سلامة موسي أحد رواد الفكر التنويري في مصر، فقد لعب دورا في تغيير مجري الثقافة بما أحدثه من أفكار وبما دعا إليه من تغيير ببساطة أسلوبه وعمق أفكاره، ترك إنتاجا ضخما من الكتب من بينها »نظرية التطور« وقد طبع في عام 1925 و»إصلاح الفلسفة« عام 1926 وكتاب »الأدب والحياة« الذي طبع عام 1956 و»كتاب الثورات« وقد طبع 1955. ثم قامت هيئة قصور الثقافة بإعادة طبعه في هذه الأيام. الكتاب يتناول إحدي القضايا الهامة التي تعيشها معظم الشعوب العربية في هذه الأيام وهي الثورة علي الظلم والاستبداد والطغيان ويقول الكاتب والمفكر سلامة موسي في بداية سطور كتابه: إن التاريخ ليس كالروايات التي يسجلها الذهن ويقتنع بها بالتسجيل، ولكنه مركب كيماوي يتسلل للخلايا بالمخ فيبعث بداخلنا الأحلام والأماني محركاً الذكريات مهيجاً للجراح، تلك الرؤية المميزة للتاريخ هي المحور الأساسي الذي بني عليه سلامة موسي كتابه »الثورات« حيث يروي قصصا تاريخية للإقتداء بالأبطال وإثارة الغضب علي المستبدين. ويري موسي: أن التاريخ علم لأنه يروي الحوادث ويعلل تتابعها وهو أيضاً فن لأنه من خلاله نستنبط العبرة والقوة عندما نستمدها من الماضي نغتصب من خلالها قوة أخري من المستقبل.. وفي تعريف سريع للثورة يقول موسي: إن الثورة هي إيجاد حقوق جديدة للشعب وإلغاء قيود قديمة أو بمعني آخر أن يعم الثورات جميعها روح اشتراكي وتقاليد اشتراكية. ويؤكد موسي علي أن الثورات التي قادها أحرار قامت من أجل تحقيق مبادئ الحرية والعدالة، والشرف لهزيمة الطغاة والظالمين الذين يتحكمون ويتبخترون ويكيدون للشرف بما في قلوبهم ونفوسهم من خسة ونذالة باصقين بأفعالهم تلك علي الإنسانية. ويقول موسي في سطور كتابه:أن الحرية والشرف والعدالة ليست من المبادئ الميتة ولكنها مبادئ مكافحة متجددة لذا هي تحتاج للرعاية الدائمة والبعث الدائم حتي تعم كل البشري وتربي الإنسان علي أن يكون إنساناً. ويسرد المفكر تاريخ الثورات في العالم ضاربا المثل بالثورة الفرنسية قائلا: لقد نادت الثورة الفرنسية الكبري سنة 1789بالحرية والإخاء والمساواة ومع ذلك لا تزال فرنسا إلي اليوم في حاجة إلي تكرار هذا النداء لان هذه الأهداف والمبادئ لا تتحقق في عام أو مائة عام وإنما تحتاج الي الدعوة إليها كل يوم وعن الأسباب التي عجلت بإقامة الثورات يقول موسي: هناك ثلاثة طرز للثورات اختلفت الطبقات التي قامت بها، في عام 1215 ثارت طبقة النبلاء في إنجلترا علي الملك جون لأن الضرائب كانت باهظة في عهده، وبعد ثورتهم تلك أجبر الملك علي ألا يفرض ضريبة إلا بعد استشاره هؤلاء النبلاء في مجلسهم الذي أصبح بعد ذلك بذرة البرلمان وبذلك استفاد من ثورتهم تلك الشعب كله، في سنة 1848 ثارت الطبقة العاملة في أوربا كلها وحصلت علي حقوق جديدة لم يكن يعرفها العمال فيما قبل. في سنة 1789 ثارت الطبقة المتوسطة بفرنسا علي الملك والنبلاء وبالفعل حصلت علي عدد من الحقوق لها وللشعب كله، وتتمثل تلك الحقوق في إلغاء الإقطاع، وعلي الرغم من تعدد الثورات في أوربا إلا أن الثورة الفرنسية تعد هي الطراز الأعلي الذي يستحق أن تدرس سماته وأفكاره، وبالفعل انتقلت لغة وأفكار ونظريات تلك الثورة إلي الأمم الأخري، فجميعنا يعرف الحرية والإخاء والمساواة والفصل بين السلطات الثلاث: التشريعية والقضائية والتنفيذية، ومفاهيم حرية الفكر والعقيدة وجميع تلك الكلمات والمفاهيم هي أفكار فرنسية ترجمت للغات الأخري، وعلي الرغم من أن نابليون فسق بمبادئ الثورة الفرنسية إلا أنه لم يستطع أن يلغي معانيها وأفكارها حتي أستطاع الشعب الفرنسي أن يستعيد تلك المبادئ من أي فسق وجه لها ليسترشد بها طوال مستقبله. مفكرو الثورة وعن الثورات يقول الكاتب: تنجب الثورات كتابا وزعماء يؤمنون جميعهم بمذاهب حرية الإنسان والإخاء فيما بين البشر، ولأن كلماتهم تعبر عن الشرف والصداقة والعدالة والحب نشعر حين نقرأها بأننا نتلو كلمات من خطاب صديق محب، الشاعر »ملتون« هو كاتب الثورة الإنجليزية أيام "كرومويل" وقد كتب عن حرية التأليف يقول: الكتاب الحسن هو دم الحياة الغالي لروح الحكمة، قد حنط وأودع كي يحيا حياة تجاوز الحياة. الحرية هي خير المدارس للفضيلة. قاتل الإنسان إنما يقتل مخلوقاً عاقلاً، أما قاتل الكتاب الحسن فأنه يقتل العقل نفسه. ويقول موسي في كتاب الثورات أن كتاب الثورات الحرة هم أصدقاء للإنسان لأنهم عبروا من خلال كلماتهم عن الشعب والمناداة بالحرية والإخاء، وحتي الآن كلماتهم يتداولها الأفراد علي ألسنتهم فيزداد شعورهم بالإنسانية، تلك الكلمات التي عاقبت الطغاة ونشرت الكرامة بين الناس فلا رق ولا حُكم بغير دستور ولا رقابة علي الفكر والقلم. علي الدوام في تاريخ الثورات نجد أن هناك طبقة تسيطر علي المجتمع وتتسلط علي مقاليد الحكم لكنها في ذات الوقت غير منتجة ولأنها غير منتجة لا تحس بالمسئوليات الاجتماعية فتتجه أخلاقها نحو الانحلال مما يزعزع تماسكها وقد تظل علي ذلك الحال لسنين، والشعب الذي يحتقر طبيعة سلوك وحياة تلك الطبقة يثور عليها وينجح في ثورته. في العصور القديمة كان الدين هو المستوعب الرئيسي لكل ألوان النشاط البشري لذلك كانت الثورات دينية، وذلك لأن الطبقة الحاكمة إنما هي دينية محتلة لكل وسائل الإنتاج متنعمة بالثراء الذي تحققه لها تلك الوسائل، وهذا يكشف لنا أن عقلية الثورة في تلك العصور كانت دينية لذلك كثرت الشيع والملل والنحل سواء عند العرب أو الأوربيين، فكل فرقة دينية جديدة تعني ثورة. جان بول سارتر قال: أينما حل الظلم،فنحن الكتاب مسئولون عنه، وعلي الكاتب أن يسمي الشيء أولاً، لأن اللغة توحي لنا بالفكرة، وتسمية الشيء توجد هذا الشيء وتجعله حقيقة، فمثلاً اضطهاد السود في أمريكا ليس شيئاً مادام ليس هناك كتاب يقولون أنهم مضطهدون، وقبل أن يكتب أحد عن اضطهاد العبيد، ما كان أحد ليفكر في أنهم مضطهدون، بل العبيد أنفسهم لم يكونوا يفكرون في ذلك، ولما كانت اللغة تستخدم في إيجاد الأشياء فعلي الكاتب أن يستخدم بلاغته في المطالبة بحرية الإنسان، وليس هناك سوي بلاغة حسنة واحدة، هي البلاغة التي تدافع عن الحرية، »سارتر« علي الرغم من فلسفته الوجودية إلا أنه سار علي نهج الكتاب الفرنسيين المنادين بالحرية ك»فولتير وروسو والكاتبة الفرنسية جورج صاند« التي كانت تقول أن الحرية صناعتها. الشعوب التي تتوق للتمدين هي بحاجة لكتاب أمناء لهم قلب حي وضمير يقظ وليس كتابا مساومين علي الضمائر فاسقين بالعقول، فالكاتب له ميزة أنه يحس أكثر ويكون وجدانه أكبر من قرائه لذلك هو مساير للنهضات البشرية والقومية والذهنية بل ويخترع لها الكلمات التي تصيغ الأفكار وتساعد الشعب علي الفهم ليتمسك بالمبادئ وينحو باتجاه المناهج الجديدة. الأدب والثورة قيمة الأدب في الثورة تعلو علي كل قيمة أخري وذلك لأن الأديب يسبق الثورة ويهييء لها بالأفكار والكلمات التي تنشر معاني الحرية وسيادة الشعب، أو حتي قد يأتي الأديب بعد الثورة فيستنبط منها معاني الحرية ويرتفع بها للإنسانية العامة التي ترتفع عن القوميات الخاصة، والدليل أننا نذكر أدباء الثورات الفرنسية والإنجليزية والأمريكية ك»روسو وملتون وفولتير« أكثر مما نذكر الرجال الذين قادوا تلك الثورات بأنفسهم، فالأدب ليس حلوي يتلذذ بها العاطلون الناعسون وإنما هو كفاح وتحديداً كفاح الشعوب في مواجهة العروش والقرون المظلمة ويقول موسي: أن أفكارنا كلمات والكاتب العظيم هو الذي يعطينا الكلمات العظيمة التي ترسخ في أذهاننا وتتوالد وتبعثنا علي الأعمال العظيمة. ويضم الكتاب تاريخ معظم الثورات في أنحاء العالم مثل الثورات الانجليزية والأمريكية والتركية والهندية والصينية والثورات المصرية المعاصرة بشكل تحليلي لتلك الثورات.