فاتن عوض نخطيء كثيرا في حق أعيادنا الوطنية حينما نختزلها في مناسبات احتفالية نكرر فيها ما اعتدناه من طقوس رغم تغير الظروف، وذلك أن أعيادنا الوطنية هي محطات فارقة في مسيرة تاريخنا الوطني الذي كتب بدماء وأرواح شهدائنا ونضال أبطالنا الذين قاتلوا حينما كان القتال ضرورة وفاوضوا حينما أصبح التفاوض من موقع قوة. كان خلف كتائب المقاتلين وفرق المفاوضات شعب ناضل ايمانا بقضيته وأعطي بسخاء من قوت يومه وقدم زهرة شبابه قربانا لاسترداد أرضه وشرفه الوطني وكبريائه فخاض حربا بكل شجاعة وجسارة وحقق انتصارات عظيمة فمازالت حرب أكتوبر تدرس في المعاهد والأكاديميات العسكرية العالمية حتي الآن. واستكمالا للانتصارات العسكرية التي حققتها قواتنا المسلحة في حرب أكتوبر 1973 خاضت الدبلوماسية المصرية معركة مريرة لا تقل أهمية وشراسة عن المعركة العسكرية علي امتداد رحلة التسوية ومباحثات السلام بين مصر وإسرائيل التي أعقبت حرب أكتوبر حتي توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية والتي انتهت بالجولة الأخيرة بمعركة التحكيم الدولي لاستعادة طابا، بعدما رفضت إسرائيل اتمام الإنسحاب من آخر كيلومتر من سيناء مخالفة بذلك ما تضمنته معاهدة السلام في مادتها الأولي بالتزام إسرائيل بالانسحاب الكامل لكافة قواتها المسلحة والمدنية من سيناء إلي ما وراء الحدود الدولية بين مصر وفلسطين تحت الانتداب وهي الحدود الدائمة بين البلدين والمعترف بها دوليا كما هو موضح بالخريطة الملحقة والبروتوكول الخاص بالانسحاب الإسرائيلي وترتيبات الأمن بالمعاهدة. ومن جديد يثبت المفاوض المصري خلال معركة طابا صلابته وقدرته علي اثبات حقه اعتمادا علي الوثائق والمستندات التي نجح في تجميعها من لندن إلي اسطنبول، وكسب معركته من خلال تفعيل المادة السابعة من معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التي نصت علي «حل الخلافات بشأن تطبيق أو تفسير معاهدة السلام عن طريق التفاوض.. وإذا لم يتيسر حل هذه الخلافات عن طريق التفاوض تحل بالتوفيق أو تحال إلي التحكيم الدولي، فإلي جانب الوثائق والمستندات والخرائط التي تثبت ان طابا أرض مصرية كانت المادة السابعة من معاهدة السلام هي السند الرئيسي الذي اعتمد عليه المفاوض المصري والآلية التي استخدمها في معركته لاستكمال تحرير سيناء وعودة طابا، وهو ما تحقق بجدارة فائقة في 25 أبريل 1982 ليصبح هذا اليوم عيدا للدبلوماسية المصرية وعيدا لتحرير سيناء، وكما نجحت الدبلوماسية المصرية في فتح ملف معاهدة السلام وتفعيل مادتها السابعة الخاصة بالتحكيم الدولي لتسوية المنازعات بين الطرفين عام 1982 قبل أن يجف مداد وثائق معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية فماذا يمنع من تفعيل المادة الرابعة للمعاهدة الخاصة بإعادة النظر في ترتيبات الأمن المتفق عليها بين الطرفين، بالإمكان تعديل بعض مواد معاهدة السلام الدولية الإسرائيلية وبخاصة ترتيبات الأمن المتفق عليها بما يحفظ الأمن القومي المصري إزاء ما تشهده سيناء من أحداث إرهابية الآن استنادا إلي الفقرة 4- م4 من المعاهدة التي تنص علي انه «يتم بناء علي طلب أحد الطرفين إعادة النظر في ترتيبات الأمن المنصوص عليها في الفقرتين (1-2) من المادة الرابعة وتعديلها باتفاق الطرفين تلك المادة الهامة التي تسجل للمفاوض المصري الذي أدرك مدي أبعادها وأهميتها في المستقبل، وهو ما تفرضه التغيرات الداخلية والظروف الإقليمية الراهنة وما تتعرض له سيناء من هجمات إرهابية تعرض الأمن القومي المصري لمخاطر جسيمة هي بالفعل من تداعيات معاهدة السلام بالأساس. تفعيل هذا البند واستغلاله لتعديل البروتوكول الخاص بترتيبات الأمن والملحق العسكري بشأن سيناء وبخاصة اعداد القوات وانتشارها وتسليحها وضمان أمنها وفقا لمقتضيات الأمن القومي المصري في ظل ما يواجهه من تحديات، سوف يساهم في إعادة الاتزان الاستراتيجي لسيناء والتخلص من تلك القيود المجحفة التي فرضتها المعاهدة منذ أكثر من ثلاثة عقود في ظل ظروف معقدة وصعبة للغاية. ندرك تماما مدي صعوبة الأمر وتحديات تحقيقه خاصة في ظل ما تشهده مصر الآن من تحديات داخلية ومؤامرات خارجية، إلا أننا نؤكد أنه ليس بالمستحيل بل الإمكان والأهمية فتح ملف تعديل معاهدة السلام لأنها بالأساس السبب الرئيسي والعامل الفاعل وراء ما تشهده سيناء من هجمات إرهابية لتكون سيناء إحدي أدوات الحرب شكلا من أشكال الصراع مع مصر لاستنفاد قواها «بعد ما أثبتت حرب أكتوبر فشل المواجهة العسكرية» وهو أشد وطأة وأخطر من الحرب ذاتها، لذا نناشد السلطات المصرية السياسية والعسكرية ضرورة فرض السيطرة والسيادة الكاملة علي سيناء قبل فوات الأوان. فترتيبات الأمن التي فرضتها المعاهدة إلي جانب الاهمال المتعمد لعدم تنمية سيناء جعلها مرتعا للخلايا الإرهابية والجماعات التكفيرية وعرضة للهجوم ومطمعا من جهات وقوي مختلفة، رغم توافر كل مقومات التنمية التي تكفي لتفعيل وتنفيذ خطط ومشروعات التنمية التي وضعت منذ نهاية عهد السادات وعهد مبارك علي أرض الواقع باستغلال ما تمتلكه أرض الفيروز من ثروات طبيعية وفرص استثمار واعدة في كافة المجالات وبخاصة التعدين والسياحة التي تم ضربها في مقتل بسبب الأحداث الإرهابية المتتالية ومحاولات طمس هوية المعالم الأثرية التي تجري حاليا بسيناء وعلي رأسها ما يتعرض له دير سانت كاترين وجبل الطور وعيون موسي من مخاطر تخرجها عن إطار السيادة المصرية. نحتفل اليوم بعيد تحرير سيناء نحيي أرواح شهدائنا وبطولات من خاضوا معركة التحرير محاربين ومفاوضين ونؤكد استمرار معركة فرض السيادة الكاملة علي سيناء بتعديل ترتيبات الأمن والملحق العسكري لمعاهدة السلام، وكما نجحت مصر في مفاوضات طابا نثق في قدرة الدبلوماسية المصرية والخبراء العسكريين في استكمال المسيرة لفرض السيطرة والسيادة الكاملة علي سيناء.