لاشك أن للإعلام ورجال الدين تأثير كبير في تشكيل الوعي والضمير للجماهير العريضة.. هذا التشكيل الذي قد يحدث بشكل إيجابي أو سلبي.. وتحدثنا كتب التاريخ عن ثورتي القاهرة الأولي والثانية اللتين قادهما الأزهر الشريف ضد الاحتلال الفرنسي لمصر.. كما يحدثنا التاريخ أيضا عن راسبوتين ذلك القس الروسي الذي استغل رداء الدين في ارتكاب كل الموبقات والفواحش.. وتمثل هيئة الاذاعة البريطانية بي بي سي القوة الناعمة لهذا البلد بما حرصت عليه دوما من التزام بالحياد والموضوعية والمصداقية على حساب السبق.. لذلك كانت إذاعة البي بي سي هي مصدر المعلومات الحقيقية لأبناء الشعوب العربية في مقابل إذاعات حكومية موجهة ومضللة خرجت من معطف جوبلز وزير الدعاية النازي.. وفي منتصف التسيعينات سعت القيادة القطرية للبحث عن دور ومكان تحت الشمس ولكن هذه الدويلة الصغيرة الأشبه بنقطة على الخريطة لا تساعد على ذلك .. فلا سبيل إذن سوى اللجوء للقوة الناعمة لفرض نفسها على الكرة الأرضية.. ولكن مازالت القوة الخشنة تشكل خطرا من قبل قوى إقليمية.. إذن الحل في هذه الحالة هو تحويل شبه الجزيرة الصغيرة المتخمة بالمال إلى قاعدة عسكرية للأسطول الأمريكي.. وهو ما فعلته القيادة القطرية.. وهكذا تنطلق القوى القطرية الناعمة وهي في حماية المارد الأمريكي.. وفي هذا الاطار منحت قطر الشيخ يوسف القرضاوي جنسيتها واستقبلت أغلب فريق العاملين في تليفزيون بي بي سي العربي الأول الذي أطلق في التسعينيات بعد إغلاقه في لندن .. وصارت قطر راعيا أساسيا لجماعة الاخوان المسلمين.. ولأن القزم يظل دوما قزما مهما فعل ولن تبلغ هامته أبدا العمالقة.. فان الحقد قد يدفعه إلى قطع ساقي العملاق ويديه وتهشيم رأسه.. حتى يشعر أنه أعلى منه.. وهكذا انطلق القرضاوي والجزيرة يبشران بالربيع العربي ويدعمان الثورات العربية فاكتسبا شعبية ومصداقية كبيرة لدى شعوب المنطقة .. ولكن مع قفز الاخوان على السلطة على حساب دماء شباب الثورة في البلدان العربية ودعم القرضاوي والجزيرة لذلك فقدا من رصيدهما في الشارع العربي الكثير.. ومع سقوط الاخوان.. وتحول الجزيرة إلى بوق لهم وانحيازها الصارخ وتحريضها المتواصل وافتقادها للمهنية والموضوعية لدرجة نشر صورة الحشد الشعبي في الاتحادية والذي منح التفويض للجيش المصري الوطني لمكافحة الارهاب على أنها صورة مؤيدي مرسي .. انتهى أمر الجزيرة في مصر.. وارتفعت دعوات مطالبة بإغلاقها وطردها.. كما طرد وفدها من أحد المؤتمرات الصحفية.. وأما الشيخ العجوز القرضاوي الذي كان يحظى باحترام الكثيرين وحبهم فقد سقط سقوطا مدويا باستعداء الخارج على مصر ودعوته للإرهابيين من كل حدب وصوب للقدوم إلى الكنانة.. وطبعا لمحاربة شعبها.. سقطت الجزيرة ولابد من طردها.. وسقط القرضاوي ولابد من إخراجه من هيئة كبار العلماء بالأزهر ودراسة سحب الجنسية المصرية منه.. لقد سقطت الأقنعة وتحطمت الساقان اللتان وقف عليهما القزم.. فعاد قزما.. وانهار مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي رعته الولاياتالمتحدة من أجل صالح ربيبتها إسرائيل.. فقد شجع الشعب المصري بثورته الجبارة في الثلاثين من يونيو الماضي شعوب المنطقة على الثورة على الاخوان الفاشلين واسقاطهم في تونس وغزة وتركيا وفي كل مكان.. ستظل مصر أرض الحضارة والتاريخ والثقافة عملاقة.. وسيظل القزم قزما مهما فعل..