العبارة الخالدة «فى زمن الحرب يعرف الجميع من يطلق الرصاصة الأولى، ولكن لا يعرف أحد من يطلق الرصاصة الأخيرة».. صحيحة مائة فى المائة، وإذا لم تنته الحروب بمشروع سياسي، فهى مأساة كبرى وخسائر فادحة تحل بالمنتصر والمهزوم معًا، وأسير الحرب كما قال عنه ونستون تشرشل هو «الرجل الذى فشل فى قتلك، ثم يطلب منك عدم قتله». إسرائيل لن تستطيع القضاء على حماس، وحماس لن تنتصر على إسرائيل، فهى حرب وقودها أهل غزة الأبرياء، ولا يجب أبدًا أن تضيع تضحياتهم سدى وسط ركام الهدم. لم يكسب أحد حتى نتنياهو، ولن يرحمه التاريخ كمجرم حرب، إذا لم تلاحقه المحاكمة الدولية فى حياته، وبلغ الحمق مداه فى قراراته الدموية واستهانته بحماس، وإصراره على عدم وقف الحرب إلا بعد قتل آخر مقاتل فى صفوفها. نتنياهو لا يصنع تاريخًا إجراميًا جديدًا للحروب، وإنما يعيد إنتاج مآسى حروب الكراهية والتصفية العرقية وأسوأ نماذج الهمجية فى التاريخ، ويزرع جذور الكراهية المؤججة دينيًا وسياسيًا، وإذا خمدت الحرب وسكتت المدافع والصواريخ، فلن تخمد نيران الكراهية فى نفوس الأجيال التى عاشت ويلات الحرب، وسوف تظهر بأشكال مخيفة إذا تهيأت لها أسباب الظهور. نتنياهو يكذب وهو يدعى أن المنطقة ستكون بدون كراهية بعد انتهاء الحرب، ولكنها البداية التى ستقف حجر عثرة أمام أحلام إسرائيل فى «التنمية من أجل السلام»، فلن يجرؤ مسئول عربى أن يضع يده فى أيدٍ إسرائيلية مخضبة بالدماء، ولن تأمن الشعوب العربية لدولة عنصرية، ذبحت كل معانى الإنسانية. الرصاصة الأولى أطلقتها حماس فى السابع من أكتوبر، ولكن الرصاصة الأخيرة لن تكون فى بندقيتها، فهى لم تحسب جيدًا رد الفعل الجنونى رغم تجاربها المأساوية السابقة فى المواجهات غير المتكافئة، وألحقت دمارًا بشعبها فى غزة، والشجاعة بلا حذر انتحار مؤكد. الحروب الخاسرة أكلت الأراضى الفلسطينية على مدى الصراع العربى - الإسرائيلي، وما كان متاحًا عام 1948 لم يعد كذلك عام 1967، وتوالى ضياع الفرص واحدة تلو الأخرى تحت شعارات حماسية تتجاهل توازن القوى على أرض الواقع، وأهمها أن العالم كله دون استثناء لن يسمح بهزيمة إسرائيل أو القضاء عليها. الرصاصة الأخيرة ليست أيضًا ببندقية نتنياهو، وشروطه المستحيلة هي: القضاء التام على حماس، غزة منزوعة السلاح، تبادل الأسرى والرهائن، أما حلم إقامة الدولة الفلسطينية فقد أصبح بعيد المنال. ليس المقصود التقليل من تضحيات حماس، ولا إنكار الحقوق المشروعة للشعوب فى الكفاح المسلح والمقاومة بكل صورها، ولكن أن يجلس قادتها فى غرفة مغلقة ويتناقشون بعقلانية وصولا إلى «تقدير موقف» وإجابة عن سؤال محدد: ماذا تفعلون قبل وبعد اليوم التالي؟