أحمد السعيد نجح النظام البائد- متعمدا- في طمس الهوية الدينية لعدد كبير من المصريين.. والنتيجة أن عددا كبيرا من أبناء هذا الجيل، أصابته حالة من انفصام الشخصية، وأصبح يجاهر برفضه تطبيق شرع دينه الذي يعترف نظريا بأنه يدين به! لقد نجح زبانية مبارك عبر قرون عديدة في محاربة الانتماء الديني لأبناء الشعب المصري المتدين بطبعه، واستخدم الإعلام والتعليم والثقافة كسلاح فعال في تلك الحرب القذرة.. فهمش مادة الدين في مراحل التعليم، وقلص دور الرسالة الدينية علي شاشات التليفزيون المصري قبل الدخول إلي عصر الفضائيات.. وخصص معظم فقراته للترفيه الماجن وللراقصات العاريات.. أما الثقافة فحدث ولاحرج، استخدمها النظام السابق كخنجر مسموم لاستئصال الهوية الإسلامية من جذورها.. واستبدل ثقافة التغريب تحت ستار التنوير ومشروع النهضة المزعومة.. فانتشر من اسموا أنفسهم بالليبراليين وفي قول آخر العلمانيين، منهم المسلم ومنهم المسيحي حتي ولو بالاسم فقط.. والليبرالي المسلم يحاول أن يخدع الجميع عندما يشهد بألا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله.. ويؤكد أنه يصلي الفرض في وقته.. ويقسم أنه يصوم شهر رمضان.. وإنه يؤدي الزكاة.. ويحج ويعتمر بدلا من المرة 10و20مرة! هكذا يؤكدون.. وهكذا يقسمون وهكذا نراهم! ولكنهم بعد كل هذا يطالبون الناس بعدم اتباع شرع من يسجدون له ويصومون له ويشهدون بوحدانيته.. بل ينادون بمشروعية كل مانهي عنه من ربا وعري وشرب الخمر وحرية إقامة العلاقات المثلية وغير المثلية بدعوي حرية المعتقدات واختلاف عقائد المصريين! فعندما يسجد المسلم لله في صلاته فهو يعلن عن خضوعه التام لمشيئته ويشهد بعبوديته للخالق الواحد.. وعندما يصوم ويمتنع عن شهواته الدنيوية التي أحلها له الله، فهذا إعلان صريح عن الطاعة المطلقة لله عز وجل، ومن حسن صيام المسلم أن يزيد من أفعال الخير مع سائر البشر تقربا وتوددا لله. وعندما يؤدي الزكاة.. فهو لايؤدي مجرد فريضة، ولكنه يؤدي دورا مجتمعيا غاية في الأهمية وهو ترسيخ مبدأ العدالة الاجتماعية التي كانت أحد شعارات الثورة المصرية.. حتي الحج الذي يعتبر من أشق العبادات يعتبر تطبيقا عمليا لكل أركان الإسلام سواء من ناحية العبادة أو من ناحية المعاملات مع البشر.. إذن العبادات التي يؤديها المسلمون هي إعلان صريح عن عبودية الإنسان لله الرحمن الرحيم.. ولايكتمل دين المرء إلا بحسن المعاملة مع كل البشر .. وهذه المعاملات تشمل كل الأنشطة الإنسانية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها.. إذن كيف نفصل الدين عن الدنيا؟ ولكن عجبا ما يفعله الليبرالي المسلم »صنيعة النظام البائد« عندنا.. فهو الذي نراه يركع ويسجد لله.. ويطلب منه العون والتوفيق وسعة الرزق.. وبمجرد أن ينتهي من سجوده، يرفع رأسه في تكبر وغرور ويعلن بكل صلف رفضه التام والصريح لهذه العبودية التي أقرها في صلاته، ويعلن علي الملأ رفضه التام لتطبيق حدوده وقوانينه التي شرعها في كتابه العزيز.. بل يصيبه الصرع أحيانا عندما يسمع أي إنسان آخر يدعو إلي تطبيق شرع الله وقد يدخل معه في صراع دام حتي الموت! وكأنه يقول لرب العزة: إن شرعك الذي جاء في القرآن الكريم لايصلح إلا لقريش.. وكفاية عليك الصلاة والصوم.. أما كيف نتعامل مع عبادك.. فهذا شأننا، فنحن نثق في قوانين »سارتر.. وكارتر.. حتي تارتر..« وحسبنا الله ونعم الوكيل.