أسوأ ما في المشهد السياسي أن كلا يغني علي ليلاه.. وأن كل فصيل يضمر بداخله من النوايا، ما يخفيه عن الآخر في مناورة سياسية، شوهت جمال ثورة يناير، التي انطلقت سلمية، ملأها صدق شعب مصر، في ملحمة حب الوطن، وساءها إعلاء البعض للمصلحة الشخصية، في تغييب ممقوت للصالح العام، حتي انكشف سترهم بدعاواهم المضللة، في محاولة منهم لإيهام الشعب بأنهم الفصيل الأفضل، لتنفضح نواياهم الخبيثة في محاولاتهم المتلاحقة الاستيلاء علي مقدرات السلطة في البلاد واقتناصها.. دون برهان صادق عن السعي للمشاركة الإيجابية في بناء الوطن.. فما كان منهم إلا ترهيب وعنف زاد المشهد تعقيدا، وأجج الأزمة! هذه حقيقة ما يدور في الشارع المصري.. وحتي يمكننا الكشف عن الحقيقة، وجب علينا إلزاما قراءة السجلات الوطنية لمن يتصدرون المشهد السياسي، في محاولة صادقة لتقييم الموقف دون مجاملة أو محاباة، لنضع النقاط فوق الحروف بعيدا عن المزايدات، ويكون التقييم مؤسسا علي معيار مقدار الخير المقدم لمصر - وطنا وشعبا - علي أرض الواقع.. ويكون نهجنا في ذلك مزيدا من البحث والتمحيص لإعلاء قيمة ما قدمه كل فصيل من خير، يرسخ به موقعه من المشاركة الإيجابية البناءة.. فبناء الأوطان لا يكون بالطنطنة والشعارات الرنانة. وإذا كان للنظام القائم من سلبيات، جانبه فيها الصواب في بعض ما اتخذ من قرارات.. إلا أن ذلك لا يدعو لمزيد من المهاترات ممن في صفوف المعارضة.. بل إن أخلاق ثورة 25 يناير تفرض علينا دعما صادقا لتصحيح المسار، وعونا وتقويما إيجابيا، ومساندة ونصحا للخروج من الأزمة، وليس صراعا علي السلطة، دون إخلاص لمقدرات الوطن ومصلحة الشعب صاحب الثورة.. فليست ثورتنا رهنا لأحد دون غيره.. ولا بد أن يدرك الجميع أن الديمقراطية لها قواعد واجب انتهاجها. والمتتبع لمشهد ملاحقة العمل الوطني بعد الثورة، يجد بعضا ممن أخفق في الوصول لمقاليد الحكم بأصوات الناخبين، وقد ملأه شبق السلطة، يسعي لتثبيط الهمم وإثارة الفتنة، بإعلاء ثورة الشك والتشكيك، حتي لو أدي ذلك لهدم الدولة، دون تقدير لخطورة الموقف.. وهو ما جعلهم يسخرون أبواق الفضائيات ممن لا يعنيهم سوي زيادة أرصدتهم في البنوك، فغيبوا ضمائرهم، وهان عليهم مصلحة الوطن والشعب، وأضنوا أنفسهم تفانيا وإرضاء لمن يمولونهم.. ويظهر ذلك جليا فيمن لم يستحوا، بل حرصوا علي ادعاء وطنية زائفة، هي براء منهم.. وأقول لأمثال هؤلاء: اتقوا الله في مصر وشعبها. لقد حان الوقت لفرز الطيب من القبيح.. ولنعمل جميعا علي عرض الحقائق علي حقيقتها، إذا أردنا لمصر صلاحا واصلاحا.. أليست مصرنا أحق بوحدتنا لبنائها؟!.. ولم لا نتعلم من وحدة شباب الألتراس الأهلاوي والألتراس الزملكاوي وغيرهما من ألتراس الأندية المصرية، ليعطوا لنا الدرس في سعيهم للقصاص للشهداء.. حقا إن الخطر الذي يتهدد مصر كبير.. والعبث الذي يطولنا كامن في فرقتنا.. والزعامات الورقية الساعية للسلطة -فقط - بعيدا عن إعلاء مصلحة مصر، سوف يفضح التاريخ وهمها.. فالشعب المصري الذي ثار في 25 يناير، شعب حضارة يملك زمام أمره، ولن يمكن لأحد أن يعلو بناصية حكم بلده إلا من كان له كامل القدرة علي رعاية مصلحته.. ألم يكن أجدر بنا الاعتصام جميعا بعيدا عن التفرقة؟.. وأليس الأفضل أن نسير للأمام ونصحح المسارات تحقيقا للتنمية والنماء، بعيدا عن تأصيل منهج الترصد الذي أثبتت التجربة خيبة مؤداه؟. حقا.. إن الأمر جلل والخطر يحيق بنا.. ولنعلم جميعا أننا في أشد الحاجة لتصحيح المسارات تحت مظلة نعلي فيها المشاركة الوطنية الصادقة بعيدا عن المغانم؟.. ولننبذ عن أنفسنا الأحقاد، في إصرار علي تأثيم الكراهية والعنف.. وقتها نكشف المتربص بنا، والذي يتهدد مستقبلنا، حيث صدقت نظرية: "ابحثوا عن المستفيد.. تكشفوا الجاني".. وتحيا مصر.