شكلت أحداث 11 سبتمبر 2001 ضربة حقيقية للاقتصادي الأمريكي، ليس فقط لأنها تسببت بسقوط برجي التجارة، وأثرت على أعمال آلاف الشركات الاقتصادية، وتسببت في هز البورصة، بل لأنها أجبرت الإدارة الأمريكية على أن تنتهج سياسية جديدة في العالم تتمثل في زيادة الأمن، واحتلال بعض الدول، وتحمل نفقات الاحتلال. واضطرت القوات الأمريكية إلى نشر المزيد من القوات خارج الولاياتالمتحدة، في الفليبين وجورجيا وجيبوتي، كما عززت من تواجدها في بعض الدول. كل تلك الأمور مجتمعة أدت إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية الأمريكية، التي لم تكن قوية بالدرجة المطلوبة للوقوف في وجه مثل هذه التحديات، والخروج سالمة، أو على الأقل بخسائر معقولة بعد هذه الأحداث. وقامت الولاياتالمتحدة باحتلال أفغانستان من ثم العراق، ورصدت أموالاً كبيرة وميزانيات ضخمة لتحقيق هذا الهدف طوال السنتين الماضيتين، كما قامت برصد مبلغ "غير نهائي" بقيمة 87 بليون دولار لتمويل الحرب على العراق، ما أدى إلى انتكاسة أخرى في الاقتصادي الأمريكي. وأدت هذه السياسات الأمنية إلى تآكل المخزون المالي الفيدرالي لأمريكا، وقلصت الفائض المالي الذي كان بحوزتها بعد نهاية حكم كلينتون، كما أثرت بشكل سلبي على الاستثمارات داخل أمريكا نفسها، حيث أحجم الكثير من أصحاب رؤوس الأموال عن إقامة مشاريع اقتصادية، كما ورفعت نسبة البطالة بين الشعب. وفقدت أمريكا العديد من الخبراء الاقتصاديين الأكفاء وتدمير الأصول العقارية عقب أحداث سبتمبر، بالإضافة إلى دفع مبالغ كبيرة للتأمين وتكلفة إعادة بناء الأبراج وتخفيض عدد الرحلات الجوية. وذلك بالإضافة إلى تأثر السياحة والاستثمارات الأجنبية في الولاياتالمتحدة بالأحداث، بالإضافة إلى الانخفاض الهائل للبورصة الأمريكية بسبب قلة الثقة بين المتعاملين. هذا بخلاف تكلفة تمويل الحشد الأمريكي للحرب ضد أفغانستان. وانعكس الطابع اليميني المتشدد للإدارة الأمريكية وقتها على الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها لمواجهة التأثيرات السلبية لأحداث 11 سبتمبر، والتي بدأتها بإضافة سيولة نقدية وخفض سعر الفائدة عدة مرات وخفض الضرائب على الأفراد والشركات، بجانب إصدار سندات الحرب. وعانى الإقتصاد الأمريكي حالة من البطء في التعافي، حتى بدأ في التعافي في الربع الأخير من عام 2001 لكنه تعاف محفوف بالخطر نظرا للآثار الجانبية التى يمكن أن تحدثها الإجراءات التى لا يتوقع لها الاستمرار إلى ما لا نهاية. وكشفت دراسة أمنية أن العالم أنفق منذ عام 2001 أكثر من 70 مليار دولار لتعزيز إجراءات الأمن الداخلي المتزايدة، فيما ساعد ذلك الإنفاق في تقليص هجمات الإرهاب العالمي بنحو 34%، لكنّ المعدل السنوي لضحايا الإرهاب ازداد بواقع 67 قتيلاً. ويُعزى هذا الارتفاع إلى ردّ الإرهابيين على الأخطار التي فرضتها عليهم التدابير الأمنية المشدّدة، بعد أن ركّزوا على الخطط التي توقع أكبر قدر ممكن من القتلى خارج نطاق هذه التدابير. وأعلنت عدد من الشركات الأمريكية العالمية إفلاسها عقب تلك الهجمات، منها شركة "أنرون" النفطية العملاقة، تليها شركة "وورلد كوم" للاتصالات التي تقدمت بطلب رسمي إلى المحكمة لإعلان إفلاسها لتصبح بذلك أكبر عملية إفلاس في التاريخ الأمريكي, متجاوزة بذلك فضيحة إفلاس شركة "أنرون" لخدمات الطاقة. كما تقدمت شركة "ميديكال ليندر" للخدمات المالية للمؤسسات الصحية بطلب إلى السلطات الأمريكية لإعلان إفلاسها، وكانت "ميديكال" عجزت خلال الفترة الأخيرة عن سداد مستحقات عدد كبير من عملائها الأمر الذي دفعهم إلى المطالبة بتصفيتها. كما ألغت شركة "أميركان إيرلاينز"، التي تعد شركة الطيران المدني الأولى في العالم، 7 آلاف وظيفة، وخفض أسطولها الجوي. وكان قطاع التأمين الأكثر تضرراً من الإرهاب نظراً لارتباطه بالمخاط، فقد تعرضت شركات التأمين العالمية وشركات إعادة التأمين لضربة قوية جدا، بل تعد أقوى ضربة في تاريخ التأمين، وخاصة في الولاياتالمتحدة، حيث تعرضت لخسائر كبرى نتيجة لأحداث 11 سبتمبر وما نتج عنها؛ بسبب التزامها بدفع تعويضات للشركات والأفراد الذين تأثروا بالحادث. ويقدر الخبراء هذه المبالغ ما بين 30 و60 مليار دولار، ويضاف إلى ذلك تعرض هذه الشركات إلى مزيد من الخسائر في المستقبل بسبب التحول من شراء أسهمها بعد تأثرها إلى شراء أسهم شركات أخرى في السوق المالية. وأشارت دراسة أمريكية، فيما يتعلق بالآثار التي لحقت بالسياحة، إلى أن أحداث 11 سبتمبر أدت إلى انخفاض في الطلب العالمي على السياحة بنسبة 4.7% عامي2001 و2002، نتج عن ذلك ركود شبه كامل في قطاع السياحة والأنشطة المرتبطة به، كما نتج عنه أيضا التسبب في بطالة أكثر من 10 ملايين موظف على المستوى العالمي، حيث انخفض عدد العاملين في القطاع السياحي من 180 مليون موظف عام 2001، إلى 170 مليون موظف عام 2002. كما انخفض عدد السياح على المستوى العالمي بمعدل 3.1% في نهاية عام 2001، حيث انخفض عددهم من 697 مليون سائح عام 2000، إلى 689 مليون سائح عام 2001. وثمة تأثير آخر لهجمات 11 سبتمبر على الولاياتالمتحدة وهو زيادة المشاعر المعادية للعرب في الخارج مما شجع بعض المستثمرين من أبناء الشرق الأوسط على التفكير في تقليص تعاملاتهم المالية الواسعة مع الولاياتالمتحدة، خوفاً من تجميد الأموال كجزء من الحرب التي تشنها أميركا ضد الإرهاب. وتأثرت أسواق الأسهم في الشرق الأوسط بأحداث 11 سبتمبر، وخسر بعضها معظم مكاسبها المسجلة منذ أول العام، فمثلاً السوق السعودي الذي ارتفع 14.4% خلال الفترة من 1 يناير إلى 9 سبتمبر 2001، أنهى شهر نوفمبر على ارتفاع 4.5% فقط، أي بخسارة 10% خلال 11 أسبوعاً عقب الهجوم. وكذلك سوق الكويت الذي ارتفع 32% حتى 9 سبتمبر، أنهى شهر نوفمبر بزيادة 23% فقط أي بتراجع عن المستوى العالمي الذي وصله قبل الهجوم في حدود 10%. أما سوق الأسهم المصري الذي سجل تراجعاً بنسبة 17% منذ بداية العام حتى 9 سبتمبر، زادت خسارته بعد أحداث سبتمبر لينهي نوفمبر على خسارة قدرها 39% مقارنة بمستواه في بداية العام. ولقد استطاعت كل من أسواق الأسهم في الأردن والإمارات العربية المتحدة وقطر من استعادة الخسائر التي منيت بها عقب هجوم سبتمبر 11 وأنهت شهر نوفمبر على ارتفاع مقارنة مع ما كانت عليه قبل الهجوم، كذلك سجل سوق فلسطين تحسناً ملموساً خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة قبل أن يعود ويتراجع في الأسبوع الأول من ديسمبر. كما تضرر قطاعي الطيران والسياحة في منطقتنا، وتشير التقديرات إلى أن السفر بالجو من وإلى المنطقة العربية قد انخفض بنسبة 35% منذ 11 سبتمبر، وقد قامت عدة شركات طيران كبيرة بإلغاء بعض الخطوط وتقليص عدد الرحلات لديها.