منذ أيام قليلة مضت، انتشر فيديو مثل النار فى الهشيم على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، بلا شك أثار هذا الفيديو ليس الجدال فقط وإنما استهجان جميع رواد السوشيال ميديا؛ لطبيبة تحاليل مصرية، زعمت أنها نشرت هذا الفيديو بهدف التوعية ليس إلا، وزادت على هذا زعمها لتقديم النصيحة للآباء والأمهات للعودة للاهتمام بتربية الابناء والفتيات على طريقة الأجداد؛ بسبب أنها رأت أنه فى الآونة الاخيرة زاد عدد الأزواج الذين يطلبون عمل تحليل البصمة الوراثية ال(DNA)، وذلك لشكهم فى نسب أولادهم وبالتالي الشك فى سلوك زوجاتهم، والنتيجة – على حد زعمها – «للأسف تخرج إيجابية فى حالات كثيرة منه!، ولم تقل لنا هذه الطبيبة على أي أساس استندت لهذا الكلام. هذا الفيديو وما جاء فيه كان بمثابة الصدمة للجميع خاصة وأنها لا تستند إلى أي مصدر رسمي، حيث استغله بعض الحاقدين المتربصين بمصر وأهلها من «الإرهابية» في الخارج واستخدموه للتنكيل بسمعة سيدات مصر وشرفهن، في البداية واجهنا هذه الطبيبة المزعومة بما ادعته في هذا الفيديو وسألناها من أين أتت بما جاء فيه وذلك قبل ساعات قليلة من إلقاء الأجهزة الأمنية القبض عليها داخل منزلها، ثم حبستها النيابة 4 أيام وإخلاء سبيلها بعد ذلك بكفالة، لتفجر لنا تحريات المباحث مفاجأة من العيار الثقيل؛ فطبيبة التحاليل المزعومة ليست طبيبة من الأساس، بعدها فتحنا باب النقاش عن تحليل الDNA، من الناحية الدينية والقانونية، والجهة الوحيدة المنوط بها الأخذ بنتائج هذا النوع من التحاليل أمام المحكمة. اسمها «عتاب الأبيض» عرفتنا بنفسها طبيبة تحاليل، في البداية بدت متحفظة وترفض الحديث لكنها سرعان ما وافقت على إجرائه، ثم قالت: فوجئت بانتشار الفيديو بشكل سريع وعلى مدى واسع، ومكنش قصدي لكن الناس فهمت خطأ، فهناك عدة جوانب تحتاج إلى توضيح، أولها أنه عندما قلت إن أعداد الأزواج الذين يطالبون بتحليل الDNA زاد بشكل ملحوظ فى الآونة الأخيرة، لم أحدد أن الأمر يخص مصر وحدها، لكنه ينتشر على نطاق واسع في عدة دول أخرى، فأنا استشارى تحاليل طبية، وامتلك صفحة على السوشيال ميديا تخص مجالى العملى، هذه الصفحة يتابعها الآلاف داخل مصر وخارجها، حيث كان يتصل بى من خلالها أزواج من مختلف الدول العربية، يسألونى عن تحاليل الDNA، لكنى أوضحت لهم مقدمًا بأنه ليس تخصصى إجراء تحليل الجينات أي البصمة الوراثية، وإنما أجري التحاليل الأخرى العادية، وهم يتحدثون معي لاحظت أنهم كانوا مثل الغرقى الذين يتعلقون بما ينقذهم، كانوا يسألونى عن كل ما يخص تحليل البصمة الوراثية بداية من الأماكن المخصصة للتحليل وما يحتاجونه من مصاريف سواء داخل مصر أو خارجها، وفي أحيان كثيرة كنت أعجز عن الرد أو كيف أساعدهم، لكن فوجئت بأحد الأشخاص من دولة عربية يأخذ هذا الفيديو ويعيد نشره متهكمًا وساخرًا مما قلته، لكني أؤكد أنني لم أذكر كلمة مصر فى الفيديو لكن كان الحديث واضحًا فيه عن كل من يتصل بي للسؤال سواء من مصر أو خارجها من الدول العربية! مجرد سؤال وتستطرد الدكتورة عتاب الابيض طبيبة التحاليل حديثها قائلة: ثانيا فيما يخص زيادة عدد الأزواج، لم أقل أنى جهة منوطة بعمل دراسات أو إحصائيات، لكن كنت أجد أن من بين 10 أشخاص يتصلون بى يتسائلون عن تحليل الDNA، كان بينهم 7 فقط يقومون بعمل التحليل بالفعل، ثم يتواصلون معى بعد متابعتى للحالة فيكون من بين السبع حالات مثلا حالتين فقط النتيجة للاسف اكتشافهم أن الأطفال ليسوا أبناءهم، لكن الباقى النتيجة سلبية ويشعرون براحة من نتيجة التحاليل!، لكن انا كامرأة شرقية مصرية متدينة تربينا على الاخلاق والشرف أجد أن هذا الرقم كبير ومرعب، ربما يكون لا يساوى الكثير عند البعض، لكنه بالنسبة لي مختلفا، فشعرت بغيرة على بناتى وشقيقاتي ليس في داخل مصر فحسب بل في خارج البلاد ايضًا! ما استوقفني في كلامها أنها اعترفت لنا قائلة؛ «أنها ليست جهة منوط بها عمل دراسات أو احصائيات، إذن فكيف تحكم على المجتمع أي مجتمع من خلال كلام مرسل لأناس لا تعرفهم لمجرد الدردشة في أمر خطير كهذا دون سند علمي على إحدى منصات التواصل الاجتماعي؟! وأنهت الطبيبة المزعومة عتاب الابيض كلامها قائلة: فى النهاية قمت بعمل الفيديو كنوع من التوعية لم أذكر فيه اسماء، أو أروى احداثًا بعينها، أو أفضح أشخاصًا، لكن اعتقدت أن التوعية هنا هامة بتقديم النصيحة بأن يراعى كل أب وأم تربيته للأبنائه، فنحن لسنا ملائكة والخطأ موجود فى كل مكان، ومن خرج ليستخدم هذا الفيديو ليقول إن المجتمع فيه انحلال، فأنا لا اقصد هذا على الاطلاق، لكن لا أحد ينكر أن الخير موجود والشر أيضًا موجود، لكن من يراعى الله يتجنب الفتن، وأنا طبيبة مصرية أحب وطنى وأسعى دائما لخدمته والدفاع عنه، فأنا رئيسة جمعية دعم الوطن أقوم بعمل حملات مشاركة مجتمعية مع مجموعة كبيرة من المهتمين بالوطن، ولم أفكر يومًا فى نشر أى أفكار هدامة ضد بلدي، كل ما فى الامر الهدف هو التوعية فحسب. مفاجآت ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل توالت المفاجآت تباعًا؛ فلا تكاد تمر عدة ساعات قليلة هي الفاصل الزمني بين حوارنا معها وطرق الأجهزة الأمنية باب منزلها للقبض عليها ثم تلا ذلك بيان وزارة الداخلية وجاء نصه كالتالي: « كشف ملابسات تداول مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعى لإحدى السيدات إدعت خلاله عملها فى مجال التحاليل الطبية وأشارت إلى إجراء عدد من المواطنين تحاليل إثبات النسب «DNA» وظهور أغلبية النتائج تؤكد عدم نسب الأطفال لوالديهم. بإجراء التحريات وجمع المعلومات تبين أن السيدة الظاهرة بمقطع الفيديو (حاصلة على بكالوريوس في العلوم الزراعية، مقيمة بمحافظة كفر الشيخ) وتبين عدم كونها طبيبة وإدارتها منشأة طبية «معمل تحاليل بدون ترخيص» واستخدامها إحدى الصفحات الطبية بمواقع التواصل الاجتماعى للنصب والاحتيال على المواطنين، كما تبين سابقة قيام الجهات المعنية باتخاذ الإجراءات اللازمة ضدها لإدارتها منشأة طبية «بدون ترخيص». عقب تقنين الإجراءات تم ضبطها، وبمواجهتها أقرت بارتكاب الواقعة على النحو المشار إليه بغرض تحقيق نسبة مشاهدة مرتفعة من أجل الحصول على أرباح مادية، تم اتخاذ الإجراءات القانونية». قبل أن تأمر جهات التحقيق بالحامول بمحافظة كفر الشيخ، بإخلاء سبيلها بعد حبسها 4 أيام على ذمة التحقيق بكفالة مالية 10 آلاف جنيه، على أن يخلى سبيلها من قبل مركز شرطة الحامول. المفاجأة الثانية هو ما جاء في بيان نقابة الزراعيين؛ حيث صرح الدكتور سيد خليفة، نقيب الزراعيين، أن النقابة ستُحيل المهندسة الزراعية صاحبة مقطع الفيديو المتداول على مواقع التواصل الاجتماعى، التى ادعت خلاله عملها فى مجال التحاليل الطبية، وأشارت إلى إجراء عدد من المواطنين تحاليل إثبات النسب «DNA» وظهور أغلبية النتائج تؤكد عدم نسب الأطفال لوالديهم، إلى لجنة آداب المهنة، حال ثبوت حصولها على عضوية النقابة، حيث تختص تلك اللجنة فى التحقيق مع أعضاء النقابة فى كافة المخالفات التى تتنافى مع أخلاقيات المهنة. وأكد أن النقابة ستتابع التحقيقات الجارية مع المهندسة الزراعية، ومن ثم سيتم توجيه استدعاء لها لبدء التحقيقات النقابية معها، مؤكدًا أن ما تناولته العضوة في حديثها يسيئ للجميع، ولا يجوز إثارته عبر وسائل السوشيال ميديا، لافتا إلى أن العقوبات التى تتخذها اللجنة تصل إلى الشطب من النقابة حالة ثبوت مخالفة العضوة. المحامي معتز الدكر: معظم قضايا إنكار النسب ترفضها المحاكم.. لأنها كيدية وهدفها ضياع حقوق الزوجة والابناء تظل قضايا إنكار النسب من القضايا الشائكة أمام المحاكم، والقانون وضع لها ضوابط وشروط لقبول الدعاوى الخاصة بها وبالتالي إجراء تحليل البصمة الوراثية، ولمعرفة كل ما يخص مثل هذه القضايا سألنا المستشار معتز الدكر وهو المحامي الأشهر في قضايا الأسرة. قال بداية: حددت المادة 15 من القانون 25 لسنة 1929 أحكام النسب ومنحت للرجل الحق فى نفى نسب طفل تلده زوجته كما منحت الأم حق إثبات نسب الصغير والطعن فى ادعاءات الزوج، لكن وضع القانون شروطا وضوابط لقبول دعاوى إنكار النسب أمام محاكم الأسرة وهذه الشروط هى: أن تضع الأم أو المطلقة أو الأرملة مولودها بعد مدة تزيد عن سنة من تاريخ الطلاق أو الوفاة، أو أن تلد الزوجة طفلها بعد غيبة الزوج عنها مدة تزيد عن سنة أو تضع مولودها فى مدة تقل عن 6 أشهر من تاريخ الزواج، أو عدم وجود تلاقى بين الزوجين منذ عقد القران، أو ألا يكون الزوج قد أقر بالبنوة حتى ولو ضمنًا، أو يكون الزوج صمت على مظاهر الحمل حتى وضعت زوجته مولودها واشترك فى الاحتفال بقدوم المولود، ويأتي في النهاية تقرير الطب الشرعى الحاسم الذى ينتهى الى ان البصمة الوراثية الخاصة بالطفل لا تشترك مع البصمة الوراثية للمدعى أو العكس. كل هذه الشروط تعنى انه يمكن للزوج أن يتقدم بدعوى انكار نسب ويحدد لها جلساتها الطبيعية وأحيانا تصل إلى العرض على الطب الشرعى وتحليل ال DNA، والاستماع إلى شهادة الشهود، لأن تحليل الDNA حتى اليوم مشكوك فى أمره، وإذا ألزمت المحكمة الأم وطفلها للتحويل إلى الطب الشرعى ولم تنفذ الأم، في ذلك الوقت تحكم المحكمة لصالح الزوج بإنكار النسب، ولكن كل هذا مرتبط بوقت محدد. مقيدة بوقت ويستطرد المستشار معتز الدكر قائلا: القانون المصرى يحكم بعدل بالغ معتمدًا على الشريعة الإسلامية، فإنكار نسب الأبناء للأب لم يطلقها القانون مباحة دون قيود، لكنه قيدها بالوقت بمدة معينة، وهى كما ذكرناها فى البداية فى شروط التقدم بالدعوى، فلا يجوز لأب مثلا أن يأتى بعد 10 سنوات أو أقل من ذلك حتى ويدعى انه شاكك فى أولاده، حتى فى حالة وفاة الأب، لا يجوز للورثة أن ينكروا نسب الابن لوالده إلا بنفس الشروط، أى أنه لا تتعدى السنة منذ وقت وفاته ولا تقل عن ستة أشهر. كل أمر محكوم بدقة، وذلك استنادًا على الحديث الشريف «الولد للفراش وللعاهر الحجر»، والمقصود أنه لا يمكن لأب علم بحمل زوجته وانتظر قدوم الطفل وانجبته الأم فى الموعد الصحيح للولادة وربما حضر الأب الولادة فى المستشفى، وذهب الى مكتب الصحة لتسجيله، قام بمظاهر الاحتفال به، ثم يقوم بعد كل هذا ويدعى أنه يشك فى سلوك زوجته وبنوة الابن له، فهنا تطبق القاعدة الشرعية «الابن للفراش». لهذا السبب محاكم الأسرة مكتظة بدعاوى إنكار النسب وايضا مكتظة برفض دعاوى اثبات النسب ومعظم هذه الدعاوى رفضتها المحاكم، لأن اثبات النسب ايضا مثل الإنكار، محكوم بمدة قانونية محددة، وفى بعض الاحيان تأتى لى سيدة وتطلب مني ارفع دعوى اثبات نسب زي ما عملت مع الفنانة زينة، لكن كل حالة ولها ظروفها وأحداثها تختلف عن الحالة الأخرى، أهم شيء فيها عامل الوقت، فعلى سبيل المثال إذا لجأ الرجل إلى المحكمة وطلب إجراء تحليل DNA وذلك بعد انقضاء المدة القانونية كمرور سنوات على انجاب الطفل، سوف يرفض القاضى أن يعطيه الموافقة على التحويل للطب الشرعى وعمل التحليل، لأنه لا يجوز استخدام البصمة الوراثية الDNA فى نفى نسب ثابت بالفعل. اقرأ أيضا: بعد فيديو وسام شعيب.. النيابة الإدارية تعاين مستشفى كفر الدوار العام كما أن مثل هذه النوعية من القضايا، يفتح الطريق على مصراعيه للأزواج الذين يستغلون قضايا الزنا الملفقة ضد زوجاتهم لضياع حقوقهن، فهذه مرتبطة بقضايا إنكار النسب والاتهامات الزور ضد الزوجة التى تضيع حقوقها هى وابنائها وسط هذا الظلم الجائر. وينهى المستشار معتز الذكر محامى الاحوال الشخصية الشهير كلامه قائلا: كل هذه الشروط والقيود صحيحة وكان لابد منها لأن لو كان الأمر بسيطًا، لكان كل رجل حدث بينه وزوجته خلاف سوف يطالب بإنكار نسب أولاده نكاية فى زوجته؛ ففى إحدى المرات حضر للمكتب رجل يطلب مساعدته لإنكار نسب أولاده الأربعة لأنه يشك فى نسبهم والسبب أن زوجته تخرج وتعود للبيت متأخرة، بالطبع رفضت طلبه، لأننا فى مكتب الدكر للمحاماة حتى منذ العهود السابقة لعمى المستشار محمد الدكر أو أبى المستشار عبد الله الدكر رحمهما الله، لا نقبل دعاوى إنكار النسب، لأنها تتسبب فى بلبلة فى الأسر وتفكك وضياع مستقبل ابناء لا حول لهم ولا قوة. فنحن فى مشكلة حقيقية والسبب فيها الاعلام والسوشيال ميديا، فهما يصدران اشخاصًا ومحامين لا يفقهون شيئا عن الاحوال الشخصية، فيعطون للناس معلومات قانونية مليئة بالمغالطات، فمسائل الاحوال الشخصية بالتحديد هي فى غاية الحساسية والأهمية لأنه يترتب عليها حياة الأسرة المصرية وبالتالى المجتمع ككل، لذلك هى تحتاج لمتخصصين على درجة كبيرة من الوعى، حتى لا تتفكك الأسرة والمجتمع.