حزب العدل يشارك في قداس عيد القيامة بالكاتدرائية المرقسية    عيار 21 بكام بعد الارتفاع الجديد؟.. أسعار الذهب والسبائك اليوم الأحد 5 مايو 2024 بالصاغة    بعد معركة قضائية، والد جيجي وبيلا حديد يعلن إفلاسه    أسعار السمك اليوم الأحد 5-5-2024 بعد مبادرة «خليها تعفن»    بورصة الدواجن اليوم.. أسعار الفراخ والبيض اليوم الأحد 5 مايو 2024 بعد الارتفاع    هل ينخفض الدولار إلى 40 جنيها الفترة المقبلة؟    حملة ترامب واللجنة الوطنية للحزب الجمهوري تجمعان تبرعات تتجاوز 76 مليون دولار في أبريل    عاجل.. رعب في العالم.. فيضانات وحرارة شديدة ومئات القتلى بسبب تغير المناخ    تظاهر آلاف الإسرائيليين بتل أبيب للمطالبة بوقف إطلاق النار في غزة    علي معلول: تشرفت بارتداء شارة قيادة أعظم نادي في الكون    أحمد مصطفى: نُهدي لقب بطولة إفريقيا لجماهير الزمالك    العمايرة: لا توجد حالات مماثلة لحالة الشيبي والشحات.. والقضية هطول    الأرصاد: انخفاض مفاجئ في درجات الحرارة.. وشبورة مائية كثيفة صباحًا    تشييع جثمان شاب سقط من أعلي سقالة أثناء عمله (صور)    توقعات الفلك وحظك اليوم لكافة الأبراج الفلكية.. الأحد 5 مايو    كريم فهمي: لم نتدخل أنا وزوجتي في طلاق أحمد فهمي وهنا الزاهد    تامر عاشور يغني "قلبك يا حول الله" لبهاء سلطان وتفاعل كبير من الجمهور الكويتي (صور)    حسام عاشور: رفضت عرض الزمالك خوفا من جمهور الأهلي    ضياء رشوان: بعد فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها لا يتبقى أمام نتنياهو إلا العودة بالأسرى    عمرو أديب ل التجار: يا تبيع النهاردة وتنزل السعر يا تقعد وتستنى لما ينزل لوحده    مصطفى بكري: جريمة إبراهيم العرجاني هي دفاعه عن أمن بلاده    البابا تواضروس يصلي قداس عيد القيامة في الكاتدرائية بالعباسية    حسب نتائج الدور الأول.. حتحوت يكشف سيناريوهات التأهل للبطولات الأفريقية    مختار مختار ينصح كولر بهذا الأمر قبل نهائي إفريقيا أمام الترجي    الآلاف من الأقباط يؤدون قداس عيد الميلاد بالدقهلية    محافظ الغربية يشهد قداس عيد القيامة بكنيسة مار جرجس في طنطا    مصرع شاب غرقا أثناء الاستحمام بترعة في الغربية    إصابة 8 مواطنين في حريق منزل بسوهاج    رئيس قضايا الدولة من الكاتدرائية: مصر تظل رمزا للنسيج الواحد بمسلميها ومسيحييها    كاتب صحفي: نتوقع هجرة إجبارية للفلسطينيين بعد انتهاء حرب غزة    احتجاج مناهض للحرب في غزة وسط أجواء حفل التخرج بجامعة ميشيجان الأمريكية    الزراعة تعلن تجديد اعتماد المعمل المرجعي للرقابة على الإنتاج الداجني    اليوم.. قطع المياه عن 5 مناطق في أسوان    مكياج هادئ.. زوجة ميسي تخطف الأنظار بإطلالة كلاسيكية أنيقة    دار الإفتاء تنهي عن كثرة الحلف أثناء البيع والشراء    حكم زيارة أهل البقيع بعد أداء مناسك الحج.. دار الإفتاء ترد    صناعة الدواء: النواقص بالسوق المحلي 7% فقط    أبو العينين وحسام موافي| فيديو الحقيقة الكاملة.. علاقة محبة وامتنان وتقدير.. وكيل النواب يسهب في مدح طبيب "جبر الخواطر".. والعالم يرد الحسنى بالحسنى    عاجل.. مفاجأة كبرى عن هروب نجم الأهلي    هل يجوز السفر إلى الحج دون محرم.. الإفتاء تجيب    عبارات تهنئة بمناسبة عيد شم النسيم 2024    تساحي هنجبي: القوات الإسرائيلية كانت قريبة جدا من القضاء على زعيم حماس    رئيس جامعة دمنهور يشهد قداس عيد القيامة المجيد بكاتدرائية السيدة العذراء    محافظ القليوبية يشهد قداس عيد القيامة المجيد بكنيسة السيدة العذراء ببنها    نميرة نجم: حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها غير موجود لأنها دولة احتلال    سعاد صالح: لم أندم على فتوى خرجت مني.. وانتقادات السوشيال ميديا لا تهمني    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    صيام شم النسيم في عام 2024: بين التزام الدين وتقاطع الأعياد الدينية    بعد الوحدة.. كم هاتريك أحرزه رونالدو في الدوري السعودي حتى الآن؟    عوض تاج الدين: تأجير المستشفيات الحكومية يدرس بعناية والأولوية لخدمة المواطن    لطلاب الثانوية العامة 2024.. خطوات للوصول لأعلى مستويات التركيز أثناء المذاكرة    محافظ بني سويف يشهد مراسم قداس عيد القيامة المجيد بمطرانية ببا    رسالة دكتوراة تناقش تشريعات المواريث والوصية في التلمود.. صور    نجل «موظف ماسبيرو» يكشف حقيقة «محاولة والده التخلص من حياته» بإلقاء نفسه من أعلى المبنى    شديد الحرارة ورياح وأمطار .. "الأرصاد" تعلن تفاصيل طقس شم النسيم وعيد القيامة    المنيا تستعد لاستقبال عيد القيامة المجيد وشم النسيم    مهران يكشف أهمية استخدام الذكاء الاصطناعي في التأمين    من القطب الشمالي إلى أوروبا .. اتساع النطاق البري لإنفلونزا الطيور عالميًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأهرام‏:136‏ سنة‏..‏ ابداع‏!‏

للذين يعرفون ولا يصدقون‏..‏ والذين لا يعرفون ويستغربون أنني أمضيت برفقة الأهرام كتاب الحياة المصرية خمسين عاما بالتمام والكمال‏..‏ من أصل‏136‏ عاما هي عمر الأهرام حتي اليوم‏. وقد عاصرت كرفيق في قطار الصحافة‏..‏ مشوار الأهرام المضيء كمشكاة تضيء ليل الحياري‏..‏ وتضمد جراح المهمومين وتتصدر مائدة إفطار المصريين علي مدي مائة وستة وثلاثين عاما منذ عام‏1875‏ وحتي هذا الصباح عبر‏4536‏ صباحا‏..‏ ومثلها عددا‏!‏
علي أي حال لقد دخلت الأهرام وعمره‏83‏ عاما‏..‏ والآن ماذا جري له عبر الخمسين عاما الماضية؟
وماذا ينتظره في الغد؟
ومن هم نجومه عبر مشواره الطويل؟
هو‏..‏ وإن كان مازال حيا يرزق حتي الآن‏..‏ إلا أن الذين شهدوا مولده لم يعدلهم وجود‏..‏
والذين أتوا به إلي هذه الدنيا والذين صنعوه وأقاموه وأشعلوا مصباح فناره‏..‏ اختفوا كلهم من حياتنا‏..‏ ولم يعد أحد بينهم في كشوف الأحياء الذين يرزقون‏..‏ لكي يحكي لنا قصة مولده وساعة نزوله إلي الدنيا ولحظة إشراقة شمسه بالخير بالحق بالنور بالجمال بالفضيلة‏..‏
هو ليس مولودا يولد ينزل إلي الدنيا بالدموع ويستقبله أهله بالفرح والضحكات والسرور‏..‏ ولكنه رسول من ورق وحروف وأسطر وأقلام وأفكار ومثل عليا صحفية‏..‏
رسول من حبر وورق ينتظره الخلق كل صباح لكي يحملهم علي جناح الحقيقة ويحمل إليهم الدنيا كلها فوق طبق من فضة‏..‏ يسمعون أخبارها ويتألمون لحالها ويعيشون همها ويفرحون لفرحها‏..‏ ويشاهدون أنفسهم ويتحاورون ويتشاجرون ويتصايحون ويتعجبون وهم يتصفحون أوراقها ويتأملون سطورها‏..‏ وقد يبيتون علي وسادة من هم بغير مفجع وما أكثر فواجع الدنيا ومواجعها‏..‏ وفي ليال قليلة يبيتون وعيونهم قريرة ونفوسهم مطمئنة لوظيفة نالها ابن شقي سنوات طويلة‏..‏ ولشقة تجمع عروسين أمضيا سنوات فوق أشجار بلا أعشاش‏!‏
هل عرفتموه
هذا الرسول الذي صنع من ورق وأحبار وصور‏..‏ والذي مازال بيننا حيا يرزق والذي مازال يملأ الدنيا خيرا وعدلا وصدقا وفكرا وإيمانا‏..‏ مدافعا عن كل من يحمل في قلبه ألما‏..‏ وفي جيبه مظلمة وفوق ظهره ظلما أو جورا من حاكم جائر أو قرية ظالمة أو جار جاحد‏..‏ أو دولة من دول الأرض ملأ صدور حكامها الغرور وأخذوا الدنيا بالباطل وزهق فيها الحق ورحل‏!‏
هذا الرسول الذي صنع من ورق وحبر وفكر والذي مازال بيننا حيا يرزق‏..‏ والذي غاب عن دنيانا كل من جاء به إلي الدنيا أو حتي عاش لكي يستقبله أو يقرأه‏.‏
وكيف يكون الذين أتوا به إلي الدنيا مازالوا أحياء يرزقون وقد مضي علي مولده اليوم مائة وستة وثلاثون سنة‏.‏
حتي الذين عاصروه وشهدوا أولي خطواته في الحياة الصحفية المصرية حتي بلغ السادسة والثلاثين من عمره‏..‏ لم يعد لهم وجود بيننا الآن فمن منا عمره الآن مائة سنة ويزيد
علي أية حال هذه دعوة لكل من شهد السنوات الأولي من عمر هذا الرسول الذي من ورق والذي اسمه الأهرام والذي نحتفل اليوم بعيد ميلاده المائة وستة وثلاثين ربنا يبارك ويزيد أن يتكلم ويحكي لنا السنوات الأولي في حياة هذا الرسول الذي صنع من ورق وأحبار وأفكار وجهد رجال عظام أضاءوا الدنيا نورا وتنويرا‏.‏
وعلي أية حال من وجد في تراث أبيه أو جد له أو في مكتبته أو حتي في صندوق عرس جده وجدته والذي كان يسمي السحارة بعضا من أعداد السنوات الأولي لالأهرام أو مذكرات أو كراسة كتبها بخط يده قارئ لالأهرام في سنواته الأولي أن يأتي بها إلينا كي نشاهد معا الخطوات الأولي للأهرام العنيد علي طريق الحياة المصرية‏..‏ بوصفه الشاهد الذي مازال حيا يرزق علي ما يجري وما جري‏..‏ وكما أطلق عليه أديبنا الكبير طه حسين‏:‏ الأهرام‏..‏ ديوان الحياة المعاصرة‏.‏
وإذا كان أبوالهول هو الشاهد الصامت علي الحضارة المصرية من يوم مولدها قبل نحو أربعين قرنا من الزمان‏..‏ فهو كاتم الأسرار والعارف ببواطن الأمور والمراقب لكل ما يجري وكل ما جري وكل ما سوف يجري في الغد القريب والبعيد والذي مازال في علم الغيب‏..‏
وإذا كان أبو الهول قد شهد بزوغ شمس الحضارة المصرية‏..‏ وسطوع دولها وفنها وتجارتها ودينها‏..‏ وانتصار ملوكها العظام‏.‏ وانكسار صاري علمها تحت ضربات الغزاة الذين لا يدحرون‏..‏ وشهد معارك تحرير التراب المصري‏..‏ من تحت سنابك جياد الغزاة‏..‏
فإن الأهرام هو الشاهد الوحيد الذي مازال حيا يرزق‏..‏ بالكلام يحكي وبالقصص يقص‏..‏ وبالأخبار والسيارات يقول‏..‏ لم يتوقف يوما ولو ساعة زمان واحدة عن الكلام والحكي‏..‏
فهو بحمد الله أقدم الملوك السيارة علي الاطلاق‏..‏ والذي لم تغرب شمسه أبدا‏..‏ ينتظرون إشراقته كل صباح لكي يخبرهم بما لا يعلمون‏..‏ ويكشف لهم ما خفي وما ستر وما في الصدور‏..‏ وينورهم ويقودهم إلي طريق النور‏..‏
وعلي مدي قرن وربع قرن اصبح كيفا عند الناس كما كان يقول لي أبي عاشق الأهرام كان يقول وأنا ابن غض صغير‏:‏ يابني فنجان القهوة مع الأهرام‏..‏ لابد من وجودهما معا في الصباح‏..‏ الأهرام والقهوة لا يفترقان أبدا‏..‏ وفنجان قهوة من غير الأهرام مالوش طعم ولا ريحة‏!‏
‏...........‏
‏...........‏
اليوم يكمل الأهرام بحمد الله وشكره عامه ال‏.136‏ من العطاء والبذل والعرق والجهد ترجمته‏45316‏ عددا‏..‏ اطل فيها الأهرام علي العالم كله بداية من القاهرة وسفرا وتجوالا إلي كل ربوع مصر والعالم العربي والاسلامي والقارات السبع‏..‏ كان في الزمان الغابر يركب حمار ساعي البوستة‏..‏ ثم ركب الحلزونة وعربات السوارس وقطار الدلتا الصغير وقطارات السكة الحديد التي عمرها من عمر الاهرام ويزيد قليلا‏..‏ ثم السيارات وحتي ركب الطائرات‏..‏ ومنها انطلق عبر الأقمار الصناعية ينزل ويوزع في بلدان الغربة في نفس يوم صدوره‏..‏ ثم إلي شبكة النت كل صباح‏.‏
‏45316‏ يوما من عمر الأهرام‏..‏ بداية بيوم مولده في الخامس من اغسطس في عام‏1876‏ وحتي اليوم‏..‏ مشوار طويل لم يشهد أي منا بدايته وإن كنا نعيش ونمسك بآخر خيط فيه‏.‏
جلست وسط متاهة من المعلومات والكتب والصور والمجلات تطير العقل وتشتت الفكر‏..‏ وأصابتني حسرة ما بعدها حسرة‏..‏ من أين أبدأ
ياليتني كنت واحدا ممن شهدوا مولد الأهرام‏.‏
وأتذكر شريط عمري الصحفي‏..‏
لا أذكر في أي يوم من الأيام دخلت إلي الأهرام‏..‏ ولكن الذي أذكره أنه كان في أحد أيام شهر مايو من عام‏1959‏ م‏..‏ قال لنا أستاذنا وأستاذ الأجيال خليل صابات رحمه الله‏:‏ لقد طلب مني الأهرام أن أرشح الخمسة الأوائل لقسم الصحافة هذا العام لكي يتدربوا ويعملوا في الأهرام وقد اخترتكم أنتم بالذات فاذهبوا إلي هناك واسألوا عن الأستاذ هنري توفيق بحري سكرتير التحرير‏..‏ وذهبنا‏..‏ جيهان رشتي وليليان مرقص حنا وعبدالمنعم سليم ومحمد فريد عزت وأنا إلي مبني الأهرام في شارع مظلوم‏..‏ ونحن في غاية الرعب والخوف من دخول هذا المبني الجدير بالاحترام والمثير للقلق بالنسبة لنا‏..‏ وكأننا ندخل إلي هرم الملك خوفو‏..‏ وكنا نتصور أن محرري الأهرام لابد أن يكونوا من العماليق الكبار الذين يطاول الواحد فيهم الهرم طولا‏..‏ ولابد أن يكون لهم كرش كبير وفوق رأسه طربوش أحمر طويل ويرتدي الرديد ينجوت ذا البلاك تاي وربطة عنق حمراء وحذاء موكاسان أسود لميع‏!‏
ولكننا فوجئنا بالأستاذ توفيق بحري سكرتير تحرير الأهرام يرتدي قميصا مودرن وبنطلونا أبيض وكأنه خواجة أو سائح أجنبي‏..‏
ولكنه لم يكن يبتسم أبدا في وجوهنا ربما لأننا مازلنا صغارا‏..‏ وطلب منا أن ننزل إلي المطبعة‏..‏ ومكثنا في المطبعة أكثر من شهرين‏..‏ وكانت المطبعة أيامها تعمل بنظام الحروف وماكينات الجمع‏..‏ كل شيء من حولنا رصاص في رصاص والأحبار والعمال بردائهم الأزرق التقليدي من حولنا ولا أحد يسأل عنا وقلنا نعلم أنفسنا بأنفسنا‏..‏ حتي رق قلب الزميلين العزيزين الكبيرين‏:‏ رجاء عزيز وماهر الدهبي ليبدأ أول درس لنا في الصحافة من القاع‏..‏ من المطبعة‏..‏
لم تصبر الزميلة العزيزة جيهان رشتي وذهبت إلي الجامعة لتصبح عميدة لكلية الإعلام فيما بعد وواحدة من أكبر المثقفين والدارسين في مصر كلها‏..‏ وطار محمد فريد عزت إلي السعودية ليصبح أستاذا لجامعة المدينة المنورة ثم أستاذا للصحافة في جامعة الزقازيق‏..‏ وذهب عبدالمنعم سليم إلي الأخبار ليصبح سكرتيرا لتحريرها‏..‏ ولم يبق إلا ليليان مرقص التي أصحبت أول رئيسة لقسم المرأة في الأهرام بعد الكاتبة القديرة فتحية بهيج زوجة الأستاذ والمعلم والصحفي الكبير صلاح هلال‏..‏ وبقيت أنا من المطبعة ومن سكرتارية التحرير من الأهرام إلي سكرتارية التحرير بالأهرام الاقتصادي أيام كان يرأس تحريره دكتور بطرس غالي الذي أصبح فيما بعد وزيرا للخارجية وأمينا عاما للأمم المتحدة‏..‏ ثم إلي قسم التحقيقات الصحفية تحت رئاسة الكاتب الصحفي إسماعيل الحبروك رحمه الله ثم الكاتب الصحفي القدير صلاح منتصر ومن بعده أستاذنا ومعلمنا وأستاذ الأجيال صلاح هلال‏.‏
القصة طويلة لكن المهم فيها أنني دخلت الأهرام وعمره‏83‏ عاما‏..‏ وكنا وقتها من الممكن أن نجلس مع أحد الذين عاصروا مولده وظهوره إلي الحياة في مصر أول مرة‏..‏ ولكن اليوم وبعد مرور‏136‏ سنة‏..‏ أصبح من الصعب بل من المستحيل أن نجد إنسانا كان معاصرا لظهور الأهرام مازال حيا يرزق‏!‏
كبر الأهرام معنا خمسين عاما‏..‏ اللهم لاحسد ولا شماتة‏..‏ هي عمري الصحفي داخل هذا الهرم العتيد الذي لا يهرم ولا يشيخ‏..‏ عشتها مع زملائي ورفاق عملي الصحفي‏..‏ بالحب كله وبالإخلاص كله وبالالتزام بميثاق الشرف الصحفي الذي شربناه وتجرعناه داخل الأهرام‏..‏ وميثاق الشرف الإنساني الذي وضعه الإنسان المصري عبر مشواره الحضاري الطويل والذي علمه للدنيا كلها‏:‏ الحق والخير والجمال والفضيلة‏.‏
‏...........‏
‏...........‏
قالوا لي‏:‏ إن رجلا عظيما مهيبا شامخ الرأس منفوخ الأوداج واثق الخطي جميل المحيا والقسمات كأنه أسد هصور أو فهد وثاب‏..‏ ضرب الباب بعصاه الطويلة ودخل إلي مكتبه قائلا‏:‏ هو يعرفني وأنا أعرفه ونحن رفاق طريق منذ أكثر من أربعين عاما‏..‏ ولم يذكر اسمه أو وظيفته وتركناه يدخل لأننا بصراحة خفنا أن نقترب منه أو حتي نسأله من أنت وماذا تريد‏!‏
فتحت باب مكتبي لأجد أمامي واحدا من باشوات العصر الجميل يجلس علي كرسيه أمام مكتبي بأنفة وكبرياء وقد وضع طربوشه الأحمر الطويل فوق المنضدة وراح يدخن غليونه دون أن يلتفت إلي‏.‏
قلت‏:‏ السلام عليكم‏..‏
قال‏:‏ وعليكم السلام يا ولدي ألا تعرفني
قلت في نشوة طفل صغير‏:‏ عرفتك‏..‏ أنت مولانا وسيدنا وربيب نعمتنا ومعلمنا وشيخ الصحافة المصرية وأقدم الصحف السيارة الناطقة بالعربية علي الإطلاق‏..‏ أنت الأهرام يا سيدي‏!‏
قام من مكانه واقفا ليستقبلني بين ذراعيه وهو الفارع الطول العبق الهامة الذي لم يتطرق الشيب إلي رأسه وكأنه مازال شابا فتيا لم يتطرق الدهن إلي عافيته أو الضعف إلي صوته رغم سنين عمره المائة وخمسة وثلاثين‏.‏
قال‏:‏ لقد آثرت أن أحضر بنفسي وأنتم تحتفلون بمرور قرن وربع القرن علي مولدي‏.‏
قلت وأنا أترك مكتبي وأجلس أمامه كلتميذ أمام أستاذه‏:‏ وهل هناك فرص أجمل ولا أروع من هذه التي جمعتنا معا لكي أعرف منك يا سيدي أسرار وخبايا وحكايات لم نسمع بها من قبل من يوم مولدك حتي يومنا هذا‏.‏
قال‏:‏ أنا علي أتم استعداد لأي سؤال يطرحه الحفيد علي الجد الأكبر اطلب لنا فنجانا من القهوة وأنا أشربها سادة دون سكر‏.‏
قلت‏:‏ حدثنا يا جدنا الكبير عن يوم مولدك‏.‏
قال وهو يسترجع شريطا طوله‏136‏ سنة‏:‏ كان مولدي يوم‏5‏ أغسطس‏1876‏ في مدينة الإسكندرية وكنت في البداية جريدة أسبوعية تباع بنصف فرنك والفرنك كان يساوي‏4‏ قروش‏..‏ يعني بقرشين أو‏20‏ مليما‏..‏ وبداية من يوم الاثنين‏3‏ يناير‏1881‏ أصبحت جريدة يومية لأول مرة وكنت أباع بقرش صاغ واحد يعني عشرة مليمات‏..‏ وقد تعجب يا بني عندما تقرأ في الأهرام اليومي كلمة للطالب محمد عبده الذي أصبح الإمام محمد عبده فيما بعد قال فيها قبل‏120‏ سنة‏:(‏ يالها من جريدة أرست قواعدها في القلوب وامتدت لتكشف الغيوب‏..‏ والفارق كبير بين أهرام خوفو وأهرام الصحافة‏..‏ تلك أهرام وأشباح وهذه غذاء للأرواح‏..‏ تلك مساكن وأموات وهذه لسان السموات‏.‏
وفي أول نوفمبر سنة‏1899‏ وآخر عام من القرن التاسع عشر أصبح لالأهرام طبعتان واحدة في القاهرة يومية والثانية في الإسكندرية أسبوعية‏.‏
أسأل‏:‏ كم عدد صفحات أول عدد من الأهرام
قال‏:4‏ صفحات‏..‏ ثم أصبح‏6‏ صفحات بعد‏33‏ سنة‏!‏
أسأل‏:‏ هل كنتم تأخذون إجازة أسبوعية
قال‏:‏ نعم كنا نأخذ يوم الجمعة واستمر هذا الحال‏53‏ عاما حتي عام‏1928.‏
أسأل‏:‏ وأول صورة ظهرت علي صدر صفحات الأهرام‏!‏
قال‏:‏ كان الأهرام أول صحيفة تنشر صورة فوتوغرافية في صفحته الأولي عندما نشر في عام‏1891‏ صورة فرديناند ديليسبس المهندس الفرنسي الذي أشرف علي حفر قناة السويس‏..‏ أما أول صورة تنقل بالراديو فكانت يوم‏31‏ مايو عام‏1943‏ نقلت من لندن لسفير مصر يقابل سفير تركيا‏.‏
أسأل‏:‏ مولانا الأهرام‏:‏ من الذي وراء خروجك إلي الدنيا أول مرة
قال‏:‏ أبي وعمي‏..‏ أبي سليم تقلا وشقيقه بشارة تقلا‏..‏
قلت‏:‏ لقد قرأت في كتاب جورجي زيدان‏(‏ مشاهير الشرق‏)..‏ متاعب سليم تقلا عندما فكر في إصدار الأهرام قال لأحد اصدقائه‏:‏ أنشأت الأهرام وأنا عالم بما يحول دون نشرها من المصاعب‏,‏ وقد كنت اقضي النهار والليل عاملا جسما وعقلا‏..‏
قال‏:‏ لقد ولد سليم تقلا في عام‏1849‏ في قرية كفر شمباز وذهب الي بيروت لتلقي العلم‏.‏
ولما أتم دراسته اصبح مدرسا للغة العربية في المدرسة البطريركية‏..‏ ثم حزم أمره بالسفر الي مصر عندما سمع ما فيها من نهضة فكرية وادبية وصوفية وقرر أن يذهب الي مصر ليستطيع دعم النهضة الصحفية المصرية‏.‏
دعني أنقل لك ما كتبه د‏.‏إبراهيم عبده في كتابه عن جريدة الأهرام قال‏:‏ لما عقد سليم العزم علي إنشاء جريدة الأهرام تقدم بطلبه لنيل الترخيص من الخديو إسماعيل وكان وحده صاحب الحق في منح كل ترخيص‏.‏
وكان علي الطالب إذا كان مصريا أو عربيا أن يتقدم بطلبه إلي نظارة الخارجية لترفعه إلي الخديو‏,‏ فإن حاز قبوله‏,‏ صدرت الجريدة‏,‏ وإلا فلا حيلة للطالب مهما يكثر أنصاره وتعظم مؤهلاته ومسوغات طلبه‏,‏ وكتب سليم طلبه راجيا منحه ترخيصا بإنشاء الأهرام‏.‏
ومن حق التاريخ علينا أن نورد هنا مثالا للإنشاء الديواني في ذلك العصر‏,‏ فإن سليم حين كتب طلبه بلغة الدواوين وتلقاه المسئولون ورأوا فيه إجمالا واقتضابا كتبوا علي هامشه ما نصه‏:‏
يتوضح من مقدمه عن كيفية الجريدة المتلمس إنشاؤها في مدينة الإسكندرية مع إيضاح موقع المطبعة المقتضي الطبع فيها وإن كانت حجرا أو حروفا‏.‏
فكتب سليم علي العرضحال نفسه يقول‏:‏
الإفادة عن ذلك أن الجريدة المتلمس إنشاؤها في مدينة الإسكندرية تحتوي علي التلغرافات والمواد التجارية والعلمية والزراعية والمحلية‏.‏ وكذا من المقاصد طبع بعض كتب كمقامات الحريري وبعض ما يتعلق بالصرف والنحو واللغة والطب والرياضيات والأشياء التاريخية والحكم والنوادر والأشعار والقصص الأدبية وما شابه كل ذلك من الأشياء الجائز طبعها دون أن أتعرض للدخول مطلقا في الأمور البولوتيقية‏,‏ وإذا وقع مني مخالفة أو أجريت طبع شيء مما لا يجوز طبعه فإني قابل ما يترتب علي حسب قوانين المطبوعات كما أتعهد بأن كل ما يجري طبعه أقدم من كل طبعة نسختين لنظارة الخارجية الجليلة‏,‏ وبما أن المطبعة المقتضي طبع الكتب المذكورة فيها كائنة بجهة المنشية بالإسكندرية‏,‏ وأنها مطبعة حروف تحت اسم مطبعة الأهرام‏....‏
وتمت الموافقة علي الطلب في‏27‏ ديسمبر عام‏1875.‏
وهنا توقف مولانا عن الكلام وهو يحاول أن يستعيد شريط ذكريات طولها‏136‏ عاما يمسك بطرفها الأول سليم تقلا ويمسك بطرفها الثاني الآن بابداع القرن الحادي والعشرين‏:‏ عبدالمنعم سعيد واسامة سرايا‏..‏ انه مشوار الأهرام الصحفي ويا له من مشوار‏:‏
‏..............‏
‏.............‏
لقد قدم الاهرام بعد مشواره الطويل‏..‏ شموسا من الابداع الصحفي والادبي والروائي والشعري‏..‏ مازالوا يملأون سماء مصر نورا وبهجة وثراء وخلودا‏..‏
لقد عاصرت وعرفت وشاركت اساطير الفكر في الدور السادس من الاهرام حيث اقيم الآن في نفس الحجرة التي كان ثروت اباظة يكتب فيها كتابيه شيء من الخوف وهارب من الايام اقول عاصرت أعظم من سطر بقلمه علي الورق توفيق الحكيم‏+‏ نجيب محفوظ‏+‏ يوسف إدريس‏+‏ بنت الشاطيء‏+‏ أنيس منصور‏+‏ ابراهيم نافع‏+‏ زكي نجيب محمود‏+‏ عبدالرحمن الشرقاوي‏+‏ أحمد بهاء الدين‏+‏ إحسان عبدالقدوس‏+‏ يوسف السباعي‏+‏ والأخيران رأسا مجلس إدارة الأهرام يوما ما‏..‏
كما زاملت وصادقت كتابا عظاما أمثال‏:‏ أحمد بهجت‏+‏ فهمي هويدي‏+‏ سلامة أحمد سلامة‏+‏ فاروق جويدة أطال الله في عمرهم‏+‏ صلاح الدين حافظ رحمه الله‏+‏ عبدالوهاب مطاوع رحمه الله‏+‏ محمد زايد الموسوعة الصحفية‏+‏ نجيب المستكاوي الرجل الذي أدب الرياضة‏..‏
يدخل علينا لفيف من الزملاء والأبناء من الجيل الجديد من الصحفيين الذين شربوا من نهر الأهرام صحافة نزيهة صادقة‏..‏
سألونا‏:‏ من تختار منه للوحة الشرف في عيد الأهرام ال‏136‏ ؟
قلت‏:‏ أولا‏:‏ الأهرام يتطور إلي الأفضل كما هي عادته‏..‏ عبدالمنعم سعيد بكتاباته وقيادته الرشيدة‏,‏ وأسامة سرايا بالتطوير الجميل في أبواب الأهرام الجديدة منحته شبابا وتألقا وإبداعا‏..‏
نجوم الأهرام تكبر وتتألق يقودها‏:‏
حازم عبدالرحمن وعبدالمحسن سلامة وعبدالعظيم درويش وأحمد موسي ومصطفي النجار وعبدالعظيم الباسل وعبدالناصر سلامة وسيد علي واسامة عبدالعزيز ومريد صبحي واهداف البنداري وأيمن أبوعايد وكتيبة الاخراج الصحفي أنور عبداللطيف وعطية أبوزيد ومحمد السيد ومجموعة المخرجين الجدد‏..‏
أما كتيبة الشباب فألمح سيد صالح وأيمن السيسي وجميل عفيفي وأمل سرور وإبراهيم السخاوي‏.‏
تعالوا نوقد‏136‏ شمعة في عمر الأهرام‏.‏
ونقول له كل سنة وأنت طيب‏..‏ ياجدنا وياملاذنا ويامعلمنا الأول‏..‏ ولو كره الكارهون وعقبال السنة الألف وياتري مين يعيش‏{‏

[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.