236 درجة تنسيق القبول بالمرحلة الثالثة من الثانوية العامة في بورسعيد    وزير الدفاع: الحفاظ على الاستعداد القتالي العالي الضمان الحقيقي لأمن الوطن    برنامج التبادل الطلابي بطب حلوان يواصل فاعلياته.. صور    خريطة الأسعار اليوم: ارتفاع الدواجن والحديد والجبن    ارتفاع الحديد.. أسعار مواد البناء اليوم بالأسواق (موقع رسمي)    قطع المياه عن 5 قرى في المنيا لمدة 5 ساعات    مقترح جديد لتشكيل حكومة وحدة وطنية في إسرائيل لاستعادة الأسرى    بقرار من نتنياهو.. إسرائيل تصعّد حربها في غزة باستخدام روبوتات وغازات سامة    "كارثة ومش عارف هيقول إيه".. شوبير يكشف ما يحدث ل عبدالقادر في الأهلي    "4 ملايين ريال".. الأهلي يُكافيء لاعبيه على السوبر السعودي    ماذا قدمّ وسام أبو علي في ظهوره الأول مع كولومبوس كرو الأمريكي؟    حرارة وشبورة ونشاط رياح.. "الأرصاد" تكشف حالة طقس الإثنين    فيديو صادم | عامل يقتل قطة داخل مطبخ بقرية سياحية.. والداخلية تتحرك    دموع وصرخات في سوهاج.. عودة الناجين من "شاطئ الموت" بأبو تلات- فيديو وصور    رحل خلال مباراة كرة قدم.. 9 معلومات عن الفنان الشاب بهاء الخطيب    "ادعولها يا جماعة".. مصطفى قمر يدعم أنغام بسبب أزمتها الصحية    17 صورة ل أحمد جمال والتهامي وفتحي سلامة من حفل ختام مهرجان القلعة    يسري جبر: هذا جزاء من يتقن عمله    هل تعليق الصور على الحائط حرام؟.. أمين الفتوى يجيب    نحو 60 مليون خدمة.. ماذا قدمت حملة "100 يوم صحة" خلال 39 يومًا؟    التأمين الصحي يزف بُشرى بشأن جراحة العيون.. إجراء عمليات إصلاح عيوب الشبكية بمستشفى المقطم وهذه أحدث    عاجل| هيئة الدواء تسحب مستحضر تجميل شهير وتحذر من تداوله    محافظ الجيزة: ثلاث معارض «أهلا مدارس» بالمحافظة بأسعار مخفضة    ليلى علوي تشارك صورًا رفقة أحمد العوضي وإلهام شاهين من الساحل الشمالي    وكيل عربية النواب: حملات الإخوان ضد السفارات المصرية محاولة بائسة للتغطية على جرائم الاحتلال    «كان راجع من الشغل».. مصرع شاب أسفل عجلات القطار في الغربية    «للمسافرين اليوم».. جدول مواعيد قطارات «الإسكندرية - القاهرة» اليوم الأحد 24 أغسطس 2025    تشكيل ريال مدريد المتوقع أمام أوفييدو في الدوري الإسباني    غدا.. انطلاق جولة الإعادة بانتخابات مجلس الشيوخ 2025 للمصريين في الخارج    البنك المركزي يحسم أسعار الفائدة في مصر 28 أغسطس.. وسط توقعات بالتخفيض    «كايروكي وتوليت» يختتمان فعاليات مهرجان العلمين 2025.. الجمعة    الاحتلال يقتحم مدينة قلقيلية بالضفة الغربية ويداهم منزلا    الأرصاد: استمرار ارتفاع درجات الحرارة اليوم.. وهذا موعد التحسن    إعلام روسي: الدفاعات الروسية تدمر 95 طائرة مسيرة أوكرانية خلال هجوم ليلي    لدعم الدولة.. تفاصيل مبادرة «وطنك أمانة» من المصريين في الخارج    العمل تطلق مبادرة «سلامتك تهمنا» لنشر ثقافة السلامة والصحة المهنية بالإسكندرية    مدير القوافل الطبية ب«الصحة»: نستهدف الأماكن البعيدة عن المستشفيات والخدمات مجانية    وزير الاتصالات ل"إكسترا": 60 دولة تشارك فى قمة الذكاء الاصطناعى بالقاهرة    جرائم الإخوان لا تسقط بالتقادم    أحمد بهاء الدين مفكر الصحافة    أسعارالخضراوات والفاكهة بسوق العبور اليوم الأحد 24 أغسطس 2025    لافروف يثمن مستوى العلاقات المصرية الروسية في تعزيز أواصر التعاون    نسأل لماذا يا وزير التعليم الإصرار على وجود 3 أنظمة للثانوية العامة؟!    صلاح.. الملك المتوج    ركيزة استقرار الشرق الأوسط    مدير الفاو: سكان غزة استنفدوا كل سبل الحياة الممكنة    45 دقيقة تأخرًا في حركة قطارات «طنطا - دمياط».. الأحد 24 أغسطس    حظك اليوم الأحد 24 أغسطس وتوقعات الأبراج    "سيد الثقلين".. سر اللقب الشريف للرسول صلى الله عليه وسلم في ذكرى مولده    في ذكرى المولد النبوي.. أفضل الأعمال للتقرب من الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم    تنسيق الدبلومات الفنية 2025.. كليات التجارة و التربية ومعاهد الفني الصحي المتاحة تجاري 3 سنوت (قائمة كاملة)    محمد رمضان يعلن موعد ظهوره المرتقب في الساحل الشمالي: أقوى وأنجح حفلة في مصر    دعاء الفجر | اللهم يسّر أمورنا واشرح صدورنا وارزقنا القبول    لدعم صحتك وصحة الجنين.. أهم الأطعمة التي يُنصح بها خلال الحمل    كما كشف في الجول - القادسية الكويتي يعلن التعاقد مع كهربا    برشلونة ينجو من فخ ليفانتي بفوز مثير في الدوري الإسباني    خلال 72 ساعة.. «الداخلية» تطيح ب21 من أخطر العناصر الإجرامية وتضبط مخدرات وأسلحة ب1.25 مليار جنيه    «قولتله نبيع زيزو».. شيكابالا يكشف تفاصيل جلسته مع حسين لبيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اعجبني هؤلاء
كامل الشناوي.. الذي ليس له مثيل في تاريخ الصحافة »2«
نشر في أخبار اليوم يوم 04 - 11 - 2011

كان كامل الشناوي يدخلنا في عالمه الخاص كل ليلة. فله غراميات. ولا نعرف بالضبط مزاجه. ولكنه يختار نوعا من النساء صغيرات الحجم. ليبدو هو أضخم وأكبر. وكنا نعيش معه في غرامياته -فهو يتفنن في وصف المحبوبة. ويقول فيها شعرا. الشعر أجمل منها مئات المرات. يقول. ويشكو ويتوجع. وفجأة تظهر سيدة أخري، يتكرر الشعر والألم والسهر والدموع.
ولا معني لمناقشة ذوقه. فالأذواق لا تناقش. وأحيانا كنا نفعل. وأحيانا كان يغضب. ولا أحد يريد اغضابه. فقد أحب احدي المطربات. وكان يشك فيها. أو في بعضنا وأنه لا علاقة بها من ورائه. وكان يقول شعرا بديعا. الشعر هو الأروع والأجمل. وكل الشعراء كذلك. كامل الشناوي يقول:
كوني كما تبغين لكن لن تكوني ... فأنا صنعتك من هواي ومن جنوني
ولقد برئت من الهوي ومن الجنون
أما إنما من هواه. نعم.. ومن جنونه. نعم. وأما أنه برئ من الهوي فلا!
ويقول كامل الشناوي:
حطمتني مثلما حطمتها ... فهي مني وأنا منها شظايا
الله يا كامل بك. كنا نقول له كامل بك.. ومصطفي بك وعلي بك..
في إحدي الليالي جاءت المحبوبة وغنت وبكي كامل الشناوي.. وانزعجنا. وأوقفنا المطربة التي كانت تغني له. وكان الشعر عنها ولا تدري. المصيبة أنها لا تدري!
ولكن هو الذي صنعها من خياله ومن هواه ومن جنونه. فهي لا تستطيع أن يكون إلا ما أراد هو الذي يقول ولكنها ذهبت إلي أحضان رجل آخر فهي لا تستطيع أن تشرب الشعر ليلا وتأكله صباحا. إنها ككل مخلوقات ربنا تريد شيئا آخر. والشيء الآخر ليس من مقتنيات كامل الشناوي!
وقد أفزعني كامل الشناوي عندما كان يشك في يوسف إدريس وأنا. وإننا من وراء ظهره ورغم علمنا بحبه لها، كانت لنا علاقات بها. وحاولنا ولم نفلح في إقناعه بأنها شائعة. ولكنه مضي يقول شعرا جميلا. لقد كان ينقصه العذاب ووجع القلب ليقول كلاما جميلا. فكأنه فقط يحتاج إلي ما يوجعه أو من يوجعه ليتدفق الشعر نارا ونورا في أعماقه ويقول.. هو يقول: آه.. ونحن نقول: الله يا كامل بك - ولا يصدقنا مع الأسف!
لسابع مرة: كامل الشناوي
وكان يبهرنا بتعبيراته التي تولد أمامنا من أحداث أو مناقشات حوله وكان يعاكس البنات الصغيرات في مقهي هيلتون. وكانت من بينهن واحدة شقراء جميلة فكان يقول لها: عينك بتوجعني!
وكانت ترد عليه: لا.. عيني توجعني أنا
وكان كامل الشناوي يرد قائلا: مش عارف أفهمك إزاي يا بنتي!
والتعبير بديع. عيناها توجعانه. الله
وكان يصف فتاة أخري تقدم لنا القهوة بأنها مؤدبة لدرجة أنها إذا فتحت الدولاب فإنها تدق عليه.. تستأذنه!
وكان يقول إن مشكلة وقعت لسفن الفضاء السوفيتية، فقد حاولت واحدة العودة إلي الأرض فما كان من الروس إلا أن طلبوا إلي فلانة هذه فنظرت إلي السفينة الروسية بعينيها الجميلتين فسقطت في المحيط!
وفي يوم قابل زميلا كان يعمل معنا.. ثم ترك »أخبار اليوم« ولا نعرف أين هو. ولقيناه سأله كامل الشناوي: انت فين؟ فقال له: أنا الآن أعمل في دار الهلال. وبسرعة قال كامل الشناوي: الحمد لله اللي ربنا تاب عليك من الصحافة!
وكان يصف الطبيب أنور المفتي وهو أستاذ الأمراض الباطنية فيقول إن في أصابعه العشرة علاجا لعشرة أمراض!
وهو صاحب النكتة التي أطلقها علي مجمع اللغة العربية فقال إن المجمع اللغوي قد عرف السندوتش بشاطر ومشطور وبينهما طازج. وكان يصف الموسيقار محمد عبدالوهاب: بأنه لا يكذب ولا يقول الصدق!
وكان يقول علي أم كلثوم إن أغانيها أنواع: أغنية تجلس في حجرها وأغنية علي صدرها وأغنية في حنجرتها وكلها أم كلثوم..
وكان يقول عن عبدالحليم حافظ: انه ترك لنا الدموع واحتكر الآهات.
وكان يقول عن فريد الأطرش إنه احتكر الآهات والدموع ولم يترك لمستمعيه شيئا!
وكان يقول عن طه حسين: أستاذ يجلس في مقاعد الطلبة.
ويقول عن الأستاذ العقاد: إنه أستاذ ولا يهمه إن كان هناك طلبة.
وتوفيق الحكيم: إنه أستاذ يقنع الطلبة ألا يذهبوا لسماع محاضراته!
ويقول عن لطفي السيد باشا: إنه أستاذ الأساتذة. يدعو الأساتذة لحضور محاضراته ولكنه يتوجه بكلامه إلي الطلبة!
ويقول: السياسي هو الرجل الذي يقول: لا دائما ويعتقد أنه يقول: نعم!
ويقول: كل السياسيين يتحدثون عن الحرية وهم يقصدون حريتهم هم!
لثامن مرة: كامل الشناوي
وكانت الولاعات الذهبية هي الوحيدة في ذلك الوقت. وكان كثيرا ما ينسي ولاعته. والذين يجدونها لا يردونها له. وقد ابتدع شيئا جديدا. فقد كان يكتب علي الولاعة: هذه الولاعة سرقت من كامل الشناوي. وكانوا يضحكون ويعيدونها إليه. فاستخدم أعواد الكبريت!
وكان إذا اشتري قلما جديدا. كنا نسأله: نقول له: إيه القلم الجميل ده يا كامل بك! فكان يقدم لك القلم. ويخرج من جيبه واحدا جديدا فقد توقع أن يقال له ذلك..
وكنا نضيق بكرمه أو سفاهته في كرم. فهو يدعو إلي العشاء خمسة من أصحاب الملايين من كبار الباشوات. ثم تجده يدفع ويمنع كل الأيدي ويضاعف البقشيش. وكان يدهشنا من أنه يأتي بالأوراق النقدية الجديدة. وكان يعطيها للجرسون كعادة شديدة.. يخرجها ورقة في حيادة تلفت النظر. وكان يتباهي. وهو في الحقيقة يحرص علي ذلك.
ودون أن ينبهنا إلي أهمية هذا اللقاء ويعرف الأستاذ من وجوه زعماء السياسة والغناء والموسيقي. هو يهون الجو وعلينا أن نربط العلاقات وندعم الصداقات. وأن نحرص علي ذلك.. فالمجتمع علاقات وصداقات وهي أعظم استثمارات الصحفي والكاتب.. ولا يفوته الإصرار وإثارة الإعجاب بنا واحدا واحدا.. يؤكد طول الليل أننا المستقبل.. وعلي الناس من كل الطبقات أن ينتظرونا..
وهو علي حق في ذلك.. فقد كنا وصرنا نجوم الصحافة والنقد والسياسة فكانت مدرسة أخبار اليوم هي قاعدة إطلاق الصواريخ والأقمار في سماء الصحافة والأدب والفن -وفي يوم نشرت أخبار اليوم خريطة للكرة الأرضية.. ليري القارئ أن في كل القارات الخمس في ذلك الوقت كنت في استراليا وزملاء آخرون في إيران والهند والصين ولبنان والسويد وأمريكا.
وقد كانت لي رحلة حول العالم استغرقت 822 يوما. وقبل أن أعود إلي القاهرة بأيام كلمني علي أمين »أخبار اليوم« هكذا: أنت وزملاؤك اختاروك رئيسا لتحرير الجيل. عد بسرعة. سألت عن والدتك هي في صحة جيدة!
وكل الأعماء التي جاءت حول كامل الشناوي قد حملها لي في ليلة واحدة تكريما لعودتي وابتهاجا بما كتبت وتهنئة برئاسة تحرير »الجيل«..
لتاسع مرة: كامل الشناوي
حياة كامل الشناوي. والجو الذي يشيعه. والبيئة الثقافية والخفة التي ينعشها ويضفيها كل ليلة هو الذي يبقي فينا. لم يشعر به كثيرون ولكننا تأثرنا به وشعر بنا الكثيرون. والفضل يرجع إلي كامل الشناوي الذي هو شخصية فريدة من الصحفيين وفريدة من الأدباء والشعراء والفقراء. فهو أغني فقير في مصر. غني بحلاوة كلامه وجلساته. وهو فقير بما ليس في جيبه. وكنا نشفق عليه. وكان يرفض ذلك.
وفي يوم قررنا أن ندعوه إلي العشاء أو ندفع التكاليف الباهظة للعشاء كل ليلة. وفجأة طلب منا كامل الشناوي أن نقترب ونقترب أكثر لأنه يريدنا أن نسمع منه سرا خطيرا. ولا يريد أن يسمعنا. فاقتربنا أكثر وأكثر والتففنا حوله. وجاء الجرسون ومعه صينية عليها عشرون كوبا من الماء وطلب إليه كامل الشناوي أن يدخل بيننا.. ثم غمزه في جانبه فنط في الهواء وسقط الماء علينا ليتعالي ضحك كامل الشناوي. فقد لاحظ بذكائه أن شيئا غير عادي يتم بيننا. ولما كان ما عليه من المال. كانت جملته المجلجلة قائلا: عيب.. عيب!
وفشلت حيلتنا في أن ندفع تكاليف واحدة من السفاهات الأنيقة لكامل الشناوي.
وفي يوم دعتنا الفنانة الجميلة ليلي فوزي -طبعا دعت كامل الشناوي فدعانا: عبدالحليم حافظ، كمال الملاخ، يوسف إدريس، وفتحي غانم، وأنا وآخرين. وجاء موعد الطعام فقالت وهي في نصف ملابسها كما نقول في مصر- أني في غاية الخجل: أنتم الذين طلبتم هذا الطعام الذي لا يدخل بيتنا إلا في شهر رمضان..
وجاءت الأطباق كلها فول وطعمية في الساعة الثانية صباحا. ولم يطلب أحد منا شيئا من ذلك. وإنما كامل الشناوي هو الذي قال لها ذلك وخرجنا وراح يضحك ويضحك!
ولكي ينعش الجلسة افتعل قصة لم يحدث أننا تناقشنا فيها. وقال: هل هناك علاقة بين الجمال والسعادة؟ وهل الجمال يقضي علي السعادة أو السعادة هي التي لا يهمها الجمال؟ أو هل ليلي فوزي سعيدة بجمالها؟ وكان زوجها رجلا أسود اللون وليس فنانا كبيرا ولا حتي محترما بين الناس. والموضوع صعب. ولم يحدث أننا سمعنا أحدا منا يناقشه. وتركنا كامل الشناوي في هذا الحرج مع ليلي فوزي وزوجها.. وذهب يتكلم في التليفون. ولم يكن يتكلم انه يسمع من بعيد ويضحك علي المأزق الذي وضعنا فيه..
وجاء محمد عبدالوهاب فحسم الموقف هكذا: الجمال هو السعادة فالوجه الجميل يري اللحن الجميل والعبارة الجميلة هي في حد ذاتها سعادة لصاحبها ولنا..
لعاشر مرة: كامل الشناوي
وفي إحدي الليالي همس كامل الشناوي في أذني: عندنا مشوار مهم. سوف نتسلل عند منتصف الليل. أنت تسبقني إلي الجلوس في سيارتك. وكان.
وأخرج كامل الشناوي ورقة فيها عناوين بعض الناس. لا أعرفهم. وذهبنا إلي عنوان لإحدي حواري سيدنا الحسين. أوقفت السيارة في الميدان أمام المسجد وحملت عن كامل الشناوي لفافة من القماش. أو لعلها فستان. لا أعرف.
ودخلنا في حارة في داخل حارة. وأمام بيت توقفنا وسأل: الست بدرية أبوالسعود موجودة هنا. وسمعنا صوتا يرحب بنا. وظهرت الست بدرية وأخذت كامل الشناوي بالحضن إزيك يا كامل والله وحشتنا. فيك الخير. أهلا وسهلا. خطوة عزيزة. زارنا النبي يا كامل.
إذن هي صداقة قديمة. وقالت: أخي سوف يفرح جدا لرؤيتك يا كامل.
إنها مشلولة علي سريرها وانحني كامل يقبلها ويديها. ويبكي. وهي أيضا. وأعطاها لفافة ومعها مظروف لابد أن به فلوسا.
وانتهي اللقاء - ولم يشأ أن يقول لي من هذه السيدة. وإنما ظل ساكتا. وقد استولي عليه حزن قديم. ولم ألتفت إلي دموعه ولا سألته ولا هو قال.
سألني: تعبت؟
فقلت: لا.. تحت أمرك يا كامل بك.
قال: عندنا مشوار اخر صغير.. في إمبابة..
فعلا مشوار والساعة الان تقترب من الثانية صباحا. وشوارع إمبابة ليست مرصوفة. وإنما هناك شوارع من التراب أو التراب الذي صار تحت الأقدام وتلالا.. وكان طريقنا في الحقول خارج المدينة.. واتجهنا جوار مسجد سيدي إسماعيل الإمبابي. وأخرج كامل الشناوي ورقة من جيبه. وقرأ العنوان. وأشار بيده. ورأينا اسم الشارع. وأوقفت السيارة ونزل وحده. وأشفقت عليه من الظلام والكلاب التي تنبح ويتعالي صياحها كلما اقترب منها. صحيح أنه لم يطلب مني أن أرافقه ولكني سرت وراءه وأخرج ورقة من جيبه وأشعل عودا من الكبريت ليقرأ. واتجه إلي باب علي اليسار. وفتح الباب. وأشعل عود كبريت ليري السلم. وعاونته في الصعود. إذن كان يتوقع أني كنت معه ووراءه ولحسن الحظ كان أول باب علي الشمال ودق الجرس. وجاء صوت كلب صغير. وانفتح الباب. ورأينا وراء الباب فتاة صغيرة وداعبها وانحني يقبلها. وأشارت بيدها إلي الغرفة. ودخلها كامل الشناوي وأنا وراءه. وكان المشهد مؤلما. إنها فنانة قديمة حال عليها حزن مالها وحليها ونور عينيها. نهضت تصافح كامل الشناوي قائلة: أهلا يا كامل وحشتنا كنت متوقعة هذه الزيارة يا كامل. طول عمرك نبيل وكريم يا كامل. مش عارفة أقول إيه ولا إيه.. اقعد يا كامل.. من معك؟
وكانت هي التي تتكلم طول الوقت وتذكر له وتذكره بأيام الزمان أيام كذا وكذا.. وبكت وكامل وأنا أيضا!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.