جامعة المنيا الأهلية تعلن نتيجة المرحلة الأولى للقبول المبدئي - رابط مباشر    وزير الري يتابع موقف التعامل مع الأمطار التي تساقطت على جنوب سيناء مؤخرا    لماذا يُستبعد الموظف من الترقية رغم استحقاقه؟.. 3 حالات يحددها قانون الخدمة المدنية    آداب أسيوط تطرح برنامج الترجمة باللغة الفرنسية بنظام الساعات المعتمدة    موعد تقليل الاغتراب لطلاب تنسيق المرحلة الثالثة 2025    تنسيق المرحلة الثالثة 2025 علمي علوم.. قائمة كليات تقبل من 50%    وزير البترول: دور محافظة السويس هام في مشروعات المحور الثاني    إخلاء سبيل الشاب عبد الرحمن خالد، مصمم فيديو الترويج للمتحف المصري الكبير بالذكاء الاصطناعي    حلول عاجلة لتوصيل مياه الشرب لعدد من المناطق بجنوب بورسعيد    عودة الحياة وتشغيل الكهرباء بكامل طاقتها بمركز ومدينة إدفو فى أسوان    بالتزامن مع اجتماع الحكومة بالمحافظين... معايير عمل لجان حصر وتقييم وحدات الإيجار القديم    إزالة 15 حالة تعد على الأراض الزراعية وأملاك الدولة بمركزى سوهاج والبلينا    أسعار اللحوم اليوم السبت 16 أغسطس 2025 في أسواق الأقصر    «قمة ألاسكا» حوار مثمر دون اتفاق | تقرير للقاهرة الإخبارية    غارات إسرائيلية على مناطق بغزة.. مراسل القاهرة الإخبارية يكشف التفاصيل    31 دولة عربية وإسلامية والأمناء العامون للجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ومجلس التعاون الخليجي يصدرون بيانا مشتركا ضد إسرائيل بعد خطواتها الأخيرة    وزير الخارجية ونظيره الألماني يؤكدان ضرورة التوصل لوقف فوري لإطلاق النار في غزة    مصطفى شوبير يعتذر لجهاز الأهلي واللاعبين عن خطأ مباراة فاركو: لن تتكرر مستقبلا    ملك الأرقام القياسية.. محمد صلاح قريب من تحقيق رقم تاريخي بالدوري الإنجليزي    ذهبيتان وبرونزية لمصر بنهائي السيدات ببطولة العالم للخماسي الحديث تحت 15 عامًا    في صورة انتقال حر.. بيرسي تاو ينتقل إلى نام دينه الفيتنامي    سفير تايلاند بالقاهرة يزور مقر تدريبات منتخب ال«مواي تاي» بالمركز الأولمبي    تعرف على الطرق البديلة خلال غلق شارع 26 يوليو بسبب المونوريل    وزارة التعليم: توفير كتب وبوكليت مطبوع لتقييم الطلاب بالعام الدراسى 2026    رفع 32 سيارة ودراجة نارية متهالكة خلال 24 ساعة    القبض على عامل أثناء محاولته سرقة شقة تحت التشطيب بأكتوبر    تجاوزته باحترافية| لحظة تعرض إليسا لموقف محرج على المسرح بالساحل الشمالي    "دولة التلاوة".. أكبر مسابقة قرآنية لاكتشاف المواهب بمشاركة 14 ألف متسابق    موقف غير متوقع يختبر صبرك.. حظك اليوم ل مواليد برج الدلو 16 أغسطس    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : ولتكن البداية بميزان العدل والحق!?    يسري جبر: يوضح حكم زيارة قبور أهل البيت والصحابة والدعاء عندها    فريق طبي ينجح في استئصال الفص الأيسر من الكبد لسيدة مُسنة.. تفاصيل    الصحة: تدريب أطباء الأسنان وتقديم خدمات مجانية ل86 مواطنًا    كيف تختار وجبة العشاء المثالية لتنعم بنوم هادئ؟    وفاة والدة صبحي خليل وتشييع جثمانها بعد صلاة الظهر    عمرو وهبة يحتفل بعيد ميلاد ابنه: «الحمد لله عدت بدعوات الناس » (فيديو)    بعد عطلة الجمعة.. مواعيد القطارات من محطة بنها إلى المحافظات السبت 16 أغسطس 2025    السيسي يوافق على ربط موازنة هيئة دعم وتطوير الجامعات لعام 2025-2026    أمين الفتوى يوضح حكم من تسبب في موت كلاب بغير قصد وحقيقة طهارتها    فوز 4 من أبناء بني سويف في برلمان الطلائع على مستوى الجمهورية    محاكمة 6 متهمين في خلية «بولاق أبو العلا» الإرهابية| بعد قليل    خالد سليم يلتقي جمهور القلعة اليوم ضمن فعاليات الدورة 33 في هذا الموعد    مدير الرعاية الصحية بالأقصر يتفقد 5 مستشفيات بالمحافظة لمتابعة الخدمات    فيتامينات شائعة تسبب مشاكل صحية غير متوقعة.. احذرها    18 قتيلا و24 مصابا في حادث سقوط حافلة وسط العاصمة الجزائرية.. صور    استخراج سائق وتباع احتجزا داخل سيارة نقل انقلبت أسفل كوبرى أكتوبر.. صور    مصرع وإصابة 15 شخصًا في حادث تصادم ميكروباص بسيارة نقل بالوادي الجديد    بدائل الثانوية العامة محاصرة بالشكاوى.. أزمات مدارس «ستيم» تثير مخاوف العباقرة    وزارة الأوقاف تحدد 15 نقطة لاستغلال وقت الفراغ والإجازة الصيفية.. اعرفها    عمر طاهر عن الأديب الراحل صنع الله إبراهيم: لقاءاتي معه كانت دروسا خصوصية    بوتين يدعو كييف والقادة الأوروبيين إلى عدم عرقلة "التقدم الناشئ"    مفاجآت في قائمة الزمالك لمواجهة المقاولون العرب    بقيادة صلاح.. ليفربول يفوز بصعوبة على بورنموث برباعية في افتتاح البريميرليج    عبيدة تطرح فيديو كليب أحدث أغانيها «ضحكتك بالدنيا»    «مرسال» يعلن إطلاق مبادرة الإستثمار الزراعي في كينيا    حاكم ألاسكا: لقاء بوتين وترامب يمثل يوما تاريخيا لولايتنا    ببيان مقتضب.. أول نتائج قمة ألاسكا 2025 بين ترامب وبوتين    وزير الأوقاف السابق: إذا سقطت مصر وقع الاستقرار.. وعلينا الدفاع عنها بأرواحنا (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العالم بعيون دبلوماسي مصري
نشر في القاهرة يوم 29 - 03 - 2011

أستعير عنوان هذا المقال من المذكرات التي نشرها علي جزأين «كتاب الهلال» واحد من أقطاب الدبلوماسية المصرية وهو السفير الدكتور محمود سمير أحمد وسجل فيها انطباعاته وتأملاته وخبراته خلال حياته الدبلوماسية العريضة في المناطق والقارات والحضارات التي عمل فيها، وكتبها بعين الدبلوماسي وعقل الأكاديمي. غير أن أهم ما يميز مذكرات السفير سمير أحمد هو أنه قد كتبها بحيث جاءت علي عكس الكثير من مثل هذه المذكرات، تعكس عمقا ورؤي ثقافية الأمر الذي ارتقت فيه إلي مذكرات أقطاب الدبلوماسية العالمية من أمثال جورج كينان وهمفري تريفليان وجون جالبريث وهنري كيسنجر. دفعني هذا إلي أن أسجل خبرتي الدبلوماسية التي امتدت عبر خمسة وثلاثين عاما، لا لذاتها فحسب، وإنما لما توازي معها من إنتاج بحثي وأكاديمي في مجالات العلاقات الدولية والدبلوماسية والشخصيات الفكرية والثقافية. مع الكتابة فقد بدأت عملي في الدبلوماسية في بداية الستينات باهتمامات ومحاولات مبكرة في الكتابة، وهي المحاولات التي تطورت مع مراحل عملي الدبلوماسية، وتبدأ قصتي الجادة مع الكتابة مع أول منصب دبلوماسي لي وكان في تشيكوسلوفاكيا في أوائل الستينات، ومعروف أن تشيكوسلوفاكيا في هذا الوقت كانت ضمن المعسكر الاشتراكي الذي يقوده ويتزعمه الاتحاد السوفييتي، وكانت من أكثر دول هذا المعسكر ولاء ارتباطا بالاتحاد السوفييتي وتطبيقاته في الداخل لنموذجه في الاقتصاد والسياسة. وقد كانت براج مركزا دبلوماسيا مهما بالنسبة لمصر في نطاق علاقاتها المتطورة مع الاتحاد السوفييتي وكتلته الاشتراكية، وقد ارتبط اسم تشيكوسلوفاكيا بصفقة الأسلحة التشيكية لمصر عام 1955 والتي أحدثت تحولا مهما في سياسة مصر الخارجية وعلاقتها بالولايات المتحدة والغرب. غير أن بداية الستينات في تشيكوسلوفاكيا شهدت بدايات حركة سياسية وتراجعا وتشككا في نظام الحكم وتسعي إلي تطويره وتخفيف قبضة الاتحاد السوفييتي عن البلاد، وقد كان الكتاب والمثقفون في طليعة هذه الحركة واتخذوا مجلاتهم ودورياتهم الثقافية منبرا يعبرون منه عن آرائهم، وكان في مقدمة هؤلاء الكاتب المسرحي فاتسلاف هافيل الذي سوف يبرز بعد تحلل الكتلة الاشتراكية في أوائل التسعينات كرئيس تشيكوسلوفاكيا، وكان خلال الستينات قد دخل السجن لمسئوليته عن المجموعة التي عرفت بمجموعة 77 والبيانات التي كانت تصدرها ضد النظام الحاكم. وقد أدت هذه الحركة بالفعل إلي مجيء حكومة تعكس وتتبني إلي حد كبير أفكار مجموعة الكتاب والمثقفين، وهي حكومة «إلكسندر دوبتشيك» الذي أعلن أن هدفه هو إقامة اشتراكية ذات وجه إنساني غير أن الاتحاد السوفييتي لم يحتمل هذا التطور واعتبره تهديدا للنظام ومجموعة الكتلة الاشتراكية ومن ثم أقدم علي غزو عسكري لتشيكوسلوفاكيا في أغسطس عام 1968. الأزمة التشيكية خلال هذا التطور كنت أتابع كتابات المثقفين التشيك ودورياتهم وهي ما اعتمدت عليه بعد الغزو السوفييتي الذي أثار دوليا ما أصبح يعرف بالأزمة التشيكية وكنت قد عدت إلي القاهرة وعملت في المعهد الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية، وهو ما هيأ لي أن أكتب دراسة عن الأزمة التشيكية وأبعادها الإقليمية والدولية، وهي الدراسة التي لاقت اهتماما علي كل المستويات، وكانت بداية عدد من الدراسات عن الاتحاد السوفييتي والكتلة الاشتراكية، ويروي القريبون من الرئاسة آنذاك أن السفير المصري في براج آنذاك مجدي حسنين قد حملها إلي الرئيس عبدالناصر باعتبار أنها صادرة عن وزارة الخارجية، منتقدا إياها أنها تحمل نقدا للاتحاد السوفييتي صديق مصر، وهي الملاحظة التي لم تلق تجاوبا من الرئيس عبدالناصر. كانت تجربتي الثانية مع الكتابة مع عملي في أوائل السبعينات في الاتحاد السوفييتي، وقد توافق هذا مع بدايات ما أصبح يعرف في الأدبيات بالوفاق Detente والذي أرادت به الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي إعادة ترتيب علاقاتهما ونقلها من مرحلة المواجهة إلي مرحلة التعاون. في تطور هذه العملية شهدت خلال عملي في موسكو أربعة مؤتمرات قمة بين القادة السوفييت والأمريكيين، توصلت إلي عدد من الاتفاقيات والمعاهدات وخاصة حول محور علاقتهما وهي الأسلحة الاستراتيجية، ومبادئ إدارة علاقتهم الدولية، والعلاقات الثنائية، وكان أهم هذه الاتفاقيات اتفاقية SALT2 SALT1 فضلا عن إعلان المبادئ والذي أريد به أن يحكم علاقات القوتين الدوليتين، وكان بالفعل ما استخدمته موسكو وواشنطن في إدارة علاقاتها خلال حرب أكتوبر 1973 غير أن بقاء الاختلافات الأيديولوجية وتضارب المصالح أدي في النهاية إلي انتكاس عملية الوفاق وتراجعها وخاصة علي إثر الغزو السوفييتي لأفغانستان عام 1979. وقد دفعتني هذه التجربة إلي إعداد رسالتي للدكتوراة التي كانت حول الوفاق الأمريكي السوفييتي 1963 1976 والتي صدرت في كتاب تحت هذا العنوان. وقد مهدت لهذه الكتاب بكتاب يرصد بدايات الحرب الباردة بين القوتين منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتي أزمة الصواريخ الكوبية، والتي بدأت القوتان بعد إدراكها أنها وضعتهما ووضعت العالم علي حافة المواجهة النووية، إلي خطوات تدريجية نحو إعادة تكييف علاقتهما وخاصة في مجال الأسلحة النووية والاستراتيجية، وهو ما أدي بهما إلي التوصل إلي اتفاقيتين مهمتين هما: اتفاقية الحظر الجزئي للتجارب النووية 1963 ومعاهدة منع الانتشار NPT عام 1968. وقد صدر الكتاب تحت عنوان «قراءة جديدة في الحرب الباردة». هنري كيسنجر وباعتبار الدور المحوري الذي لعبه هنري كيسنجر في السياسة الخارجية الأمريكية والأفكار والمبادرات التي ربطت بينه وبين أخطر ممارسات الدبلوماسية الأمريكية في فيتنام، والاتحاد السوفييتي، والصين والشرق الأوسط، فقد مكنتني فترة دراستي في اكسفورد أن اقرأ كل ما كتبه خلال فترته الأكاديمية ومعظم ما كتب عنه في تحليل خلفياته الأكاديمية، وظهرت هذه الدراسة عام 1976 تحت عنوان «هنري كيسنجر: حياته وفكره» وربما كانت أول دراسة كتبت عنه باللغة العربية في هذه الفترة. وقد ركزت هذه الدراسة أساسا علي تتبع تكوينه الأكاديمي والفلسفي والنظريات والمفكرين الدبلوماسيين الذين صاغوا تفكيره الفلسفي والاستراتيجي من أمثال: سبنجلر وتوينبي وكانت، وهي المفاهيم والنظريات التي ظل مؤرخوه يجادلون هل كانت حقا توجه عمله الدبلوماسي أم أنه تخلي عنها؟ وارتباطا بالعلاقات الأمريكية السوفييتية فقد أدت متابعتي وخبراتي فيها إلي أن أتوقف عند شخصية المؤرخ الدبلوماسي الأمريكي جورج كينان الذي كان صاحب نظرية الاحتواء containment التي أطلقها عام 1947 وأصبحت هي مرشد السياسة الخارجية في تعاملها مع الاتحاد السوفييتي علي مدي العقود القادمة، غير أن ما جذبني في جورج كينان لم يكن فقط دوره في العلاقات الأمريكية السوفييتية ونظرياته التي وجهتها، وإنما أيضا آراؤه الناقدة للحضارة الأمريكية وطغيان ثقافة التليفزيون والإعلانات والقوي المتحكمة في السياسة الأمريكية وأسس الانتخابات الأمريكية. رونالدريجان استمرارا للخبرة السوفييتية كان لي الحظ أن أعمل في الولايات المتحدة مستشارا ثم وزيرا مفاوضا لسفارتنا في واشنطن، كان ذلك في بداية الثمانينات وتوافق هذا مع مجيء رئيس أمريكي محافظ هو رونالدريجان جاء ليحكم وهو مصمم علي الدخول في مواجهة مع الاتحاد السوفييتي لاعتقاده أنه قد استغل علاقات الوفاق مع الولايات المتحدة لدعم نفوذه الدولي، وصمم علي استعادة القوة العسكرية الأمريكية، ومن ثم دخل في مواجهات سياسية وإيديولوجية وعسكرية مع القادة السوفييت الذين أعتقد أنهم لا يتورعون عن الكذب والغش والخداع لتحقيق أهدافهم، وأدت هذه المواجهة إلي ما يشبه عودة الحرب الباردة، وخلال سنوات ولايته الأولي لم يلتق بأي زعيم سوفييتي مما أثار قلق الكثيرين في أمريكا والغرب من تدهورالعلاقات الأمريكية السوفييتية. وقد استمر ذلك حتي منتصف الثمانينات إلي أن جاء زعيم سوفييتي جديد هو ميخائيل جورباتشوف وسياسته الجديدة عن البريسترويكا التي قامت علي إعادة النظر في أركان السياسة الداخلية والخارجية للاتحاد السوفييتي، وهو ما خلق مناخا لإعادة الاتصالات والتفاهمات مع الولايات المتحدة. ففي سنوات قليلة التقي الزعيمان الأمريكي والسوفييتي أربع مرات توجت بزيارة ريجان لموسكو. وقد انتهت حقبة الثمانينات بما سيعرف بالزلزال حين بدأ المعسكر السوفييتي يتفكك بسقوط جدار برلين في نوفمبر 1989، ثم تلاه تفكك الاتحاد السوفييتي وانهياره كنظام وكدولة مما كان يعني انتهاء الحرب الباردة. ويتجادل المؤرخون والمحللون عن عوامل تفكك الاتحاد السوفييتي، فقد فسره أنصار ريجان أن سياسته في المواجهة مع موسكو هي التي أرغمت القادة السوفييت علي مراجعة سياساتهم ومحاولة إدخال إصلاحات لم تستطع طبيعة نظامهم أن تستوعبها، بينما يجادل آخرون بأن الاتحاد السوفييتي سقط بفعل تناقضاته وضعفه الداخلي. وكان طبيعيا وأنا أتابع هذه التطورات من موسكو أن أبدأ في تأصيل هذه التطورات الجذرية التي انتهت بتحول جذري في النظام الدولي، لكي أصدر عام 1995 كتابا عنوانه «من الحرب الباردة إلي البحث عن نظام دولي جديد». يسجل هذا الكتاب عهود كارتر وريجان في الولايات المتحدة، والزعماء الذين تناوبوا علي الاتحاد السوفييتي منذ برجنيف حتي جورباتشوف ثم عملية البحث التي تلت انهيار الاتحاد السوفييتي عن نظام دولي جديد. وقد تابعت هذا بتسجيل وفحص حقبة التسعينات والأسئلة التي أثارتها عن مقومات القوي الدولية التي يمكن أن تنافس علي زعامة النظام الدولي مثل الاتحاد الأوروبي واليابان وروسيا والصين. «التسعينات وأسئلة ما بعد الحرب العالمية الثانية». وقد انتهي البحث في نهاية هذه الحقبة إلي تحقق وثبوت أن الولايات المتحدة هي القوة الأولي والوحيدة في العالم باعتبار أن ما تملكه من مقومات القوة العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية مجتمعة، لا يتحقق لأي من القوي الأخري. القوة العسكرية غير أن البحث والجدل قد استمرا حول ما ستفعله الولايات المتحدة بهذه القوة؟ وقد ثار هذا السؤال مع مجيء إدارة بوش الابن عام 2000 التي جاءت وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، تحمل مفاهيم واستراتيجيات الهيمنة واستخدام القوة وإهمال المنظمات والاتفاقيات الدولية، وهي المفاهيم التي قادتها إلي حربين في أفغانستان والعراق، الأمر الذي استنفد قوي الولايات المتحدة العسكرية والمصداقية فيها، فضلا عن التكاليف المادية والبشرية وتوتر علاقات الولايات المتحدة بالعالم بما فيها حلفاؤها. وقد كانت هذه التطورات في علاقات أمريكا بالعالم جديرة بالدراسة والتحليل، وهو ما أصدرت معه كتاب «أمريكا والعالم. متابعات في السياسة الخارجية الأمريكية». وباعتبار أن مهمة الدبلوماسي الرئيسية هي تتبع علاقات بلاده مع الدولة المعتمد لديها، فقد كان من الطبيعي بعد عملي في واشنطن أن اهتم بتتبع العلاقة بين مصر وأمريكا، وأن أتوقف عند فترة حاسمة من هذه العلاقة وهي: 1946 1956، وهي الفترة التي عكف علي بحثها وتأصيلها باحث أمريكي أمين هو جيفري أرنسون، وقد حرصت علي ترجمته إلي العربية لما اتسم به من أمانة في تسجيل رد الفعل الأمريكي إزاء مطالب قادة ثورة يوليو في مساعداتهم في جهود التنمية من خلال بناء السد العالي وكذلك تسليح الجيش المصري، وهي المطالب التي قوبلت بالرفض من جانب الولايات المتحدة وربطها بشروط لم يقبلها قادة يوليو. أما التجربة أو المرحلة الرابعة في عملي الدبلوماسي، فقد جاءت مع تولي منصب السفير في إحدي الدول الإسكندنافية وهي النرويج، وثقافيا كان الروائي والكاتب الوحيد الذي أعرفه من هذه المنطقة هو هنريك أبسن وذلك من خلال الترجمات العربية التي صدرت خلال الستينات لمسرحياته وتمثيلها علي المسرح، غير أنه قبل مغادرتي إلي النرويج بأسابيع عرفني شقيقي علي الروائي النرويجي كنوت همسن من خلال روايته «جوع» وعلي مدي سنوات عملي الأربع في النرويج وزياراتي للبلدان الإسكندنافية، طورت الاهتمام بالروائيين الإسكندنافيين: هنريك أبسن وكنوت همسن، أوغست ستريندبرغ، هانز كريستيان أندرسون، سيجريد أوندست، وقد مكنتني مكتبة جامعة أوسلو العامرة من أن أقرأ معظم أعمالهم ومعظم ما كتب عنهم وأن أنشر عنهم كتابا صدر تحت عنوان «أدباء من الشمال». التتويج وإذا كانت النرويج والبلدان
الإسكندنافية تتويجا لعملي في الغرب وحياتي بين مجتمعاته ومراقبتي لحضاراتها ومقوماتها وأسلوب حياتها هي التي أوجبت علي أن أدرس تجربة عدد من المفكرين المصريين الأوائل الذين رحلوا للغرب ودرسوا فيه وعاشوا بين مجتمعاته واطلعوا علي تقدمه، أن أدرس ما إذا كانت هذه التجربة قد استوعبتهم وكيف استطاعوا أن يوفقوا بينها وبين قيمهم الثقافية الأصلية وعما إذا كانت قد أثرت علي انتماءاتهم الثقافية والحضارية، ومن هنا أصدرت كتاب «الغرب في كتابات المفكرين المصريين»، وهم: رفاعة الطهطاوي، قاسم أمين، محمد حسنين هيكل، توفيق الحكيم، سلامة موسي، حسين فوزي، يحيي حقي. ولابد أن عملي في النرويج كإحدي الدول الإسكندنافية هو الذي دفعني أن أكتب عن رجل دولة ودبلوماسي سويدي هو داج همرشولد: «داج همرشولد: حياته وفكره»، وأسجل فيه مكوناته الشخصية حتي اختياره سكرتيرا عاما للأمم المتحدة 1953، وأن أتبع آراءه في هذا المنصب حتي وفاته في حادث طائرة خلال زيارته للكونغو عام 1961، ولعل ما جذبني في سيرة همرشولد هو نزاهته وتكامل شخصيته واستقلاليته، وهي القيم التي وجهت عمله وإدارته للمنظمة الدولية وتعامله مع القضايا الإقليمية الدولية، ولعل أي دارس مصري لحياته وإدارته للأمم المتحدة، لابد أن يتذكر نزاهته في اعتراضه علي العدوان الفرنسي البريطاني علي مصر عام 1956، وإصراره علي انسحاب قواتهما إلي الحد الذي عبر فيه عن استعداده للاستقالة، كما أنه كان أول من أنشأ قوات حفظ السلام في أعقاب هذه الأزمة. غير أن سيرة همرشولد لم تجذبني باعتباره رجل دولة دبلوماسيا فحسب، وإنما كذلك اهتماماته الأدبية والفلسفية، فقد كان عاشقا للأدب والفلسفة، وهو ما يفسر اختياره لأن يكون عضوا في لجنة جائزة نوبل للأدب، وكما بدت ميوله الفلسفية في كتابه Markings الذي أودعه تأملاته حول الإنسان والطبيعة البشرية، بل وتوقعاته للموت. موروا وهافيل وكيسنجر كذلك دفعني عملي في الغرب والولايات المتحدة أن أكتب عن ثلاث شخصيات جمعت بينهم السياسة والثقافة: المفكر والروائي الفرنسي أندريه موروا الذي عمل وزيرا للثقافة في عهد ديجول فاسلاف هافيل الكاتب المسرحي الذي رأس الجمهورية بعد عام 1990، ثم هنري كيسنجر الذي قدمه أساسه الأكاديمي والاستراتيجي لريتشارد نيكسون لكي يصبح مستشارا للأمن القومي ثم وزيرا للخارجية. اتصالا بالغرب وكتابه ومفكريه اعتقد أن عملي فيه كان أيضا وراء اهتمامي بمؤرخ بريطاني هو أرنولد توينبي وجذبني إليه بوجه خاص نزاهته في تناول علاقة الغرب بالحضارات الأخري، ونقده للمركزية الأوروبية وتصوره أن حضارته هي الإسهام الوحيد في التطور البشري وتسجيله أنه ليس هناك منطقة في العالم لم تعاني قهر وسيطرة الغرب، فضلا عن أمانته في تناول القضية الفلسطينية وإنصافه للشعب الفلسطيني، بل وذهابه إلي تسجيل مسئولية بلاده بريطانيا عن مأساته، ومن هنا كان كتابي عنه «نظرات في أرنولد توينبي». لا أستطيع أن أختتم هذا الفحص للعلاقة بين الدبلوماسية والكتابة وتجربتي الشخصية فيها دون أن أشير إلي أنه كان من الطبيعي ألا يغفل من يعمل في الدبلوماسية ويمارسها علي مدي 35 عاما، وله اهتمامات ثقافية وأكاديمية، من أن يكتب عن الدبلوماسية وخاصة في وجهها المعاصر ويتتبع كيف نشأت، والفروق بين الدبلوماسية القديمة والجديدة، وما الخصائص والمؤهلات التي يجب أن يكتسبها الدبلوماسي لكي يمارس عمله بكفاءة وضرورة التدريب من أجل هذا الهدف، ثم الإجابة عن السؤال الذي تفرضه التطورات التكنولوجية ووسائل الاتصال وهو هل مازالت الدبلوماسية ومازال الدبلوماسي ضرورة؟ هذه القضايا وغيرها هي التي أملت علىّ كتابي «في الدبلوماسية المعاصرة» الذي أصدر في أكثر من طبعة.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.