شيخ الأزهر: القضاة ركيزة أساسية في إرساء العدالة وبسط الأمن والاستقرار في المجتمعات    ارتفاع أسعار الذهب في مصر بقيمة 70 جنيهًا    لتحديد القيمة الإيجارية، كشف المناطق المؤجرة للغرض السكني في 4 محافظات    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الفرنسى تطورات الأوضاع في غزة ولبنان وليبيا    مصر في المستوى الثالث، ننشر التصنيف الكامل لمنتخبات كأس العالم قبل قرعة 5 ديسمبر    النيابة الإدارية تحقق في واقعة طفلة التنمر بالدقهلية    اللي مش قد المسؤولية يمشي، مصطفى كامل يفتح النار على عضو نقابة المهن الموسيقية    النيابة تكشف عن شبكة أسرية لسارة خليفة لتصعصابة سارة خليفةنيع وترويج المخدرات    بعد إبطال 19 دائرة.. عماد جاد ل الرئيس السيسي: نطالبكم بإصلاح جذري للحياة السياسية    وفاة المخرج خالد شبانة رئيس قطاع قنوات النيل المتخصصة وشقيق الإعلامي الرياضي محمد شبانة    الإسماعيلي ينفي شائعات طلب فتح القيد الاستثنائي مع الفيفا    أردوغان: صادراتنا السنوية بلغت في أكتوبر 270.2 مليار دولار    جامعة مصر للمعلوماتية تكشف عن برامج مبتكرة بالذكاء الاصطناعي في الأمن السيبراني والتعليم وعلوم البيانات    تأييد أمر منع هدير عبدالرازق من التصرف في أموالها    19 نوفمبر 2025.. استقرار البورصة في المنطقة الخضراء بارتفاع هامشي    شوبير يكشف حقيقة تولي كولر تدريب منتخب مصر    أحمد المسلماني: برنامج الشركة المتحدة دولة التلاوة تعزيز للقوة الناعمة المصرية    محمد حفظي: العالمية تبدأ من الجمهور المحلي.. والمهرجانات وسيلة وليست هدفا    بعد أزمته الصحية.. حسام حبيب لتامر حسني: ربنا يطمن كل اللي بيحبوك عليك    في يومه العالمى.. تجمع علمى تحت شعار "كل نفس مهم" لمرض الانسداد الرئوي المزمن    خالد عبدالغفار: دول منظمة D-8 تعتمد «إعلان القاهرة» لتعزيز التعاون الصحي المشترك    الصحة: مصر خالية من الخفافيش المتسببة في فيروس ماربورج    الطقس غدا.. ارتفاع درجات الحرارة وظاهرة خطيرة صباحاً والعظمى بالقاهرة 29    روسيا: أوكرانيا تستخدم صواريخ أتاكمز الأمريكية طويلة المدى مجددا    الأهلي يحصل على موافقة أمنية لحضور 30 ألف مشجع في مواجهة شبيبة القبائل    نور عبد الواحد السيد تتلقى دعوة معايشة مع نادي فاماليكاو البرتغالي    شقيق إبستين: كان لدى جيفري معلومات قذرة عن ترامب    أول رد فعل من مصطفى محمد على تصريحات حسام حسن    إزالة تعديات وإسترداد أراضي أملاك دولة بمساحة 5 قيراط و12 سهما فى الأقصر    مدير"تعليم الجيزة" يحيل قيادات وموجهين للتحقيق ل "مخالفات" في رصد الدرجات والغياب    ضبط المتهمين بقتل صاحب ملجأ والتخلص منه في مصرف بالشرقية    وصفات طبيعية لعلاج آلام البطن للأطفال، حلول آمنة وفعّالة من البيت    ارتفاع عدد مصابي انقلاب سيارة ميكروباص فى قنا إلى 18 شخصا بينهم أطفال    أسطورة ليفربول يكشف مفاجأة عن عقد محمد صلاح مع الريدز    المصرية لدعم اللاجئين: وجود ما يزيد على مليون لاجئ وطالب لجوء مسجّلين في مصر حتى منتصف عام 2025    جامعة قناة السويس تدعم طالباتها المشاركات في أولمبياد الفتاة الجامعية    رئيس الأركان يعود إلى أرض الوطن عقب مشاركته بمعرض دبى الدولى للطيران 2025    وزير الري يلتقي عددا من المسؤولين الفرنسيين وممثلي الشركات على هامش مؤتمر "طموح إفريقيا"    تعرف على أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    الداخلية تضبط أكثر من 17 طن دقيق مخالف وتتصدى لتلاعب المخابز    الأكبر منذ 50 عاما..مصرع شخص فى حريق التهم أكثر من 170 مبنى باليابان "فيديو"    السياحة العالمية تستعد لانتعاشة تاريخية: 2.1 تريليون دولار إيرادات متوقعة في 2025    نجاح كبير لمعرض رمسيس وذهب الفراعنة فى طوكيو وتزايد مطالب المد    إقبال واسع على قافلة جامعة قنا الطبية بالوحدة الصحية بسفاجا    منال عوض تترأس الاجتماع ال23 لمجلس إدارة صندوق حماية البيئة    صيانة عاجلة لقضبان السكة الحديد بشبرا الخيمة بعد تداول فيديوهات تُظهر تلفًا    جيمس يشارك لأول مرة هذا الموسم ويقود ليكرز للفوز أمام جاز    إطلاق أول برنامج دولي معتمد لتأهيل مسؤولي التسويق العقاري في مصر    ندوات تدريبية لتصحيح المفاهيم وحل المشكلات السلوكية للطلاب بمدارس سيناء    هنا الزاهد توجه رسالة دعم لصديقها الفنان تامر حسني    أبناء القبائل: دعم كامل لقواتنا المسلحة    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    شهر جمادي الثاني وسر تسميته بهذا الاسم.. تعرف عليه    اليوم، حفل جوائز الكاف 2025 ومفاجأة عن ضيوف الشرف    ماذا قالت إلهام شاهين لصناع فيلم «بنات الباشا» بعد عرضه بمهرجان القاهرة السينمائي؟    العدد يصل إلى 39.. تعرف على المتأهلين إلى كأس العالم 2026 وموعد القرعة    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العالم بعيون دبلوماسي مصري
نشر في القاهرة يوم 29 - 03 - 2011

أستعير عنوان هذا المقال من المذكرات التي نشرها علي جزأين «كتاب الهلال» واحد من أقطاب الدبلوماسية المصرية وهو السفير الدكتور محمود سمير أحمد وسجل فيها انطباعاته وتأملاته وخبراته خلال حياته الدبلوماسية العريضة في المناطق والقارات والحضارات التي عمل فيها، وكتبها بعين الدبلوماسي وعقل الأكاديمي. غير أن أهم ما يميز مذكرات السفير سمير أحمد هو أنه قد كتبها بحيث جاءت علي عكس الكثير من مثل هذه المذكرات، تعكس عمقا ورؤي ثقافية الأمر الذي ارتقت فيه إلي مذكرات أقطاب الدبلوماسية العالمية من أمثال جورج كينان وهمفري تريفليان وجون جالبريث وهنري كيسنجر. دفعني هذا إلي أن أسجل خبرتي الدبلوماسية التي امتدت عبر خمسة وثلاثين عاما، لا لذاتها فحسب، وإنما لما توازي معها من إنتاج بحثي وأكاديمي في مجالات العلاقات الدولية والدبلوماسية والشخصيات الفكرية والثقافية. مع الكتابة فقد بدأت عملي في الدبلوماسية في بداية الستينات باهتمامات ومحاولات مبكرة في الكتابة، وهي المحاولات التي تطورت مع مراحل عملي الدبلوماسية، وتبدأ قصتي الجادة مع الكتابة مع أول منصب دبلوماسي لي وكان في تشيكوسلوفاكيا في أوائل الستينات، ومعروف أن تشيكوسلوفاكيا في هذا الوقت كانت ضمن المعسكر الاشتراكي الذي يقوده ويتزعمه الاتحاد السوفييتي، وكانت من أكثر دول هذا المعسكر ولاء ارتباطا بالاتحاد السوفييتي وتطبيقاته في الداخل لنموذجه في الاقتصاد والسياسة. وقد كانت براج مركزا دبلوماسيا مهما بالنسبة لمصر في نطاق علاقاتها المتطورة مع الاتحاد السوفييتي وكتلته الاشتراكية، وقد ارتبط اسم تشيكوسلوفاكيا بصفقة الأسلحة التشيكية لمصر عام 1955 والتي أحدثت تحولا مهما في سياسة مصر الخارجية وعلاقتها بالولايات المتحدة والغرب. غير أن بداية الستينات في تشيكوسلوفاكيا شهدت بدايات حركة سياسية وتراجعا وتشككا في نظام الحكم وتسعي إلي تطويره وتخفيف قبضة الاتحاد السوفييتي عن البلاد، وقد كان الكتاب والمثقفون في طليعة هذه الحركة واتخذوا مجلاتهم ودورياتهم الثقافية منبرا يعبرون منه عن آرائهم، وكان في مقدمة هؤلاء الكاتب المسرحي فاتسلاف هافيل الذي سوف يبرز بعد تحلل الكتلة الاشتراكية في أوائل التسعينات كرئيس تشيكوسلوفاكيا، وكان خلال الستينات قد دخل السجن لمسئوليته عن المجموعة التي عرفت بمجموعة 77 والبيانات التي كانت تصدرها ضد النظام الحاكم. وقد أدت هذه الحركة بالفعل إلي مجيء حكومة تعكس وتتبني إلي حد كبير أفكار مجموعة الكتاب والمثقفين، وهي حكومة «إلكسندر دوبتشيك» الذي أعلن أن هدفه هو إقامة اشتراكية ذات وجه إنساني غير أن الاتحاد السوفييتي لم يحتمل هذا التطور واعتبره تهديدا للنظام ومجموعة الكتلة الاشتراكية ومن ثم أقدم علي غزو عسكري لتشيكوسلوفاكيا في أغسطس عام 1968. الأزمة التشيكية خلال هذا التطور كنت أتابع كتابات المثقفين التشيك ودورياتهم وهي ما اعتمدت عليه بعد الغزو السوفييتي الذي أثار دوليا ما أصبح يعرف بالأزمة التشيكية وكنت قد عدت إلي القاهرة وعملت في المعهد الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية، وهو ما هيأ لي أن أكتب دراسة عن الأزمة التشيكية وأبعادها الإقليمية والدولية، وهي الدراسة التي لاقت اهتماما علي كل المستويات، وكانت بداية عدد من الدراسات عن الاتحاد السوفييتي والكتلة الاشتراكية، ويروي القريبون من الرئاسة آنذاك أن السفير المصري في براج آنذاك مجدي حسنين قد حملها إلي الرئيس عبدالناصر باعتبار أنها صادرة عن وزارة الخارجية، منتقدا إياها أنها تحمل نقدا للاتحاد السوفييتي صديق مصر، وهي الملاحظة التي لم تلق تجاوبا من الرئيس عبدالناصر. كانت تجربتي الثانية مع الكتابة مع عملي في أوائل السبعينات في الاتحاد السوفييتي، وقد توافق هذا مع بدايات ما أصبح يعرف في الأدبيات بالوفاق Detente والذي أرادت به الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي إعادة ترتيب علاقاتهما ونقلها من مرحلة المواجهة إلي مرحلة التعاون. في تطور هذه العملية شهدت خلال عملي في موسكو أربعة مؤتمرات قمة بين القادة السوفييت والأمريكيين، توصلت إلي عدد من الاتفاقيات والمعاهدات وخاصة حول محور علاقتهما وهي الأسلحة الاستراتيجية، ومبادئ إدارة علاقتهم الدولية، والعلاقات الثنائية، وكان أهم هذه الاتفاقيات اتفاقية SALT2 SALT1 فضلا عن إعلان المبادئ والذي أريد به أن يحكم علاقات القوتين الدوليتين، وكان بالفعل ما استخدمته موسكو وواشنطن في إدارة علاقاتها خلال حرب أكتوبر 1973 غير أن بقاء الاختلافات الأيديولوجية وتضارب المصالح أدي في النهاية إلي انتكاس عملية الوفاق وتراجعها وخاصة علي إثر الغزو السوفييتي لأفغانستان عام 1979. وقد دفعتني هذه التجربة إلي إعداد رسالتي للدكتوراة التي كانت حول الوفاق الأمريكي السوفييتي 1963 1976 والتي صدرت في كتاب تحت هذا العنوان. وقد مهدت لهذه الكتاب بكتاب يرصد بدايات الحرب الباردة بين القوتين منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتي أزمة الصواريخ الكوبية، والتي بدأت القوتان بعد إدراكها أنها وضعتهما ووضعت العالم علي حافة المواجهة النووية، إلي خطوات تدريجية نحو إعادة تكييف علاقتهما وخاصة في مجال الأسلحة النووية والاستراتيجية، وهو ما أدي بهما إلي التوصل إلي اتفاقيتين مهمتين هما: اتفاقية الحظر الجزئي للتجارب النووية 1963 ومعاهدة منع الانتشار NPT عام 1968. وقد صدر الكتاب تحت عنوان «قراءة جديدة في الحرب الباردة». هنري كيسنجر وباعتبار الدور المحوري الذي لعبه هنري كيسنجر في السياسة الخارجية الأمريكية والأفكار والمبادرات التي ربطت بينه وبين أخطر ممارسات الدبلوماسية الأمريكية في فيتنام، والاتحاد السوفييتي، والصين والشرق الأوسط، فقد مكنتني فترة دراستي في اكسفورد أن اقرأ كل ما كتبه خلال فترته الأكاديمية ومعظم ما كتب عنه في تحليل خلفياته الأكاديمية، وظهرت هذه الدراسة عام 1976 تحت عنوان «هنري كيسنجر: حياته وفكره» وربما كانت أول دراسة كتبت عنه باللغة العربية في هذه الفترة. وقد ركزت هذه الدراسة أساسا علي تتبع تكوينه الأكاديمي والفلسفي والنظريات والمفكرين الدبلوماسيين الذين صاغوا تفكيره الفلسفي والاستراتيجي من أمثال: سبنجلر وتوينبي وكانت، وهي المفاهيم والنظريات التي ظل مؤرخوه يجادلون هل كانت حقا توجه عمله الدبلوماسي أم أنه تخلي عنها؟ وارتباطا بالعلاقات الأمريكية السوفييتية فقد أدت متابعتي وخبراتي فيها إلي أن أتوقف عند شخصية المؤرخ الدبلوماسي الأمريكي جورج كينان الذي كان صاحب نظرية الاحتواء containment التي أطلقها عام 1947 وأصبحت هي مرشد السياسة الخارجية في تعاملها مع الاتحاد السوفييتي علي مدي العقود القادمة، غير أن ما جذبني في جورج كينان لم يكن فقط دوره في العلاقات الأمريكية السوفييتية ونظرياته التي وجهتها، وإنما أيضا آراؤه الناقدة للحضارة الأمريكية وطغيان ثقافة التليفزيون والإعلانات والقوي المتحكمة في السياسة الأمريكية وأسس الانتخابات الأمريكية. رونالدريجان استمرارا للخبرة السوفييتية كان لي الحظ أن أعمل في الولايات المتحدة مستشارا ثم وزيرا مفاوضا لسفارتنا في واشنطن، كان ذلك في بداية الثمانينات وتوافق هذا مع مجيء رئيس أمريكي محافظ هو رونالدريجان جاء ليحكم وهو مصمم علي الدخول في مواجهة مع الاتحاد السوفييتي لاعتقاده أنه قد استغل علاقات الوفاق مع الولايات المتحدة لدعم نفوذه الدولي، وصمم علي استعادة القوة العسكرية الأمريكية، ومن ثم دخل في مواجهات سياسية وإيديولوجية وعسكرية مع القادة السوفييت الذين أعتقد أنهم لا يتورعون عن الكذب والغش والخداع لتحقيق أهدافهم، وأدت هذه المواجهة إلي ما يشبه عودة الحرب الباردة، وخلال سنوات ولايته الأولي لم يلتق بأي زعيم سوفييتي مما أثار قلق الكثيرين في أمريكا والغرب من تدهورالعلاقات الأمريكية السوفييتية. وقد استمر ذلك حتي منتصف الثمانينات إلي أن جاء زعيم سوفييتي جديد هو ميخائيل جورباتشوف وسياسته الجديدة عن البريسترويكا التي قامت علي إعادة النظر في أركان السياسة الداخلية والخارجية للاتحاد السوفييتي، وهو ما خلق مناخا لإعادة الاتصالات والتفاهمات مع الولايات المتحدة. ففي سنوات قليلة التقي الزعيمان الأمريكي والسوفييتي أربع مرات توجت بزيارة ريجان لموسكو. وقد انتهت حقبة الثمانينات بما سيعرف بالزلزال حين بدأ المعسكر السوفييتي يتفكك بسقوط جدار برلين في نوفمبر 1989، ثم تلاه تفكك الاتحاد السوفييتي وانهياره كنظام وكدولة مما كان يعني انتهاء الحرب الباردة. ويتجادل المؤرخون والمحللون عن عوامل تفكك الاتحاد السوفييتي، فقد فسره أنصار ريجان أن سياسته في المواجهة مع موسكو هي التي أرغمت القادة السوفييت علي مراجعة سياساتهم ومحاولة إدخال إصلاحات لم تستطع طبيعة نظامهم أن تستوعبها، بينما يجادل آخرون بأن الاتحاد السوفييتي سقط بفعل تناقضاته وضعفه الداخلي. وكان طبيعيا وأنا أتابع هذه التطورات من موسكو أن أبدأ في تأصيل هذه التطورات الجذرية التي انتهت بتحول جذري في النظام الدولي، لكي أصدر عام 1995 كتابا عنوانه «من الحرب الباردة إلي البحث عن نظام دولي جديد». يسجل هذا الكتاب عهود كارتر وريجان في الولايات المتحدة، والزعماء الذين تناوبوا علي الاتحاد السوفييتي منذ برجنيف حتي جورباتشوف ثم عملية البحث التي تلت انهيار الاتحاد السوفييتي عن نظام دولي جديد. وقد تابعت هذا بتسجيل وفحص حقبة التسعينات والأسئلة التي أثارتها عن مقومات القوي الدولية التي يمكن أن تنافس علي زعامة النظام الدولي مثل الاتحاد الأوروبي واليابان وروسيا والصين. «التسعينات وأسئلة ما بعد الحرب العالمية الثانية». وقد انتهي البحث في نهاية هذه الحقبة إلي تحقق وثبوت أن الولايات المتحدة هي القوة الأولي والوحيدة في العالم باعتبار أن ما تملكه من مقومات القوة العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية مجتمعة، لا يتحقق لأي من القوي الأخري. القوة العسكرية غير أن البحث والجدل قد استمرا حول ما ستفعله الولايات المتحدة بهذه القوة؟ وقد ثار هذا السؤال مع مجيء إدارة بوش الابن عام 2000 التي جاءت وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، تحمل مفاهيم واستراتيجيات الهيمنة واستخدام القوة وإهمال المنظمات والاتفاقيات الدولية، وهي المفاهيم التي قادتها إلي حربين في أفغانستان والعراق، الأمر الذي استنفد قوي الولايات المتحدة العسكرية والمصداقية فيها، فضلا عن التكاليف المادية والبشرية وتوتر علاقات الولايات المتحدة بالعالم بما فيها حلفاؤها. وقد كانت هذه التطورات في علاقات أمريكا بالعالم جديرة بالدراسة والتحليل، وهو ما أصدرت معه كتاب «أمريكا والعالم. متابعات في السياسة الخارجية الأمريكية». وباعتبار أن مهمة الدبلوماسي الرئيسية هي تتبع علاقات بلاده مع الدولة المعتمد لديها، فقد كان من الطبيعي بعد عملي في واشنطن أن اهتم بتتبع العلاقة بين مصر وأمريكا، وأن أتوقف عند فترة حاسمة من هذه العلاقة وهي: 1946 1956، وهي الفترة التي عكف علي بحثها وتأصيلها باحث أمريكي أمين هو جيفري أرنسون، وقد حرصت علي ترجمته إلي العربية لما اتسم به من أمانة في تسجيل رد الفعل الأمريكي إزاء مطالب قادة ثورة يوليو في مساعداتهم في جهود التنمية من خلال بناء السد العالي وكذلك تسليح الجيش المصري، وهي المطالب التي قوبلت بالرفض من جانب الولايات المتحدة وربطها بشروط لم يقبلها قادة يوليو. أما التجربة أو المرحلة الرابعة في عملي الدبلوماسي، فقد جاءت مع تولي منصب السفير في إحدي الدول الإسكندنافية وهي النرويج، وثقافيا كان الروائي والكاتب الوحيد الذي أعرفه من هذه المنطقة هو هنريك أبسن وذلك من خلال الترجمات العربية التي صدرت خلال الستينات لمسرحياته وتمثيلها علي المسرح، غير أنه قبل مغادرتي إلي النرويج بأسابيع عرفني شقيقي علي الروائي النرويجي كنوت همسن من خلال روايته «جوع» وعلي مدي سنوات عملي الأربع في النرويج وزياراتي للبلدان الإسكندنافية، طورت الاهتمام بالروائيين الإسكندنافيين: هنريك أبسن وكنوت همسن، أوغست ستريندبرغ، هانز كريستيان أندرسون، سيجريد أوندست، وقد مكنتني مكتبة جامعة أوسلو العامرة من أن أقرأ معظم أعمالهم ومعظم ما كتب عنهم وأن أنشر عنهم كتابا صدر تحت عنوان «أدباء من الشمال». التتويج وإذا كانت النرويج والبلدان
الإسكندنافية تتويجا لعملي في الغرب وحياتي بين مجتمعاته ومراقبتي لحضاراتها ومقوماتها وأسلوب حياتها هي التي أوجبت علي أن أدرس تجربة عدد من المفكرين المصريين الأوائل الذين رحلوا للغرب ودرسوا فيه وعاشوا بين مجتمعاته واطلعوا علي تقدمه، أن أدرس ما إذا كانت هذه التجربة قد استوعبتهم وكيف استطاعوا أن يوفقوا بينها وبين قيمهم الثقافية الأصلية وعما إذا كانت قد أثرت علي انتماءاتهم الثقافية والحضارية، ومن هنا أصدرت كتاب «الغرب في كتابات المفكرين المصريين»، وهم: رفاعة الطهطاوي، قاسم أمين، محمد حسنين هيكل، توفيق الحكيم، سلامة موسي، حسين فوزي، يحيي حقي. ولابد أن عملي في النرويج كإحدي الدول الإسكندنافية هو الذي دفعني أن أكتب عن رجل دولة ودبلوماسي سويدي هو داج همرشولد: «داج همرشولد: حياته وفكره»، وأسجل فيه مكوناته الشخصية حتي اختياره سكرتيرا عاما للأمم المتحدة 1953، وأن أتبع آراءه في هذا المنصب حتي وفاته في حادث طائرة خلال زيارته للكونغو عام 1961، ولعل ما جذبني في سيرة همرشولد هو نزاهته وتكامل شخصيته واستقلاليته، وهي القيم التي وجهت عمله وإدارته للمنظمة الدولية وتعامله مع القضايا الإقليمية الدولية، ولعل أي دارس مصري لحياته وإدارته للأمم المتحدة، لابد أن يتذكر نزاهته في اعتراضه علي العدوان الفرنسي البريطاني علي مصر عام 1956، وإصراره علي انسحاب قواتهما إلي الحد الذي عبر فيه عن استعداده للاستقالة، كما أنه كان أول من أنشأ قوات حفظ السلام في أعقاب هذه الأزمة. غير أن سيرة همرشولد لم تجذبني باعتباره رجل دولة دبلوماسيا فحسب، وإنما كذلك اهتماماته الأدبية والفلسفية، فقد كان عاشقا للأدب والفلسفة، وهو ما يفسر اختياره لأن يكون عضوا في لجنة جائزة نوبل للأدب، وكما بدت ميوله الفلسفية في كتابه Markings الذي أودعه تأملاته حول الإنسان والطبيعة البشرية، بل وتوقعاته للموت. موروا وهافيل وكيسنجر كذلك دفعني عملي في الغرب والولايات المتحدة أن أكتب عن ثلاث شخصيات جمعت بينهم السياسة والثقافة: المفكر والروائي الفرنسي أندريه موروا الذي عمل وزيرا للثقافة في عهد ديجول فاسلاف هافيل الكاتب المسرحي الذي رأس الجمهورية بعد عام 1990، ثم هنري كيسنجر الذي قدمه أساسه الأكاديمي والاستراتيجي لريتشارد نيكسون لكي يصبح مستشارا للأمن القومي ثم وزيرا للخارجية. اتصالا بالغرب وكتابه ومفكريه اعتقد أن عملي فيه كان أيضا وراء اهتمامي بمؤرخ بريطاني هو أرنولد توينبي وجذبني إليه بوجه خاص نزاهته في تناول علاقة الغرب بالحضارات الأخري، ونقده للمركزية الأوروبية وتصوره أن حضارته هي الإسهام الوحيد في التطور البشري وتسجيله أنه ليس هناك منطقة في العالم لم تعاني قهر وسيطرة الغرب، فضلا عن أمانته في تناول القضية الفلسطينية وإنصافه للشعب الفلسطيني، بل وذهابه إلي تسجيل مسئولية بلاده بريطانيا عن مأساته، ومن هنا كان كتابي عنه «نظرات في أرنولد توينبي». لا أستطيع أن أختتم هذا الفحص للعلاقة بين الدبلوماسية والكتابة وتجربتي الشخصية فيها دون أن أشير إلي أنه كان من الطبيعي ألا يغفل من يعمل في الدبلوماسية ويمارسها علي مدي 35 عاما، وله اهتمامات ثقافية وأكاديمية، من أن يكتب عن الدبلوماسية وخاصة في وجهها المعاصر ويتتبع كيف نشأت، والفروق بين الدبلوماسية القديمة والجديدة، وما الخصائص والمؤهلات التي يجب أن يكتسبها الدبلوماسي لكي يمارس عمله بكفاءة وضرورة التدريب من أجل هذا الهدف، ثم الإجابة عن السؤال الذي تفرضه التطورات التكنولوجية ووسائل الاتصال وهو هل مازالت الدبلوماسية ومازال الدبلوماسي ضرورة؟ هذه القضايا وغيرها هي التي أملت علىّ كتابي «في الدبلوماسية المعاصرة» الذي أصدر في أكثر من طبعة.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.