سعر الدولار أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية اليوم السبت 8 يونيو 2024    انخفاض أسعار الدواجن اليوم السبت 8 يونيو 2024    قمة مصرية أذربيجية بالقاهرة لتعزيز التعاون في مختلف المجالات    حزب الله يعلن تنفيذ هجوم جوي بمسيرة انقضاضية على مواقع المدفعية الإسرائيلية في مزارع شبعا    الجيش الأمريكي يدمر خمس مسيرات حوثية وصاروخين وزورق في اليمن    مواعيد مباريات اليوم السبت 8- 6- 2024 والقنوات الناقلة    مصطفى شلبي: فضلت الزمالك على الأهلي بعد صلاة استخارة    قدوتها مجدي يعقوب.. "ميادة" الأولى على إعدادية الأقصر: كنت واثقة من التفوق    انكسار الموجة الحارة.. توقعات الأرصاد الجوية ليوم السبت 8 يونيو 2024    بدءًا من اليوم.. تغيير مواعيد القطارات علي هذه الخطوط| إجراء عاجل للسكة الحديد    نصائح صباحية ليوم مثالي وخالي من المشكلات النفسية    احذر.. الحبس وغرامة 50 ألف جنيه عقوبة فتح محل دون ترخيص    رئيسة وزراء الدنمارك تتعرض لاعتداء في كوبنهاجن    مواعيد مباريات اليوم السبت 8 يونيو 2024 والقنوات الناقلة    القاهرة الإخبارية: قوات الاحتلال استهدفت مدرسة للأونروا الليلة الماضية غرب غزة    أحمد أبو مسلم: كيف شارك الشناوي مع منتخب مصر؟    ضارة جدا، سحب 28 مشروبا شهيرا من الأسواق، أبرزها الشاي وعصير التفاح ومياه فيجي    طريقة عمل الفايش الصعيدي، هش ومقرمش وبأقل التكاليف    للحجاج.. تعرف على سعر الريال السعودي اليوم    الأمم المتحدة تطالب الحوثيين بالإفراج "غير المشروط" عن موظفيها المختطفين    من جديد.. نيللي كريم تثير الجدل بإطلالة جريئة بعد إنفصالها (صور)    مصافحة شيرين لعمرو دياب وغناء أحمد عز ويسرا.. لقطات من زفاف ابنة محمد السعدي    مواعيد مباريات يورو 2024.. مواجهات نارية منتظرة في بطولة أمم أوروبا    سوق السيارات المصرية: ارتفاع متوقع في الأسعار لهذا السبب    «اهدى علينا شوية».. رسالة خاصة من تركي آل الشيخ ل رضا عبد العال    الفرق بين التكبير المطلق والمقيد.. أيهما يسن في عشر ذي الحجة؟    فريد زهران: ثورة 25 يناير كشفت حجم الفراغ السياسي المروع    "المهن الموسيقية" تهدد مسلم بالشطب والتجميد.. تفاصيل    دعاء ثاني أيام العشر من ذي الحجة.. «اللهم ارزقني حسن الإيمان»    كريم محمود عبدالعزيز يشارك جمهوره صورة من محور يحمل اسم والده الراحل    حاول قتلها، زوجة "سفاح التجمع" تنهار على الهواء وتروي تفاصيل صادمة عن تصرفاته معها (فيديو)    رئيس البعثة الطبية للحج: الكشف على 5000 حاج.. ولا حالات خطرة    نجيب ساويرس ل ياسمين عز بعد حديثها عن محمد صلاح: «إنتي جايه اشتغلي إيه؟»    مفاجأة.. مكملات زيت السمك تزيد من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية    بعد الزيادة الأخيرة.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي الجديدة وكيفية تجديدها من المنزل    عشرات القتلى والجرحى في هجمات على مقاطعتين أوكرانيتين ضمّتهما روسيا    البيت الأبيض: لا نسعى إلى صراع مع روسيا لكن سندافع عن حلف "الناتو"    الإفتاء: الحج غير واجب لغير المستطيع ولا يوجب عليه الاستدانة من أجله    طبق الأسبوع| من مطبخ الشيف هبة راشد.. طريقة عمل الجلاش باللحم والجبنة    فريد زهران ل«الشاهد»: ثورة 1952 مستمدة من الفكر السوفيتي وبناءً عليه تم حل الأحزاب ودمج الاتحاد القومي والاشتراكي معًا    أخبار × 24 ساعة.. إجراء 2 مليون و232 ألف جراحة ضمن مبادرة إنهاء قوائم الانتظار    حظك اليوم برج الأسد السبت 8-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    فريد زهران: ثورة 25 يناير كشفت حجم الفراغ السياسي المروع ولم تكن هناك قيادة واضحة للثورة    أطول إجازة رسمية.. عدد أيام عطلة عيد الأضحى ووقفة عرفات لموظفين القطاع العام والخاص    بالأسماء.. إصابة 7 أشخاص في حادث تصادم ميكروباص وملاكي على طريق جمصة بالدقهلية    ربة منزل تنهي حياتها شنقًا بعد تركها منزل زوجها في الهرم    كيف توزع الأضحية؟.. «الإفتاء» توضح ماذا تفعل بالأحشاء والرأس    موعد أذان الفجر بمدن ومحافظات مصر في ثاني أيام ذى الحجة    إصابة 5 أشخاص بحالات تسمم بعد تناول سندوتشات حواوشى بالمحلة    منتخب مصر الأولمبي يفوز على كوت ديفوار بهدف ميسي    «صفقات سوبر ورحيل لاعب مفاجأة».. شوبير يكشف ملامح قائمة الأهلي الصيف المقبل    نيجيريا تتعادل مع جنوب أفريقيا 1 - 1 فى تصفيات كأس العالم    حزب الله اللبناني يعلن استهداف تجمعا لجنود إسرائيليين في مثلث الطيحات بالأسلحة الصاروخية    «الاتصالات»: نسعى لدخول قائمة أفضل 20 دولة في الذكاء الاصطناعي بحلول 2028    أستاذة اقتصاديات التعليم لإكسترا نيوز: على الطلاب البحث عن تخصصات مطلوبة بسوق العمل    أخبار مصر: 4 قرارات جمهورية هامة وتكليفات رئاسية حاسمة لرئيس الحكومة الجديدة، زيادة أسعار الأدوية، أحدث قائمة بالأصناف المرتفعة في السوق    أوقفوا الانتساب الموجه    "الهجرة": نحرص على المتابعة الدقيقة لتفاصيل النسخة الخامسة من مؤتمر المصريين بالخارج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شيخ الأزهر يطالب العرب والمسلمين بالتوحد

حذر الإمام الأكبر د.أحمد الطيب، شيخ الأزهر من مخططات استعمارية دولية لتقسيم العرب والمسلمين بالتحالف مع الصهيونية العالمية وطالب بالتوحد والانتباه لهذه المخططات.
ودعا لتدريس مقررات في المدارس والمعاهد والجامعات لتصحيح المفاهيم المغلوطة والملتبسة حول قضايا: الجِهَاد، والتكفير وغيرها من المصطلحات التي تتذرع بها جماعات العنف لتبرير قتلها للنفس البشرية دون حق.
وشدد على ضرورة إحكام السَّيطرة التَّعلِيميَّة والتربويَّة – في مدارسنا وجامعاتنا - على فوضى اللجوء إلى الحُكم بالكُفر والفِسق على المُسلِمين محذرا من أنه دون ذلك فإنَّه لا أمل في أن تستعيد هذه الأمة قوَّتها ووحدتها وأخوتها وقدرتها على التحضر ومواكبة الأمم المُتَقدِّمة.
جاء ذلك في كلمته بالمؤتمر الإسلامي العالمي بعنوان: "مكافحة الإرهاب" والذي يعقد تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ملك المملكة العربية السعودية، بمكة المكرمة.
وفيما يلي نص الكلمة:
بسم الله الرحمن الرحيم..الحمدُ للهِ، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على سيدنا محمّد وعلى آله وصحبه.
صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين وأمير منطقة مكة المكرمة..سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ المفتي العام للمملكة العربية السعودية والرئيس الأعلى لرابطة العالم الإسلامي..معالي الدكتور عبد الله التركي الأمين العالم لرابطة العالم الإسلامي..الحَفلُ الكَرِيم.
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ وبعد.
فاسمحوا لي في بِداية كَلِمتي الموجزة أن أترحَّم على خادم الحرمين الشريفين، الملك الراحل، عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، أسأل الله تعالى أن يتغمده بواسِع مغفرته ورحمته ورضوانه، وأن يتقبله مع الأنبياء والشهداء والصالحين، وإننا إذ نُجدِّد التَّهنئة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود –حفظه الله ورعاه- نسأل الله تعالى أن يوفِّقه لما فيه خير البلاد والعباد، وأن يُحقِّق الله على يديه وأيدي إخوانه قادة العرب والمسلمين وحدة هذه الأمة وإعلاء كلمة الإسلام وعزّ المُسلِمين ومجدهم.
وأتقدم للملكة العربية السعودية الشقيقة بشكر كل مصر ومصرية وبكل الاعتزاز والتقدير لموقفها التاريخي الذي لا ينسى إلى جوار مصر، ودعمها الأزهر الشريف بكل هيئاته، وريادتها في نصرة قضايا العرب والمسلمين.
الحَفلُ الكَرِيم
إنَّ هذا المُؤتمر الذي نتداعى لساحته اليوم، ونتنادى بخطره وأهمِّيته البَالِغة يأتي في وقته الصَّحِيح، وتَوقيتِه الدَّقِيق مَع أشباهه ونظائره مِن المُؤتمرات الكُبرى في الشَّرقِ والغَرب، للتَّصَدِّي لِهذا البَلاء الشَّديد الَّذي اُبتليت بِه مَنطِقَتنا العَرَبيَّة، والمُتَمثِّلِ في جمَاعَات العُنف والإرهاب، الغَريبة عن الإسلام: عَقيدةً وشَريعةً وأخلَاقًا، وتارِيخًا وحضَارة، والَّتي لَا تَمُت إلى هَدْي هذا الدِّين الحَنيف بِأدنى صِلَة أو سَبب.. بل نبذت هذه الجَمَاعات حُكم القُرآن الكَريم والسُّنَّة وراء ظهورها،
واتَّخذَت مِن الوَحشيِّة البربريَّة منهجًا ومذهبًا واعتقادًا، وقد نُزِعَت الرَّحمَة مِن قلوبهم، فَهِي كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً، وبرئ الله مِنْهُم ورَسُوله وصَالِح المؤمنين. ومِن المُؤلِم أنَّ هَؤلَاء قُسَاةَ القلوب غلاظَ الأكباد قد خَرجوا عَن السَّيطَرة، حتَّى كدنا نعتَاد أسَاليبهم المتوحِّشة، ومُمَارسَاتهم اللاإنسانية في تَنفِيذ جَرائِمهم البَشِعة، وكأنهم يتحرقون تحرق الظمآن إلى القَتل وقَطع الرُّؤوس وحَرق الأبرياء وهم أَحياء، إشاعة للذعر والخوف والرَّهبة في قلوب النَّاس، وقد بلغني مِمَّن يحتملون
مشاهدة هذه الفظائع على وسائل التواصل، أنَّ هؤلاء المُجرِمين بلغوا من قسوة القلب وتحجُّر الشُّعور أنهم كانوا يَتقَاذفُون رؤوس القَتلى بين أرجلهم، ويَلعَبُون بِها وهُم يَضحَكُون، وحسبك من شرّ سماعه.
ولَعَلِّي لَا أُبَالِغ لَو قُلْتُ إنَّه لَمْ يَحدُث للمُسلِمين -في تاريخهم -أن أمسى بأسُهم بينهم شديدًا على هذه الشَّاكِلة الشَّنعَاء التي نراها اليوم، وأن هَذِه الأُمَّة التي قال الله تعالى فيها: »كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ« {آل عمران: 110}، قد أفضَت بها الأيَّام إلى حاضِر بئيس، وخَطْبٍ فادح، وأَمْرٍ جلل، ارتكست معه الأمَّة في حمأة الفوضى والاضطراب والتَّمَزُّق والانفلات، وتشوَّهت صورة الإسلام في عيون النَّاس في الشَّرقِ والغرب.. بل أكاد أقول في عيون الناشئة من أبناء المسلمين أنفسهم.
لقد قِيل الكَثير في تَفسير ظَاهِرة الإرهاب القَاتِل الذي يجثم الآن على صَدر هَذِه الأُمَّة المَغلُوبة عَلَى أمرها... وتَنوَّعَت التَّفسِيرات إلى أسباب شَتَّى: فَمِن المُحَلِّلِين مَن ذَهب إلى أنَّ السَّببَ في ظُهور هؤلاء المُجرٍمين هو الفَقر المدقع الذي عاشوا فيه، والبيئات المُهَمَّشة المنبوذة التي ترعرعوا فيها في بعض المُجتَمَعات الإسلَاميَّة والأوروبيَّة... ومع أنَّنا لا نُقلِّل مِن شَأن الفَقر والعَوَز في تَعلِيل نَشأة كَثير من حالات التَّغيُّر الاجتِماعيّ، حتَّى هذا الذي يتَّخذ مِن العُنف والبَغي منحى ومنهجًا،
إلَّا أنَّ النَظرَة المَوضُوعيَّة تَدفعنا إلى البَحث عَن أسباب أخرى بجانب الفَقر والحاجة، ذلِك أنَّ الفَقرَ أو العَوَز لَيس أمرًا مُستَحدثًا في دنيا النَّاس، وإنما هو أمر قديم رُبَّمَا قِدَم الإنسان نفسه، فقد كان النَّاس مذ كانوا –ولايزالون- فُقَرَاء وأغنياء، ووجهاء وخاملين، ونَحنُ نَعلَم أنَّ طبقات العُلَمَاء والمُفَكِّرِين والفَلَاسِفة والشُّعَرَاء إنَّما نسجت خيوطها مِن الفُقَرَاء والبُسَطاء والزُّهَّاد، ورُغمَ ذَلِك كانوا مَصَابيح يُهتَدَي بها في دياجير الجَهل والضَّلال.
كما قِيل في تَعلِيل هَذِه الظَّاهِرة: إنَّ جذورها نَبَتت في غياهب السجون وظلمة المعتقلات، وما لقيه شَبَاب الجمَاعات الإسلاميَّة مِن قَسوة في التَّعَامُل وانتِهاكَات لِحُقوق السُّجَناء والمُحتَجَزِين، ومع وجاهة هذا القَول فإنَّ الجَماعات الإسلاميَّة لَمْ تَكُن وحدَها الَّتي صدمهم هذا اللون مِن العُنف والأذَى البَدَنيّ والنَّفسِيّ، بَل صُدِمَ به كثيرون مِمَّن يَنتَمُون إلى مَذاهِب سِياسيَّة إلحادية نذرت نفسها لِنشر الشِّيوعيَّة والإلحَاد والتَّبشِير بتيَّارات سِياسيَّة لا تَعرفها بِلاد المُسلِمين وتنكرها أشدّ
الإنكَار، ومَع ذلِك لَمْ يَتحوَّلوا – في غالبهم - إلى جماعات مُسَلَّحَة تفرِض رأيها بقوَّة السِّلَاح وتَقُضُّ مضاجِع أوطانها قتلًا وتفجيرًا ورُعبًا وتَخويفًا.
إنَّ السُّجون –أيُّها الإخوة العُلَمَاء – لَيْسَت السَّبَب الأوحَد في النزعة التَّكفِيريَّة، واستفحالها وتوحُّشها، وهي وإن كانت مِن أقوى الدَّوافِع في هذا الأمر ، إلَّا أنَّ هُنَاك أسبَابًا أكثر عمقًا يَجِبُ أنْ تُؤخَذ في حُسْبَان لقائنا هذا الذي يُحاوِل ِمَا وسَعته المُحَاولة أنْ يكفكف قَلِيلًا أو كَثِيرًا مِن غلواء هذا الشَّر المُستَطير، وأبرز هذه الأسباب – فيما أرى - هو التَّراكمات التَّارِيخيَّة لنزعات الغُلُوّ والتَّشَدُّد في تراثنا، والَّتي نشأت مِن تأويلات فاسِدة لِبَعض نصوص القُرآن الكَريم والسُّنة
النَّبويَّة وأقوال الأئمة.. فَفِي هذه التَّرَاكمات مُنزَلقات تُؤدِّي إلى التَّكفِير لأدنى مُلَابسة أو سَبَب، وفيها نزعَات قد انغلقت على بعض الآراء الفِقهية والعقديَّة، تراها الحقَّ الَّذي لا حقَّ غيره، وتَحكُم على مَن يُخالفها بالكُفرِ وبالخروج مِن المِلَّة، وهذا ما حفظه لنَا التَّاريخ عَن الخَوارِج – قديما - واجترائهم على قتل الصَّحابة بَعد تكفيرهم، وقتل عليٍّ كرَّم الله وجهه، وَبقْر بطون الحَوامِل.. وهو – أيضًا - ما يعود اليوم إلى السَّاحة مِن جَديد على أيدي هؤلاء التَّكفيريين.. ومِن قَبلهم على أَيدي كثيرين سلكوا مسلك
التَّكفير المُتبَادل بين أتبَاع المَذَاهِب المُختَلِفة، الَّتي يتَّسِع لَها الإسلام ويَطويها تحت جناحه الرحب؛ وَرَاحوا يعلنون الجِهاد على المُسلِمين الآمنين، يقطعون الرَّؤوس ويحرقون الأسرى وهُم أحياء.. ويقتلون العسيف الذي نهَى رسول الله ? نهيًا صَرِيحًا عَن قَتله في جيش العَدو، فَكَيف بِقتل العُمَّال الآمنين في بِلاد الإسلام! إنَّ هؤلاء ما كانوا ليَقدِموا على تَنكُّب هذه الحدود الشَّرعيَّة لولا أنَّهم يَعتَقدون اعتقادًا خاطئًا زائفًا بأنَّهم قَادة جيوش مُسلِمة ضِدَّ شعوب كَافِرة، وفي ديار كَافِرة، ولولا أنَّهم
يَعثرون على ما يُبرِّر انحرافهم الدِّينيّ والعقديّ مِن تراث الخَوارِج وغير الخَوارِج مِمَّن اعتنقوا عقيدة التكفير وتمذهبوا به قَديمًا وحديثًا، وصاروا مبعث فتنة ومَصدر فرقة واختلاف وتمزُّق لوحدة المُسلِمين في القَديم والحَديث أيضًا.
واسمَحُوا لِي أيُّها العُلَمَاء الأجلَّاء بالقَول بأنَّه ما لَم نحكم السَّيطرة التَّعلِيميَّة والتربويَّة – في مدارسنا وجامعاتنا - على فوضى اللجوء إلى الحُكم بالكُفر والفِسق على المُسلِمين فإنَّه لا أمل في أن تستعيد هذه الأمة قوَّتها ووحدتها وأخوتها وقدرتها على التحضر ومواكبة الأمم المُتَقدِّمة، وقد لا ينتبه البعض أيُّها السَّادة إلى الأثر المدمر لنزعة التَّكفير في تَمزيق وحدة الأمة، وما تُثمره هذه النَّزعة المَقِيتة مِن أشوَاك الكراهية والأحقاد بين المُسلِمين، وما يَترتَّب على ذَلِك مِن التَّشرذُم والانقِسَامات،
وكلٌ يَزعم أنَّه المُسلِم الحَقِيقي وأن غيره إما خَارِج عَن المِلَّة حلال الدم والعِرض والمَال، أو فَاسِق يَجب اجتنابه، وتجب كراهيته ومفاصلته شعوريًا ونفسيًّا وتحرم موالاته، وغير ذلك من الفتاوى العابثة بدين الله ورسوله.
وإنِّي لأتمنَّى أن ندعو جميعا إلى مؤتمر نخرج منه بإقرار سلام فيما بيننا أوَّلًا نَحْنُ أهل العلم والمنتسبين إليه، بمختلف مذاهبنا ومشاربنا، نَستَثمِر فيه ما هو ثابت بيننا مِن الأصول المشتركة نجتمع عليها، ونتآخي حولها، ونتلاقى في رحابها، ويترك المجال لأهل كل بلد في اتباع المذهب الذي ارتضوه ودرجوا عليه. تحقيقًا للاستقرار الاجتماعي الذي ننشده جميعًا، وألَّا يروج لهذا المذهب أو ذاك في البلاد التي تتجافى عنه بِالمَالِ واستغلال الفُقَراء والمعوزين، وتجنيدهم ليكونوا دعاةً للتعصب الطائفي أو المذهبي، وسُرعَان ما ينشأ النَّقيض
ليبدأ الصِّراع الذي يفتت وحدة هذه الأمة.. أتمنى لو يُترَك الناس يتمذهبون بما نشئوا عليه من مَذاهِب تلقتها الأمة بالقبول ووَسِعَها الإسلامُ وضمن لأهلها السَّعادة في الدُّنيا والآخرة.
كما أتَمنَّى لَو أنَّ مُقررًا دِراسيًّا في مَدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا يُعنى عناية خاصَّة بتصحيح المفاهيم المغلوطة والملتبسة حول قضايا شَغلت الأذهان والعقول، مثل: قضية الجِهَاد، وقضية التكفير، وسائر القضايا التي سيتناولها مؤتمرنا هذا، وبخاصة خطرَ الفُرقة والتَّنازع، وأنَّه طريق معبَّد لِلفَشَل الذَّرِيع.. وكيف أن القُرآن الكَريم ربَط بينهما ربط المُسبب بالسَّبب والمَعلُولِ بالعِلَّة فَقَال: «وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ
الصَّابِرِينَ» {الأنفال: 46}.
وجزى الله أحسن الجزاء رابطة العالم الإسلامي على ما بذلت وتبذل من جهود مشكورة ومأجورة عند الله لمواجهة خطر الإرهاب، ولحرصها على دعوة هذا الجمع الكريم من علماء الأمة مفكريها ومثقفيها، للتشاور والتناصح، والتفكير والتدبير، والأمل كبير في أن يكون هذا المؤتمر الجامع فاتحة خير وبركة واستقرار على العالم الإسلامي كله، وشكر الله لمعالي الأستاذ الدكتور عبد الله التركي حرصه الشديد على القيام بواجب الدفاع عن الأمة وحماية شبابها من هذا الفكر المنحرف وما يجر إليه من ويلات جسام، وإني لأشكره على همته الفتية ومثابرته الدؤوب على خدمة دينه
وأمته.
.. ..
السَّادة العُلَمَاء: تعلمون أنَّنا نواجِه مخطَّطات دوليَّة كُبرى تَستهدِف العَرب والمُسلِمين، وتُريد أن تصوغهم صِياغة أُخرى، وتشتتهم في بلادهم بما يتفق وأحلَام الاستعمار العَالَميّ الجديد المُتَحالف مَع الصُّهيُونيَّة العَالَمِيَّة يَدًا بِيدٍ وكَتِفًا بِكَتِف.. وعلينا ألَّا ننسى أن الوسيلة الوحيدة التي يَستخدمها الاستِعمار الجَديد الآن، هي الوسيِلةُ ذاتُها التي كان يستخدمُها هذا الاستعمار في القرن الماضي، وهي مَقُولَته القاتلة: «فَرِّق تَسد» والتي تلعب هذه المَرَّة على بؤر التَّوَتُّر والخِلاف الطَّائفيّ
والمَذهَبيّ، واستطاعت –للأسف الشَّديد – أن تَعبَث بهذه الأُمَّة ما شاء لها العبث وما شاء لها المكر والغَدر والتَّسَلُّط، وكان من آثار هذا العبث الماكر أن ضَاعَت العِرَاق، واحترقت سوريا، وتَمَزَّق اليَمن، ودُمِّرَت ليبيا.. ولايزال في جُعبَتهم الكثير مِمَّا لَا يَعلَمه إلَّا الله تعالى، ومما نعوذُ بالله منه ومِن شرورِه، فَلننس خلافاتنا الَّتي لَمْ نَجنِ مِن ورائها إلَّا الضَّعف والذلة والهَوان، ولِيَكُن مُؤتمرنا هذا علامة فارِقة وبداية موفَّقة نتصَدَّى بها كَالْبُنْيَانِ الْمَرْصُوصِ الَّذي يَشُدُّ بَعْضَهُ بَعْضًا
لهذا الخطر الماحِق الذي يحدق بِنَا جَميعًا.
شكرًا لحسن استماعكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛؛؛
حذر الإمام الأكبر د.أحمد الطيب، شيخ الأزهر من مخططات استعمارية دولية لتقسيم العرب والمسلمين بالتحالف مع الصهيونية العالمية وطالب بالتوحد والانتباه لهذه المخططات.
ودعا لتدريس مقررات في المدارس والمعاهد والجامعات لتصحيح المفاهيم المغلوطة والملتبسة حول قضايا: الجِهَاد، والتكفير وغيرها من المصطلحات التي تتذرع بها جماعات العنف لتبرير قتلها للنفس البشرية دون حق.
وشدد على ضرورة إحكام السَّيطرة التَّعلِيميَّة والتربويَّة – في مدارسنا وجامعاتنا - على فوضى اللجوء إلى الحُكم بالكُفر والفِسق على المُسلِمين محذرا من أنه دون ذلك فإنَّه لا أمل في أن تستعيد هذه الأمة قوَّتها ووحدتها وأخوتها وقدرتها على التحضر ومواكبة الأمم المُتَقدِّمة.
جاء ذلك في كلمته بالمؤتمر الإسلامي العالمي بعنوان: "مكافحة الإرهاب" والذي يعقد تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ملك المملكة العربية السعودية، بمكة المكرمة.
وفيما يلي نص الكلمة:
بسم الله الرحمن الرحيم..الحمدُ للهِ، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على سيدنا محمّد وعلى آله وصحبه.
صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين وأمير منطقة مكة المكرمة..سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ المفتي العام للمملكة العربية السعودية والرئيس الأعلى لرابطة العالم الإسلامي..معالي الدكتور عبد الله التركي الأمين العالم لرابطة العالم الإسلامي..الحَفلُ الكَرِيم.
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ وبعد.
فاسمحوا لي في بِداية كَلِمتي الموجزة أن أترحَّم على خادم الحرمين الشريفين، الملك الراحل، عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، أسأل الله تعالى أن يتغمده بواسِع مغفرته ورحمته ورضوانه، وأن يتقبله مع الأنبياء والشهداء والصالحين، وإننا إذ نُجدِّد التَّهنئة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود –حفظه الله ورعاه- نسأل الله تعالى أن يوفِّقه لما فيه خير البلاد والعباد، وأن يُحقِّق الله على يديه وأيدي إخوانه قادة العرب والمسلمين وحدة هذه الأمة وإعلاء كلمة الإسلام وعزّ المُسلِمين ومجدهم.
وأتقدم للملكة العربية السعودية الشقيقة بشكر كل مصر ومصرية وبكل الاعتزاز والتقدير لموقفها التاريخي الذي لا ينسى إلى جوار مصر، ودعمها الأزهر الشريف بكل هيئاته، وريادتها في نصرة قضايا العرب والمسلمين.
الحَفلُ الكَرِيم
إنَّ هذا المُؤتمر الذي نتداعى لساحته اليوم، ونتنادى بخطره وأهمِّيته البَالِغة يأتي في وقته الصَّحِيح، وتَوقيتِه الدَّقِيق مَع أشباهه ونظائره مِن المُؤتمرات الكُبرى في الشَّرقِ والغَرب، للتَّصَدِّي لِهذا البَلاء الشَّديد الَّذي اُبتليت بِه مَنطِقَتنا العَرَبيَّة، والمُتَمثِّلِ في جمَاعَات العُنف والإرهاب، الغَريبة عن الإسلام: عَقيدةً وشَريعةً وأخلَاقًا، وتارِيخًا وحضَارة، والَّتي لَا تَمُت إلى هَدْي هذا الدِّين الحَنيف بِأدنى صِلَة أو سَبب.. بل نبذت هذه الجَمَاعات حُكم القُرآن الكَريم والسُّنَّة وراء ظهورها،
واتَّخذَت مِن الوَحشيِّة البربريَّة منهجًا ومذهبًا واعتقادًا، وقد نُزِعَت الرَّحمَة مِن قلوبهم، فَهِي كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً، وبرئ الله مِنْهُم ورَسُوله وصَالِح المؤمنين. ومِن المُؤلِم أنَّ هَؤلَاء قُسَاةَ القلوب غلاظَ الأكباد قد خَرجوا عَن السَّيطَرة، حتَّى كدنا نعتَاد أسَاليبهم المتوحِّشة، ومُمَارسَاتهم اللاإنسانية في تَنفِيذ جَرائِمهم البَشِعة، وكأنهم يتحرقون تحرق الظمآن إلى القَتل وقَطع الرُّؤوس وحَرق الأبرياء وهم أَحياء، إشاعة للذعر والخوف والرَّهبة في قلوب النَّاس، وقد بلغني مِمَّن يحتملون
مشاهدة هذه الفظائع على وسائل التواصل، أنَّ هؤلاء المُجرِمين بلغوا من قسوة القلب وتحجُّر الشُّعور أنهم كانوا يَتقَاذفُون رؤوس القَتلى بين أرجلهم، ويَلعَبُون بِها وهُم يَضحَكُون، وحسبك من شرّ سماعه.
ولَعَلِّي لَا أُبَالِغ لَو قُلْتُ إنَّه لَمْ يَحدُث للمُسلِمين -في تاريخهم -أن أمسى بأسُهم بينهم شديدًا على هذه الشَّاكِلة الشَّنعَاء التي نراها اليوم، وأن هَذِه الأُمَّة التي قال الله تعالى فيها: »كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ« {آل عمران: 110}، قد أفضَت بها الأيَّام إلى حاضِر بئيس، وخَطْبٍ فادح، وأَمْرٍ جلل، ارتكست معه الأمَّة في حمأة الفوضى والاضطراب والتَّمَزُّق والانفلات، وتشوَّهت صورة الإسلام في عيون النَّاس في الشَّرقِ والغرب.. بل أكاد أقول في عيون الناشئة من أبناء المسلمين أنفسهم.
لقد قِيل الكَثير في تَفسير ظَاهِرة الإرهاب القَاتِل الذي يجثم الآن على صَدر هَذِه الأُمَّة المَغلُوبة عَلَى أمرها... وتَنوَّعَت التَّفسِيرات إلى أسباب شَتَّى: فَمِن المُحَلِّلِين مَن ذَهب إلى أنَّ السَّببَ في ظُهور هؤلاء المُجرٍمين هو الفَقر المدقع الذي عاشوا فيه، والبيئات المُهَمَّشة المنبوذة التي ترعرعوا فيها في بعض المُجتَمَعات الإسلَاميَّة والأوروبيَّة... ومع أنَّنا لا نُقلِّل مِن شَأن الفَقر والعَوَز في تَعلِيل نَشأة كَثير من حالات التَّغيُّر الاجتِماعيّ، حتَّى هذا الذي يتَّخذ مِن العُنف والبَغي منحى ومنهجًا،
إلَّا أنَّ النَظرَة المَوضُوعيَّة تَدفعنا إلى البَحث عَن أسباب أخرى بجانب الفَقر والحاجة، ذلِك أنَّ الفَقرَ أو العَوَز لَيس أمرًا مُستَحدثًا في دنيا النَّاس، وإنما هو أمر قديم رُبَّمَا قِدَم الإنسان نفسه، فقد كان النَّاس مذ كانوا –ولايزالون- فُقَرَاء وأغنياء، ووجهاء وخاملين، ونَحنُ نَعلَم أنَّ طبقات العُلَمَاء والمُفَكِّرِين والفَلَاسِفة والشُّعَرَاء إنَّما نسجت خيوطها مِن الفُقَرَاء والبُسَطاء والزُّهَّاد، ورُغمَ ذَلِك كانوا مَصَابيح يُهتَدَي بها في دياجير الجَهل والضَّلال.
كما قِيل في تَعلِيل هَذِه الظَّاهِرة: إنَّ جذورها نَبَتت في غياهب السجون وظلمة المعتقلات، وما لقيه شَبَاب الجمَاعات الإسلاميَّة مِن قَسوة في التَّعَامُل وانتِهاكَات لِحُقوق السُّجَناء والمُحتَجَزِين، ومع وجاهة هذا القَول فإنَّ الجَماعات الإسلاميَّة لَمْ تَكُن وحدَها الَّتي صدمهم هذا اللون مِن العُنف والأذَى البَدَنيّ والنَّفسِيّ، بَل صُدِمَ به كثيرون مِمَّن يَنتَمُون إلى مَذاهِب سِياسيَّة إلحادية نذرت نفسها لِنشر الشِّيوعيَّة والإلحَاد والتَّبشِير بتيَّارات سِياسيَّة لا تَعرفها بِلاد المُسلِمين وتنكرها أشدّ
الإنكَار، ومَع ذلِك لَمْ يَتحوَّلوا – في غالبهم - إلى جماعات مُسَلَّحَة تفرِض رأيها بقوَّة السِّلَاح وتَقُضُّ مضاجِع أوطانها قتلًا وتفجيرًا ورُعبًا وتَخويفًا.
إنَّ السُّجون –أيُّها الإخوة العُلَمَاء – لَيْسَت السَّبَب الأوحَد في النزعة التَّكفِيريَّة، واستفحالها وتوحُّشها، وهي وإن كانت مِن أقوى الدَّوافِع في هذا الأمر ، إلَّا أنَّ هُنَاك أسبَابًا أكثر عمقًا يَجِبُ أنْ تُؤخَذ في حُسْبَان لقائنا هذا الذي يُحاوِل ِمَا وسَعته المُحَاولة أنْ يكفكف قَلِيلًا أو كَثِيرًا مِن غلواء هذا الشَّر المُستَطير، وأبرز هذه الأسباب – فيما أرى - هو التَّراكمات التَّارِيخيَّة لنزعات الغُلُوّ والتَّشَدُّد في تراثنا، والَّتي نشأت مِن تأويلات فاسِدة لِبَعض نصوص القُرآن الكَريم والسُّنة
النَّبويَّة وأقوال الأئمة.. فَفِي هذه التَّرَاكمات مُنزَلقات تُؤدِّي إلى التَّكفِير لأدنى مُلَابسة أو سَبَب، وفيها نزعَات قد انغلقت على بعض الآراء الفِقهية والعقديَّة، تراها الحقَّ الَّذي لا حقَّ غيره، وتَحكُم على مَن يُخالفها بالكُفرِ وبالخروج مِن المِلَّة، وهذا ما حفظه لنَا التَّاريخ عَن الخَوارِج – قديما - واجترائهم على قتل الصَّحابة بَعد تكفيرهم، وقتل عليٍّ كرَّم الله وجهه، وَبقْر بطون الحَوامِل.. وهو – أيضًا - ما يعود اليوم إلى السَّاحة مِن جَديد على أيدي هؤلاء التَّكفيريين.. ومِن قَبلهم على أَيدي كثيرين سلكوا مسلك
التَّكفير المُتبَادل بين أتبَاع المَذَاهِب المُختَلِفة، الَّتي يتَّسِع لَها الإسلام ويَطويها تحت جناحه الرحب؛ وَرَاحوا يعلنون الجِهاد على المُسلِمين الآمنين، يقطعون الرَّؤوس ويحرقون الأسرى وهُم أحياء.. ويقتلون العسيف الذي نهَى رسول الله ? نهيًا صَرِيحًا عَن قَتله في جيش العَدو، فَكَيف بِقتل العُمَّال الآمنين في بِلاد الإسلام! إنَّ هؤلاء ما كانوا ليَقدِموا على تَنكُّب هذه الحدود الشَّرعيَّة لولا أنَّهم يَعتَقدون اعتقادًا خاطئًا زائفًا بأنَّهم قَادة جيوش مُسلِمة ضِدَّ شعوب كَافِرة، وفي ديار كَافِرة، ولولا أنَّهم
يَعثرون على ما يُبرِّر انحرافهم الدِّينيّ والعقديّ مِن تراث الخَوارِج وغير الخَوارِج مِمَّن اعتنقوا عقيدة التكفير وتمذهبوا به قَديمًا وحديثًا، وصاروا مبعث فتنة ومَصدر فرقة واختلاف وتمزُّق لوحدة المُسلِمين في القَديم والحَديث أيضًا.
واسمَحُوا لِي أيُّها العُلَمَاء الأجلَّاء بالقَول بأنَّه ما لَم نحكم السَّيطرة التَّعلِيميَّة والتربويَّة – في مدارسنا وجامعاتنا - على فوضى اللجوء إلى الحُكم بالكُفر والفِسق على المُسلِمين فإنَّه لا أمل في أن تستعيد هذه الأمة قوَّتها ووحدتها وأخوتها وقدرتها على التحضر ومواكبة الأمم المُتَقدِّمة، وقد لا ينتبه البعض أيُّها السَّادة إلى الأثر المدمر لنزعة التَّكفير في تَمزيق وحدة الأمة، وما تُثمره هذه النَّزعة المَقِيتة مِن أشوَاك الكراهية والأحقاد بين المُسلِمين، وما يَترتَّب على ذَلِك مِن التَّشرذُم والانقِسَامات،
وكلٌ يَزعم أنَّه المُسلِم الحَقِيقي وأن غيره إما خَارِج عَن المِلَّة حلال الدم والعِرض والمَال، أو فَاسِق يَجب اجتنابه، وتجب كراهيته ومفاصلته شعوريًا ونفسيًّا وتحرم موالاته، وغير ذلك من الفتاوى العابثة بدين الله ورسوله.
وإنِّي لأتمنَّى أن ندعو جميعا إلى مؤتمر نخرج منه بإقرار سلام فيما بيننا أوَّلًا نَحْنُ أهل العلم والمنتسبين إليه، بمختلف مذاهبنا ومشاربنا، نَستَثمِر فيه ما هو ثابت بيننا مِن الأصول المشتركة نجتمع عليها، ونتآخي حولها، ونتلاقى في رحابها، ويترك المجال لأهل كل بلد في اتباع المذهب الذي ارتضوه ودرجوا عليه. تحقيقًا للاستقرار الاجتماعي الذي ننشده جميعًا، وألَّا يروج لهذا المذهب أو ذاك في البلاد التي تتجافى عنه بِالمَالِ واستغلال الفُقَراء والمعوزين، وتجنيدهم ليكونوا دعاةً للتعصب الطائفي أو المذهبي، وسُرعَان ما ينشأ النَّقيض
ليبدأ الصِّراع الذي يفتت وحدة هذه الأمة.. أتمنى لو يُترَك الناس يتمذهبون بما نشئوا عليه من مَذاهِب تلقتها الأمة بالقبول ووَسِعَها الإسلامُ وضمن لأهلها السَّعادة في الدُّنيا والآخرة.
كما أتَمنَّى لَو أنَّ مُقررًا دِراسيًّا في مَدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا يُعنى عناية خاصَّة بتصحيح المفاهيم المغلوطة والملتبسة حول قضايا شَغلت الأذهان والعقول، مثل: قضية الجِهَاد، وقضية التكفير، وسائر القضايا التي سيتناولها مؤتمرنا هذا، وبخاصة خطرَ الفُرقة والتَّنازع، وأنَّه طريق معبَّد لِلفَشَل الذَّرِيع.. وكيف أن القُرآن الكَريم ربَط بينهما ربط المُسبب بالسَّبب والمَعلُولِ بالعِلَّة فَقَال: «وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ
الصَّابِرِينَ» {الأنفال: 46}.
وجزى الله أحسن الجزاء رابطة العالم الإسلامي على ما بذلت وتبذل من جهود مشكورة ومأجورة عند الله لمواجهة خطر الإرهاب، ولحرصها على دعوة هذا الجمع الكريم من علماء الأمة مفكريها ومثقفيها، للتشاور والتناصح، والتفكير والتدبير، والأمل كبير في أن يكون هذا المؤتمر الجامع فاتحة خير وبركة واستقرار على العالم الإسلامي كله، وشكر الله لمعالي الأستاذ الدكتور عبد الله التركي حرصه الشديد على القيام بواجب الدفاع عن الأمة وحماية شبابها من هذا الفكر المنحرف وما يجر إليه من ويلات جسام، وإني لأشكره على همته الفتية ومثابرته الدؤوب على خدمة دينه
وأمته.
.. ..
السَّادة العُلَمَاء: تعلمون أنَّنا نواجِه مخطَّطات دوليَّة كُبرى تَستهدِف العَرب والمُسلِمين، وتُريد أن تصوغهم صِياغة أُخرى، وتشتتهم في بلادهم بما يتفق وأحلَام الاستعمار العَالَميّ الجديد المُتَحالف مَع الصُّهيُونيَّة العَالَمِيَّة يَدًا بِيدٍ وكَتِفًا بِكَتِف.. وعلينا ألَّا ننسى أن الوسيلة الوحيدة التي يَستخدمها الاستِعمار الجَديد الآن، هي الوسيِلةُ ذاتُها التي كان يستخدمُها هذا الاستعمار في القرن الماضي، وهي مَقُولَته القاتلة: «فَرِّق تَسد» والتي تلعب هذه المَرَّة على بؤر التَّوَتُّر والخِلاف الطَّائفيّ
والمَذهَبيّ، واستطاعت –للأسف الشَّديد – أن تَعبَث بهذه الأُمَّة ما شاء لها العبث وما شاء لها المكر والغَدر والتَّسَلُّط، وكان من آثار هذا العبث الماكر أن ضَاعَت العِرَاق، واحترقت سوريا، وتَمَزَّق اليَمن، ودُمِّرَت ليبيا.. ولايزال في جُعبَتهم الكثير مِمَّا لَا يَعلَمه إلَّا الله تعالى، ومما نعوذُ بالله منه ومِن شرورِه، فَلننس خلافاتنا الَّتي لَمْ نَجنِ مِن ورائها إلَّا الضَّعف والذلة والهَوان، ولِيَكُن مُؤتمرنا هذا علامة فارِقة وبداية موفَّقة نتصَدَّى بها كَالْبُنْيَانِ الْمَرْصُوصِ الَّذي يَشُدُّ بَعْضَهُ بَعْضًا
لهذا الخطر الماحِق الذي يحدق بِنَا جَميعًا.
شكرًا لحسن استماعكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛؛؛


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.