شريط طويل من الذكريات يمر أمامي الآن، وأنا أترك رئاسة تحرير أخبار اليوم ليتسلمها صديقي وزميلي السيد النجار، الذي رافقني رحلة عطاء شاقة في بلاط صاحبة الجلالة، امتدت إلي 53 عاماً، سبقتها سنوات دراستنا بكلية الإعلام، جامعة القاهرة. أسترجع أيامي الأولي مع كتيبة نجوم أخبار اليوم، من أساتذتي الأعزاء وزملائي وأبنائي والذين رافقوني.. رحلة أحسب أنها كانت تاريخاً من النجاح، صنعوه جميعاً بجهد وعمل دءوب. اليوم أتذكر اجتماعي الأول معهم منذ ما يقرب من خمس سنوات ونصف، والآمال التي تحولت إلي أهداف واضحة، حيث تضاعف توزيع أخبار اليوم لتحقق أعلي معدلات للتوزيع علي مستوي جميع الصحف الأسبوعية، بالإضافة إلي تحقيق أكبر عائد مادي، وزيادة مطردة في حجم الإعلانات، وربما لا يعرف الكثيرون أن إعلانات أخبار اليوم أصبحت هي أغلي إعلانات في السوق الصحفي، وأصبحت أخبار اليوم طوال السنوات الست الماضية مصدراً أساسياً لكل دخل المؤسسة، مع الشقيقة الأخبار التي تواصل اليوم سباقها للقمة، برئاسة زميلي وشقيقي الأصغر الكاتب الكبير ياسر رزق. تغير شكل وإخراج أخبار اليوم لتصدر في 4 أجزاء رئيسية وبالألوان. كما تستخدم أسلوباً متميزاً في الإخراج ونوع وحجم الأبناط، التي تجمع بها والتي تميزها عن كل الصحف المصرية والعربية. وكانت فكرة إصدار ملحق »النهاردة أجازة« إضافة مهمة، في زمن كادت الابتسامة فيه تختفي من وطأة ظروف الحياة، وأحداث العنف والحروب التي تجتاح العالم، وحقق الملحق نجاحاً غير مسبوق، كما أصدرت أخبار اليوم سلسلة من الأعداد المتميزة، وصل ربح أحدها إلي 6 ملايين جنيه، وهو رقم غير مسبوق في دخل الصحافة المصرية منذ بدايتها وحتي اليوم، وخلال تلك السنوات ارتفعت الحوافز والمكافآت، والعلاوات الاستثنائية بأخبار اليوم لمعدلات غير مسبوقة، وجاءت كلها كجزء من حلم حاولت أن أحققه بالقدر الذي كان مستطاعاً لي، وهو إحداث نقلة حقيقية في دخول زملائي. يأخذني شريط الذكريات إلي أبنائي من الشباب، والذين أكن لهم جميعاً حباً لا يعادله حب آخر، والذين تم تعيين 43 منهم خلال تلك السنوات، لينضموا إلي كتيبة الفدائيين من نجوم أخبار اليوم »العتاقي«. ولا أبالغ عندما أقول أن هؤلاء الشباب سيصبحون جزءاً مهماً من رهاننا علي مستقبل الصحافة المصرية بوجه عام، وأخبار اليوم بشكل خاص. كما تم إنشاء قسم خاص لرسوم الكاريكاتير يقوده الفنان الموهوب الزميل هاني شمس، ومنذ قيام ثورة 52 يناير، قدمت أخبار اليوم نموذجاً مهنياً رفيعاً في تغطية أحداث الثورة ومتابعتها، دون أي تجاوز أو إفراط يجافي الحقيقة. رحلة نجاح أعتقد أنها تمثل صفحات ناصعة البياض في تاريخ أخبار اليوم، التي تظل دائماً مدرسة متميزة ومتفردة صنعها أساتذة أجلاء، نكن لهم كل التقدير والمحبة والاحترام، وفي مقدمتهم أستاذي الحبيب إبراهيم سعده، الذي أدين له بكل الفضل، واستاذتي القديرة تهاني إبراهيم مديرة التحرير، وصاحبة المدرسة المتميزة في التحقيقات الصحفية، وأساتذتي الكبار، وعلي رأسهم أستاذنا الكبير عثمان لطفي شيخ الإخراج الصحفي في العالم العربي، وأستاذي فتحي سالم، والمرحوم أستاذنا الكبير عبدالفتاح الديب، وأساتذتي عبدالمجيد الجمال ومحمد إمبابي وجمال زناتي. نجاح لم يحققه رئيس للتحرير، ولكن حققه حب حقيقي سعيت إليه منذ يومي الأول في أخبار اليوم، ونخبة متميزة من أعلام الصحافة المصرية والعربية، في مقدمتهم الأساتذة الكبار محمد الزرقاني ومحمود سالم، ومحمد عمر ومجدي عبدالعزيز، ورفعت فياض وحسين عبدالواحد، والدكتورة سونيا دبوس وفاطمة بركة، مديرو التحرير الذين حفروا معي قصة نجاح يحفظها ويعرفها عن قرب كل الصحفيين في كافة الصحف، باستثناء قلة قليلة كان شاغلها الأول والأخير هو الهجوم علي أخبار اليوم، ومحاولة النيل من نجاحها. قصة كتب نجاحها من »الجلدة للجلدة« زميلاي العزيزان الكاتبان الكبيران مجدي حجازي وأحمد السعيد مديرا التحرير ودرة الإخراج الصحفي، وزملائي الأعزاء نبيل عطا وأحمد محيسن ومحمد سعد، وهشام عطيه وحسن فكري وصابر شوكت، ووفاء الغزالي وصفية أمين وأحمد عطيه صالح، وأحمد السرساوي ومجدي درباله وهبة عمر، وأماني صادق وسلوي عفيفي وداليا جمال، ومني العزب وإنجي توكل ووردة الحسيني، وزينب إسماعيل وحسين عبدالقادر وحسين حمزة، وخالد القاضي وإسلام عفيفي، وكل الزملاء الأعزاء الذين كتبوا كلهم سطوراً مضيئة في مشوار النجاح . قصة نجاح صنعها حب حقيقي جمعني بكل زميل وزميلة، سيظل سمة تجمع بين رئيس التحرير وأسرة أخبار اليوم، خاصة مع زميل العمر السيد النجار الذي يملك دماثة خلق تكفي الدنيا كلها، وأحسد زملائي في أخبار اليوم عليها. شريط من الذكريات يمر سريعاً، كان حلوه أكثر من مره، وكان النجاح فيه أكثر من الإخفاق، وأعرف أن الأيام القادمة سوف تشهد طفرة حقيقية في أخبار اليوم، لتظل دائما درة في جبين صحافة مصر، يتواصل فيها العطاء جيلاً بعد جيل، بقيادة رفيق دربي في النجاح الكاتب الكبير محمد بركات رئيس مجلس الادارة، والذي يقود أخبار اليوم في ظروف صعبة، نسأل الله تعالي أن يعينه عليها. عمرو موسي لا أدري سر الحملة الشعواء التي تشنها بعض الصحف الحزبية والخاصة علي عمرو موسي، بعد إعلان مبدئي عن نيته للترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية، والتي تمثل جزءاً من محاولة للنيل من كل رموز مصر الوطنية. تناسي هؤلاء الدور الوطني المهم الذي لعبه كوزير للخارجية، والذي كان بمثابة »فرملة« لضبط إيقاع حركة العلاقة بين مصر وإسرائيل. إن الحكم علي السياسات لابد أن يعود إلي توجهات النظام السياسي، والتي كان يحددها الرئيس السابق مبارك، والتي يلتزم وزير الخارجية بتنفيذها حرفياً، وكل المراقبين للفترة التي تولي فيها عمرو موسي مسئولية الخارجية، يلمسون أن طريقة تنفيذ السياسة وتوجهات وقناعات عمرو موسي فرضت نفسها بأقصي قدر مستطاع، ويكفي أن نعلم أن إسرائيل تعتبره حتي اليوم واحداً من أشد الغلاة في عملية التطبيع. وتكرر نفس الشيء عندما تولي منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية، والذي استطاع بحنكته السياسية ومهاراته الدبلوماسية، أن يحافظ علي بعد المسافة بين ارتباط المصالح العربية ومصالح إسرائيل، وساهم ذلك في إفشال العديد من المحاولات لإقامة علاقات دبلوماسية بين إسرائيل وعدة دول عربية، كادت بالفعل أن توقع علي إقامة مثل هذه العلاقات. سوف يكشف التاريخ - أيضاً - عن الدور الخفي الذي لعبه عمرو موسي كأمين للجامعة العربية، في نزع فتيل عشرات الأزمات التي كادت تعصف بالجامعة، بل وبالعلاقات الثنائية بين العديد من الدول العربية، وبين بعض القادة العرب. وكان منطق البعض في الحكم علي أداء عمرو موسي غريباً، عندما ربطوا بين الفترة التي تولي فيها الجامعة، وبين العديد من الصراعات والمشاكل التي لم تجد حلاً، سواء في السودان أو لبنان أوالصومال أوالعراق، أو بين الأشقاء الفلسطينيين، متناسين تماماً حقيقة دوره كأمين عام للجامعة، وقناعات الدول الأعضاء بالجامعة ومواقفها. لا أحد يستطيع اليوم التكهن بمن سيرشحون أنفسهم لانتخابات الرئاسة، لكن الذي لا شك فيه ان مشاركة عمرو موسي، أو الدكتور محمد البرادعي في هذه الانتخابات، تعطي ثقلاً وأهمية خاصة يجب أن ندعمها جميعاً مع غيرهما من الرموز الوطنية القادرة علي العطاء، والتي تملك رصيداً يؤهلها لحمل هذه الأمانة والمسئولية. بل إن مشاركة موسي أو البرادعي في الانتخابات، سوف تضع حدوداً كبيرة لطبيعة ومستوي المتنافسين، بعيداً عن الأوهام والأحلام التي تراود الكثيرين، الذين لا يعنيهم سوي بريق الرئاسة، وهو البريق الزائل حتماً لا محالة. كم أتمني أن تستيقظ ضمائرنا جميعاً بعيداً عن حملات التضليل والخداع وإلصاق التهم بالأبرياء، لندخل جميعاً ساحة المنافسة، ولن يصح فيها إلا الصحيح.