية والتي يسعي من ورائها لزعزعة الأمن والاستقرار في القارة حتي تدعم التواجد الأمريكي العسكري والاقتصادي, وكانت مشاركة واشنطن في النزاعات داخل القارة بدء من السودان وحاليا في مالي متعاونة مع فرنسا دليلا آخر علي الاستمرار في السياسة الأمريكية الواضحة للسيطرة علي إفريقيا وذلك من خلال إشاعة خطر حرب العصابات في القارة السمراء والتي تتخذها الولاياتالمتحدة ذريعة لمتابعة تدخلها في جميع أنحاء افريقيا. ووفقا لمسئولي الاستخبارات الأميركية فإن وزارة الدفاع تقوم بشن هجمات في أجزاء متفرقة من القارة من بينها مالي والنيجر وحسبما أكدت صحيفة نيويورك تايمز فإن واشنطن تقوم بإنشاء قاعدة عسكرية بالنيجر للطائرات بدون طيار بها نحو300 جندي أمريكي تقول وزارة الخارجية أنها تستخدم لمهمات الاستطلاع فقط فيما أوضحت الصحيفة أنها لا تستبعد إجراء ضربات صاروخية في بعض المناطق الإفريقية. والمثير للتساؤل أيضا هو حضور الرئيس الفرنسي فرنسوا أولاند وهو رئيس الدولة الأوروبية الوحيد الذي حضر القمة الافريقية وخاصة أن فرنسا تتدخل عسكريا منذ أربعة أشهر في مالي لصد المتمردين في الشمال وذلك بدعم أمريكي. وفي تحول ملحوظ اتجهت الخارجية الأمريكية إلي الاهتمام بالأزمات التي تواجه الولاياتالمتحدة في أفريقيا, وهو ما أكده حضور كيري لقمة الاتحاد الافريقي في إثيوبيا حيث عقد سلسلة من الاجتماعات الثنائية مع قادة الدول الأفريقية بما فيها إثيوبيا, نيجيريا, ومصر قبل أن يتوجه إلي الأردن لحضور المنتدي الاقتصادي العالمي. وأشارت صحيفة هافنجتون بوست إلي أن مسئولين أمريكيين يؤكدون أن فحوي الزيارة الخاطفة لكيري إلي أفريقيا توضح قلق واشنطن من التنمية الاقتصادية, وقضايا السلام والأمن في القرن الافريقي وذلك قبيل زيارة أوباما في يونيو المقبل إلي تنزانيا وجنوب افريقيا والسنغال الشهر المقبل, حيث تهتم أمريكا بالانتخابات القريبة في القارة والأزمة الحالية في مالي, وتوسيع نفوذ العناصر المرتبطين بالقاعدة في الدول المجاورة لمالي, وأيضا استمرار التوترات بين شمال وجنوب السودان, والتي تؤثر علي أسواق النفط العالمية وهي القضايا التي تعرض لها كيري في مناقشاته مع القادة الإفريقيين. وفي خطوة غير مسبوقة قام كيري بتعيين مبعوث خاص للسودان بهدف معلن هو المساعدة في التوسط في حل الاشتباكات بين السودان وجنوب السودان كمؤشر واضح علي اهتمام أمريكا بالتواجد في خضم المشكلات الرئيسية للقارة. واللافت للنظر أن كيري ناقش قضايا الشرق الأوسط خاصة مصر, والتي يأمل في أن تلعب دورا رئيسيا في تعزيز خطط السلام الجديدة بين فلسطين وإسرائيل, وكانت اجتماعاته محصورة بين جهود صنع السلام في إسرائيل والضفة الغربية والأردن وسوريا حيث طلب من الرئيس المصري محمد مرسي أن يبذل جهوده في تلك القضايا بالإضافة إلي التركيز علي القضايا الداخلية وخاصة الاقتصادية منها لتمرير قرض صندوق النقد الدولي. ووفقا للصحيفة فإن تاريخ التعاون الأمريكي الإثيوبي قديم وأحد أهدافه غير المعلنة هو التأثير علي منابع نهر النيل كورقة ضغط تريد واشنطن اللعب بها لإثارة حروب المياه في القارة الأفريقية, خاصة إنه ليس بخاف أن الوجود الأمريكي يرتبط دوما بالوجود الإسرائيلي حيث بدأت أمريكا في عهد جورج دبليو بوش في التسعينيات علي التأكيد علي المصالح القومية الأمريكية في القارة الأفريقية إذ توفر أفريقيا نحو15% من احتياجات الولاياتالمتحدة البترولية, وجاء التغلغل الإسرائيلي الأمريكي في أفريقيا مع انتهاء الاستعمار التقليدي حيث كانت تتلخص مخططاتهما في نهب ثروات الشعوب الأفريقية من خلال بث شعارات كاذبة للتدخل مثل الحفاظ علي الكيان الأمني والاقتصادي ومطاردة الإرهابيين ومتابعة حقوق الإنسان في القارة التي تنتج نحو98% من الألماس الصناعي و93% من ألماس الزينة كما أن إنتاج أفريقيا من الذهب يبلغ80% من الإنتاج العالمي.