احتشد فى الاحتفال عدد كبير من الوزراء الذين جذبهم اسم التوأم «مصطفى» و«على أمين» ودورهما فى تاريخ الصحافة والوطن فضلًا عن أهمية مؤسسة «أخبار اليوم» ومكانتها فى تاريخ الصحافة العربية لم تكن أول زيارة لى ل»اليونان» فقد زرتها أكثر من مرة قبل ذلك ورأيت أهم جزرها فى ذلك الأرخبيل الإغريقى الرابض فى مياه البحر وكأنه علامة على الماضى وصوت من التاريخ، وبينما الطائرة تهبط فى مطار «أثينا» فى الأسبوع الماضى تداعت إلى ذهنى عناوين كثيرة فتذكرت «سقراط» و»أرسطو» و»أفلاطون»، وتذكرت «الشعلة الأوليمبية» وتذكرت «دولة المدينة» فى «اسبرطة» و»أثينا»، وتذكرت أيضًا عندما تمكنت «مصر» بعد تأميم «قناة السويس» من تشغيلها بالمرشدين اليونانيين بعد انسحاب المرشدين الموالين للإدارة السابقة ل»القناة»، وتذكرت أيضًا أن «اليونان» كانت الدولة الوحيدة فى «غرب أوروبا» التى زارها «جمال عبد الناصر» ويومها طلبوا منه أن تتأبط الملكة «فيكتوريا» ذراعه وأن تتأبط السيدة «تحية عبد الناصر» ذراع الملك «بول» ولكن الزعيم المصرى رفض ذلك وطلب البساطة الكاملة فى مراسم الزيارة، لقد تذكرت ذلك كله كما تذكرت كتاب «طه حسين» (مستقبل الثقافة فى مصر) ودوره فى توثيق ارتباط «مصر» بدول «البحر المتوسط» والذى نسميه «بحيرة الحضارات» خصوصًا وأن عميد الأدب العربى قد احتفى ب»الحضارة الهيلينية» واعتبرها رافدًا من روافد الثقافة المصرية فى حاضرها ومستقبلها، ولعلنا نتذكر أيضًا أن ملكة «أسبانيا» السابقة «صوفيا» كانت ابنة ملك «اليونان» وقد تربت فى مدينة «الإسكندرية» فارتبطت بها دائمًا، وفوق ذلك كله وقبله فإننا نتذكر دائمًا تلك الحقبة اليونانية التى دخلت تحت عباءة التاريخ الفرعونى منذ مجيء «الإسكندر» وتعاقب حكام «دولة البطالمة»، لقد استبدت بى تلك المعانى وغيرها وأنا أقضى أيامًا فى زيارة سياحية مع أسرتى بذلك البلد الصديق وهو جار فى الجغرافيا ورفيق فى التاريخ ومخلص فى السراء والضراء، ولقد لفت نظرى سطوة «الكنيسة الأرثوذكسية» فى ذلك البلد الذى عانى تاريخيًا من استبداد «الأتراك» وطغيان «العثمانيين» ولعل هذه نقطة جديرة بالدراسة إذ تكاد تكون «أثينا» هى «العاصمة الأوروبية» الوحيدة التى لا يوجد بها مسجد جامع اكتفاءً بعدد من الزوايا الصغيرة لأن عقدة العلاقة بين «الأتراك» و»اليونان» قد تركت بصمة سلبية على العلاقة بين «الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية» والمسلمين فى بعض مراحل تاريخ الحضارة «العربية الإسلامية»، إننى أقول ذلك وأنا أدرك أن الشعب اليونانى يحمل ل»الإسلام» مكانته رغم أنه عانى كثيرًا من ظلم بعض الحكام المسلمين خصوصًا فى «العصر العثماني» مثلما عانت كثير من «دول البلقان» من مظالم ذلك الحكم، ولعلى أسجل هنا أن المصريين تحديدًا يحتلون مكانة خاصة فى قلب الشعب اليونانى من بين كل «الدول الإسلامية» وربما «العربية» أيضًا فالتاريخ مؤثر والجغرافيا حاكمة كما أن «الشعب اليوناني» كله يعتز بسنوات طويلة قضاها أجدادهم وآباؤهم فى «مصر» خصوصًا فى مدينة «الإسكندرية» عندما كانت أرضنا الطيبة تحتوى «الشوام» و»اليونان» و»الطليان» و»الأرمن» و»اليهود» أيضًا، لقد كان المجتمع المصرى رائعًا فى تعدديته مثيرًا فى تنوعه، ولقد رأيت فى مكتب سفيرنا اللامع فى «أثينا» «أحمد بديوي» صورة تعود إلى ثلاثينيات القرن الماضى لحشد ضخم فى يوم الاحتفال ب»العيد الوطنى اليوناني» فى كنيسة «الروم الأرثوذكس» فى «حى بولاق» حيث احتشد الآلاف تحية من «وادى النيل» ل»الشعب الهيليني» العظيم، إنها أيام خوالى ليتنا نشهد - أو حتى أولادنا من بعدنا - عودة الروح إلى وطننا العظيم و»الكنانة» المضيافة التى كانت دائمًا قاطرة التقدم وشعلة التنوير فى المنطقة كلها، ولقد سمعت عن الاقتصاد اليونانى أنباءً مزعجة أكثر مما كنا نتابع فى السنوات الماضية واكتشفت أن بيننا وبينهم عوامل مشتركة أولها الفساد المالى والإداري، وثانيها السطو على المال العام واستحلال أملاك الدولة، وثالثها ضعف إنتاجية الفرد والرغبة فى «المعاش المبكر» والخلود إلى الراحة، ولقد أصبح الاقتصاد اليونانى عبئًا على «الاتحاد الأوروبي» وجأرت بالشكوى دول فى «أوروبا الغربية» ترى أن دافع الضرائب فيها يقدم دعمًا للمواطن اليونانى الذى لا يعمل، وقد تجاوزت أرقام المبالغ المطلوبة لإنقاذ الاقتصاد اليونانى أكثر من مليارى «يورو» واضعين فى الاعتبار أن عدد سكان «اليونان» لا يزيد عن عشرة ملايين نسمة، بل إن دعاة خروج «المملكة المتحدة» من «الاتحاد الأوروبي» يقدمون النموذج اليونانى كأحد الأعباء التى يتحملونها على حساب اقتصادهم الوطني، ورغم ذلك كله فإن التدفق السياحى على «اليونان» وإقبال الأجانب على شراء الشقق هناك طلبًا للاستقرار والحصول على امتيازات مواطن «الاتحاد الأوروبي» تبدو علامات مشجعة حول إمكانية النهوض بالاقتصاد اليونانى ولو بعد حين، ولقد كان طبيعيًا أن أزور فى قلب «العاصمة اليونانية» معبد «الأكروبوليس» واندهشت كيف يصنع غيرنا من القليل ما هو كثير بينما نهدر نحن الكثير حتى يبدو قليلًا! ولابد أن أسجل هنا ارتياحى للتوجه المصرى الجديد الذى حظى باهتمام الدبلوماسية المصرية بعد رئاسة «السيسي» وأعنى به السعى إلى توثيق العلاقة بدول «جنوب المتوسط» خصوصًا «اليونان» و»قبرص» لأن ذلك يضيف دائرة جديدة إلى الدوائر الثلاث التى حددها «عبد الناصر» للسياسة الخارجية المصرية فى كتابه «فلسفة الثورة» وأعنى بها «الدائرة العربية» و»الدائرة الإسلامية» و»الدائرة الإفريقية».. لقد كانت زيارتى ل»اليونان» تجديدًا عمليًا لاهتمام نظرى طويل بأرض الآلهة خصوصًا وأننا درسنا فكر فلاسفتها الكبار وتاريخ نظم الحكم وقضايا الديمقراطية والمشاركة السياسية من خلال تداول النموذج اليونانى القديم والذى طرحه العقل الإغريقى امتدادًا للحضارة المصرية الرائدة فهى أم الحضارات وملهمة الجميع. «محمد غنيم» ابن «دمنهور» لا أقصد هنا د. «محمد غنيم» ابن «المنصورة» عالم الطب الشهير ورجل السياسة الوطنية المعروف ولكننى أقصد أ.«محمد غنيم» الذى كان وكيلًا أول لوزارة الثقافة المصرية للعلاقات الخارجية كما كان مسئولًا عن مشروع «المتحف الجديد» عدة سنوات، وأكتب عنه اليوم متأثرًا فقد كان يجب أن أفعل ذلك منذ سنوات ولكن التكريم الذى حظى به مؤخرًا لفت نظرى إلى تقصير أعتذر عنه لأن للرجل صلة طويلة بى فنحن أبناء محافظة واحدة، وأتذكر وأنا طالب فى الثانوية العامة أن وفد إلينا مدرس كان قد تخرج فى نفس العام تقريبًا لتدريس «اللغة الإنجليزية» لدينا ولفتت نظرنا جميعًا لغته الرفيعة وأناقته الواضحة ووسامته الملحوظة وحظى الرجل وقتها بحفاوة بالغة من الطلاب واكتسب شعبية كبيرة فى وقت قصير ثم شق طريقه بعد ذلك خارج وزارة التربية والتعليم فأصبح مستشارًا ثقافيًا مرموقًا ل«مصر» فى السفارة المصرية ب«واشنطن» ثم عاد إلى موقعه فى وزارة الثقافة فارضًا وجوده مؤكدًا مكانته، وأبلى نجاحًا واضحًا فى كل المواقع التى تبوأها والمناصب التى شغلها، وامتدت بينى وبينه حبال المودة صديقًا عزيزًا وأخًا كريمًا ومسئولًا أنيسًا لا يمل أحد حديثه الذكى وروحه الساخرة وأفكاره المتوهجة، إنه «محمد غنيم» الذى كان إضافة ثرية لوزارة الثقافة لسنوات طويلة فى عهد الوزير الفنان «فاروق حسني» وقبله وبعده، وأتذكر أن الرئيس الأسبق «مبارك» لمحنا نتحدث فى إحدى المناسبات فقال له: ماذا يقول لك «الفقي» يا «غنيم»؟ فرد عليه بسرعة بديهة قائلًا: إن «مصطفى» كان أستاذى فى المدرسة وأنا أتذكر معه تلك الأيام من سنوات دراستي، وهو بذلك يعكس الحقيقة مازحًا فضحكنا نحن الثلاثة، لقد كان «محمد غنيم» مركز جاذبية إنسانية لكل من يعرفه وأتذكر أيضًا مداعباته المتبادلة مع الموسيقار المصرى الراحل «محمد نوح» الذى كان زميل دراسته و»القفشات» المتبادلة والتلميحات الذكية بين اثنين من أبناء مدينة لا يفتقد أبناؤها الذكاء الحاد والوعى العميق الذى يستهدف تحقيق المصلحة بأقصر الطرق، إننى أحيى اليوم «محمد غنيم» وقد حياه قبلى كثير من أصدقائه وزملائه ومنهم الصديق المشترك الأثرى العالمى «زاهى حواس».. تحية ل»محمد غنيم» أمد الله فى عمره ليبقى «أيقونة» لامعة فى وقت نحتاج فيه إلى كل شعاع مضيء. جائزة «مصطفى» و«على أمين» تلقيت هذا الأسبوع تكريمًا لم أكن أتوقعه وهو حصولى على جائزة أفضل مقال لعام 2016 وهى جائزة العمودين الكبيرين فى تاريخ الصحافة المصرية «مصطفى» و»على أمين» اللذين تربيا فى «بيت الأمة» بحكم صلة القرابة مع الزعيم صاحب الشعبية الطاغية رمز ثورة عام 1919 «سعد زغلول باشا»، ولقد ذكرنى ذلك التكريم الذى حظيت به عام 2016 بجائزة المقال بتكريم آخر عام 1966 أى منذ خمسين عامًا بالتمام والكمال عندما حصلت أيضًا على جائزة أفضل مقال سياسى من «المجلس الأعلى للعلوم والفنون والآداب» وكان ذلك فى عام تخرجى وكانت قيمة الجائزة سبعين جنيهًا وهو مبلغ كان مذهلًا لطالب لم يعمل بعد وكان ذلك فى «العهد الناصري» حيث كانت تجرى مسابقات صيفية بين الشباب فى مختلف أنواع المعرفة، ولقد أسعدنى هذا العام أن أحصل على جائزة أفضل مقال فى حفل «مصطفى» و»على أمين» السنوى للحاصلين على جوائزه وأن يكون رجل العام هو الكاتب الكبير «مكرم محمد أحمد» والذى حصل عليها أيضًا من قبل منذ سنوات طويلة وسلمها له الكاتب الراحل «مصطفى أمين» كما حصل عليها أيضًا من قبل الكاتب الكبير «صلاح منتصر»، ولقد أسعدنى كثيرًا أن يكون فى استقبالنا رئيس مجلس إدارة «أخبار اليوم» ورئيس تحرير «الأخبار» أ.«ياسر رزق» والأستاذة الفاضلة «صفيه مصطفى أمين» التى عرفتها منذ سنوات كاتبة صحفية تغطى أحداثًا سياسية واجتماعية بكفاءة عالية وخلق كريم، وقد احتشد فى الاحتفال عدد كبير من الوزراء الذين جذبهم اسم التوأم «مصطفى» و«على أمين» ودورهما فى تاريخ الصحافة والوطن فضلًا عن أهمية مؤسسة «أخبار اليوم» ومكانتها فى تاريخ الصحافة العربية. «الصالون الثقافى العربي» أطل علينا من جديد فى زيارة قصيرة د.»قيس العزاوي» مندوب «العراق» السابق فى «الجامعة العربية» والذى يرجع إليه فضل تأسيس «الصالون الثقافى العربي» الذى أتشرف أن أكون واحدًا من مؤسسيه مع الدكاترة «يحيى الجمل» و»جابر عصفور» و»صلاح فضل» وأ.»محمد الخولي» والفنان «نصير شمه» وغيرهم من رموز المجتمع وفرسان الدبلوماسية العربية فى «القاهرة»، ولقد كان اللقاء هذه المرة حول القضية المحورية الأولى التى تحتل مكانة خاصة فى العقل العربى المعاصر وأعنى بها قضية التعليم، وقد تحدث كثير من الخبراء حديثًا عميقًا ومتجددًا فى هذا الموضوع الذى يعتبر بوابة المستقبل وحديث الساعة، وأدلى أ.»نبيل عبد الفتاح» والأخوان «مغيث» ود.»جابر عصفور» ود.»حسن حنفي» وأ.»جورج إسحاق» وأ.»محمد صابرين» وعدد كبير من الحاضرين كنت من بينهم حيث أدلى كل منا بتصوره حول توصيف المأزق وكيفية إيجاد المخرج لأننا اتفقنا جميعًا على أن التعليم هو مشكلة المشاكل وأن الإصلاح الحقيقى للعملية التعليمية كفيل بإحداث نقلة نوعية للبلاد إلى الأفضل، وقلت إن «شوان لاي» و»نهرو» و»لى كوان يو» و»مهاتير محمد» فى كل من «الصين»و»الهند»و»سنغافورة»و»ماليزيا» قد اعتمدوا على التعليم فى تجربة التحديث فى بلادهم ونقل أوطانهم إلى ما هو أفضل، والتعليم المصرى بلغ حدًا كارثيًا ينذر بالخطر وما لم تحشد الدولة المصرية - وأظنها سوف تفعل - كافة إمكاناتها العقلية والبشرية والمادية فكرًا وتخطيطًا وتنفيذًا فلا خلاص لهذا الوطن لأن التعليم هو مفتاح التقدم وقاطرة الديمقراطية والتنمية معًا، ولابد من علاج سريع للاختلاف الواضح بين مسارات التعليم فى «مصر» والذى يؤدى فى النهاية إلى وجود أكثر من مجتمع واحد داخل الدولة الواحدة إذ أن التعليم يجب أن يكون المسئول الحقيقى عن الانصهار الاجتماعى والحوار الوطنى الذى يقضى على الصراعات بين الطبقات والأجيال والطوائف ف»مصر» العظيمة لن يبنيها إلا تعليم متميز متماسك تتوحد مناهجه وتتفق أساليبه دون تفرقة أو تمييز. «الفرقة الهندية» كنت أزمع حضور العرض المبهر ل»الفرقة الهندية» الوافدة إلى «القاهرة» والذى أقامته ب»دار الأوبرا المصرية»، ولكن «الصالون الثقافى العربي» والتزامى نحوه شدنى إليه وحرمنى من مشاهدة عرض «الفرقة الهندية» الذى حضرته زوجتى وابنتى ذلك أننا عشنا فى «الهند» سنوات أربع أدركنا فيها البعد الثقافى لتلك التجربة الإنسانية الهائلة ل»الأمة الهندية» العظيمة الغنية بتراثها، المعتزة بهويتها، المتمسكة بتقاليدها، وأدركنا دائمًا أن قيمة «الهند» الحقيقية تكمن فى خصوصية التجربة الكبيرة لأكثر من مليار ومائتى مليون نسمة قادهم «غاندي» فكريًا ومضى بهم «نهرو» سياسيًا، ف»الهند» تربطنا بها روابط عميقة ويكفى أن نتذكر ما قاله «أمير الشعراء» فى تحية «المهاتما غاندي» وهو يستقل الباخرة التى تعبر «قناة السويس» فى طريقه إلى مؤتمر «المائدة المستديرة» فى «لندن»، لقد قال «أحمد شوقي» يومها: سلام النيل يا غاندى وهذا الزهر من عندي