مازال الجدل حائرا، حول آليات تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور، حتي بدا صراعا متباينا بين الأغلبية البرلمانية وبعض الأحزاب والقوي السياسية والمجتمع المدني وشخصيات عامة، ليجده الشارع المصري والمواطن البسيط، تناحرا في محاولة من كل فصيل لاستعراض قوته ومدي قدرته علي فرض سيطرته علي أرض الواقع.. تلك هي حقيقة الأزمة، التي تغيبت معها مصلحة الوطن.. وكيف يكون ذلك؟!، في وقت ما أحوجنا لتدارك الأزمات من أجل إعلاء المصلحة العليا لمصر والمصريين. وفي الوقت الذي نجد فيه الأغلبية البرلمانية تبدي تفاهما في محاولة منها للوصول لحلول، نجد تصعيدا من بعض القوي السياسية، ليصل بها إلي تأزيم لمجريات الأمور، حتي يراه البعض تعنتا، جعلها في موقع المعرقل للمسيرة الوطنية.. وهو ما جعل الشارع المصري يصاب بالضجر من الجدل الدائر، ويستشعر أن تلك القوي وممثليها لا يريدون تفاهما من أجل إنهاء الأزمة، بل يتباهون بتسخير طاقاتهم لفرض إرادتهم وإثارة الشك والتشكيك بين أبناء الوطن.. وهذا ما يتنافي مع الالتزام الثوري الذي يستلزم مزيدا من الترابط بين مختلف القوي السياسية والمجتمعية علي اختلافها لتحقيق الهدف، وهو إعداد الدستور الذي نريده ملبيا لكل آمال المصريين. الشعب يريد دستورا يليق بعظمة مصر، ويدعو كل القوي السياسية والمجتمعية - أغلبية وأقلية - لتجاوز أزمة تشكيل الجمعية التأسيسية في أسرع وقت ممكن.. وليدرك الجميع أن الشعب لا يسعده إثارة الأزمات، واتساع فجوات الخلاف، بل يريد مزيدا من مساحة التفاهم، حتي يقطعوا الطريق علي من يعيثون فسادا في الأرض، ويريدون تأجيج وإشعال الفتنة بين طوائف الشعب وأطيافه علي اختلافهم. الشعب يريد التعجيل، والبدء الفعلي في إعداد الدستور، لننتهي من تلك المرحلة المهمة في تاريخ الأمة، حتي ننتبه ونركز في انتخابات الرئاسة، لنتمكن من اختيار رئيس لمصر يملك قدرة علي تحقيق مباديء ثورتها من عيش وحرية وديموقراطية وكرامة وعدالة اجتماعية، تكون تتويجا لتضحيات شعب تحمل الكثير، ولم يبخل بالفداء بخيرة شبابه من شهداء ثورته، وعاني كثيرا من الأزمات، ومازال يعاني الكثير من الأزمات التي تلاحقه، وبات شغوفا متطلعا لجني ثمار ثورته، وهذا حقه، الذي لا يمكن لأحد إنكاره عليه. ولنبدأ من الآن المبادرة في طرح ما ننتظره في الدستور.. وأجد أنه بمناسبة احتفالنا بيوم اليتيم، يجب التأكيد علي حق اليتيم في أن ينعم بتشريع واضح يحفظ له حقه في حياة آمنة، تظللها رعاية كاملة من الدولة، دون اتكال علي أهل الخير من المحسنين فقط، مع إلزام الدولة بتدبير فرص عمل مناسبة تمكنه من العيش الكريم.. ونفس الحال ينطوي علي أولاد الشوارع.. وكذلك من يعانون البطالة، والتي زادت تفاقما في الآونة الأخيرة، حتي أصابت الكثيرين ممن يحملون المؤهلات الدراسية المختلفة، ولكن هؤلاء يمكننا الاستفادة من طاقاتهم في محو الأمية، وليكن ذلك في إطار منهجي بمقابل مادي لائق، نحقق به تبادلا منفعيا، يدعم التنمية البشرية ويعود بالخير علي المواطن والوطن. إن الواجب الوطني يحتم علينا مشاركة فاعلة في الإعداد للدستور، وهو ما لا يتوقف أينما نكون، ولكن يتأتي بالسعي ليشتمل الدستور علي تشريعات تحفظ الحقوق لكل المواطنين، وهو ما يلزم تبني قضايا المهمشين من فئات الشعب أيا كانوا، خاصة أن أمثال هؤلاء لا يجدون من يتبني قضاياهم، وهو ما كانت الدولة فيما مضي تتجاوزهم وتتعمد إغفال حقوقهم.. ولكن بعد ثورة يناير، وعندما نكتب لدستور مصر، يجب أن يشتمل علي تأصيل حقوق هؤلاء دون تغييب.. ليكون الخير لجميع المصريين.. وتحيا مصر.