مع تكرار حوادث الاعتداء علي مرشحي الرئاسة المحتملين وأعضاء مجلس الشعب في مصر، طالب الكثيرون بضرورة تعيين حراسة خاصة لهذه الشخصيات المهمة علي غرار ماتوفره الدولة للسادة الكبار والوزراء والمسئولين لحمايتهم من حالة الإنفلات الأمني التي تعيشها البلاد. ووصلت الأمور الي حد إرتفاع الأصوات التي تحذر من موجة إغتيالات يمكن أن تشهدها مصر في المرحلة القادمة بإعتبار ذلك خطوة متوقعة في ضوء الصراعات المتصاعدة بين مختلف القوي السياسية الثورية والرجعية ومحاولات البعض لدفع الأمور في بلادنا الي مرحلة الفوضي الشاملة وإجهاض ماتبقي من منجزات وأحلام ثورة 25 يناير. ومع الاعتراف بخطورة الموقف الأمني والسياسي أيضا الا أن السؤال المهم هو..هل المطلوب توفير الحماية الأمنية للشخصيات المهمة وذات الحيثية فقط أم أن القضية أكبر من ذلك وتتعلق بأمن الوطن و المواطن وحماية المجتمع ككل من الجريمة والبلطجة والفوضي؟ الإجابة علي هذا السؤال ربما تأتي من العراق الذي يشهد حالة مروعة من الإنهيار الأمني راح ضحيتها آلاف العراقيين من مختلف الطوائف والأعراق والأديان. ورغم ذلك، فوجيء الجميع منذ أيام بقرار غريب لمجلس النواب العراقي بتخصيص مبلغ 50 مليون دولار لشراء سيارات مصفحة لأعضائه بحجة حمايتهم من أي اعتداء.! الغريب، أن البرلمان قرر شراء 350 سيارة مصفحة لأعضائه الذين لايتجاوز اجمالي عددهم 325 عضوا. والأغرب من ذلك أن كل عضو في البرلمان العراقي لديه بالفعل 30حارسا مسلحا لحمايته بالإضافة الي أن جميع البرلمانيين العراقيين يسكنون فيما يسمي بالمنطقة الخضراء المحصنة في بغداد والتي تعد بمثابة ثكنة عسكرية من الداخل والخارج. كل هذه التكاليف الباهظة يتحملها المواطن العراقي البائس الذي يفقد حياته في الهجمات المسلحة والتفجيرات الإنتحارية ويعاني من جرائم السرقة والإبتزاز والإرهاب دون أن يفكر أحد من السادة الكبار في حمايته أو الدفاع عنه! إهتم البرلمان العراقي فقط بأمن أعضائه الذين يتقاضي الواحد منهم راتبا يتجاوز 50 ألف جنيه شهريا. وهو ما دعا المحامي والسياسي العراقي المستقل طارق المعموري لإتهام البرلمان بتجاهل مصالح المواطن وانفاق أموال الفقراء والمرضي وضحايا الإرهاب علي "جبن" الساسة العراقيين الذين لايهتمون الا بأنفسهم بدليل حصول كل منهم شخصيا علي رواتب 30 حارسا مخصصين لحمايته تصل قيمتها 18 الف دولار شهريا ولكنه يكتفي بخمسة أو ستة حراس فقط ويحتفظ بالباقي لنفسه وهو مايعد سرقة في وضح النهار، علي حد قول المعموري. المغزي واضح، فالأمن الحقيقي هو أمن المجتمع بأسره وليس فقط توفير الحماية للشخصيات المهمة مع فائق الإحترام للمسئولين وكل السادة الكبار. هذا المفهوم العنصري للأمن يعيد مصر، بكل أسف الي أسوأ المفاهيم التي كانت سائدة في عهد المخلوع حسني مبارك عندما كان يتم تخصيص حراسة خاصة لغلام صغير هو ابن وزير الداخلية الأسبق ويتم احتجاز المواطنين في سياراتهم لحين إنتهاء مرور موكب ابن معالي الوزير !