بينما المنطقة كلها تعيش فوق فوهة بركان كان مجلس الأمن يعقد الاربعاء الماضي جلسة خاصة لبحث قضايا السلام في الشرق الاوسط. استمع المجلس إلي تقرير للمبعوث الخاص للأمم المتحدة حول تطورات الموقف في القضية الفلسطينية وإلي تقرير آخر من المفوض المسئول عن منظمة غوث اللاجئين الفلسطينيين »الاونروا» عن جهود المنظمة في ظل الحصار الذي فرضته عليها الإدارة الأمريكية بقطع مساهمتها المالية والضغط علي باقي الدول لتفعل نفس الشيء. كانت الجلسة كاشفة، خاصة أن الذي مثل الولاياتالمتحدة فيها كان »جاسون جرينبلات» المبعوث الأمريكي للشرق الاوسط وشريك صهر الرئيس الأمريكي »كوشنر» في حكاية صفقة القرن» إياها!! كل أعضاء مجلس الأمن الدائمين والمؤقتين كانوا في جانب والسيد »جرينبلات» كان في جانب آخر.. بالاضافة طبعا إلي مندوب إسرائيل الذي حضر الجلسة مع ممثل فلسطين بصورة استثنائية لإبداء الرأي دون مشاركة في اتخاذ القرار!! السيد »جرينبلات» خصص كلمته للهجوم علي منظمة »الأونروا» محملاً إياها مسئولية الأوضاع البائسة التي يعيشها شعب فلسطين، وداعياً إلي »مسار بديل» ينطوي علي مستقبل مزدهر للفلسطينيين تختفي فيه منظمة »الأونروا» وتختفي معها قضية اللاجئين وحقهم في العودة لوطنهم، كاشفاً عن أن خطة أمريكا تقوم علي نقل مهام منظمة »الاونروا» إلي حكومات الدول المضيفة لهم!! في المقابل كان موقف كل أعضاء مجلس الأمن واضحا في تأكيد دعم مهم لمنظمة »الاونروا» ومساهمتهم في تمويلها لتقوم بدورها الهام في رعاية اللائجين الفلسطينيين وتوفير أبسط حقوقهم الانسانية وفي مقدمتها التعليم، وهو الدور الذي أكدوا ضرورة استمراره حتي يتم التوصل للحل العادل لقضيتهم وفقا للقرارات الدولية. أيضا كان الإجماع كاملاً علي أن أساس الحل موجود في قرارات الشرعية الدولية وفي المبادرة العربية، وأن هذا الحل لابد أن يضمن حق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة علي حدود 67 وعاصمتها القدس العربية. ومع تأكيد كل أعضاء المجلس علي أن حل الدولتين يواجه مأزقا، كان التوافق كاملا علي أن هذا المأزق يأتي من الاستمرار في تجاهل قرارات الشرعية الدولية، ومواصلة بناء المستوطنات علي أرض فلسطينالمحتلة، بالإضافة للقرارات التي اتخذتها الادارة الأمريكية بدءا من الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ثم قطع التمويل الأمريكي عن »الأونروا» وفرض الحصار المالي والسياسي علي السلطة الفلسطينية. ومع تأكيد كل أعضاء المجلس »باستثناء أمريكا» علي ضرورة مواصلة الجهد لتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية وتوجيههم التقدير والشكر للجهود المصرية في هذا السبيل ومن أجل إيقاف »العدوان» الأخير علي غزة.. كان التأكيد علي أن الحل لابد أن يكون سياسيا، وأن علي الجميع أن يدركوا أن إنفاذ حل الدولتين هو لمصلحة كل الأطراف، وأن البديل مهما كانت الضغوط سيكون المزيد من الحروب وعدم الاستقرار في المنطقة كلها. الجلسة كانت كاشفة، والسيد »جرينبلات» سمع بوضوح صوت العالم كله وهو يقول له: إن الحل موجود في قرارات الشرعية الدولية وفي المبادرة العربية، وليس في »اختراع» طريق جديد لن يؤدي لشيء مادام يتجاهل العنوان الحقيقي للسلام وهو حل الدولتين الذي يضمن دولة مستقلة للفلسطينيين علي حدود 67 وعاصمتها القدس العربية. سمع السيد »جرينبلات» كل ذلك، ومضي وحيداً وسعيداً يدعو الفلسطينيين للانضمام إليه، وأن يبصموا علي ضياع القدس وتهويد الضفة وشرعنة الاحتلال ونسيان الوطن.. وبعدها سيكونون علي موعد مع الازدهار الموعود و»الوصفة» التي لا تخيب لتحقيق كل الامنيات! من باب اللياقة فيما يبدو، لم يتطرق أحد في هذه الجلسة إلي المفارقة الصارخة فيما عرضه السيد »جرينبلات» وهو يتحدث عن محاولة تصفية قضية اللاجئين.. حيث يكون من حق السيد »جرينبلات» نفسه بوصفه أمريكيا يهوديا أن يقيم علي أرض القدسالمحتلة باعتبارها وطنا له، بينما يحرم ستة ملايين فلسطيني من حق العودة لوطنهم المحتل.. ويحرم باقي الشعب الفلسطيني من أن تكون له دولة وأن يتمتع مثل كل البشر بحقه في تقرير المصير!