في 7 ه جاء أمر الله بنشر الدعوة الإسلامية للناس كافة. وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً (سورة سبأ: آية 28). فأرسل الرسول أربعة من الصحابة إلي أهم الممالك منهم والمقوقس عظيم قبط مصر. وكان سفيره حاطب بن أبي بلتعه . من المسلمين الأوائل .. أصله يمني. هاجر إلي المدينة و ترك خلفه في مكة، والدته وزوجته وأولاده. كان مولي عبدالله الأسدي.. وقد أرجأه بدفع فدية لنفسه ليحرره ويعتقه إلي ما بعد استقراره في المدينة وتوفير المبلغ اللازم.. ولم يستطع فداء أسرته.. فتركها هناك. كان آنذاك في سن 43 .. تاجرطعام ذو ذهن لماح ورجاحة عقل وقوة حجة. مشهود له برماية السهم.. ومعروف بالفروسية وأجادة الشعر. حسن الجسم، متوسط الطول، له لحية خفيفة. ولأن حاطب سفير رسمي يعرف قدر من أرسله.. وقواعد من جاء ليلقاه. تقدم رسمياً، لقائد حرس قصر المقوقس، في الإسكندرية، عاصمة البلاد. يخبره بأمره وبأمر الرسالة.. وكان المقوقس، بحكم منصبه حاكماً لأكبر بلاد المنطقة، ولوضعه العسكري والدينى ، علي دراية بما ظهر في الجزيرة العربية. من "نبي"..فأمر بضيافة حاطب، لمدة ثلاثة أيام.. قبل أن يحاوره ثم خمسة أيام ليناقشه، علانية وسط رجاله أو منفرداً مع مترجم بعد تسلم رسالة الرسول.. قال المقوقس : - إني سأكلمك بكلام وأحب أن تفهمه عني.. فأجاب حاطب- هلم.. - أخبرني عن صاحبك.. أليس هو نبي؟ - بلي هو رسول الله.. - فماله، حيث كان هكذا، لم يدعُ علي قومه، حيث أخرجوه من بلده إلي غيرها؟ ويقصد هجرة الرسول. فرد عليه حاطب .. فعيسي بن مريم، تشهد أنه رسول الله.. حيث أخذه قومه، فأرادوا أن يصلبوه ألا يكون دعا عليهم بأن يهلكهم الله.. حتي رفعه الله إليه في السماء الدنيا. فقال المقوقس.. أنت حكيم.. جاء من عند حكيم. أكمل حاطب - إنه قد كان قبلك رجل زعم أنه الرب الأعلي (يقصد فرعون موسي).. فانتقم الله به، ثم انتقم منه.. فاعتبر بغيرك، ولا يعتبر بك.. وإن لك دينا لن تدعه إلا لما هو خير منه، وهو الإسلام الكافي الله به، فقدمه سواه.. وما بشارة موسي بعيسي، إلا كبشارة عيسي بمحمد، وما دعاؤنا إياك إلي القرآن، إلا كدعائك أهل التوراة إلي الإنجيل.. (ولسنا ننهاك عن دين المسيح.. ولكنا نأمرك به) وتلا عليه من سورة البقرة "لا نفرق بين أحد من رسله" (الآية: 284). ثم استدعي المقوقس حاطب وحده، يسأله: - ألا تخبرني عن أمور أسألك عنها؟ فإني أعلم أن صاحبك قد تخيرك حين بعثك. قال- لا تسألني عن شيء إلا صدقتك - إلي ما يدعو محمد؟ - إلي أن نعبد الله، لا نشرك به شيئاً.. ونخلع ما سواه ويأمر بالصلاة - فكم تصلون؟ - خمس صلوات في اليوم والليلة، وصيام شهر رمضان، وحج البيت والوفاء بالعهد وينهي عن الميتة والدم. - من أتباعه؟ - الفتيان من قومه وغيرهم.. - فهل يقاتل قومه؟ - نعم قال المقوقس.. صفة لي. فوصفه.. فقال المقوقس.. - لقد بقيت أشياء لم آراك ذكرتها.. في عينيه حمرة قل ما تفارقه، وبين كتفيه خاتم النبوة، يركب الحمار ويلبس الشملة، ويجترئ بالتمرات والكسر، لا يبالي من لاقي من عم ولا ابن عم. أجاب حاطب: هذه صفته.. فقال المقوقس: كنت أعلم أن نبياً قد بقي، وقد كنت أظن أن مخرجه الشام، وهناك كانت تخرج الأنبياء من قبله، فأراه قد خرج في العرب. قبل ذلك وبعده.. كانت الرسائل الرسمية التي قام حاطب بنقلها بين الرسول والمقوقس.. بدأت برسالة الرسول.. من محمد رسول الله إلي المقوقس عظيم القبط سلام علي من أتبع الهدي أما بعد.. فإني أدعوك بدعاية الإسلام، فأسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين.. "يا أهل الكتاب، تعالوا إلي كلمة سواء بيننا وبينكم، ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً، ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله، فإن تولوا فقولوا أشهدوا بأنا مسلمون" (سورة آل عمران: آية 64). أخذ المقوقس الرسالة، وجعلها في (حق من عاج)، وختم عليه.. ورد علي رسول الله برسالة قال فيها: لمحمد بن عبدالله.. من المقوقس عظيم القبط.. سلام.. أما بعد.. فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت وما تدعو إليه.. وقدعلمت أن نبيا قد بقي، وقد كنت أظن أنه يخرج بالشام. وقد أكرمت رسولك، وبعثت إليك بجارتين لهما مكان في القبط عظيم، وبكسوة وأهديت إليك بغلة لتركبها والسلام. وأرسل مع حاطب - مارية القبطية: التي: أسلمت وتزوجها النبي وأنجبت له أبنه إبراهيم عاشت بعد وفاة النبي، خمسة أعوام، فماتت 16 ه ودفنت في البقيع. - سيرين (شقيقتها).. وقد أسلمت وتزوجها شاعر الرسول (حسان بن ثابت) وأنجبت منه عبدالرحمن بن حسان من شعراء الأمويين. - خصي عجوز يسمي (مايور)عمل في خدمة السيدة مارية.. - دليل يقوده في الطريق وعبد آخر يسمي جبر بن عبدالقبطي مولي أبوبصرة الغفاري (بعد ذلك).. ليري خاتم النبوة وقد أدي مهمته وعاد لمصر، ثم عاد من جديد للمدينة. فقد أسلم، ليجيء لمصر بعد 14 عاماً في جيش الفتح ويقيم في الفسطاط، ثم الصعيد. وكذا ألف مثقال ذهب - عشرون ثوباً من القباطي - بغلة شهباء (دلدل) - عسل نحل، من بنها، - أعواد مسك.. - حمار (يعفور) بعد عامين من رحلة حاطب وقبيل فتح مكة.. يظهر ابن أبي بلتعه فى الأحداث.. فقد جاءت للمدينة، غانية من مكة، تسمي (سارة)، ولم تسلم لكنها جاءت للرسول، تطلب مساعدة فقد هجرها شباب مكة بعد غزوة بدر.. فأوصي الرسول بها خيراً.. وأعطاها أموالا وملابس وطعاما.. وخرجت عائدة إلي مكة. وكان حاطب يعرف باستعداد النبي، للخروج إلي مكة..وتكتم الأمر حتي يفاجئهم. لكن لحاطب في مكة اسرته وخاف عليهم لكنه كان يعرف يقينا بنصر الله، وأن ما يجمعه الرسول من قوة لن تستطيع معه قريش المقاومة.. فأراد أن يجامل زعماء مكة.. فلا يقربوا أهله.. فكتب رسالة قال فيها: إن رسول الله قد توجه إليكم، بجيش قليل، يسير كالسيل وأقسم بالله لو سار إليكم وحده لينصرنه الله تعالي عليكم، فإنه منجز ما وعده فيكم، فإن الله ناصره ووليه.. وقد أحببت أن تكون لي يد بكتابي إليكم. أعطي حاطب، رسالته إلي سارة، وأعطاها 100 دينار ورداء نسائي فأخفتها في ثنايا شعرها.. . عندما وصلت إلي منطقة (روضة).. خارج المدينة.. كان جبريل عليه السلام قد أنبأ النبي بالأمر.. فأرسل خلفها 6 فرسان منهم علي بن أبي طالب والزبير بن العوام فلحقوا بها هناك، وطلبوا منها الرسالة، فتمنعت لكنها أمام إصرار وحزم علي بن أبي طالب خافت وأخرجتها وعادوا بالرسالة، وتركوا "سارة" تكمل طريقها وهي لا تعلم شيئاً عما في محتواها.. استدعي النبي (حاطب) يسأله.. وكان عمر بن الخطاب في أقصي درجات استعداده لقطع رقبة حاطب إذا أمر النبي. وقف حاطب يشرح وجهة نظره للرسول.. قائلاً.. يا رسول الله، والله ما كفرت منذ أسلمت، ولا غششتك منذ نصحتك، ولا أجبتهم منذ فارقتهم.. ولكن لم يكن أحد من المهاجرين إلا وله نجله ما يمنع من عشيرته، وكنت غريبا فيهم وكان أهلي بين ظهرانيهم فخشيت علي أهلي، فأردت أن أتخذ عندهم يدا، وقد علمت أن الله ينزل بهم بأساً.. وأن كتابي لا يغني عنهم شيئاً. لم يقتنع عمر بن الخطاب بهذا الحد.. فحسم النبي الموقف.. بأن حاطب من أهل غزوة بدر الذين غفر الله ذنوبهم.. وأعلن اقتناعه بما قاله حاطب.. وخلي سبيله وضمه لقوات فتح مكة. وقد أكرم الله حاطب، في هذه الواقعة.. بأن شهد له في القرآن، بالإيمان في (سورة الممتحنة).. التي بدأت في آيتها الأولي.. وهي تذكر واقعة حاطب (يأيها الذين أمنوا، لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون لهم بالمودة، وقد كفروا بما جاءكم من الحق). عاش حاطب حتي خلافة عثمان بن عفان (23- 35 ه).. فقد توفاه الله عام 33 ه، عن عمر يصل 65 عاماً.. ودفن بالمدينة في البقيع وترك خلفه 4 آلاف دينار ومنازل