"عنترة العبسي"، و"الأميرة ذات الهمة"، و"الظاهر بيبرس"، و"عمر النعمان"، أشهر السير الشعبية التي تحدث عنها د.أحمد مرسي أستاذ الأدب الشعبي بجامعة القاهرة في صالون الجبرتى الذى عقدته لجنة التاريخ صباح اليوم الخميس بالمجلس الأعلى للثقافة، تحت عنوان "التاريخ والتراث الشعبى"، أدارت الندوة الدكتورة زبيدة عطا. أكد مرسي في حديثه أن المثورات الشعبية بكافة أشكالها تعد مصادر تارخية يمكن الاعتماد عليها فهي تسجل ما لا يدونه المؤرخون. فالأساطير مثلاً كما يشير أستاذ الأدب الشعبي هي تسجيل لأحداث تاريخية حدثت عبر ماضي سحيق. ويعتبر مرسي ان لتاريخ الذي سجله المؤرخون يمثل الجانب العقلي للأحداث، والمأثورات الشعبية تمثل الجانب الوجداني لها. هناك سير شعبية اندثرت كما يشير لكن يبقى السيرة الهلالية، واتخذ مرسي من سيرة عنترة العبسي مثالاُ على الرسائل التي تحملها هذه اسير، فهي ليست فقط لمجرد الحكي بل بها عبرة أيضاً. يواصل: سيرة عنترة مبنية على حقيقة تاريخية أنه كان شاعراً وفارساً، والمجتمع العربي يعلي من شأن صاحب هذه لصفات، وهو ابن سيد من سادات "عبس" وأمه أمة حبشية، أنجبت عنترة لونه مخالفاً للون أبيه فينكره، ثم تربيه أمه ويصبح فارساً ويحب ابنة عمه عبلة، لكن قبيلته ووالده يرفضون هذه الزيجة، باعتباره غير حراً. ثم تمضي السيرة تستعرض أن قبيلته تدخل معركة مع قببيلة أخرى، ويطالبه أبوه أن يدافع عن قبيلته، وحينها قال له عنترة عبارته الشهيرة: "إن العبد لا يحسن الكر"، فقال له أبوه: "كر وأنت حر". ويتم الاعتراف بعنترة حراً على مضض، ويطالبه عمه أن يكون مهر عبلة نوق يملكها ملك فارس، في النهاية ينتصر. وتحمل السيرة تأكيداً على أن عنترة رغم كونه حراً إلا أنه يستمر بالحرب لتحرير العبيد في كل الجزيرة، فهو لا يشعر بحريته دون أن يتحرر الجميع. ويعلق مرسي قائلاً: هي سيرة تحمل رؤى وجدانية تعبر عن شوق المجتمع للحرية والعدل، وهي فكرة متكررة في كثير من السير الشعبية. الأميرة ذات الهمة سيرة أخرى يحكي عنها د.أحمد مرسي هي سيرة الأميرة ذات الهمة، وهي سيرة فريدة في كل التراث الشعبي العالمي، دليل برأيه على أن المرأة لها مكانة منذ القدم. هي سيرة بطلتها امرأة تأتي بما لم يأت به الرجال هي فارسة تدافع عن عرضها وشرفها. هذه السيرة تبنى في الأساس على أن قبيلتها أرادت تزويجها من ابن عمها التي لا ترغبه، فيخدرونها ويدخل بها ثم تنجب ابناً ليس لون أبيه فيتهمها زوجها في شرفها، وتنبذها قبيلتها، وتذهب لقبيلة أخرى وتكرمها هذه القبيلة وهناك تستطيع تربية ابنها على القيم العربية الفضلى، وحين يأتي وقت مواجهة الابن لأبيه ومبارزته، تخبر ابنها عن والده وتكفه عن أن يفتك به. الظاهر بيبرس يشير أستاذ الأدب الشعبي إلى أن صورة الظاهر بيبرس في في التاريخ الرسمي سلبية، فقد اتهم بالغدرر والخيانة، لأنه قتل صديقه قطز. لكن على المستوى الشعبي نجد أن الناس أعلوا من شان اظاهر بيبرس، ولم يحدث ذلك لصلاح الدين الأيوبي رغم أن التاريخ الرسمي مجده. السيرة كما يشير مرسي مليئة بتفاصيل، ويتوقف في عرضه للسيرة عند "عتمان بن الحبلى" وهو قاطع طريق دوّخ الظاهر بيبرس الحاكم وعسكره، فلم يجد بيبرس إلا أن يؤاخي عتمان فيتحول الأخير إلى الساعد الأيمن للظاهر بيبرس. وهي رسالة ينقلها الشعب أنه عندما يؤاخي الحكم الشعب ينتصر. حكايات عمر النعمان والهوية حكايات عمر النعمان في ألف ليلة وليلة هي سيرة قائمة بذاتها كما يؤكد مرسي، تمثل الصراع بين العرب والروم وكيف رأى القاص الشعبي هويته وهوية الآخر. ويلفت إلى أن القاص العربي المسلم كان منصفاً للعدو، فقد صور غير المسلمين بأنهم فرسان أشداء رغم أنهم أعداء. وتصور الحكايات أن عمر النعمان من الجبابرة الكبار، قهر الملوك القياصرة، إذ غضب يخر من منخاريه لهيب نار، دخل في حكمه المشرق والمغرب، وأنه كان مولع بالنساء، حتى أن اغتصب حبيبة ابنه وكانت ابنة ملك قسطنطينة، ثم قتلها عبد بعد ذلك. وأقسمت عمتها "شواهي ذات الدواهي" أن تكيد لعمر النعمان وابنه، وتصف الحكايات هذه السيدة بأنها عوز تصارع الرجال، وكاهنة من الكهان ذات الإفك والبهتان. وتبين الحكايات كما يؤكد مرسي أن العرب كانوا يفتحون المدن من أجل البنات الحسان والكنوز المخبوءة لا من أجل الإسلام كما يشير التاريخ الرسمي. تخرج ذات الدواهي حاملة معها أربع جاريات حسان لعمر النعمان، وكان ثمن استبقاؤهم هو خراج الشام بأكمله كما قال لابنه والي الشام، فقد طلب من ابنه أن يرسل له خراج الشام ليكون ثمناً للجوارس وهو قليل!. تتقن "شواهي ذات الدواهي" اللغة العربية وعلوم الدين وتمثل الزهد والورع على النعمان وبلاطه بأكمله، فتصلي وتصوم حتى ان الجميع كان يقبل يديها وقدميها، إلا وزير واحد وحين سئل عن سبب امتناعه عن التبرك بها قال: "إن قلبي لنافر من هذا الزاهد، فإني ما رأيت من المتنطعين في الدين سوى المفاسد". وبالفعل – يواصل مرسي- تنجح شواهي في قتل ابن عمر النعمل وتدبر المكائد له، وقد قرأت هذه الحكايات وجدت أنها رغم تصويرها للصراع الدائر بين المسلمين وغيرهم، إلا ان القاص الشعبي يحذر في حكاياته من اختراق الهوية العربية والإسلامية، فلم يتنبأ احد لخطر شواهي لانخداعهم بمظاهر التدين الكاذب. يواصل: في كل هذه الحكايات لا توجد إشارة واحدة أن الحروب كانت بسبب قضية يتم الدفاع عنها إنما هي مليئة بإشارات كثيرة عن الولع بالنساء والكنوز المخبوءة. وفي نهاية كلمته أكد مرسي على أهمية التاريخ الذي يعد مرشداً مثل "المرايات العاكسة" أثناء قيادة السيارة، فلا يمكن الوصول للمستقبل دون مطالعة التاريخ.