الأهرام: 24/4/2008 الاحتفال غدا(25 أبريل) بالعيد القومي لمحافظة شمال سيناء ليس احتفالا مقصورا علي شعب المحافظة فحسب, فالاحتفال عيد وطني بمعني الكلمة, وتشارك في فعالياته كل محافظات مصر علي امتداد الوادي, لإحياء ذكري استعادة السيادة الكاملة علي جميع أراضي سيناء وخروج آخر جندي ومستوطن إسرائيلي من سيناء ككل في مثل هذا اليوم, ثم من أرض طابا في19 مارس1989, وذلك بعد ملحمة تحرير علي مدي22 عاما ابتداء من العدوان الإسرائيلي في5 يونيو1967, حيث مارس جيل أجداد وآباء شباب اليوم مختلف أساليب الصمود والمقاومة وحرب الاستنزاف والحرب القتالية والعمل الدبلوماسي والمفاوضات العصيبة واللجوء إلي التحكيم حتي تحقق النصر الكامل الذي جاء تتويجا لملاحم التحرير التي يزخر بها تاريخ الإنسان المصري عبر العصور. ومن الأهمية أن يتعرف شباب اليوم علي ملحمة التحرير, لا باعتبارها مجرد نصر عسكري كبير حقق طفرة في البحوث والدراسات الاستراتيجية والعسكرية علي مستوي العالم, بل باعتبارها انتصارا لإرادة الإنسان المصري في المقام الأول.. ولا يخفي علينا أن جيل الشباب الحالي لم يحظ بعد بقسط إعلامي أو ثقافي أو تعليمي كاف ليتعرف علي الأبعاد الكاملة لملحمة تحرير سيناء, حيث لم تأت تلك الملحمة من فراغ, فقد بدأها الشعب المصري بالصمود لاحتواء آثار الصدمة عقب نكسة يونيو1967, ويعد الصمود هنا أعظم مراحل المقاومة التي لم تخل أيضا من إثبات الوجود العسكري المصري المبكر ممثلا في الغارات المصرية علي المواقع الإسرائيلية في نهاية يونيو1967, ومعركة رأس العش في أول يوليو1967, التي قضت علي محاولة إسرائيل لاحتلال مدينة بورفؤاد, وإغراق المدمرة الإسرائيلية( إيلات) في21 أكتوبر1967 أمام بورسعيد, وردود الفعل العالمية لهذا الحدث في الاستراتيجيات البحرية, ثم بدأ الشعب المصري إعادة ترتيب البيت ببيان30 مارس1968, ثم بدأ الصحوة بحرب الاستنزاف( مارس1969 أغسطس1971), وهي بكل المقاييس تجربة رائدة من تجارب المقاومة ضد الاحتلال, ثم بدأت مصر مرحلة التخطيط والإعداد لمعركة المصير, أعظم حروب التحرير في عصرنا في6 أكتوبر1973, وهي انتصار للعسكرية المصرية والعربية بصفة خاصة, وللعسكرية في العالم الثالث بصفة عامة. وبعدها خاضت الدبلوماسية المصرية حربها التي لا تقل جسارة عن قتال الجبهة لتحرير سيناء, ولم تيأس مصر أمام العناد الإسرائيلي حتي دفعت بالحكومة الإسرائيلية لقبول الانسحاب المحدد سلفا في موعده(25 أبريل1982), وكانت تلك الواقعة في حد ذاتها من أبرز المفاوضات الصعبة علي مستوي عالمنا المعاصر, ومن الأهمية تعرف الجيل المعاصر علي جانب من وقائعها وكيف نجح فريق المفاوضين المصريين في ممارسة الضغوط علي المفاوض الإسرائيلي للامتثال لنصوص معاهدة السلام والاتفاق الموقع عام1980, بالإضافة إلي الملحق العسكري والالتزام بموعد الانسحاب النهائي في25 ابريل1982. لقد برزت بوضوح أساليب الابتزاز الإسرائيلية, حيث حاول شارون( وكان وقتها وزيرا للدفاع) تأكيد أكذوبة المفاوض الإسرائيلي الذي ادعي أوهاما باطلة بأن منطقة طابا عند موقع العلامة رقم(91) هي جزء من إسرائيل, ثم جاء دور بيجين, رئيس الوزراء الإسرائيلي, ليستكمل سيناريو الابتزاز بإعلانه يوم19 ابريل بأنه سوف يضطر إلي اتخاذ قرار بعدم تنفيذ الانسحاب الإسرائيلي من سيناء في موعده المقرر(25 ابريل), وبعدها صرح بأنه في حالة الاتفاق علي الانسحاب, فإن ذلك سيكون يوم26 ابريل وليس25 ابريل, وجاء هذا التصريح في محاولة استحداث سابقة يستخدمها ويستغلها مستقبلا, لكن صمود فريق المفاوضات المصرية حال دون ذلك, حيث تمسكت مصر بثلاثة مبادئ أساسية هي: (1) ضرورة الالتزام بموعد الانسحاب النهائي وعدم قبول أي تلاعب في نصوص معاهدة1980, حتي لا تكون سابقة تفقدها مصداقيتها. (2) التمسك بحق مصر وسيادتها علي جميع أراضيها بسيناء, والإصرار علي رفض أي تعديل في خط الحدود. (3) انه حتي مع وجود خلاف ظهر أخيرا بشأن التطبيق أو التعثير فإنه يجب أن تكون المادة السابقة من المعاهدة هي السبيل للاتباع, بشرط ألا يسبب ذلك تعطيلا أو تأجيلا للتوقيتات المقررة. وفي سياق صمود المفاوض المصري واستمرار المشاورات المكثفة, أمكن التوصل إلي الصياغة التي ظهر بها الاتفاق والذي أطلق عليه وثيقة ابريل1982, وكان من أبرز وأهم ما تضمنته الوثيقة نتيجة لتصميم الجانب المصري هو عدم إقامة إسرائيل لأي منشآت أو القيام بأنشطة إضافية داخل المناطق المختلف عليها, وألا يكون للترتيبات المؤقتة التي تحتويها الوثيقة أي تأثير علي الوقت أو تكون بمثابة حكم مسبق علي الوضع النهائي لتلك المناطق. وبعد التوقيع علي الوثيقة, سارعت مصر في الساعة العاشرة من صباح الأحد25 ابريل برفع العلم المصري علي منطقة الجورة بالشمال, وبعدها بساعات قليلة أقيم احتفال برفع العلم علي مدينة رفح في تمام الساعة1300, وهو التوقيت نفسه المحدد بالمعاهدة( الساعة الواحدة ظهر الأحد25 ابريل). وأخيرا.. هل تبادر كل محطات وقنوات التليفزيون المصرية العامة والخاصة بإذاعة وبث النشيد الوطني في هذا التوقيت غدا الجمعة(25 ابريل)؟.. في محاولة لتنشيط الذاكرة الوطنية لدي كل الأجيال: الأجداد, الآباء, الأبناء.