بعيدا عن السجالات التي جرت - وما تزال - حول نتائج الإنتخابات البرلمانية وما انتهت إليه من إشادات هنا أو إنتقادات هناك .. أرجو أن نفتح أعيننا علي حقيقة واحدة هي أننا أمام تدشين مرحلة جديدة قادمة .. تدفع قطار الإصلاح السياسي قدما علي طريق السلامة الوطنية .. وقد آن لنا أن نحكم ونسجل ملاحظات تحمل من الأسئلة أكثر مما تحمل من الإجابات ومن الإشارات السريعة التي تحتاج إلي مزيد من القراءات .. أولا: لقد إختلفت هذه الإنتخابات عن سابقتها فلم يسجل علي الحكومة أن تدخلت أو تلاعبت في العملية وإذا كانت ثمة تجاوزات قد حصلت فإنها في الغالب خرجت من أرضية شعبية وهي - بالطبع - نتيجة لتراكمات إجتماعية معروفة ولغياب وعي ديمقراطي حقيقي يقبل ما تفرزه صناديق الإقتراع ويثق بنزاهتها.. ثانيا: إستطاعت الحكومة أن تعيد - نسبيا - ثقة الناخب بآلية الإنتخاب .. وأن تحرر الناس من هواجس التلاعب في النتائج لكن هل تكفي هذه الإجراءات في إعادة الثقة بمجلس النواب؟ .. لا .. بالطبع .. فمهمة ترسيم العلاقة بين النواب الجدد والشارع تقع علي عاتق النواب أنفسهم .. هؤلاء الذين سنحكم علي تجربتهم وأدائهم لاحقا .. بل ومسئولية المجتمع أيضا الذي يفترض أن يفتح عيونه علي المجلس وأن يساعده في الإرتقاء بدوره بدل أن يكبّله بالصمت او بالمطالبات الخدمية والمنافع الشخصية.. وهنا نحتاج الي قراءة خريطة المجلس الجديدة .. فلعل أهم ملمح هو غياب الجماعة المحظورة إلا من مقعد واحد .. بعد أن نجح الحزب الوطني بخطة محكمة ومدروسة في إجتثاثها ليطهر البرلمان الجديد من سوءاتها بما يعيد الثقة في أداء برلماني ينأي عن الفوضي والشغب ويعود به إلي قيم الإحترام والرقي في أداء دوره الرقابي والتشريعي المنوط به .. كما أن أغلبية المقاعد ذهبت لوجوه لم يسبق لها أن مارست العمل السياسي وأقل من ثلث المقاعد احتفظ بها نواب سابقون بينما أطاحت الإنتخابات بعدد من الأقطاب الذين كانوا يشكلون علامات بارزة داخل المجلس.. أضف إلي ذلك بعض الذين آثروا الإنسحاب من الترشيح أصلا.. ولا ننسي كوتة المرأة التي دون شك ستثري العمل البرلماني .. ثالثا: مشهد العنف الإجتماعي لم يكن مفاجئا .. فغالبا ما نشهد في المواسم الإنتخابية مثل هذه الحوادث وهي - بالتأكيد - مزعجة ومخجلة أيضا لكنها تعبر - بشكل أو بآخر - عن صور من الإحتجاج الذي يحتاج إلي مزيد من الفهم أكثر مما يحتاج الي أحكام وإدانات .. الإجابة الوحيدة علي سؤال: وماذا بعد الإنتخابات؟ هي : الدخول فورا في مراجعات جادة تقيّم وتستفيد مما جري .. وتعيد ترتيب ما نريد .. وترسم لنا طريقنا وتجنبنا فوضي الإستمرار في سجالات غير منتجة وإجتهادات غير مجدية وإستقطابات تستهلك طاقتنا الروحية والوطنية وتحرف بوصلتنا نحو إتجاهات أخري لا نريدها.. ولا تفيدنا أيضا .. فنحن أمام برلمان جديد يتحمل عبء أجندة تشريعية وقانونية ضخمة تعزز مسيرة الإصلاح والتنمية الذي تنتهجه مصر بقيادة الرئيس حسني مبارك .. فنحن في حاجة ماسة إلي الإنطلاق إلي الأمام ..!