لم يكن نصف قرنً على ذكرى النصر، بل هو نصف قرن من سلسلة من الانتصارات ؛ السياسية والاجتماعية والدبلوماسية والعسكرية، فقد قال الصحفي البريطاني " ديفيد هيرست " من ضمن ما قيل في الأدب عن حرب أكتوبر :- " ان حرب أكتوبر كانت بمثابة زلزال فلأول مرة في تاريخ الصهيونية حاول العرب ونجحوا في فرض أمر واقع بقوة السلاح، ولم تكن النكسة مجرد نكسة عسكرية، بل أصابت جميع العناصر السيكولوجية والدبلوماسية والاقتصادية التي تتكون منها قوة وحيوية أي أمة ". وفي كلمة السيد الرئيس في تفتيش الحرب الفرقة السادسة المدرعة للجيش الثاني ، أشار الرئيس أن القيادة في حرب 73 كان لديها رؤية بعيدة وأن عقيدة الجيش المصري ليست الغطرسة أو الاعتداء في المنطقة بالقوة بل استخدام القوة لفرض السلام واسترداد الحرب ، وهو ما حدث بالفعل وبرهن على رؤية حرب أكتوبر ، والتي نجحت في استرداد الأرض والعرض ، كما فرضت السلام ، فالحرب والاقتتال كان لاسترداد الأرض ، أمّا السلام وتوثيقه كان بمثابة ضمان طويل الأجل ، فقادة حارب أكتوبر ارتأوا منذ عقود أن سيناء ستكون بقعة صراع ومطمعا حتي وان انتصرنا في أكتوبر 73 ولكن ستبقى هي الهدف وربما رأوا أيضًا أنها ستكون مطمعا لإقامة الوطن البديل ، وهنا لنا أن نتخيل أن بدون معاهدة السلام " كامب ديفيد" والتي تحكم أطماع العدو في سيناء ، كيف كان الحال الآن بدون تلك المعاهدة ؟! والتي تقف كحائط صد ضد أي اعتداء أو اختراق يحدث على الأراضي المصرية ، حتي أن تلك المعاهدة هي التي تحفظ لمصر حق الرد حيال أي عدوان عسكري على الأراضي المصرية و كأن حرب أكتوبر لم تسترد الأرض فقط بل انتزعت من براثنهم ضمان مفتوح الأجل ، وهذه مكاسب الرؤية المسبقة التي حافظت على الأرض في بقعة ملتهبة بالصراعات . وكأن لسان حال الدولة المصرية اليوم يقول ، أن تلك الأمة لازالت على نفس النهج ، لازالت قوية ورصينة بل أقوى عسكريًا مما كانت عليه ولكن عصية على أي استفزاز عسكري ، السلام اختيارها الاستراتيجي ، غير مجبرة عليه وغير مجبرة على الحرب ، فهي تنتقى مواقفها بهدوء وشفافية وشرف بما يتناسب مع مقدرات تلك الأمة ويخدم قضايا الأشقاء والإقليم بأسره. ليس لدينا أجندات خفية ولا أطماع مستترة ولا إرادة لنا سوي السلام للجميع . فلنا أن نتباهي بتلك القوة الرشيدة وليست الغاشمة التي تختار المعركة وتختار التوقيت ، تحارب بشرف ومن أجل الشرف ، فلو كان القرار بيدي لاخترت مصر أمًا للبشرية ورئيسة دول لعالم ومنحتها كل جوائز السلام لما لديها من حكمة وشرف في زمن عز فيه الشرف .