يظل الفن جزءا لا يتجزأ من هوية الشعوب، والذي يعكس ثقافته وتاريخه, من هنا برزت فكرة وزارة التربية والتعليم في إدراج جزء من السيرة الذاتية لبعض الشخصيات الفنية المؤثرة مثل "سميحة أيوب وسيد درويش" اللذان تركا بصمة قوية في مجالي المسرح والموسيقى، وذلك ضمن منهج مادة المهارات المهنية للصف الخامس والسادس الإبتدائي، والتطرق لبعض الملامح من السيرة الذاتية لعمرو دياب ولاعب الكرة محمد صلاح في منهج اللغة الإنجليزية، كخطوة نحو تطوير المادة التعليمية ونشر الوعي بين الطلاب حول دور الفن في تشكيل الثقافة الوطنية والمساهمة في بناء المجتمع. في هذا التحقيق، نناقش أهمية هذه المبادرة، معايير اختيار الشخصيات الفنية، والتحديات التي قد تواجهها، وكما هو الحال مع أي فكرة جديدة، يظل الموضوع محط جدل بين مؤيد ومعارض، وكل طرف يحمل وجهة نظره الخاصة في هذا السياق, فكيف تم الرد على من يرى أن المناهج الدراسية يجب أن تركز على مواد أكاديمية بحتة مثل الرياضيات والعلوم، وأن الفن يجب أن يبقى خارج نطاق التعليم الرسمي. في البداية أعرب الناقد طارق الشناوي عن سعادته بالتطور الذي يشهده النظام التعليمي، من خلال التحرر من الأشكال التقليدية في المناهج الدراسية، ووصف هذه المبادرة بأنها إضافة مهمة تعكس توجها جديدا داخل وزارة التربية والتعليم, ويقول: "ضرب الأمثلة بشخصيات يعرفها الناس أو يمكنهم التواصل معها يمثل تطورا طبيعيا، حيث يتيح للطلاب فرصة الاستفادة من تجارب هذه الشخصيات بشكل مباشر، بل وطرح الأسئلة عليهم في حال كانوا على قيد الحياة, وأشار إلى أهمية كتابة السير الذاتية لهذه الشخصيات خلال حياتهم، ليكونوا مصدرا مباشرا ودقيقيا للمعلومات، مما يعزز مصداقية المادة التعليمية". وأكد الشناوي قائلا: "هذا النوع من التفكير يظهر وعي الوزارة بأهمية ربط المناهج بما يجري في الحياة اليومية، مما يبعد المادة التعليمية عن الجمود ويجعلها أكثر واقعية وقربا من الطلاب, وحتى تكون هذه الإضافة مؤثرة وفعالة، يجب أن تتوفر مجموعة من المعايير التي تضمن اختيار الشخصيات الأكثر تأثيرا بأن يكون للفنان أو الشخصية الفنية دور بارز في تطوير المجال الذي عمل فيه، سواء كان في المسرح، السينما، الموسيقى أو أي نوع آخر من الفنون, وأن يكون له تأثير واضح على المجتمع المصري والعربي، سواء من خلال أعماله الفنية أو من خلال مشاركته في القضايا الاجتماعية والثقافية، إلى جانب ذلك لابد وأن تكون الشخصية الفنية قادرة على التأثير في الجيل الحالي من الطلاب، سواء من خلال أعمالها، أو من خلال دروس الحياة والفن التي يمكن أن تقدمها, ومن المهم تحري الدقة والموضوعية عند كتابة المحتوى لتجنب الأخطاء والتأكد من أن السير الذاتية تحقق أهدافا تربوية". ورغم إعترافه بأن الفكرة قد تواجه اعتراضات من بعض "العقول التقليدية" التي ترفض الابتعاد عن النمط الشائع، إلا أنه يرى أن كل تغيير كبير يبدأ بمثل هذه الخطوات الجريئة، ويقول الشناوي: "كل تغيير كبير يواجه في بدايته بعض الانتقادات والاعتراضات، وشاهدت كيف تم مهاجمة فكرة إدراج سير رموز الفن في المناهج الدراسية عند طرحها لأول مرة من خلال سيرة سيدة المسرح العربي، سميحة أيوب، ومع ذلك أثق بأن هذه الأمور ستصبح بمرور الوقت مقبولة، بل وستحظى بتأييد واسع, فالتغيير يحتاج دائما إلى مبادرات جريئة لكسر القواعد التقليدية والخروج من النمط السائد, ومع استمرار الزمن وتكرار مثل هذه الخطوات، ستتحول الأفكار الجديدة إلى قواعد مستقرة ومقبولة مع تزايد قناعة المجتمع بأهمية الفن فى التعليم, وهو ما يعكس تطور المجتمع واستجابته للتجديد". "معايير صارمة" أكدت الناقدة خيرية البشلاوي على أهمية إدراج السير الذاتية لرموز الفن المؤثرة في تاريخ مصر ضمن المناهج الدراسية واعتبرتها خطوة مهمة ضمن تطوير التعليم، لكنها تحتاج إلى دقة ومعايير صارمة، وتقول: "الفن أداة تعليمية فعالة لتقديم مفاهيم الجمال، الإبداع، وقيم التعاون والحب عبر الأمثلة الفنية, وتسليط الضوء على الفنانين الذين ساهموا في تشكيل التراث الفني، مثل أم كلثوم، عبد الحليم حافظ، يوسف شاهين وفاتن حمامة، ويمكن أن يغرس في الطلاب فخرا بتاريخهم الفني, وشخصية فنية مثل سميحة أيوب التي لعبت دورا بارزا في تطوير المسرح العربي، تستحق أن تكون جزءا من هذه المبادرة, فهي خطوة يمكن أن تساهم في تعزيز وعي الطلاب بقيمة الفن ودوره في بناء المجتمع، لكن بشرط أن يتم الاختيار بعناية فائقة". وشددت البشلاوي على ضرورة وضع معايير دقيقة لاختيار الشخصيات، بحيث تكون لكل شخصية بصمة عميقة ومؤثرة في المجال الذي تخصصت فيه, وتابعت قائلة: "السيرة الذاتية المقدمة يجب أن تتضمن دروسا مستفادة وإضافات ملموسة بالتركيز على الجوانب الإيجابية والإسهامات الحقيقية لهذه الشخصيات بشكل يعزز من وعي الطلاب ويوسع مداركهم ويبرز أهمية وقيمة الفن أو المجال الذي يمثله الفنان، فجوهر السيرة يجب أن يكون إيجابيا وملهما للأجيال الجديدة، بحيث تكون السيرة الذاتية أداة تعليمية ملهمة تعكس مسيرة فنية وثقافية مهمة". ورغم تأكيدها على أهمية الفكرة، لفتت البشلاوي إلى أن هناك من يرى أن المناهج الدراسية الحالية كافية، وكغيرها من الأفكار، قد تلقى ردود فعل متباينة بين القبول والرفض وقد يعتبر البعض أن إدراج سير ذاتية لرموز الفن يشكل عبئا إضافيا على الطلاب, واقترحت قائلة: "من الممكن أن تكون هذه الفكرة أكثر قبولا إذا تم تطبيقها كدروس للإطلاع فقط، دون أن تشكل جزءا إلزاميا من المناهج الدراسية الأساسية أو أن يتم تخصيصها لمؤسسات متخصصة مثل معهد الفنون المسرحية ومعهد السينما، حيث يمكن أن تدرس هذه السير الذاتية كجزء من تاريخ تطور المسرح والسينما". واختتمت البشلاوي حديثها بالتأكيد على ضرورة أن تتبنى الدولة هذا الاتجاه كمبدأ واضح، لما له من دور كبير في تعزيز قيمة الفن وتاريخه في وجدان الأجيال الجديدة". "الذاكرة الجمعية" أشادت الناقدة ماجدة موريس بفكرة إدراج السير الذاتية لرموز الفن ضمن المناهج الدراسية، واعتبرتها وسيلة للحافظ على الذاكرة الجمعية ليظل التراث الفني خالدا وحاضرا أبد الدهر, ووصفتها بالخطوة المهمة التي تسلط الضوء على إسهامات الفنانين الكبار ودورهم في تطوير المجتمع, وتقول: "اختيار سيدة المسرح العربي سميحة أيوب، يعد اختيارا موفقا، فهي فنانة لها بصمتها ومكانتها البارزة في المسرح المصري والعربي، وتجاربها الدولية التي حظيت بإشادة كبيرة، مثل مشاركتها في مهرجان مسرحي بفرنسا، حيث أبهرت الجمهور والصحافة الفرنسية بأدائها المتميز وكانت حديث الناس بعد 3 أيام فقط من العرض, وتولت مناصب مهمة فكانت مديرا للمسرح القومي". وأضافت موريس: "مثل هذه المبادرات يمكن أن تصحح بعض المفاهيم الخاطئة حول قيمة الفن والفنانين في المجتمع، فهناك نماذج مشرفة مثل نور الشريف، المعروف بثقافته وإسهاماته الكبيرة، وصلاح أبو سيف، المخرج الذي أثرى السينما المصرية". وأشارت إلى أن شخصيات مثل عمر الشريف قدم نموذجا ملهما للعالم، حيث أثبت أن الفنانين المصريين قادرون على الإبداع عالميا, فمصر هي مهد الحضارة والفنون, وعرض قصص نجاح الفنانين يمكن أن يلهم الطلاب للتفكير خارج الصندوق، سواء في مجال الفنون أو غيرها من المجالات. وشددت موريس على أهمية اختيار الشخصيات بعناية، بحيث تكون قد أظهرت تفانيا وإبداعا مستمرا في مجالها، مشيرة إلى ضرورة أن تكون القصص المقدمة مصدر إلهام للطلاب وتسلط الضوء على رحلة الاجتهاد والتعلم المستمر حتى تكون دراسة هذه السير ممتعة ومواكبة لاهتمامات الطلاب، دون أن تشكل عبئا إضافيا عليهم. وتتابع قائلة: "الفكرة تعكس وعيا ثقافيا ورؤية متقدمة لتطوير التعليم، خاصة من خلال التركيز على إبداع الشخصيات في مختلف المجالات، سواء كانوا أطباء، مهندسين، أدباء، أو فنانين, كما أنها تحقق المساواة بين جميع المبدعين، بغض النظر عن تخصصاتهم، وتعزز الاحترام للإبداع في كافة أشكاله، وتغرس في الأجيال الجديدة تقديرا أكبر لقيمة الفن والعمل والاجتهاد". اقرأ أيضا: محاكم وأزمات «هزت الوسط الفني» في عام 2024 |صور