أسعار شرائح الكهرباء 2024 (اعرف هتدفع كام؟)    أسعار النفط تسجل خسارة أسبوعية للمرة الثالثة على التوالي    بروتوكول تعاون بين بيطري بالمنيا وإيبارشية سمالوط لمنع ذبح النذور من الأغنام والماعز خارج المجزر    مساعد وزير «الخارجية الفلسطينية»: شعبنا يتعرض لإبادة جماعية على يد الاحتلال    الكرملين: لا يمكن للولايات المتحدة أن تكون قطب القوة الوحيد في العالم    منتخب إنجلترا يتأخر بهدف أمام أيسلندا فى الشوط الأول.. فيديو    مستشار رئيس فلسطين: مصر تولى مسار وقف إطلاق النار أهمية قصوى ولكن يحتاج لموقف دولى    استعدادات باريس 2024.. منتخب مصر الأولمبي يهزم كوت ديفوار وديًا (فيديو)    نشرة الحوادث من «المصرى اليوم»: عامل يقتل جاره وضبط مستريح استولى على 3.1 مليون جنيه من 10 أشخاص    «هنوصلك».. الحصاد الأسبوعي لأنشطة «التضامن» في الفترة من 1 إلى 6 يونيو 2024    حلا شيحة تعليقا على صورها مع أحمد سعد: عادية وكنت بسلم عليه    البيت الأبيض: مباحثات مزمعة بين بايدن وماكرون حول الوضع في غزة ومساعي وقف إطلاق النار    ورش فنية بمتحف كفر الشيخ للتعرف على عادات الذبح السليمة للأضحية (صور)    عمرو أديب منفعلًا: بحب بلدي.. لكن لما الحرارة توصل 45 والكهربا مقطوعة يبقى الأمر ملوش علاقة بالوطنية    العشر الأوائل من ذي الحجة.. تعرف على أبرز السنن والأحكام    تنازل عن المحضر.. المطرب أحمد جمال يتصالح مع ضحية حادث التصادم على طريق الفيوم    مصرع شاب صعقا بالكهرباء بمركز صدفا في أسيوط    زكي القاضي : الرئيس السيسي حريص على مشاركة المجتمع المدني في خدمة المواطنين ورعايتهم    شهد مصطفى تحقق ذهبية بطولة العالم للمواي تاي باليونان    الدجلاوية هانيا الحمامي تتأهل لنصف نهائي بطولة بريطانيا المفتوحة للإسكواش    إسرائيل تزعم مقتل قيادي بارز في حماس برفح الفلسطينية    حظك اليوم| برج السرطان السبت 8 يونيو .. أبواب الربح والنجاح تُفتح أمامك    باريس تسلم كييف طائرات ميراج المقاتلة.. زيلينسكى أمام البرلمان الفرنسى: أوروبا لا تنعم بالسلام.. وروسيا تتهم ماكرون بتأجيج التوترات    فحص 1099 مواطنا في قافلة طبية ضمن مبادرة حياة كريمة بدمياط    "هتتطبق يعني هتتطبق".. برلماني يعلق علي زيادة أسعار الأدوية    مسؤول حماية مدنية فى السويس يقدم نصائح لتجنب حرائق الطقس شديد الحرارة    أحكام الأضحية.. ما هي مستحبات الذبح؟    محافظ كفرالشيخ يتابع جهود الزراعة للمحاصيل الصيفية وندوات توعوية للمزارعين    د.أيمن عاشور: سنقوم لأول مرة بمتابعة الخريجين لمعرفة مدى حاجة سوق العمل لكل تخصص    جامعة طنطا تطلق قافلة تنموية شاملة بمحافظة البحيرة بالتعاون مع 4 جامعات    المتحدث باسم وزارة الزراعة: تخفيضات تصل ل30% استعدادًا لعيد الأضحى    نتيجة الإبتدائية والإعدادية الأزهرية 2024 بالاسم "هنا الرابط HERE URL"    وزير الصناعة يستعرض مع وزير الزراعة الروسى إنشاء مركز لوجيستى للحبوب فى مصر    أوقفوا الانتساب الموجه    "الهجرة": نحرص على المتابعة الدقيقة لتفاصيل النسخة الخامسة من مؤتمر المصريين بالخارج    الأمم المتحدة: شن هجمات على أهداف مدنية يجب أن يكون متناسبا    استبعاد كوبارسي مدافع برشلونة من قائمة إسبانيا في يورو 2024    كيف تحمي نفسك من مخاطر الفتة إذا كنت من مرضى الكوليسترول؟    الناقد السينمائي خالد محمود يدير ندوة وداعا جوليا بمهرجان جمعية الفيلم غدا    مفتى السعودية يحذر من الحج دون تصريح    الأوقاف: افتتاح أول إدارة للدعوة بالعاصمة الإدارية الجديدة قبل نهاية الشهر الجاري    "البحوث الفنية" بالقوات المسلحة توقع بروتوكول مع أكاديمية تكنولوجيا المعلومات لذوي الإعاقة    «التعليم العالي»: تحالف جامعات إقليم الدلتا يُطلق قافلة تنموية شاملة لمحافظة البحيرة    الموسيقات العسكرية تشارك في المهرجان الدولي للطبول والفنون التراثية    وزير الزراعة يعلن فتح اسواق فنزويلا أمام البرتقال المصري    "الإفتاء": صيام هذه الأيام في شهر ذي الحجة حرام شرعا    ميسي يعترف: ذهبت إلى طبيب نفسي.. ولا أحب رؤيتي    ضبط المتهمين بالشروع في قتل سائق وسرقة مركبته في كفر الشيخ    انطلاق انتخابات البرلمان الأوروبي في أيرلندا والتشيك    الأنبا باخوم يترأس قداس اليوم الثالث من تساعية القديس أنطونيوس البدواني بالظاهر    عضو مجلس الزمالك: يجب إلغاء الدوري في الموسم الحالي.. ومصلحة المنتخب أهم    في ذكرى ميلاد محمود مرسي.. تعرف على أهم أعماله الفنية    التعليم العالى: إدراج 15 جامعة مصرية فى تصنيف QS العالمى لعام 2025    ضياء السيد: حسام حسن غير طريقة لعب منتخب مصر لرغبته في إشراك كل النجوم    محافظ أسوان: طرح كميات من الخراف والعجول البلدية بأسعار مناسبة بمقر الإرشاد الزراعي    مفاجأة.. دولة عربية تعلن إجازة عيد الأضحى يومين فقط    الأوقاف تفتتح 25 مساجد.. اليوم الجمعة    مجلس الزمالك يلبي طلب الطفل الفلسطيني خليل سامح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شيخ الأزهر في مكة: جماعات العنف والإرهاب نبذت القرآن والسنة وراء ظهورها واتخذت الوحشية منهجا لها
نشر في بوابة الأهرام يوم 22 - 02 - 2015

قال الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر: إن جماعات العنف والإرهاب نبذت حكم القُرآن الكَريم والسنة وراء ظهورها، واتخذت مِن الوَحشية البربرية منهجًا ومذهبا واعتقادا، وأن التَّراكمات التَّارِيخية لنزعات الغلو والتَّشَدد في تراثنا نتيجة تأويلات فاسدة لِبعض نصوص القُرآن الكريم والسنة النبوية وأقوال الأئمة، وهى من أبرز أسباب ظهور نزعة التكفير.
وتابع: أن التكفيريين قطعوا الرءوس، وأحرقوا الأسرى أحياءً، وقتلوا العمال الآمنين في بلاد الإسلام، بناءً على اعتقاد خاطئ زائف، مشددا علي أن نزعة التَّكفير لها الأثر المدمر في تَمزيق وحدة المُسلِمين وتشرذمهم، وإثارة الكراهية والأحقاد بينهم.
وأضاف الطيب، خلال كلمته الافتتاحية لمؤتمر مكافحة الإرهاب، الذي انطلقت فعالياته، صباح اليوم الأحد، فى مكة المكرمة، برعاية سلمان بن عبدالعزيز ملك السعودية، أن الاستعمار لعب، بمقولته "فرق تسد"، علي الطائفية، وكان من أثره ما شهدته العراق وسوريا واليمن وليبيا الآن.
وبحسب شيخ الأزهر: فلا أمل في أن تستعيد الأمة الإسلامية قوتها ووحدتها ما لَم نحكم السيطرة التَّعلِيميَّة والتربويَّة على فوضى اللجوء إلى الحُكم بالكُفر والفِسق على المُسلِمين.
ودعا شيخ الأزهر إلي ترك الخلافات جانبا، ليكون المؤتمر علامة فارقة وبداية موفقة، كما دعا إلي مؤتمر نخرج منه بإقرار سلام فيما بيننا، بمختلف مذاهبنا ومشاربنا، نَستثمِر فيه الثوابت المشتركة، التى نجتمع عليها، ونتآخي حولها، ونتلاقى في رحابها.
وتنشر "بوابة الأهرام" نص كلمة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، خلال افتتاح مؤتمر مكافحة الإرهاب، بالسعودية.
" بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على سيدنا محمّد وعلى آله وصحبه.
صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل/ مستشار خادم الحرمين الشريفين وأمير منطقة مكة المكرمة
سماحة الشيخ/ عبد العزيز آل الشيخ المفتي العام للمملكة العربية السعودية والرئيس الأعلى لرابطة العالم الإسلامي
معالي الدكتور عبد الله التركي الأمين العالم لرابطة العالم الإسلامي
الحَفلُ الكَرِيم
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ وبعد/
فاسمحوا لي في بِداية كَلِمتي الموجزة أن أترحَّم على خادم الحرمين الشريفين، الملك الراحل، عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، أسأل الله تعالى أن يتغمده بواسِع مغفرته ورحمته ورضوانه، وأن يتقبله مع الأنبياء والشهداء والصالحين، وإننا إذ نُجدِّد التَّهنئة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود –حفظه الله ورعاه- نسأل الله تعالى أن يوفِّقه لما فيه خير البلاد والعباد، وأن يُحقِّق الله على يديه وأيدي إخوانه قادة العرب والمسلمين وحدة هذه الأمة وإعلاء كلمة الإسلام وعزّ المُسلِمين ومجدهم.
وأتقدم للملكة العربية السعودية الشقيقة بشكر كل مصر ومصرية وبكل الاعتزاز والتقدير لموقفها التاريخي الذي لا ينسى إلى جوار مصر، ودعمها الأزهر الشريف بكل هيئاته، وريادتها في نصرة قضايا العرب والمسلمين.
الحَفلُ الكَرِيم!
إنَّ هذا المُؤتمر الذي نتداعى لساحته اليوم، ونتنادى بخطره وأهمِّيته البَالِغة يأتي في وقته الصَّحِيح، وتَوقيتِه الدَّقِيق مَع أشباهه ونظائره مِن المُؤتمرات الكُبرى في الشَّرقِ والغَرب، للتَّصَدِّي لِهذا البَلاء الشَّديد الَّذي اُبتليت بِه مَنطِقَتنا العَرَبيَّة، والمُتَمثِّلِ في جمَاعَات العُنف والإرهاب، الغَريبة عن الإسلام: عَقيدةً وشَريعةً وأخلَاقًا، وتارِيخًا وحضَارة، والَّتي لَا تَمُت إلى هَدْي هذا الدِّين الحَنيف بِأدنى صِلَة أو سَبب.. بل نبذت هذه الجَمَاعات حُكم القُرآن الكَريم والسُّنَّة وراء ظهورها، واتَّخذَت مِن الوَحشيِّة البربريَّة منهجًا ومذهبًا واعتقادًا، وقد نُزِعَت الرَّحمَة مِن قلوبهم، فَهِي كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً، وبرئ الله مِنْهُم ورَسُوله وصَالِح المؤمنين. ومِن المُؤلِم أنَّ هَؤلَاء قُسَاةَ القلوب غلاظَ الأكباد قد خَرجوا عَن السَّيطَرة، حتَّى كدنا نعتَاد أسَاليبهم المتوحِّشة، ومُمَارسَاتهم اللاإنسانية في تَنفِيذ جَرائِمهم البَشِعة، وكأنهم يتحرقون تحرق الظمآن إلى القَتل وقَطع الرُّؤوس وحَرق الأبرياء وهم أَحياء، إشاعة للذعر والخوف والرَّهبة في قلوب النَّاس، وقد بلغني مِمَّن يحتملون مشاهدة هذه الفظائع على وسائل التواصل، أنَّ هؤلاء المُجرِمين بلغوا من قسوة القلب وتحجُّر الشُّعور أنهم كانوا يَتقَاذفُون رؤوس القَتلى بين أرجلهم، ويَلعَبُون بِها وهُم يَضحَكُون، وحسبك من شرّ سماعه.
ولَعَلِّي لَا أُبَالِغ لَو قُلْتُ إنَّه لَمْ يَحدُث للمُسلِمين -في تاريخهم -أن أمسى بأسُهم بينهم شديدًا على هذه الشَّاكِلة الشَّنعَاء التي نراها اليوم، وأن هَذِه الأُمَّة التي قال الله تعالى فيها: «كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ» {آل عمران: 110}، قد أفضَت بها الأيَّام إلى حاضِر بئيس، وخَطْبٍ فادح، وأَمْرٍ جلل، ارتكست معه الأمَّة في حمأة الفوضى والاضطراب والتَّمَزُّق والانفلات، وتشوَّهت صورة الإسلام في عيون النَّاس في الشَّرقِ والغرب.. بل أكاد أقول في عيون الناشئة من أبناء المسلمين أنفسهم.
لقد قِيل الكَثير في تَفسير ظَاهِرة الإرهاب القَاتِل الذي يجثم الآن على صَدر هَذِه الأُمَّة المَغلُوبة عَلَى أمرها... وتَنوَّعَت التَّفسِيرات إلى أسباب شَتَّى: فَمِن المُحَلِّلِين مَن ذَهب إلى أنَّ السَّببَ في ظُهور هؤلاء المُجرٍمين هو الفَقر المدقع الذي عاشوا فيه، والبيئات المُهَمَّشة المنبوذة التي ترعرعوا فيها في بعض المُجتَمَعات الإسلَاميَّة والأوروبيَّة... ومع أنَّنا لا نُقلِّل مِن شَأن الفَقر والعَوَز في تَعلِيل نَشأة كَثير من حالات التَّغيُّر الاجتِماعيّ، حتَّى هذا الذي يتَّخذ مِن العُنف والبَغي منحى ومنهجًا، إلَّا أنَّ النَظرَة المَوضُوعيَّة تَدفعنا إلى البَحث عَن أسباب أخرى بجانب الفَقر والحاجة، ذلِك أنَّ الفَقرَ أو العَوَز لَيس أمرًا مُستَحدثًا في دنيا النَّاس، وإنما هو أمر قديم رُبَّمَا قِدَم الإنسان نفسه، فقد كان النَّاس مذ كانوا –ولايزالون- فُقَرَاء وأغنياء، ووجهاء وخاملين، ونَحنُ نَعلَم أنَّ طبقات العُلَمَاء والمُفَكِّرِين والفَلَاسِفة والشُّعَرَاء إنَّما نسجت خيوطها مِن الفُقَرَاء والبُسَطاء والزُّهَّاد، ورُغمَ ذَلِك كانوا مَصَابيح يُهتَدَي بها في دياجير الجَهل والضَّلال.
كما قِيل في تَعلِيل هَذِه الظَّاهِرة: إنَّ جذورها نَبَتت في غياهب السجون وظلمة المعتقلات، وما لقيه شَبَاب الجمَاعات الإسلاميَّة مِن قَسوة في التَّعَامُل وانتِهاكَات لِحُقوق السُّجَناء والمُحتَجَزِين، ومع وجاهة هذا القَول فإنَّ الجَماعات الإسلاميَّة لَمْ تَكُن وحدَها الَّتي صدمهم هذا اللون مِن العُنف والأذَى البَدَنيّ والنَّفسِيّ، بَل صُدِمَ به كثيرون مِمَّن يَنتَمُون إلى مَذاهِب سِياسيَّة إلحادية نذرت نفسها لِنشر الشِّيوعيَّة والإلحَاد والتَّبشِير بتيَّارات سِياسيَّة لا تَعرفها بِلاد المُسلِمين وتنكرها أشدّ الإنكَار، ومَع ذلِك لَمْ يَتحوَّلوا – في غالبهم - إلى جماعات مُسَلَّحَة تفرِض رأيها بقوَّة السِّلَاح وتَقُضُّ مضاجِع أوطانها قتلًا وتفجيرًا ورُعبًا وتَخويفًا.
إنَّ السُّجون –أيُّها الإخوة العُلَمَاء – لَيْسَت السَّبَب الأوحَد في النزعة التَّكفِيريَّة، واستفحالها وتوحُّشها، وهي وإن كانت مِن أقوى الدَّوافِع في هذا الأمر ، إلَّا أنَّ هُنَاك أسبَابًا أكثر عمقًا يَجِبُ أنْ تُؤخَذ في حُسْبَان لقائنا هذا الذي يُحاوِل ِمَا وسَعته المُحَاولة أنْ يكفكف قَلِيلًا أو كَثِيرًا مِن غلواء هذا الشَّر المُستَطير، وأبرز هذه الأسباب – فيما أرى - هو التَّراكمات التَّارِيخيَّة لنزعات الغُلُوّ والتَّشَدُّد في تراثنا، والَّتي نشأت مِن تأويلات فاسِدة لِبَعض نصوص القُرآن الكَريم والسُّنة النَّبويَّة وأقوال الأئمة.. فَفِي هذه التَّرَاكمات مُنزَلقات تُؤدِّي إلى التَّكفِير لأدنى مُلَابسة أو سَبَب، وفيها نزعَات قد انغلقت على بعض الآراء الفِقهية والعقديَّة، تراها الحقَّ الَّذي لا حقَّ غيره، وتَحكُم على مَن يُخالفها بالكُفرِ وبالخروج مِن المِلَّة، وهذا ما حفظه لنَا التَّاريخ عَن الخَوارِج – قديما - واجترائهم على قتل الصَّحابة بَعد تكفيرهم، وقتل عليٍّ كرَّم الله وجهه، وَبقْر بطون الحَوامِل.. وهو – أيضًا - ما يعود اليوم إلى السَّاحة مِن جَديد على أيدي هؤلاء التَّكفيريين.. ومِن قَبلهم على أَيدي كثيرين سلكوا مسلك التَّكفير المُتبَادل بين أتبَاع المَذَاهِب المُختَلِفة، الَّتي يتَّسِع لَها الإسلام ويَطويها تحت جناحه الرحب؛ وَرَاحوا يعلنون الجِهاد على المُسلِمين الآمنين، يقطعون الرَّؤوس ويحرقون الأسرى وهُم أحياء.. ويقتلون العسيف الذي نهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم نهيًا صَرِيحًا عَن قَتله في جيش العَدو، فَكَيف بِقتل العُمَّال الآمنين في بِلاد الإسلام! إنَّ هؤلاء ما كانوا ليَقدِموا على تَنكُّب هذه الحدود الشَّرعيَّة لولا أنَّهم يَعتَقدون اعتقادًا خاطئًا زائفًا بأنَّهم قَادة جيوش مُسلِمة ضِدَّ شعوب كَافِرة، وفي ديار كَافِرة، ولولا أنَّهم يَعثرون على ما يُبرِّر انحرافهم الدِّينيّ والعقديّ مِن تراث الخَوارِج وغير الخَوارِج مِمَّن اعتنقوا عقيدة التكفير وتمذهبوا به قَديمًا وحديثًا، وصاروا مبعث فتنة ومَصدر فرقة واختلاف وتمزُّق لوحدة المُسلِمين في القَديم والحَديث أيضًا.
واسمَحُوا لِي أيُّها العُلَمَاء الأجلَّاء بالقَول بأنَّه ما لَم نحكم السَّيطرة التَّعلِيميَّة والتربويَّة – في مدارسنا وجامعاتنا - على فوضى اللجوء إلى الحُكم بالكُفر والفِسق على المُسلِمين فإنَّه لا أمل في أن تستعيد هذه الأمة قوَّتها ووحدتها وأخوتها وقدرتها على التحضر ومواكبة الأمم المُتَقدِّمة، وقد لا ينتبه البعض أيُّها السَّادة إلى الأثر المدمر لنزعة التَّكفير في تَمزيق وحدة الأمة، وما تُثمره هذه النَّزعة المَقِيتة مِن أشوَاك الكراهية والأحقاد بين المُسلِمين، وما يَترتَّب على ذَلِك مِن التَّشرذُم والانقِسَامات، وكلٌ يَزعم أنَّه المُسلِم الحَقِيقي وأن غيره إما خَارِج عَن المِلَّة حلال الدم والعِرض والمَال، أو فَاسِق يَجب اجتنابه، وتجب كراهيته ومفاصلته شعوريًا ونفسيًّا وتحرم موالاته، وغير ذلك من الفتاوى العابثة بدين الله ورسوله.
وإنِّي لأتمنَّى أن ندعو جميعا إلى مؤتمر نخرج منه بإقرار سلام فيما بيننا أوَّلًا نَحْنُ أهل العلم والمنتسبين إليه، بمختلف مذاهبنا ومشاربنا، نَستَثمِر فيه ما هو ثابت بيننا مِن الأصول المشتركة نجتمع عليها، ونتآخي حولها، ونتلاقى في رحابها، ويترك المجال لأهل كل بلد في اتباع المذهب الذي ارتضوه ودرجوا عليه. تحقيقًا للاستقرار الاجتماعي الذي ننشده جميعًا، وألَّا يروج لهذا المذهب أو ذاك في البلاد التي تتجافى عنه بِالمَالِ واستغلال الفُقَراء والمعوزين، وتجنيدهم ليكونوا دعاةً للتعصب الطائفي أو المذهبي، وسُرعَان ما ينشأ النَّقيض ليبدأ الصِّراع الذي يفتت وحدة هذه الأمة.. أتمنى لو يُترَك الناس يتمذهبون بما نشئوا عليه من مَذاهِب تلقتها الأمة بالقبول ووَسِعَها الإسلامُ وضمن لأهلها السَّعادة في الدُّنيا والآخرة.
كما أتَمنَّى لَو أنَّ مُقررًا دِراسيًّا في مَدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا يُعنى عناية خاصَّة بتصحيح المفاهيم المغلوطة والملتبسة حول قضايا شَغلت الأذهان والعقول، مثل: قضية الجِهَاد، وقضية التكفير، وسائر القضايا التي سيتناولها مؤتمرنا هذا، وبخاصة خطرَ الفُرقة والتَّنازع، وأنَّه طريق معبَّد لِلفَشَل الذَّرِيع.. وكيف أن القُرآن الكَريم ربَط بينهما ربط المُسبب بالسَّبب والمَعلُولِ بالعِلَّة فَقَال: «وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ» {الأنفال: 46}.
وجزى الله أحسن الجزاء رابطة العالم الإسلامي على ما بذلت وتبذل من جهود مشكورة ومأجورة عند الله لمواجهة خطر الإرهاب، ولحرصها على دعوة هذا الجمع الكريم من علماء الأمة مفكريها ومثقفيها، للتشاور والتناصح، والتفكير والتدبير، والأمل كبير في أن يكون هذا المؤتمر الجامع فاتحة خير وبركة واستقرار على العالم الإسلامي كله، وشكر الله لمعالي الأستاذ الدكتور عبد الله التركي حرصه الشديد على القيام بواجب الدفاع عن الأمة وحماية شبابها من هذا الفكر المنحرف وما يجر إليه من ويلات جسام، وإني لأشكره على همته الفتية ومثابرته الدؤوب على خدمة دينه وأمته.
.. .. ..
السَّادة العُلَمَاء: تعلمون أنَّنا نواجِه مخطَّطات دوليَّة كُبرى تَستهدِف العَرب والمُسلِمين، وتُريد أن تصوغهم صِياغة أُخرى، وتشتتهم في بلادهم بما يتفق وأحلَام الاستعمار العَالَميّ الجديد المُتَحالف مَع الصُّهيُونيَّة العَالَمِيَّة يَدًا بِيدٍ وكَتِفًا بِكَتِف.. وعلينا ألَّا ننسى أن الوسيلة الوحيدة التي يَستخدمها الاستِعمار الجَديد الآن، هي الوسيِلةُ ذاتُها التي كان يستخدمُها هذا الاستعمار في القرن الماضي، وهي مَقُولَته القاتلة: «فَرِّق تَسد» والتي تلعب هذه المَرَّة على بؤر التَّوَتُّر والخِلاف الطَّائفيّ والمَذهَبيّ، واستطاعت –للأسف الشَّديد – أن تَعبَث بهذه الأُمَّة ما شاء لها العبث وما شاء لها المكر والغَدر والتَّسَلُّط، وكان من آثار هذا العبث الماكر أن ضَاعَت العِرَاق، واحترقت سوريا، وتَمَزَّق اليَمن، ودُمِّرَت ليبيا.. ولايزال في جُعبَتهم الكثير مِمَّا لَا يَعلَمه إلَّا الله تعالى، ومما نعوذُ بالله منه ومِن شرورِه، فَلننس خلافاتنا الَّتي لَمْ نَجنِ مِن ورائها إلَّا الضَّعف والذلة والهَوان، ولِيَكُن مُؤتمرنا هذا علامة فارِقة وبداية موفَّقة نتصَدَّى بها كَالْبُنْيَانِ الْمَرْصُوصِ الَّذي يَشُدُّ بَعْضَهُ بَعْضًا لهذا الخطر الماحِق الذي يحدق بِنَا جَميعًا.
شكرًا لحسن استماعكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛؛؛
3 من جمادى الأولى سنة 1436ه
22 من فبراير سنة 2015 م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.