بعد مضي عامين علي ثورة 25 يناير، مازالت أهدافها رابضة في الميدان، تبحث عمن يمكنه تحقيقها.. ولم يتحقق للشعب الثائر ما اراد من ثورته، فلم ينعم بتيسير في العيش، ولم يحظ بتفعيل حقيقي للعدالة الاجتماعية التي ينتظرها، حتي الحرية لم تكتمل أدواتها بعد إلا القليل مما تحقق. الشارع المصري مازال يعاني مزيدا من التخبط، نتاج صراع القوي السياسية علي السلطة والحكم، يحكمها في ذلك سعي كل فصيل لفرض إرادته السياسية علي غيره من الفصائل، حتي لو تأجج الصراع واشتعل، وتساقط المزيد من الشهداء، مشوها بذلك ملامح " سلمية" ثورتنا التي هي أهم ما يميزها، والتي يحرص الشعب علي تأكيد خصوصيتها، وهو ما جعل العالم يشهد لثورة 25 يناير بعظمتها. ما نشهده الآن من صراعات وأزمات، تتلخص أسبابه في غيبة التنمية الحقيقة، وعدم التوفيق في اختيار الكثير من القيادات القادرة علي إدارة شئون البلاد، خاصة ممن جانبهم وضوح الرؤية لتفعيل فكر منظم قادر علي تحقيق أهداف الثورة لتكون واقعا ملموسا للمواطن، تمكنه من الخروج من أزماته ومعاناته، والتي كانت السبب الحقيقي لإشعال ثورته للخلاص من النظام المخلوع. اليوم، وبعد مضي عامين علي ثورتنا، وجب إعادة تقييم المشهد، وهو ما يلزم إعلاء مصلحة الوطن والمواطن، ليكون شعار المرحلة الآنية والمستقبلية هو" مصر فوق الجميع"، وهذا ما يتطلب دعم فكر وثقافة المشاركة بعيدا عن المغالبة.. فليس من المعقول أو المقبول أن ينشغل أي منا بفرض إرادته علي الآخر، بمنطق تكسير عظام الآخر، وإنما ما نحتاجه الآن يكمن في الاعتصام دون تفرقة لتوحيد صفوفنا لمواجهة مشكلاتنا، وهو مالن يتأت إلا بوحدتنا وتفعيل المشاركة المجتمعية، ليمكننا تصحيح المسار، حتي لا تتوه أهداف الثورة، ليكون الخير للشعب كله، وليس لفصيل دون الآخر. التاريخ يؤكد أن بناء الأوطان يحتاج لسواعد وجهود كل أبنائه، وتجربة العامين المنقضيين تكشف عن حقيقة تفرض علينا عدم إغفالها، وهي أنه من الضروري احترام إرادة الشعب أياً كانت، وإذا كنا قد اخترنا الديموقراطية منهجا، فلا بد من احترام القانون والانصياع لإرادة الشعب التي تعبر عنها نتائج الانتخابات، كما أن من تأتي به الصناديق وجب عليه الالتزام بتحقيق المصلحة للمجموع، دون إغفال مصلحة أحد، ودون خصوصية لمن أتوا به، لأن الاختيار الذي يمنحه تقدم الصفوف والجلوس علي ناصية الحكم، هو مجرد منح ثقة لهذا الفصيل لقيادة مرحلة من حكم البلاد، يخضع هذا الفصيل خلالها لتقييم صارم، فالشعب هو الزعيم دون غيره. يخطئ من يظن أن الشعب بتفضيله واختياره وتغليبه لفصيل علي آخر، وتقديمه لتولي مقاليد الحكم.. أنه يعد تشريفا وتمليكا لهذا الفصيل، ليتصرف في شئون البلاد علي إطلاقه منفردا وحسب هواه.. وإنما المنوط بهذا الفصيل أن يعمل بمزيد من الشفافية، ويتخذ من التدابير ما يمكنه من وضع الخطط الممنهجة لتحقيق مصالح الشعب مجتمعا.. في نفس الوقت الذي يعطي هذا الفصيل الحق كاملا في الحصول علي فرصته للعمل دون تخوين أو تشكيك، ليعمل أدواته وأفكاره في تحقيق أهداف ثورة الشعب، الذي انتخبه من أجلها. ونحن علي أعتاب الانتخابات البرلمانية لاختيار ممثلينا في البرلمان، حينها يمكننا اختيار ممثلين يملكون قدرة الحفاظ علي مقدرات الوطن والشعب، وتكون لهم الكلمة العليا الحقة لتكون "مصر فوق الجميع" بصحيح الكلمة، ولا يحكمهم في ذلك سوي ضمائرهم وإعلائهم حق الله في أرضه، ورعاية مصالح عباده علي إطلاقهم، وقتها يكون الخلاص من الأزمات.. فالشعب لن يرضي بغير ذلك بديلا.. فأهل المحروسة هم شعب كنانة الله في أرضه، من أرادها بسوء قصمه الله.. وتحيا مصر.