الثقافة الشعبية هي الأقدر في التعبير عن روح الشعب المصري وجوهر شخصيته.. وهي أحد المقومات الرئيسية لهويتنا.. لكن غياب الوعي الشامل بها هو الذي شجع الباحثين الاسرائيليين علي ممارسة التشويه لهذه الثقافة والتشويش عليها بسرقتها ونسبتها إليهم. هذه المعاني والعبارات تتدلي في فضاء هذه المحاورة مع الدكتور خالد أبوالليل مدرس الأدب الشعبي بكلية الآداب جامعة القاهرة وعضو لجنة الأدب الشعبي بالمجلس الأعلي للثقافة، ومؤلف كتاب (صورة اليهودي في الأدب الشعبي العربي) الذي ينطلق منه الحوار: القيم الغائبة إلي أي حد تعكس الثقافة الشعبية الشخصية المصرية؟ - الثقافة الشعبية هي خير ما يعبر عن الشخصية المصرية في جميع ملامحها وجميع مراحلها. فهي تعبر بشكل بسيط وسلس عن أحلام المواطن وآماله وآلامه. تعبر عن جميع فئات المجتمع، العليا منها والدنيا. الثقافة الشعبية تهتم بالتعبير عن البسطاء من أبناء هذا الشعب، الذين يمثلون القطاع العريض من أبناء المجتمع. تهتم بالتعبير عن أحلام أبناء الحرف التقليدية البسيطة، عن العامل الأجير بالأرزقي«، عن الفلاحين؛ للدرجة التي اصطلح فيها البعض علي تسمية المأثورات الشعبية بأنها أدب الفلاحين، تعبر هذه المأثورات الشعبية عن القيم الاجتماعية لهذه الطبقات ومبادئها. تعبر عن القيم الغائبة، أملا في استعادتها في زمن غابت فيه هذه القيم عن المجتمع. فبقدر ما تعبر عن الواقع المعيش بكل تفاصيله، والحياة اليومية بكل قضاياها، فإنها تعبر في الوقت نفسه عن أنماط الحياة المأمولة, ولقد كانت الثقافة الشعبية أداة أفادت منها الثقافة الرسمية في توسيع رقعة انتشارها؛ إذ لما باعدت اللغة والموضوعات والفنيات الكلاسيكية بين الثقافة الرسمية والجمهور العريض من أبناء المجتمع المصري، من بسطاء هذا الشعب وفقرائه. فما كان من بعض رواد هذه الثقافة إلا أن يستعينوا بتقنيات الفن الشعبي في تقريب وجهة نظرهم إلي أوسع نطاق من الجمهور المصري، بكافة شرائحه وفئاته وطبقاته. هوية مصر راسخة الهوية المصرية إلي أين في ظل الحراك السياسي الذي نعيشه؟ وهل معني سيطرة فصيل ما أو تيار ما تغير هوية مصر الثقافية ؟ هوية مصر راسخة ، وليست هشة أو ضعيفة حتي تتأثر بحدث سياسي أو تاريخي مهما كان عظم هذا الحدث أو قيمته. مصر بلد عريقة تاريخها يعود إلي أكثر من 7 آلاف سنة، وإذا كانت وعلي مدار تاريخها قد مرت بأحداث عظيمة، وقد حكمتها أمم وشعوب مختلفة، وتعرضت لغزوات واستعمار من مختلف البلدان، ورغم ذلك فقد حافظت علي هويتها بملامحها الخاصة بها التي تميزها عن غيرها إذا كان ذلك مع ما هو أخطر فعلا في تلك المحن والأخطار التي واجهتها هوية مصر علي مدار تاريخها، فإن الحديث عن شبح تغيير هوية مصر في ظل سيطرة فصيل سياسي، ومحاولة تلوين مصر بلون سياسي أو حزبي معين يصبح لا محل له من الإعراب؛ ذلك لأنه وعلي نحو ما أثبتت ذلك أحداث التاريخ البعيد والقريب سيطرة حزب أو تيار ما علي الحكم لا يغير سوي أن هذه حقبة تاريخية ستمر بحلوها ومرها، ولكن وجه مصر سيبقي هو الثابت الذي لن يتغير. مصر انتقلت من النظام الملكي إلي الجمهوري، وبقيت بهويتها وملامحها. وانتقلت من سيطرة حزب الوفد علي مقاليد الحكم إلي الاتحاد الاشتراكي ثم الحزب الوطني، تغيرت الوجوه والسياسات والشخصيات والأنظمة، كلهم ذهبوا إلي زوال وظلت مصر بملامحها وهويتها كما هي. وحتي لا نضع رؤوسنا في التراب، فلابد من الاعتراف بأن مصر تمر بأزمات متلاحقة، خاصة في فترة ما بعد ثورة يناير أزمات تترك شكوكاً وتخوفات في نفوس الكثيرين، تخوفات من المستقبل، الذي هو مجهول بالنسبة إلينا جميعا. هذه التخوفات تزداد مع تصاعد تيارات الإسلام السياسي من تحويل مصر من تدينها المعتدل إلي المغالاة في التدين، ومن الاهتمام بجوهر الدين إلي التركيز علي شكله، ومن ثمَّ وقوع مصر تحت مظلة حكم تيار ديني بعينه إذا كان هذا التخوف من الجانب السياسي أمرا مبررا، فإنني أري أنه غير مبرر للخوف علي الهوية المصرية التي رسخت في النفوس، واستقرت في العقول، وتميزت بها بين سائر الحضارات والدول والشعوب وتمثل المأثورات الشعبية أحد مظاهر الاحتفاظ بالهوية المصرية فالمأثورات الشعبية بعاداتها وتقاليدها في الاحتفالات بالأعياد والطقوس الدينية، وفي أمثالها الشعبية بما تحمله من قيم ومبادئ إنسانية، وحكاياتها وسيرها الشعبية بما تغرسه من قيم ومعانٍ في نفوس سامعيها، وفي رسومها ونحتها وفنونها الحركية وموسيقاها، وبما تتضمنه من غير ذلك من فنون هي خير حافظ للهوية المصرية في وجه ما تصادفه من عوائق، وما يحيق بها من أخطار إن المأثورات الشعبية تمثل خط الدفاع الأول والأخير في مواجهة أي غزو لهويتنا المصرية الثقافية. غياب الوعي هل هناك أخطار تهدد تراثنا الشعبي، خاصة في ظل المحاولات الدؤوبة التي تقوم بها إسرائيل لفرض هويتها الثقافية في المنطقة، والذي يعود جزء كبير منها باعتمادها علي التراث الشعبي العربي والذي تنسبه لنفسها؟ هذا في ظل ما نشرته أنت من أبحاث تتعرض فيها لقضية سرقة إسرائيل لتراثنا العربي، والتي تمثل آخرها في كتابك »صورة اليهودي في الأدب الشعبي العربي «. في ظل غيبة الوعي العربي بقيمة المأثور الشعبي العربي الشفاهي، بما يضفيه من محاولة لترسيخ هوية ثقافية ودينية وسياسية لدي الأجيال العربية الجديدة، علي النحو الذي يكمل بها ويتكامل في الوقت نفسه مع ما يرمي إليه تراثنا العربي القديم المدون، فكلاهما يكمل بعضهما البعض، أقول في ظل غيبة هذا الوعي، فإن إسرائيل استغلت ذلك التهميش للثقافة الشعبية العربية وراحت تلعب منذ فترة ليست قريبة علي تهويد ذلك التراث الشعبي العربي الشفاهي، وذلك بعد أن تقوم بجمعه من أفواه رواة عرب في بلدانهم، أو بجمعه من رواة عرب يعيشون في إسرائيل. فاعتبرت ذلك التراث العربي الأصل تراثا إسرائيليا، بوصفه رُوي علي أرض إسرائيل، رغم أن رواته عرب، بغض النظر عن يهوديتهم، فقامت بضم هذا التراث العربي إلي أرشيف الفولكلور الإسرائيلي ولم تتوقف هذه المحاولة عند هذا الحد؛ إذ إن هذا التراث وبحكم جذوره العربية والإسلامية يتغني بأمجاد العرب والمبادئ العربية والإسلامية النبيلة ذات البعد الإنساني، وإنما قامت بتهويد هذا التراث الشعبي العربي؛ أي أضفت عليه الطابع اليهودي (من حيث مبادئ اليهودية، عادات المجتمع الإسرائيلي وتقاليده ومعتقداته). إن هناك اهتماما كبيرا بما يسميه الدكتورأحمد مرسي بالظاهرة الإسرائيلية، ومدي ما يمكن أن تسفر عنه في هذا المجال، ذلك أن الهدف النهائي الذي يراد الوصول إليه هو إيجاد ذاتية قومية لمجموعة متفرقة من البشر، جاءوا مختلفي العادات والتقاليد وأساليب التعبير واللغات، ويراد لهم أن يكونوا شعبا، وليس هناك شيء يجمعهم إلا الدين والصهيونية ومجموعة العادات الدينية المرتبطة بطقوس العبادة، وما يحكي عن الأبطال الدينيين، وما يرد علي ألسنة الأنبياء والحكماء من تعبيرات جرت مجري الأمثال؛ وهذه يشك فيها كثير من الدارسين إذ يعتبرون اليهود قد أخذوها من تراث الشعوب الأخري. تحسين الصورة ماذا عن تصوير الثقافة الشعبية الإسرائيلية لكل من العربي والمسلم، وأيضا تصويرها لليهودي نفسه؟ - رسم هذه الصورة له عدة أهداف - نظرا إلي أهمية هذه القضية فقد خصصت لها فصلا كاملا لمناقشتها من كتابي »صورة اليهودي في الأدب الشعبي« وقد استهدف هذا الفصل تحقيق عدد من الأهداف، بعضها إسلامي ديني وبعضها الثاني عربي قومي وبعضها الثالث أدبي فني وتتمثل أهم هذه الأهداف فيما يلي: التعرف علي بعض مواد المأثورات الشعبية العربية التي سرقتها إسرائيل؛ بهدف بناء قومية إسرائيلية في أرض فلسطين وذلك بعد أن تمت إضافة هذه الموروثات الشعبية العربية إلي الأرشيف الإسرائيلي، علي اعتبارها موروثا شعبيا إسرائيليا وقد تمت دراسة ذلك من خلال استقراء بعض هذه المأثورات الإسرائيلية التي يضمها الأرشيف الإسرائيلي المترجمة إلي العربية، والبحث فيه عن الموتيفات القصصية والحكايات الشعبية ذات الأصل العربي. التعرف علي الصورة الجديدة التي يرسمها الموروث الشعبي الإسرائيلي لليهودي الإسرائيلي. وذلك بعد الخلط الذي تعمده الإسرائيليون بين كلمتي اليهودي والإسرائيلي، واعتبارهما شيئا واحدا. فهي صورة أكثر إيجابية من تلك الشائعة في أدبياتنا العربية؛ إذ يسعي هذا التراث الشعبي اليهودي/ الإسرائيلي إلي ترسيخ تلك الصورة الجديدة لليهودي بين الأجيال العربية والإسرائيلية الجديدة؛ بهدف التخلص من تلك الصورة السليبة التي تسود إبداعاتنا الشعبية العربية. التعرف علي الصورة التي يرسمها الموروث الشعبي الإسرائيلي للعربي والمسلم في المأثورات الشعبية الإسرائيلية، وهي صورة تربط كلا من العربي والمسلم بالهمجية والإرهاب والعدوانية. التركيز علي وحدة الجذور العربية المشتركة من خلال موروثاتها الشعبية من ناحية، وضرورة المحافظة علي الهوية الدينية والثقافية العربية من ناحية ثانية، والكشف عن ادعاءات إسرائيل وسرقاتها للمأثورات العربية من ناحية ثالثة، وتوضيح أنه لا توجد مشكلة بين العرب أو المسلمين وبين اليهود بوصفها ديانة سماوية، وإنما الخلاف يتضح مع ما ترمي إليه إسرائيل من أهداف سياسية من ناحية رابعة. وقد اعتمدت في ذلك علي مقارنة حكايات شعبية عربية قمت بجمعها وقام غيري من الباحثين بجمعها من مناطق مصرية وعربية مختلفة، بنظيرات لها من أرشيف الفولكلور الإسرائيلي، مما جمعه باحثون إسرائيليون من رواة عرب، ناسبين هذا المخزون العربي إلي إسرائيل وليس العرب. ويتضح الفارق في معرفة قيمة المأثورات الشعبية ودورها بين العالم العربي وإسرائيل في عدة مسائل، تتمثل أهمها في: تأسيس دولة إسرائيل لأرشيفها القومي منذ ما يتجاوز الستين عاما الآن، اما الأرشيف المصري فلا تزال نشأته حديثة عهد، وفي مرحلة الولادة والتكوين. عدم اهتمام كثير من الجامعات المصرية بتدريس مقرر الأدب الشعبي داخل كلياتها ومعاهدها، بل تنظر بعض الكليات إلي الأدب الشعبي علي انه ضرب من الدعوة إلي التخلف والرجعية، أو أنه ضد الدين. وأظن هذين الاختلافين يحملان دلالات متعددة وخطيرة، لا تخفي علي أحد. الثابت والمرن ما مدي مواكبة التراث الشعبي للتغيرات السياسية والثقافية الراهنة؟ - لابد من الإشارة هنا إلي أننا أمام مصطلحين مهمين، هما: التراث الشعبي والموروث الشعبي، والتفرقة بينهما توضح مدي مواكبة المأثورات الشعبية للتغيرات الاجتماعية. فالتراث يعني الثبات وعدم التغير، أما الموروث فيتسم بالمرونة والحركية والقدرة علي التغير ومواكبة كل مستجد علي الساحة الثقافية والسياسية. فمثلا في مجال الأمثال الشعبية لدينا أمثال شعبية أصبحت تراثا لأنها لم تعد صالحة للاستخدام في الوقت الراهن، أما ما بقي منها ترويه الذاكرة، وتتداوله الألسنة فهو موروث شعبي حي ومنها أمثال شعبية كثيرة يتم تداولها أيضا علي صفحات الانترنت لدي أجيال جديدة. من الأمثلة الدالة علي هذه التفرقة أيضا فن السيرة الشعبية. فنحن لدينا عدد كبير من السير الشعبية العربية مثل الظاهر بيبرس وعلي الزيبق وحمزة البهلوان والأميرة ذات الهمة وعنترة والهلالية وغيرها. كل هذه السير كانت تُروي شفاهيا حتي منتصف القرن العشرين، ولكنها لما عجزت عن مواكبة مستجدات العصر الحديث ماتت روايتها الشفاهية، وظلت فقط حبيسة الكتب الصفراء والمدونات فقط، لذلك فيمكن وصفها بأنها تراث شعبي. غير أن السيرة الشعبية الوحيدة التي يمكن وصفها الآن بأنها موروث شعبي هي السيرة الهلالية، تلك السيرة التي لا تزال تُروي شفاهيا حتي الآن؛ لأنها استطاعت مواكبة ظروف العصر الحديث بقضاياه الثقافية والسياسية المختلفة والمستجدة. ونستطع في ظل ذلك أن نستشهد بنماذج متعددة مما يمكن وصفها بأنها موروثات شعبية وليست تراثا، كما في مجال الأغاني الشعبية والحواديت والمواويل. شديد الخصوصية الأدب الشعبي متهم بأنه أدب إقليمي، وهذا يعني أنه يدعو إلي تفكيك العالم العربي، كما أنه متهم بأنه غير قادر علي التواصل مع الغرب، ما رأيك؟ - أبرز خصائص الأدب الشعبي أنه أدب شديد الخصوصية في تعبيره عن المجتمع الذي يتداوله، كما أنه في الوقت نفسه يركز علي المشترك الثقافي مع غيره من المجتمعات الإنسانية الأخري، بما يجمع بين هذا المجتمع مع غيره من المجتمعات الأخري. الأدب الشعبي هو أدب فئوي أحيانا عندما يعبر عن ملامح فئة اجتماعية بعينها مثل الفقراء والأغنياء، أو منطقة جغرافية معينة مثل الصعيد أو النوبة أو البدو أو أصحاب مهنة محددة مثل البياعين أو الفلاحين أو النحاسين أو النحاتين أو الحدادين وهنا نجد لكل فئة من هذه الفئات الاجتماعية آدابها الشعبية وأغانيها وأحلامها وتطلعاتها وتعبيراتها الشعبية المتداولة فيما بينهم، بل توجد لغة سيم معينة ربما لا يفهمها سواهم كما أنه يعبر في الوقت نفسه عن مشتركات ثقافية تجمع كل فئات المجتمع وأفراده معا؛ لذلك فبقدر ما هناك ما يمثل إحدي الفئات سابقة الذكر فهناك ما يجمعها مع غيرها من فئات المجتمع من أحلام وآمال وآلام وأمثال شعبية وحكايات وأغان شعبية وهذا ما نلمسه بسهولة فيما يتم تداوله داخل القطر المصري من جنوبه إلي شماله ومن شرقه إلي غربه وما قيل عن تشارك أفراد المجتمع المصري فيما يجمع بينهم، يمكن أن يقال فيما تشترك فيه مصر مع شقيقاتها من الدول العربية أو الإسلامية لغويا وفنيا وثقافيا ودينيا وعرقيا لذلك فلا نستغرب من تعدد هذا المشترك الثقافي الشعبي الذي يتم تداوله في مصر وفي غيرها من الدول العربية والإسلامية من حكايات وأشعار وسير وأمثال ونكات وألغاز شعبية وبالتالي فالأدب الشعبي في جزء منه يبحث خصوصية المجتمع الذي يروي هذا الأدب، كما أنه أيضا في جزء آخر يبحث مدي تفاعل هذا المجتمع مع غيره من المجتمعات الأخري، التي تربطه به صلات ثقافية واجتماعية ولغوية وسياسية ودينية. ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد بل إن أي مجتمع من خلال أدبه الشعبي يستعرض قيماً إنسانية عامة، يلتقي فيها هذا المجتمع مع غيره من المجتمعات الإنسانية الأخري، شرقية كانت أو غربية، إفريقية كانت أو أوربية. الحكايات والحواديت يقال ان للحكاية أو كما يطلقون عليها بالحدوته ا دوراً خطيراً في تواصل وتعارف الثقافات المختلفة .ما تعليقك ؟ - نعم بالطبع فالحواديت التي تتم روايتها في مصر تتم روايتها في قطاع عريض من المجتمعات الإنسانية، فرنسية أوألمانية أو اسكندنافية أو أمريكية أو أفريقية أو روسية ذلك لأنها تنقل لنا مجموعة من القيم الإنسانية التي ترغب هذه الحواديت في غرسها في عالم الأطفال الصغار وحديثنا عن اختلافات بين هذه الروايات هو حديث عن اختلاف في أسماء الشخصيات أو بعض التفاصيل التي لا تؤثر في الحدث الرئيس. ولقد شرفت بتحرير كتاب صدر مؤخرا عن قطاع العلاقات الثقافية والخارجية بوزارة الثقافة المصرية بعنوان زحوار الثقافات الشعبيةس يتناول هذه القضية تحديدا، وينتهي إلي نتائج قيمة ومهمة. وأود ان أختم حديثي في هذه النقطة بأن بدايات تعرف الغرب علي ثقافاتنا ومعارفنا كان شعبيا، بما أحدثته ألف ليلة وليلة من تأثيرات في الغرب، كانت دافعا لديهم إلي ترجمتها إلي معظم اللغات الإنسانية تقريبا، ثم استلهامها في كثير من آدابهم، والكتابة علي غرارها، وفيما أيقظته داخلهم من خيال خلاق. وكذلك كان اهتمامهم بالسير الشعبية العربية كبيرا في القرون الماضية، خاصة في القرنين 17 و 18,وتحديدا سيرة عنترة بن شداد وما لها من تأثير في الأدب الغربي، خاصة تأثيرها الكبير في مرحلة الرومانس, كما أن المستشرقين بذلوا قصاري جهدهم للتعرف علي تفاصيل الثقافة الشعبية المصرية؛ بهدف التعرف علي ما يربطها من علاقات بمجتمعاتهم، أو بهدف السيطرة ثقافيا علي مجتمعاتنا العربية. القيم الغائبة إلي أي حد تعكس الثقافة الشعبية الشخصية المصرية؟ - الثقافة الشعبية هي خير ما يعبر عن الشخصية المصرية في جميع ملامحها وجميع مراحلها. فهي تعبر بشكل بسيط وسلس عن أحلام المواطن وآماله وآلامه. تعبر عن جميع فئات المجتمع، العليا منها والدنيا. الثقافة الشعبية تهتم بالتعبير عن البسطاء من أبناء هذا الشعب، الذين يمثلون القطاع العريض من أبناء المجتمع. تهتم بالتعبير عن أحلام أبناء الحرف التقليدية البسيطة، عن العامل الأجير بالأرزقي«، عن الفلاحين؛ للدرجة التي اصطلح فيها البعض علي تسمية المأثورات الشعبية بأنها أدب الفلاحين، تعبر هذه المأثورات الشعبية عن القيم الاجتماعية لهذه الطبقات ومبادئها. تعبر عن القيم الغائبة، أملا في استعادتها في زمن غابت فيه هذه القيم عن المجتمع. فبقدر ما تعبر عن الواقع المعيش بكل تفاصيله، والحياة اليومية بكل قضاياها، فإنها تعبر في الوقت نفسه عن أنماط الحياة المأمولة, ولقد كانت الثقافة الشعبية أداة أفادت منها الثقافة الرسمية في توسيع رقعة انتشارها؛ إذ لما باعدت اللغة والموضوعات والفنيات الكلاسيكية بين الثقافة الرسمية والجمهور العريض من أبناء المجتمع المصري، من بسطاء هذا الشعب وفقرائه. فما كان من بعض رواد هذه الثقافة إلا أن يستعينوا بتقنيات الفن الشعبي في تقريب وجهة نظرهم إلي أوسع نطاق من الجمهور المصري، بكافة شرائحه وفئاته وطبقاته. هوية مصر راسخة الهوية المصرية إلي أين في ظل الحراك السياسي الذي نعيشه؟ وهل معني سيطرة فصيل ما أو تيار ما تغير هوية مصر الثقافية ؟ هوية مصر راسخة ، وليست هشة أو ضعيفة حتي تتأثر بحدث سياسي أو تاريخي مهما كان عظم هذا الحدث أو قيمته. مصر بلد عريقة تاريخها يعود إلي أكثر من 7 آلاف سنة، وإذا كانت وعلي مدار تاريخها قد مرت بأحداث عظيمة، وقد حكمتها أمم وشعوب مختلفة، وتعرضت لغزوات واستعمار من مختلف البلدان، ورغم ذلك فقد حافظت علي هويتها بملامحها الخاصة بها التي تميزها عن غيرها إذا كان ذلك مع ما هو أخطر فعلا في تلك المحن والأخطار التي واجهتها هوية مصر علي مدار تاريخها، فإن الحديث عن شبح تغيير هوية مصر في ظل سيطرة فصيل سياسي، ومحاولة تلوين مصر بلون سياسي أو حزبي معين يصبح لا محل له من الإعراب؛ ذلك لأنه وعلي نحو ما أثبتت ذلك أحداث التاريخ البعيد والقريب سيطرة حزب أو تيار ما علي الحكم لا يغير سوي أن هذه حقبة تاريخية ستمر بحلوها ومرها، ولكن وجه مصر سيبقي هو الثابت الذي لن يتغير. مصر انتقلت من النظام الملكي إلي الجمهوري، وبقيت بهويتها وملامحها. وانتقلت من سيطرة حزب الوفد علي مقاليد الحكم إلي الاتحاد الاشتراكي ثم الحزب الوطني، تغيرت الوجوه والسياسات والشخصيات والأنظمة، كلهم ذهبوا إلي زوال وظلت مصر بملامحها وهويتها كما هي. وحتي لا نضع رؤوسنا في التراب، فلابد من الاعتراف بأن مصر تمر بأزمات متلاحقة، خاصة في فترة ما بعد ثورة يناير أزمات تترك شكوكاً وتخوفات في نفوس الكثيرين، تخوفات من المستقبل، الذي هو مجهول بالنسبة إلينا جميعا. هذه التخوفات تزداد مع تصاعد تيارات الإسلام السياسي من تحويل مصر من تدينها المعتدل إلي المغالاة في التدين، ومن الاهتمام بجوهر الدين إلي التركيز علي شكله، ومن ثمَّ وقوع مصر تحت مظلة حكم تيار ديني بعينه إذا كان هذا التخوف من الجانب السياسي أمرا مبررا، فإنني أري أنه غير مبرر للخوف علي الهوية المصرية التي رسخت في النفوس، واستقرت في العقول، وتميزت بها بين سائر الحضارات والدول والشعوب وتمثل المأثورات الشعبية أحد مظاهر الاحتفاظ بالهوية المصرية فالمأثورات الشعبية بعاداتها وتقاليدها في الاحتفالات بالأعياد والطقوس الدينية، وفي أمثالها الشعبية بما تحمله من قيم ومبادئ إنسانية، وحكاياتها وسيرها الشعبية بما تغرسه من قيم ومعانٍ في نفوس سامعيها، وفي رسومها ونحتها وفنونها الحركية وموسيقاها، وبما تتضمنه من غير ذلك من فنون هي خير حافظ للهوية المصرية في وجه ما تصادفه من عوائق، وما يحيق بها من أخطار إن المأثورات الشعبية تمثل خط الدفاع الأول والأخير في مواجهة أي غزو لهويتنا المصرية الثقافية. غياب الوعي هل هناك أخطار تهدد تراثنا الشعبي، خاصة في ظل المحاولات الدؤوبة التي تقوم بها إسرائيل لفرض هويتها الثقافية في المنطقة، والذي يعود جزء كبير منها باعتمادها علي التراث الشعبي العربي والذي تنسبه لنفسها؟ هذا في ظل ما نشرته أنت من أبحاث تتعرض فيها لقضية سرقة إسرائيل لتراثنا العربي، والتي تمثل آخرها في كتابك »صورة اليهودي في الأدب الشعبي العربي «. في ظل غيبة الوعي العربي بقيمة المأثور الشعبي العربي الشفاهي، بما يضفيه من محاولة لترسيخ هوية ثقافية ودينية وسياسية لدي الأجيال العربية الجديدة، علي النحو الذي يكمل بها ويتكامل في الوقت نفسه مع ما يرمي إليه تراثنا العربي القديم المدون، فكلاهما يكمل بعضهما البعض، أقول في ظل غيبة هذا الوعي، فإن إسرائيل استغلت ذلك التهميش للثقافة الشعبية العربية وراحت تلعب منذ فترة ليست قريبة علي تهويد ذلك التراث الشعبي العربي الشفاهي، وذلك بعد أن تقوم بجمعه من أفواه رواة عرب في بلدانهم، أو بجمعه من رواة عرب يعيشون في إسرائيل. فاعتبرت ذلك التراث العربي الأصل تراثا إسرائيليا، بوصفه رُوي علي أرض إسرائيل، رغم أن رواته عرب، بغض النظر عن يهوديتهم، فقامت بضم هذا التراث العربي إلي أرشيف الفولكلور الإسرائيلي ولم تتوقف هذه المحاولة عند هذا الحد؛ إذ إن هذا التراث وبحكم جذوره العربية والإسلامية يتغني بأمجاد العرب والمبادئ العربية والإسلامية النبيلة ذات البعد الإنساني، وإنما قامت بتهويد هذا التراث الشعبي العربي؛ أي أضفت عليه الطابع اليهودي (من حيث مبادئ اليهودية، عادات المجتمع الإسرائيلي وتقاليده ومعتقداته). إن هناك اهتماما كبيرا بما يسميه الدكتورأحمد مرسي بالظاهرة الإسرائيلية، ومدي ما يمكن أن تسفر عنه في هذا المجال، ذلك أن الهدف النهائي الذي يراد الوصول إليه هو إيجاد ذاتية قومية لمجموعة متفرقة من البشر، جاءوا مختلفي العادات والتقاليد وأساليب التعبير واللغات، ويراد لهم أن يكونوا شعبا، وليس هناك شيء يجمعهم إلا الدين والصهيونية ومجموعة العادات الدينية المرتبطة بطقوس العبادة، وما يحكي عن الأبطال الدينيين، وما يرد علي ألسنة الأنبياء والحكماء من تعبيرات جرت مجري الأمثال؛ وهذه يشك فيها كثير من الدارسين إذ يعتبرون اليهود قد أخذوها من تراث الشعوب الأخري. تحسين الصورة ماذا عن تصوير الثقافة الشعبية الإسرائيلية لكل من العربي والمسلم، وأيضا تصويرها لليهودي نفسه؟ - رسم هذه الصورة له عدة أهداف - نظرا إلي أهمية هذه القضية فقد خصصت لها فصلا كاملا لمناقشتها من كتابي »صورة اليهودي في الأدب الشعبي« وقد استهدف هذا الفصل تحقيق عدد من الأهداف، بعضها إسلامي ديني وبعضها الثاني عربي قومي وبعضها الثالث أدبي فني وتتمثل أهم هذه الأهداف فيما يلي: التعرف علي بعض مواد المأثورات الشعبية العربية التي سرقتها إسرائيل؛ بهدف بناء قومية إسرائيلية في أرض فلسطين وذلك بعد أن تمت إضافة هذه الموروثات الشعبية العربية إلي الأرشيف الإسرائيلي، علي اعتبارها موروثا شعبيا إسرائيليا وقد تمت دراسة ذلك من خلال استقراء بعض هذه المأثورات الإسرائيلية التي يضمها الأرشيف الإسرائيلي المترجمة إلي العربية، والبحث فيه عن الموتيفات القصصية والحكايات الشعبية ذات الأصل العربي. التعرف علي الصورة الجديدة التي يرسمها الموروث الشعبي الإسرائيلي لليهودي الإسرائيلي. وذلك بعد الخلط الذي تعمده الإسرائيليون بين كلمتي اليهودي والإسرائيلي، واعتبارهما شيئا واحدا. فهي صورة أكثر إيجابية من تلك الشائعة في أدبياتنا العربية؛ إذ يسعي هذا التراث الشعبي اليهودي/ الإسرائيلي إلي ترسيخ تلك الصورة الجديدة لليهودي بين الأجيال العربية والإسرائيلية الجديدة؛ بهدف التخلص من تلك الصورة السليبة التي تسود إبداعاتنا الشعبية العربية. التعرف علي الصورة التي يرسمها الموروث الشعبي الإسرائيلي للعربي والمسلم في المأثورات الشعبية الإسرائيلية، وهي صورة تربط كلا من العربي والمسلم بالهمجية والإرهاب والعدوانية. التركيز علي وحدة الجذور العربية المشتركة من خلال موروثاتها الشعبية من ناحية، وضرورة المحافظة علي الهوية الدينية والثقافية العربية من ناحية ثانية، والكشف عن ادعاءات إسرائيل وسرقاتها للمأثورات العربية من ناحية ثالثة، وتوضيح أنه لا توجد مشكلة بين العرب أو المسلمين وبين اليهود بوصفها ديانة سماوية، وإنما الخلاف يتضح مع ما ترمي إليه إسرائيل من أهداف سياسية من ناحية رابعة. وقد اعتمدت في ذلك علي مقارنة حكايات شعبية عربية قمت بجمعها وقام غيري من الباحثين بجمعها من مناطق مصرية وعربية مختلفة، بنظيرات لها من أرشيف الفولكلور الإسرائيلي، مما جمعه باحثون إسرائيليون من رواة عرب، ناسبين هذا المخزون العربي إلي إسرائيل وليس العرب. ويتضح الفارق في معرفة قيمة المأثورات الشعبية ودورها بين العالم العربي وإسرائيل في عدة مسائل، تتمثل أهمها في: تأسيس دولة إسرائيل لأرشيفها القومي منذ ما يتجاوز الستين عاما الآن، اما الأرشيف المصري فلا تزال نشأته حديثة عهد، وفي مرحلة الولادة والتكوين. عدم اهتمام كثير من الجامعات المصرية بتدريس مقرر الأدب الشعبي داخل كلياتها ومعاهدها، بل تنظر بعض الكليات إلي الأدب الشعبي علي انه ضرب من الدعوة إلي التخلف والرجعية، أو أنه ضد الدين. وأظن هذين الاختلافين يحملان دلالات متعددة وخطيرة، لا تخفي علي أحد. الثابت والمرن ما مدي مواكبة التراث الشعبي للتغيرات السياسية والثقافية الراهنة؟ - لابد من الإشارة هنا إلي أننا أمام مصطلحين مهمين، هما: التراث الشعبي والموروث الشعبي، والتفرقة بينهما توضح مدي مواكبة المأثورات الشعبية للتغيرات الاجتماعية. فالتراث يعني الثبات وعدم التغير، أما الموروث فيتسم بالمرونة والحركية والقدرة علي التغير ومواكبة كل مستجد علي الساحة الثقافية والسياسية. فمثلا في مجال الأمثال الشعبية لدينا أمثال شعبية أصبحت تراثا لأنها لم تعد صالحة للاستخدام في الوقت الراهن، أما ما بقي منها ترويه الذاكرة، وتتداوله الألسنة فهو موروث شعبي حي ومنها أمثال شعبية كثيرة يتم تداولها أيضا علي صفحات الانترنت لدي أجيال جديدة. من الأمثلة الدالة علي هذه التفرقة أيضا فن السيرة الشعبية. فنحن لدينا عدد كبير من السير الشعبية العربية مثل الظاهر بيبرس وعلي الزيبق وحمزة البهلوان والأميرة ذات الهمة وعنترة والهلالية وغيرها. كل هذه السير كانت تُروي شفاهيا حتي منتصف القرن العشرين، ولكنها لما عجزت عن مواكبة مستجدات العصر الحديث ماتت روايتها الشفاهية، وظلت فقط حبيسة الكتب الصفراء والمدونات فقط، لذلك فيمكن وصفها بأنها تراث شعبي. غير أن السيرة الشعبية الوحيدة التي يمكن وصفها الآن بأنها موروث شعبي هي السيرة الهلالية، تلك السيرة التي لا تزال تُروي شفاهيا حتي الآن؛ لأنها استطاعت مواكبة ظروف العصر الحديث بقضاياه الثقافية والسياسية المختلفة والمستجدة. ونستطع في ظل ذلك أن نستشهد بنماذج متعددة مما يمكن وصفها بأنها موروثات شعبية وليست تراثا، كما في مجال الأغاني الشعبية والحواديت والمواويل. شديد الخصوصية الأدب الشعبي متهم بأنه أدب إقليمي، وهذا يعني أنه يدعو إلي تفكيك العالم العربي، كما أنه متهم بأنه غير قادر علي التواصل مع الغرب، ما رأيك؟ - أبرز خصائص الأدب الشعبي أنه أدب شديد الخصوصية في تعبيره عن المجتمع الذي يتداوله، كما أنه في الوقت نفسه يركز علي المشترك الثقافي مع غيره من المجتمعات الإنسانية الأخري، بما يجمع بين هذا المجتمع مع غيره من المجتمعات الأخري. الأدب الشعبي هو أدب فئوي أحيانا عندما يعبر عن ملامح فئة اجتماعية بعينها مثل الفقراء والأغنياء، أو منطقة جغرافية معينة مثل الصعيد أو النوبة أو البدو أو أصحاب مهنة محددة مثل البياعين أو الفلاحين أو النحاسين أو النحاتين أو الحدادين وهنا نجد لكل فئة من هذه الفئات الاجتماعية آدابها الشعبية وأغانيها وأحلامها وتطلعاتها وتعبيراتها الشعبية المتداولة فيما بينهم، بل توجد لغة سيم معينة ربما لا يفهمها سواهم كما أنه يعبر في الوقت نفسه عن مشتركات ثقافية تجمع كل فئات المجتمع وأفراده معا؛ لذلك فبقدر ما هناك ما يمثل إحدي الفئات سابقة الذكر فهناك ما يجمعها مع غيرها من فئات المجتمع من أحلام وآمال وآلام وأمثال شعبية وحكايات وأغان شعبية وهذا ما نلمسه بسهولة فيما يتم تداوله داخل القطر المصري من جنوبه إلي شماله ومن شرقه إلي غربه وما قيل عن تشارك أفراد المجتمع المصري فيما يجمع بينهم، يمكن أن يقال فيما تشترك فيه مصر مع شقيقاتها من الدول العربية أو الإسلامية لغويا وفنيا وثقافيا ودينيا وعرقيا لذلك فلا نستغرب من تعدد هذا المشترك الثقافي الشعبي الذي يتم تداوله في مصر وفي غيرها من الدول العربية والإسلامية من حكايات وأشعار وسير وأمثال ونكات وألغاز شعبية وبالتالي فالأدب الشعبي في جزء منه يبحث خصوصية المجتمع الذي يروي هذا الأدب، كما أنه أيضا في جزء آخر يبحث مدي تفاعل هذا المجتمع مع غيره من المجتمعات الأخري، التي تربطه به صلات ثقافية واجتماعية ولغوية وسياسية ودينية. ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد بل إن أي مجتمع من خلال أدبه الشعبي يستعرض قيماً إنسانية عامة، يلتقي فيها هذا المجتمع مع غيره من المجتمعات الإنسانية الأخري، شرقية كانت أو غربية، إفريقية كانت أو أوربية. الحكايات والحواديت يقال ان للحكاية أو كما يطلقون عليها بالحدوته ا دوراً خطيراً في تواصل وتعارف الثقافات المختلفة .ما تعليقك ؟ - نعم بالطبع فالحواديت التي تتم روايتها في مصر تتم روايتها في قطاع عريض من المجتمعات الإنسانية، فرنسية أوألمانية أو اسكندنافية أو أمريكية أو أفريقية أو روسية ذلك لأنها تنقل لنا مجموعة من القيم الإنسانية التي ترغب هذه الحواديت في غرسها في عالم الأطفال الصغار وحديثنا عن اختلافات بين هذه الروايات هو حديث عن اختلاف في أسماء الشخصيات أو بعض التفاصيل التي لا تؤثر في الحدث الرئيس. ولقد شرفت بتحرير كتاب صدر مؤخرا عن قطاع العلاقات الثقافية والخارجية بوزارة الثقافة المصرية بعنوان زحوار الثقافات الشعبيةس يتناول هذه القضية تحديدا، وينتهي إلي نتائج قيمة ومهمة. وأود ان أختم حديثي في هذه النقطة بأن بدايات تعرف الغرب علي ثقافاتنا ومعارفنا كان شعبيا، بما أحدثته ألف ليلة وليلة من تأثيرات في الغرب، كانت دافعا لديهم إلي ترجمتها إلي معظم اللغات الإنسانية تقريبا، ثم استلهامها في كثير من آدابهم، والكتابة علي غرارها، وفيما أيقظته داخلهم من خيال خلاق. وكذلك كان اهتمامهم بالسير الشعبية العربية كبيرا في القرون الماضية، خاصة في القرنين 17 و 18,وتحديدا سيرة عنترة بن شداد وما لها من تأثير في الأدب الغربي، خاصة تأثيرها الكبير في مرحلة الرومانس, كما أن المستشرقين بذلوا قصاري جهدهم للتعرف علي تفاصيل الثقافة الشعبية المصرية؛ بهدف التعرف علي ما يربطها من علاقات بمجتمعاتهم، أو بهدف السيطرة ثقافيا علي مجتمعاتنا العربية.