حزب العدل يصدر بيانا بشأن مشاركته بانتخابات مجلس الشيوخ    حدث منتصف الليل| موعد طرح 101 شقة إسكان اجتماعي.. والوطنية للانتخابات تكشف عن رموز جديدة    نشرة التوك شو| الوطنية للانتخابات تكشف برنامج إلكتروني موحد ورموز انتخابية جديدة    لاستكمال استعداداتها لانتخابات الشيوخ.. أحزاب القائمة الوطنية من أجل مصر تجتمع الاثنين    المستشارة أمل عمار تشارك في فعاليات الجلسة الافتتاحية للقمة العالمية للمرأة بألمانيا    الري: خطة متكاملة لزيادة إنتاج القصب والبنجر بأقل استهلاك للمياه    فشل مفاوضات الاتحاد الأوروبي مع إدارة ترامب بشأن الرسوم الجمركية    مصدر إسرائيلي: تلقينا رد حماس من الوسطاء ونعكف حاليا على دراسة تفاصيله    قاض أمريكي يلغي مؤقتا قرار ترحيل مهاجرين إلى جنوب السودان    فقدان أكثر من 20 فتاة داخل مخيم للفتيات في تكساس بسبب الفيضانات    10 صور لخناقة ياسين بونو حارس الهلال مع حكم مباراة فلومينينسي في كأس العالم للأندية    وائل القباني يكشف طلب مفاجيء من الرمادي قبل نهائي كأس مصر.. ما علاقة زيزو؟    مواعيد مباريات اليوم السبت في كأس العالم للأندية والقنوات الناقلة    مواعيد مباريات اليوم السبت 5 يوليو 2025، مواجهات نارية في كأس العالم للأندية    ملف يلا كورة.. أول عرض رسمي ل وسام.. ترتيب قادة الزمالك.. وأوجوستي يودع الأهلي    حريق يلتهم شقة سكنية في فيصل    محاكمة 15 متهمًا ب"خلية مدينة نصر".. السبت    أمه بتزغرد، لحظة تشييع جنازة شاب قتل في مشاجرة دامية على باب مسجد بالغربية (فيديو)    الزعيم عادل إمام يحتفل بزفاف حفيده بحضور نجوم المجتمع    بفستان الأميرات.. 15 صورة رومانسية تجمع ابنة محمد فؤاد بعريسها في حفل زفافهما    عادل إمام يحتفل بزفاف حفيده بحضور نجوم الفن (صور)    "مش عايز حاجة من الدنيا تاني".. رد فعل محمد فؤاد بعد رؤيته ابنته بفستان الزفاف    بعد واقعة بسمة وهبي، موظفة تتهم مستشفى شهيرا بالدقي بوفاة ابنتها: الدكتور نام أثناء العملية    شوبير يوجّه رسالة للهلال السعودي بعد وداع كأس العالم للأندية    حلمى طولان: شيكابالا من أيقونات الزمالك على مدار التاريخ    ملخص وأهداف مباراة فلومينينسي ضد الهلال فى كأس العالم للأندية    حماس تسلم ردها الرسمي إلى الوسطاء بشأن مقترح الهدنة في غزة.. فيديو    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. "أونروا": ما يجرى فى غزة انهيار متسارع للحياة.. أكثر من 157 ألف شهيد إجمالى عدد الشهداء الفلسطينيين منذ نكبة 48.. إخلاء سكان جزيرة بجنوب غرب اليابان بعد زلزال قوى    تحريات لكشف غموض العثور على جثة فتاة بأبو النمرس    ضبط لص لمحاولته سرقة كابلات كهربائية في مدينة 6 أكتوبر    الذكاء الاصطناعي في الحكومات.. وخطوات مصر    قراران أمريكي وبرازيلي يدفعان أسعار الزيوت العالمية إلى الارتفاع في يونيو    النفط يتراجع بشكل طفيف مع ترقب اجتماع أوبك بلس    للصيانة.. فصل الكهرباء بقرية إبشان وانقطاع المياه في قرى دسوق وقلين بكفر الشيخ    سكرولينج.. عرض يحذّر من تحول الهاتف المحمول إلى لص الحياة على مسرح الريحاني    محافظ قنا: خطة لتحويل دندرة إلى وجهة سياحية ريفية وثقافية    مصادر للقاهرة الإخبارية: رد حماس تضمن فتح المجال لمفاوضات غير مباشرة للتهدئة 60 يوما    أمير صلاح الدين: الدكاترة قالولى مش هتعيش ولو عطست هتتشل.. اعرف القصة    أخبار × 24 ساعة.. الحكومة: زيادة تغطية الصرف الصحى فى الريف ل60% عام 2025    أولى جلسات محاكمة المتهم بالتسبب في وفاة طفل بمستشفى شهير.. اليوم    بالأسماء| مصرع وإصابة 13 شخصاً في حادث تصادم على الطريق الدولي بدمياط    الحكم في عدم دستورية نقابة مهنة التمريض.. اليوم    منتخب شابات الطائرة يهزمن تايلاند في بطولة العالم تحت 19 عامًا    روسيا ترفض العقوبات الأمريكية الجديدة على كوبا    اليوم| نظر دعوى عدم دستورية مواد قانون السب والقذف    الانتهاء من تركيب الجسم المعدني لكوبري المشاة بمحور العصار بشبرا الخيمة    12 يوليو فتح التسجيل لاختبارات القدرات للثانوية العامة    مشروبات قبل النوم لحرق الدهون بشكل طبيعي    مشروبات طبيعية تحمي الكبد من التلف وتعزز صحته    ما هي السنن النبوية والأعمال المستحب فعلها يوم عاشوراء؟    موعد إجازة ثورة 23 يوليو 2025 للموظفين    تدهور الحالة، تحقيق عاجل من الصحة في شكوى بسمة وهبة ضد مستشفى بالمهندسين    أعراض التهاب الشعب الهوائية وطرق علاجها بالمنزل    عالم أزهري: التربية تحتاج لرعاية وتعلم وليس ضرب    خطيب الجامع الأزهر: علينا أن نتعلم من الهجرة النبوية كيف تكون وحدة الأمة لمواجهة تحديات العصر    وزارة العمل: 80 فرصة عمل للمعلمين فى مدرسة لغات بالمنوفية    دعاء يوم عاشوراء 2025 مكتوب.. الأفضل لطلب الرزق والمغفرة وقضاء الحوائج    خطيب المسجد الحرام: التأمل والتدبر في حوادث الأيام وتعاقبها مطلب شرعي وأمر إلهي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفنون الشعبية والجسور القومية
مدارات
نشر في أخبار اليوم يوم 26 - 01 - 2018

أتاحت لي الكتابة، عن العمل الجليل الذي أنجزه مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي بقيادة الأستاذ العالم الموهوب الدكتور فتحي صالح، أن أطوف بالتراث الشعبي .. معتقداته وعاداته وتقاليده وآدابه وفنونه وسيره وملاحمه وأساطيره ومواويله وأغانيه وأشعاره وحرفه ومنتجاته .
وأن أجمع ما كان مبعثراً في الذاكرة أوالمكتبة من معلومات ومؤلفات متفرقة وضعها الأعلام ومن واصلوا من بعدهم، وبذلوا في جمعها وتحليلها جهودًا مضيئة صارت بها مع العمل الرائع لمركز توثيق التراث في متناول الباحث تبعًا لغوصه وتحليله لاستنطاق ما تراكم علي مر الدهور ..
قيمة التراث
قيمة هذا التراث أنه تعبير تلقائي عن الناس .. انبعث كما ينقل رشدي صالح عن » هويتمان »‬ من عمل أجيال عديدة من البشرية من معتقداتها ومعارفها وأفراحها وأحزانها وضرورات حياتها .. أساسه العريض قريب من الأرض التي شقتها الفئوس، أما شكله النهائي فمن صنع الجماهير المغمورة المجهولة .. أولئك الذين يعيشون لصق الواقع !
لا يخطيء الجائل في الأدب والفنون والسير الشعبية، كيف حملت أصداءً من هنا ومن هناك بالمنطقة العربية في دلالة تلقائية واضحة علي الجسور الممتدة بينها منذ فجر التاريخ، لم تمنع خصوصية الأدب الشعبي والفنون الشعبية في بعض البلدان والأقطار، مثلما لم تمنع في أقاليم القطر الواحد، من وجود قواسم مشتركة وأصداء متلاقية توري بأن الأدب والفن الشعبي في المنطقة العربية بعامة دليل علي اتصال وتواصل وامتزاج وتفاعل وانصهار لم يصنعه قرار، وإنما عبر تعبيرًا تلقائيا للإنسان العربي في أدبه وفنه وشعره وسيره، شفاهةً وكتابةً، فقام هذا التراث شاهدًا تلقائيًا لا يستطيع أحد أن يغض دلالته علي الجسور الممتدة في قلب وأطراف المنطقة العربية والضاربة في أعماق السنين .
المقامة وخيال الظل
تري هذا الامتزاج شاخصًا وأنت تتابع كيف كانت مقامات بديع الزمان ومقامات الحريري مقدمَةً لنشأة »‬ خيال الظل » الذي كتب عنه الدكتور عبد الحميد يونس يقول : »‬ المقامة في أصلها أدب تمثيلي، وهي من القيام في دار الندوة إبان العصر الجاهلي »، و»‬ كانت تمثيلاً مباشرًا متواصلاً يقوم به ممثل فرد » .. عادت المقامة من حيث بدأت، وجعلت تتطور حتي دخلت المسرح عن طريق »‬ خيال الظل »، ومنها جعلت تتطور فنون الفرجة والعرض المسرحي . موجات التأثر بهذه المقامات عبر خيال الظل وما أدي إليه، عمت أصداؤها المنطقة العربية طولاً وعرضًا .. تري هذا جليًا وأنت تتابع ما كتبه المرحوم الأستاذ فاروق خورشيد من رواد الأدب الشعبي، في كتابه الضافي »‬ الجذور الشعبية للمسرح العربي » . فيه تتبع الموروث الشعبي وملامحه الدرامية في القول والأحلام والكهانة والسحر والجنون، ينطلق من قاعدة أن التراث الشعبي شامل يعني عالما متشابكًا من الموروث الحضاري، والبقايا السلوكية والقولية التي بقيت عبر التاريخ، وعبر الانتقال من بيئة إلي بيئة، ومن مكان إلي مكان، في المحيط العربي وفي ضمير الإنسان العربي . منذ مطلع التاريخ وهذه المنطقة مرتبطة ارتباطًا كاملاً باعتبارها رقعة جغرافية موحدة المصالح والموقف التاريخي ، وتتبادل مراكز النقل الحضاري بين الشرق والغرب والجنوب، وهذا التواصل والاستمرار في تبادل المعلومة والمعرفة العامة، والإبداع الفكري والفني، كفل نوعًا من التزاوج العرقي والاجتماعي والفكري، وجعل تبادل الفكر سمتًا عبر عن نفسه في تراثنا الشعبي، وفي مسرحنا العربي .. يتابع فاروق خورشيد بحثه عن الملامح المسرحية في الموروث الشعبي في كتابات الأقدمين ومعالجات المحدثين، وعن أثر الزار في المسرح المعبدي، ودور »‬ خيال الظل »، مارًا بما كانت تمثله في القديم مجالس السمر وما يرويه القصاص الذي يحكي حكايات الماضي وقصص الأولين، ودور »‬ المقامة » في التمهيد للمسرح . هذه الانعكاسات التبادلية في المحيط العربي قد استلهمت السير الشعبية والأشعار وألف ليلة وليلة، وكلها ذات مضامين عربية، قدمت المادة العربية الشعبية التراثية للبدايات المسرحية الأولي في المحيط العربي بعامة، متمثلة في مسرح الشارع .. في ملاعب اللهو والبهلوانات والسيرك والحواة الذين يلعبون بالثعابين ومروضي القرود، وملاعب المصارعين والملاكمين والمبارزين وضاربي الودع وفتح الرمل ونافخي النيران وأماكن مصارعة الديكة، وفي فنون المخايلة التي تمثلت في خيال الظل وصندوق الدنيا والأراجوز وعروض فرق المحبظين، والتي ربطت في النهاية بين إرهاصات المسرح العربي الشعبي هنا وهناك ثم بالمسرح بل والأدب المعاصر الذي لا يزال للآن يستلهم التراث الشعبي العربي في ألف ليلة وليلة وفي غيرها .
أمارات وشواهد هذه الجسور
أمارات وشواهد هذه الجسور موجودة ظاهرة في العادات والتقاليد، وفي القصص والسير والأساطير والمأثورات الشعبية، وفي الكتابات عن التراث الشعبي حتي وإن لم يعن الكاتب بالإشارة الصريحة إليها .. تراها ما دمنا قد تكلمنا عن المسرح، في كتب علي الراعي عن »‬ مسرح الشعب » : الكوميديا المرتجلة، وفنون الكوميديا من خيال الظل إلي نجيب الريحاني .. وفي الكتابين اللذين أصدرهما رائد الأدب الشعبي الدكتور عبد الحميد يونس عن الظاهر بيبرس، وعن الحكاية الشعبية .. وفيما كتبه الدكتور شكري عياد عن البطل في الأدب والأساطير، وفي كتابات أحمد رشدي صالح عن الفنون الشعبية والأدب الشعبي . . وفيما كتبه فاروق خورشيد في أدب وفن السيرة، وفي أدب الأسطورة عند العرب، وفي إبداعاته التراثية : حبظلم بظاظا، وعلي الزيبق، وملاعيب علي الزيبق، وسيف بن ذي يزن ومغامراته، وفيما كتبته الدكتورة سهير القلماوي عن ألف ليلة وليلة وما تضمنته من سير شعبية كسيرة الأميرة ذات الهمة .
السير الشعبية
ولعل السير الشعبية من أبرز عناصر التراث الشعبي دلالةً علي الاتصال والتواصل والتفاعل والامتزاج والانصهار في المحيط العربي . فسيرة عنترة بن شداد ضاربة في العصر الجاهلي والمعلقات، ممتدة إلي ما بعد ظهور الإسلام . ومع أن حيز وقائعها كان في شبه الجزيرة العربية، فإنك تلمح آثارها وعلامات الانصهار في سيرة ذات الهمة التي شبهت بطلها »‬ الصحصاح » بعنترة بن شداد، وكذلك سيرة حمزة البهلوان، وفي كثير من السير الشعبية التي بدا تأثرها بسيرة عنترة بن شداد في التشبيهات وفي طريقة رسم الأبطال ووصفهم وفي تقليد الأحداث . تجد المشكلة الاجتماعية الحاضرة في سيرة عنترة، حاضرة أيضا وشاغلة للمجتمع العربي هنا وهناك في كثير من السير والموروث الشعبي بعامة .. وكيف يرجع الانتباه إلي عيوب الرق والتفرقة العنصرية إلي سيرة بلال بن رباح وسلمان الفارسي وعبادة بن الصامت في الإسلام ..
عن تأثير سيرة الأميرة ذات الهمة، كتب الدكتور فؤاد حسنين : »‬ وقد أثرت تأثيرا كبيرا في العالم الإسلامي حتي أن الأديب التركي ابتدع قصة أخري تستمد من قصصنا العربية خيالها وبعض وقائعها، وهي التي تعرف باسم سيد البطال » .. بل إن سيرة ذات الهمة تعكس صراع الأمة العربية بكاملها تجاه الغزوالأجنبي وأمام دولة الروم .
أما سيرة الظاهر بيبرس فتكاد أن تكون امتدادا لسيرة الأميرة ذات الهمة من الناحية الزمنية، وفيها تلمح كيف اتسع في السيرة مدلول كلمة »‬ عربي » اتساعًا ضخما يشمل التركيب الاجتماعي السائد في المنطقة كلها التي تجمعها مصالح مشتركة ويهددها خطر واحد وتدين كلها بتعاطف من عناصره : الدين واللغة والامتزاج الذي انعكس في إحساس حاضر بالتوحد . تجد الأبطال والشخصيات تدور بين الأكراد والأيوبيين، وبلاد فارس وإيران، وبعضهم من الأتراك كالظاهر بيبرس . وآخرون من أبناء سيناء كشيحة الذي يعود نسبه إلي غزة، وبعضهم ينبع من حواري القاهرة، وآخرون من الشام ومن المغرب ومن طنجة بمراكش . حين تبدأ أحداث سيرة الظاهر بيبرس الخروج من مصر إلي المحيط العربي كله، تراها تتجه منذ المناوشات الأولي للحروب الصليبية إلي الاتجاه القومي في مواجهة هذا الغزوالصليبي، وتنعكس بذلك عناصر التوحد بين أبناء المنطقة العربية، وتجعل من هذه المنطقة مجالاً واحدًا تتحرك فيه روح المجتمع .
كنت أتمني أن استخرج لك أكثر وأكثر من أمارات هذا التوحد الذي يهون علي البعض ضربه هذه الأيام، أوالادعاء بأنه محض أضغاث أحلام . أبلغ رد علي هذا التهوين، هوما صنعته الأجيال عبر الزمان من تراكمات تلقائية لتراث عريض في الأدب والفن والشعر والسيرة، وفي التقاليد والمعارف والآداب يشهد بوحدة الامتزاج والمصير، وبأن هذا التوحد عصيّ علي أي دعاوي أومحاولات للبلقنة والتفتيت !


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.