تحل دولة اليونان كضيف شرف لهذه الدورة من معرض الكتاب، وقد اختصت – كالمعتاد – إحدى القاعات الرئيسية بالفعاليات المتعلقة بها وبكتّابها. وكانت البداية مع ندوة لمناقشة كتاب اليونانيون وصناعة مصر الحديثة»، بحضور نيكولاس جاريليدس سفير اليونان، ألكسندر كيترويف أستاذ التاريخ بجامعة اليونان ومؤلف الكتاب، نيكولا كوكيز نائب رئيس المؤسسة اليونانية للثقافة، وقام بترجمة الندوة إلى العربية الملحق الثقافى اليونانى يانى نيكولاس. حرص السفير اليونانى فى مستهل الندوة على التأكيد على أن الجالية اليونانية فى كل أنحاء العالم تجمعها قواسم مشتركة مع الجاليات المصرية المتواجدة بالخارج، وأهمها القدرة على التعايش المشترك تحت أى ظروف أو ضغوط، فأفراد الجالية اليونانية والمصرية لديهم قدرة عالية على التكيف مع القوانين التى تفرضها الدول التى يتواجدون فيها، فهم يتبعون القوانين ويكونون أكثر امتثالاً لأنظمتها، وصولاً إلى قدرتهم على الإبداع وتولى مراكز قيادية بهذه الدول، والإسهام فى تحقيق نهضات اقتصادية بها. وعن فترة إقامة الجالية اليونانية فى مصر خلال حكم محمد على، قال جاريليدس: «تلك الجالية لم ترسلها الدولة ولا أى مؤسسة، ولكن اليونانيين أنفسهم شعروا بأن مصر بلدهم الثانى، وجاءوا إليها سعيًا وراء رزقهم، بحثًا عن فرص عمل». أما ألكسندر كيترويف فأشار إلى أن جده جاء إلى مصر عام 1890، وكان أول من بنى عمارة بالأسمنت عام 1925 بالإسكندرية، مضيفًا: «لقد تربيت فى كل حياتى بحكايات عن مصر، حكايات تدل على أن الجالية اليونانية كانت مزدهرة، لذلك قمت بتوثيق تاريخ اليونانيين بشكل أكاديمى فى مصر، فالواقع أن الجالية فى مصر والولايات المتحدة أكبر جاليتين. والوثائق تقَول إن الجالية فى مصر كان لها امتيازات على المصريين، وكان علىّ أن أذهب لمتابعة الدراسة لكى أوضح فيها العلاقة بين اليونانين والمصريين، فقد كان اليونانيون يشعرون أن مصر وطنًا لهم». مما لاشك فيه أن الترجمة أحد الروافد التى عملت على توطيد العلاقات بين البلدين، ومن هذا المنطلق أقيمت ندوة «الترجمة أداة للدبلوماسية الثقافية»، التى أدارتها كاترينا فرانجو وكيلة حقوق طباعة الأعمال الأدبية للأدباء اليونانيين، وشارك فيها نيكوس باكوناكيس رئيس لجنة برنامج «Greeklit.gr»، وسعيد عبده رئيس اتحاد الناشرين العرب، ومحمد البعلى مدير دار صفصافة للنشر والتوزيع، وخلالها قالت كاترينا إن هذه هى أول زيارة لها لمصر، وتعتبر رحلة استكشافية لفتح مجال جديد للتعاون واستمرار العلاقات، إذ أن الترجمة هى الأساس لتتمكن الشعوب من المعرفة، ولذلك تريد اليونان أن يتم النشر لمصريين وعرب داخلها والعكس. بينما قال نيكوس باكوناكيس، إن المشروع يهدف إلى ترجمة الأدب اليونانى إلى لغات أجنبية، وهذا البرنامج تم إنشاءه من قِبل وزارة الثقافة اليونانية، وبدأ يعمل كجزء من مؤسسة الثقافة اليونانية، وهدفه ربط الأدب اليونانى والأعمال الأدبية بالعالم. ويعمل المشروع على ترجمة إصدار جديد لم يترجم من قبل أو ترجمة مختارات من الأدب يقدمها وكلاء الحقوق والناشرين. ويمكن تقديم طلبات المشاركة فى سبتمبر ويناير ومايو من كل عام عن طريق الناشرين العرب والمصريين؛ ليستفيدوا من الدعم المقدم من المؤسسة وهو ما يقرب من 75٪. ومن جانبه أكد سعيد عبده على ضرورة أن يعرف الناشرين التفاصيل حول مبادرة اليونان ودور المؤسسة الثقافية اليونانية، للاستفادة من هذا الدعم اليونانى والتواصل مع القائمين عليه بعد تحديد هوية عقد مناسب يضمن حقوق النشر وحقوق الكاتب . أما محمد البعلى، فأشار إلى أن ساحة النشر والترجمة من اليونانية إلى العربية حاضرة فى المشهد الثقافى المصرى، إلا أننا نحتاج إلى كتالوجات للتعريف بالكتاب اليونانى، إلى جوار معرفتنا بكفافيس وأرسطو وأعمال إبداعية للروائية والمترجمة بيرسا كوموتسى، لكن يشغلنا أن نعرف أكثر عن الكتاب الشباب من اليونانيين، وكذلك الشعراء الجدد. واعترافًا بدوره البارز والمهم فى تعريف العرب بالثقافة اليونانية، وكتعبير بسيط عن رد الجميل؛ أقامت دولة ضيف الشرف ندوة تكريمية لعميد الأدب العربى الدكتور «طه حسين»، بحضور المترجمة اليونانية بيرسا كوموتسى، والدكتور أنور مغيث رئيس المركز القومى للترجمة السابق. وخلالها قالت كوموتسى إنها من المعجبين بطه حسين، ولذلك حرصت على ترجمة روايته «دعاء الكروان»، مضيفة: «شاهدتُ فيلم دعاء الكروان وأعجبتُ به كثيرًا، ولهذا حرصت على ترجمة الرواية إلى اللغة اليونانية، فعلى الرغم من أن الرواية كُتبت فى ثلاثينيات القرن ال30 إلا أننا نجدها تتماس مع بعض المشكلات التى نعيشها فى عصرنا الحالى، وهذا سر عبقرية طه حسين». وأشارت إلى أن الرواية لاقت رواجًا كبيرًا فى اليونان بعد طباعتها. ومن جانبه قال الدكتور أنور مغيث: «الثقافة اليونانية كانت مهمة فى مشروع طه حسين الثقافى والتقدمى، إذ كان يرى أنه يجب إتاحة الثقافة اليونانية القديمة والفلسفة والأدب والعلم اليونانى، لاسيما من الناحية التعليمية، باعتبارها المرحلة الأولى فى تمهيد العقول، لكى تستطيع أن تتقبل قيم الحداثة؛ وهى الديمقراطية والمواطنة واستخدام العقلانية والفكر العلمى». وانطلاقًا من دور طه حسين فى تعليم اللغة اليونانية بمصر، استهلت بيرسا كوموتسى حديثها فى ندوة «العلاقات الثقافية والترجمة المشتركة بين اليونان ومصر»، ووجهت التحية لطلبة المدرسة اليونانية الذين حرصوا على الحضور، وألقوا خلال اللقاء بعض النصوص العربية التى ترجموها إلى اليونانية، مما أثار إعجاب الحضور من الوفد اليونانى. شارك فى الندوة د.طارق رضوان أستاذ الترجمة بجامعة الأزهر، د.محيى الدين مطاوع عميد كلية الألسن الأسبق بجامعة بنى سويف والمترجم عن اليونانية، وأدارها د.خالد رؤوف المنسق العام للمؤسسة الثقافية اليونانية، والذى قال إن الترجمة هى إعادة إنتاج للتجربة الإبداعية للكاتب فى لغة جديدة، فالمترجم لا ينقل كلمات من لغة للغة فقط، ولكنه ينقل ثقافة كاملة. وهذا يدفعنا لفكرة تكوين المترجم، فهو لا يكف عن البحث والقراءة، وكل تجربة يقوم بها هى إعادة اكتشاف جديد له. وأضاف: «أعتقد أن أى مترجم يجب أن يكون لديه استراتيجية، فلكى تصبح مترجمًا يجب أن تعمل على نفسك كثيرًا». وفى نهاية كلمته، أشار رؤوف، إلى أن الترجمة عن لغات وسيطة بمثابة خيانة للنص، حتى ولو كانت الترجمة باللغة الوسيطة قوية ومحترمة، فترجمة النص لكى تتم بشكل احترافى يحافظ على توازنه يجب أن تكون من لغته الأصلية. بينما انتقد د.محيى الدين مطاوع انضمام اليونان إلى أوروبا، مؤكدًا أن ذلك أساء إليها بسبب الترجمة عنها من لغة وسيطة هى الإنجليزية، لما يحدثه ذلك من خلل فى الترجمة فيفقدها توازنها ويشوهها. واستطرد: «مصر أقرب لليونان من أى دولة أخرى، حتى من أوروبا نفسها، وذلك بسبب العوامل الثقافية المشتركة التى تكونت بين الدولتين طوال فترات التاريخ، بفضل جهود مترجمينا الكبار، مثل الأستاذ الدكتور أحمد عتمان الذى لولاه لما ظهرت الكثير من الترجمات». وفى سياق متصل استضافت القاعة الرئيسية لقاء فكريًا مع الناقد والمترجم د.حسين محمود أستاذ الأدب الإيطالى بجامعة حلوان، بعنوان «عين على الآخر» أداره د.وائل فاروق أستاذ اللغة العربية بجامعة ميلانو الكاثوليكية بإيطاليا. وخلالها قال د.حسين: «العلاقة ما بين شمال البحر المتوسط وجنوبه، علاقة حب منذ آلاف السنين، ويجب علينا أن نعرف أن هناك فرقًا ما بين علاقة الكيانات السياسية وعلاقة الشعوب، فالأولى يمكن أن تهتز، لكن علاقات الشعور باقية للأبد، ونحن نأمل من خلال التراجم أن نربط عالمين ببعضهما البعض، لأن الأدب واحد فى كل اللغات، والكتب تتجانس على رف المكتبة دون فرق بينها». وانتقد محمود ضعف حركة الترجمة العكسية من اللغة العربية إلى اللغات الأجنبية وما يترتب على ذلك من سلبيات، موضحًا: «المترجمون فى الغرب يترجمون إلى لغاتهم الروايات الشعبية التى نراها نحن بلا قيمة، بالإضافة إلى موضوعات معينة مثل وضع المرأة فى المجتمعات الشرقية؛ لأنهم لا يحبون أن يقرأوا عنا إلا فى هذا الاتجاه». اقرأ أيضا | رحلة صعود الجالية اليونانية في مصر