دلفت الزوجة إلي منزلها بعد عناء يوم مليء فوجدت زوجها يقف حاملًا ولدهم الصغير وهو يبكي بشدة : ايه يا مصطفى عملت ايه للواد ومالك محتاس حوسة فار تايه وسط منور خايف يقابل مصيدة كده ليه : ليكي نفس تهزرى وبعدين أنا عملت حاجة أنا خايف امسكه أصلا حاسس هيقع منى تعالى يا ست خدى ابنك تبادلوا طفلهم ووجهت هي ظهرها له وهمت بالرحيل وقبل أن تخطو خطوة واحدة داخل غرفة طفلها وصل صوته إلي مسامعها مصطفى : خلى بالك يا ياسمين الوضع ده مش نافع ذهبت مسرعة من أمامه فهى أدرى كامل دراية بكل ما سيقال بعد ذلك فذهبت من أمامه وهى تتمتم بصوتٍ منخفض ياسمين: اقعدى ايه العقبة الفظيعة في شغلي مش عارفة؟ حاجة وحشة إنى أحاول أثبت نفسى يعنى ؟!! دلفت بولدها إلي سريره وذهبت لتأخذ حمامًا يزيل عنها عناء عملها ويريح جسدها لتستعد لوجودها بمنزلها كسيدة المنزل ثم ذهبت لتحضير الطعام لها ولزوجها فى نفس الأثناء كان يجلس زوجها على أريكة فى نفس جهة سفرة الطعام وهى تختلس النظرات نحوه تحاول استبيان ما يدور بخالده من ملامحه ياسمين: يلا يا مصطفى الأكل جاهز نظر لها مصطفى بنصف عين نظرة لم تدرك معناها ياسمين بداخلها: مش عارفة اترجم هو متضايق وإلا زعلان وإلا يكونش هيقتلنى ! تحرك بهدوء وهو يترك حاسوبه على جانب وهى تنظر له بترقب شديد ووضع دفاعي تنتظر المهاجمة فى أى لحظة ياسمين داخل عقلها: يا ترى هيدبح على طول وإلا هيعذبنى الأول جلس على السفرة وبدأ بتناول طعامه بهدوء شديد يشبه هدوء ما قبل العاصفة فجلست هي مواجهه له ولازالت نظرات الترقب على ملامحها بعدما انتهوا من تناول الطعام رتبت هي مطبخها وذهبت له فى شرفة منزلهم كعادة يومية لطيفة لهم سويًا ياسمين : أحلى شاى بالنعناع لأحلى أبو يامن فى الدنيا مسا عليك يا حبيب قلبي لازال يرسم ملامحه العبوسة على وجهه ولكن داخله كان مبتسم بشدة من مرحها فأدار وجهه للجهة المقابلة حتي لا تكشفه ولكن كيف وهي أكثر من تفهمه ياسمين بغرور مرح: حاولت تفضل مكشر بس معرفتش من جمال روحى لفيت وشك بعيد وابتسمت ابتسامة بسيطة كده كويس اللى هو يا أخى بالله قلبى وخليهولك بالله ما هو راجع اسمع منى مصطفى بهدوء : ينفع يا ياسمين اللى بيحصل ده ياسمين بتمثيل نظرة بريئة : هو ايه اللى بيحصل يا مصطفى مصطفى: يعنى ينفع أنا أرجع قبلك من الشغل وكمان ياريتنى عرفت اتعامل مع يامن ياسمين: والله يا مصطفى النهاردة بس مدير التحرير كلفني بشغل زيادة الله يسامحه بس والله مصطفى بمقاطعة: مفيش بس يا ياسمين مفيش بس أنا النهاردة حسيت أد ايه فعلا إنك لازم تفضلى متواجدة فى البيت ومع يامن لازم تتفرغى ليه ياسمين بسرعة: بس أنا مش عايزة أسيب شغلى يا مصطفى انت عارف أد ايه ده مهم بالنسبة لي وده حلمى من وأنا صغيرة وكمان مصطفى : بس بس اهدى فى اي حاوط يدها الاثنين بيديه وسحبها خلفه بهدوء ليجلسوا على طاولة صغيرة فى شرفتهم وجلس مقابلًا لها ولازالت يديهم متشابكة ونظر لها بنظراته التي تحمل كل معاني الحنية ليجدها تضيف بمرحها المعتاد ياسمين : بس أنا مش هضعف لا أنا لن استسلم تؤ متبصليش بعينك الحلوة دى بس وتسبلى مصطفى : بصى يا ياسمينتى ياسمين : هاا مصطفى بضحكة خفيفة : بصى يا حبيبى أنا عارف إن ده حلمك وانتِ عارفة إن أنا أكتر حد بيشجعك على حاجة بتحبيها بس دلوقتى احنا عندنا ابننا مبقولكيش اقعدى خالص من شغلك أبدا طالما عايزة أكيد أنا هدعمك بس ابننا محتاج رعاية ومينفعش نسيبه لمامتك كل يوم لأنها هتتعب نظرت ياسمين للأرض كطفل مذنب: بص هو بصراحة أنا كنت بفكر أسيب الشغل سنة أو اتنين لحد ما يامن يكبر حبة وأنزله حضانة بس كنت بعاند معاك مصطفى بضحكة: والله كنت عارف ثم رفع ذقنها بيده لتتقابل نظراتهم ونظر لها بحب شديد كعادته: ما أنا اللى بحب عنيدة أعمل ايه ياسمين بضحكة خفيفة : والعنيدة بتحبك والله فى منزل آخر يحمل بين جدرانه نفس المعضلة ولكن تلك المرة بتفكير مختلف كليًا بغضب شديد: أنا قولت مفيش شغل يعنى مفيش شغل انتِ سامعة بهدوء: ممكن نقعد ونتناقش بهدوء لو سمحت : أنا معنديش ستات تشتغل ومش عايز أسمع كلمة فى الموضوع ده تانى كفاية : لا مش كفاية أنا عايزة اشتغل أنا من حقى يبقالى شخصية مش حابة أكون معتمدة عليك اعتماد كلى وده حقى : أنا جوزك يا هانم لو مش واخدة بالك يعنى برضاكى غصب عنك اعتمادك الأول والأخير عليا : أنا عارفة ده وطبعا انت الأول والأخير بس أنا عايزة افهمك وجهة نظرى أنا مش بعد ما جات لى فرصة عمرى وفرصة عمرها ما هتتعوض عايز تبعدنى عنها الفرصة بتيجى مرة واحدة : وأنا قولت كلمتى يا حبيبة مفيش شغل يعنى مفيش شغل لما ما اعرفش أصرف عليكى ساعتها ابقى قولى عايزة تنزلى تشتغلى محدش هيلومك وأنا مش حارمك من حاجة عشان تقولى كده : يا حبيبى هو أنا بقول حارمنى والله أبدًا انت مخلينى مش محتاجة حاجة بس أنا زهقت يا عبد الله أنا ليل نهار قاعدة مش بعمل حاجة وانت فى شغلك عبد الله بجمود : والله مش ذنبى يا حبيبة إنك قاعدة لوحدك حبيبة بصدمة : انت بتعايرنى يا عبد الله عشان مبخلفش عبد الله ببرود : أنا مقولتش كده بس شغل مفيش انسى ثم تركها وذهب وهى تنظر فى آثره بصدمة وعيون لامعة بدموعها ونظرات الانكسار تحوى عينيها ذهبت الأيام خلف الأيام تجر معها الشهور ليمر على أبطالنا سنة كاملة ياسمين تخلت عن حلمها لفترة محدودة حتي تتفرغ تفرغ كامل لولدها ولكي تحافظ على بناء منزلها بينما حبيبة لازالت تحاول وتحاول مع زوجها لكي يعود عن تفكيره ولكن نفس التفكير بنفس الكلمات والنقاش الحاد كل مرة يومًا ما كانت تجلس ياسمين مع ولدها وتفعل أشياء فى منزلها وقاطع ذلك رنين هاتفها ياسمين: ألو أمينة: صاحبى اللى واحشنى ياسمين بفرحة: أمينه ازيك وحشتينى عاملة ايه روحتى وقولتى عدولى ولا تليفون تطمنى على صاحبة عمرك وكمان تلفونك مقفول أنا قولت استعريتى منى بعد ما مشيتى أمينة : ايه ايه حيلك انتِ أكتر يا ياسمينوو عاملة ايه وحشانى ياسمين : يخرب بيت ياسمينوو اللى وحشتنى دى هتنزلى مصر امتى بقى أمينة: مفاجأة أنا أصلا فى مصر نزلنا فترة أنا جوزى والولاد ومكلماكى أعزمك يا اختى خلينا نعود بأيامنا شوية وكمان انتِ وحشتينى أوى هستناكى وهبعتلك العنوان لما اقفل ياسمين : حمد لله على السلامه يا حبيبتي ابعتي العنوان فاتت أيام لم يحدث بها شيء جديد حتى أتي يوم زيارتهم لصديقة ياسمين مجرد وصولهم تبادل الصديقتين الأحضان وتعرف الرجال على بعضهم البعض ثم وصل أصدقاء آخرين لزوج أمينه وتعرفوا جميعًا على بعضهم ولم تكن تلك الأصدقاء سوى عبد الله وحبيبة ظلت الأحاديث تدور بينهم حتي سألت ياسمين سؤال يزيد من مواضيع حديثهم ياسمين : انتوا بقي دارسين اي حبيبة : أنا درست إدارة أعمال ياسمين : ما شاء الله عليكى يعنى شركات بقى وكده أيوة يا عم ماشية معاك حبيبة ابتسمت بحزن: تسلمي بس أنا مش بشتغل ياسمين باستغراب: ليه ده مجالك حلو جدا كانت ستجاوبها حبيبة ولكن قبل أن تنطق حرف تحدث عنها زوجها: معنديش ستات تشتغل مصطفى : ليه كده بس عبد الله : عشان ده الصح مصطفى : اعذرني مش فاهم وجهة نظرك عبد الله بثقة: يعنى قصدى إن الست مالهاش غير بيتها وجوزها ايه يخليها تنزل تبهدل نفسها وممكن تتعرض لمواقف سخيفة واحنا مش بنخليهم عاوزين حاجة مصطفى: مش كل الستات بتشتغل بدافع مادى ممكن يكون طموح أو بتحاول تحقق ذاتها فى مجال بتحبه عبد الله : الطموح ده لينا احنا نحققها ونوفرلهم عيشة مرتاحة سليمان ( زوج أمينة ) يتدخل: يعنى ايه الطموح لينا أكيد بردو هما عندهم طموح عبد الله: أقصى طموح الستات بيبقى أنها تلاقى حد يستتها ويحافظ عليها وهى دورها تحافظ على بيتها وجوزها مش تنزل تبهدل نفسها سليمان: مش كل الستات بيبقى ده طموحها بالعكس فى ستات بيبقى طموحها تثبت نفسها فى مجال معين وتحقق اللى رجالة كتير معرفوش يحققوه عبد الله : طب وعلى ايه البهدلة ما تريح نفسها كفاية إننا نوفرلهم كل اللى عايزينه هيعوزوا ايه تانى مصطفى : هتعوز تثبت نفسها هتعوز تحقق حلمها اللى عاشت بتدرس وتحلم تحققه طول حياتها مش هنيجى احنا أو يجى شريك حياتها فى لحظة يمسح كل ده بالعكس لازم يكون أكبر داعم ليها ويشجعوا بعض هتعوز تكون بنى ادمة ليها رأى فى المجتمع عبد الله : رأيها لبيتها وجوزها ونفسها هتعمل اي للمجتمع دى مجرد ست وربنا خالقهم كائنات ضعيفة عشان نكون احنا حمايتهم سليمان باستنكار: ضعيفة بالعكس فى ستات كتير جدا شخصيتها أقوى من رجالة وفى ستات بتوصل لمستوى فى مجالات نادرة الرجالة مبيقدروش يوصلوا فيها زى ما هو راجل هى ست عبد الله: مش هيجى أكتر من كلام ربنا يا أساتذة ربنا قال ووقرن فى بيوتكن مصطفى : انت فاهم معنى الآية غلط «وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ أكيد مش هناخد الجزء اللى يعجبنا من الآية ربنا قال ووقرن فى بيوتكن ولا تبرجن يعنى لا تبدون زينتكم لكن لو الست نازلة بكامل وقارها وكامل حجابها ومحترمة ذاتها ايه المانع لو حرام مكانش الإسلام شجع تعليم المرأة يبقى ايه المانع وكمان الآية مذكورة فى سياق النداء لنساء النبى صلى الله عليه وسلم ترشدهن إلى الاستقرار فى بيوتهن وعدم التبرج كما كان عند الجاهلية الأولى، والتبرج قيل : هو المشى مع تبختر وتكسر، وقيل: هو أن تلقى المرأة خمارها على رأسها ولا تشده ، فتنكشف قلائدها وقرطها وعنقها كان عبد الله يستمع لحديثه وتفكيره مشغول هل هو حقًا على خطأ وبدأ الاقتناع داخله تدريجياً ولكن رفض الخضوع عبد الله: الستات لما بتنزل شغل بتهمل فى بيتها مبيكونش عندها وقت توفق بينهم بالذات لو عندها ولاد سليمان : مش الكل طبعا أنا وأمينة واحنا مسافرين كانت بتشتغل وتوفق بين شغلها وبين البيت والأولاد ثم أكمل بضحكة خفيفة واديك شوفت ولادنا الاتنين شياطين ازاى أمينة : فعلا بس أنا حابة شغلى وحابة أثبت نفسى فيه وكنت خايفة اتجوز حد يقتل طموحى بس بجد سليمان كان عز داعم ليا ياسمين : أنا بقى مقدرتش أوفق أوى وعشان كده قعدت شوية بس ده مش معناه انى سيبت شغلى لا أبدا مجرد فترة وهرجع أحسن من الأول مصطفى : الوقت سرقنا يا جماعة والولاد تعبوا نظروا جميعًا تجاه أطفالهم وجدوا يامن ومحمد وأحمد أبناء سليمان وأمينة غارقين فى ثبات عميق فودعوا بعضهم البعض على وعد بلقاء آخر قريب ظل عبد الله يتردد فى أذنه حديثهم ويفكر حتي توصل أنه كان مخطيء فى حق زوجته وطموحها ولكن لازال داخله متردد يخشي الاعتراف بخطأه فى اليوم التالى كان عبد الله وحبيبة جالسين على طاولة طعامهم فى هدوء وعبد الله ينظر لها بتردد كبير هل يفاتحها فيما يفكر أم لا عبد الله : حبيبى بصتله حبيبة بسرعة وبراءة : نعم عبد الله وهو يجلى حلقه بتوتر: احم احم فى شركة كانت منزلة إعلان بشهادتك حسيته مناسب ليكى قولت أخد رأيك حبيبة بعدم وعى : تمام يا حبيبى ولم تمضي لحظات حتي نظرت له بصدمة: ايه .. بتقول ايه؟ عبد الله بابتسامة حب: أنا موافق إن حبيبة قلبى تحقق حلمها وتبقى أحسن حد فى الكون حتى أحسن منى كمان حبيبة بفرحة : بجد يا عبد الله ثم عانقته سريعًا بفرحة: انت أحسن عبد الله فى الدنيا .. أنا مش مصدقة نفسى وفاتت سنوات آخرى قليلة يامن كبر قليلًا وعادت ياسمين لعملها وحبيبة تصاعدت لأكثر من منصب فى عملها وأثبتت كفائتها فى وقت قليل للغاية وأيقن زوجها داخله أن وجهة نظره لم تكن سليمة أبدًا ولكن كعادة معظم الرجال لم يعترف بذلك سوى داخله فقط يومًا ما فى حفلة كبيرة أقامتها الشركة التي تعمل بها حبيبة ولها بها تكريم عظيم وبالطبع لم تنس أن تدعوا أصدقائها ليشاركوها تلك الفرحة بتحقيق حلمها كانوا يجلسون جميعًا على طاولة واحدة حتي ذكر اسم حبيبة لتصعد المنصة وينظر لها زوجها بكل فرحة وفخر لما وصلت له وكأنها ابنته ونجحت فى شيء كبير ثم ذهبوا بعد الحفل لتناول العشاء فى الخارج احتفالًا بتلك المناسبة السعيدة ولكن كان هناك خبر أكثر سرورًا وتحدثت فجأة حبيبة : احم احم نظر إليها الجميع ينتظرون ما تود قوله حبيبة: أنا أكتر واحدة مبسوطة النهاردة ومفيش حد في فرحتى بجد، عبد الله أنا بحبك أكتر من أى حاجة فى الدنيا وعندى ليك خبر حلو أوي، أخذت نفسا طويل وأردفت بابتسامة وعيون لامعة: أنا حامل.