المجلس الأعلى للجامعات يوافق على إنشاء جامعة سوهاج التكنولوجية    تعرف على موعد الصمت الدعائي لانتخابات مجلس الشيوخ 2025    بنك الأهلى فاروس يقترب من إغلاق إصدارين للصكوك ب8 مليارات جنيه فى الاستثمار الطبى والإنشاءات    رئيس هيئة قناة السويس: نلتزم بالدور المحوري للقناة في تحقيق الاستدامة لسلاسل الإمداد العالمية    مصر تستورد 391 ألف طن من الذرة وفول الصويا لدعم احتياجات السوق المحلية    شيخ الأزهر يعلِّق مكالماته لتهنئة أوائل الشهادة الثانوية ويلغي المؤتمر الصحفي للنتيجة تضامنًا مع غزة    وزير الطاقة السوري يزور السعودية لتعزيز التعاون الثنائي    تجدد القتال لليوم الثالث بين كمبوديا وتايلاند ووقوع ضحايا ومصابين    الأهلي يعلن إعارة يوسف عبد الحفيظ إلى فاركو    الأهلي يعلن انتقال وسام أبو علي إلى كولومبوس كرو الأمريكي    محمد شريف: شارة قيادة الأهلي تاريخ ومسؤولية    عقوبة الإيقاف في الدوري الأمريكي تثير غضب ميسي    وزير الشباب: تتويج محمد زكريا وأمينة عرفي بلقبي بطولة العالم للاسكواش يؤكد التفوق المصري العالمي    الداخلية تكشف ملابسات فيديو طفل يقود سيارة وتضبط المتورطين في الجيزة    أمّ المصلين بالأزهر رمضان الماضى.. 86% مجموع محمد احمد حسن من ذوى البصيرة    مدين يشارك تامر حسني كواليس حفل "العلمين"    كلمتهم واحدة.. أبراج «عنيدة» لا تتراجع عن رأيها أبدًا    سميرة عبدالعزيز في ندوة تكريمها: الفن حياتي.. وبرنامج «قال الفيلسوف» هو الأقرب لقلبي    دور العرض السينمائية تقرر رفع فيلم سيكو سيكو من شاشاتها.. تعرف على السبب    عالم أزهري: تجنُّب أذى الأقارب ليس من قطيعة الرحم بشرط    ناهد السباعي تتربع على عرش التريند بسبب إطلالة جريئة    تقرير فلسطيني: إسرائيل تسيطر على 84% من المياه بالضفة    فحص 394 مواطنا وإجراء 10 عمليات باليوم الأول لقافلة جامعة المنصورة الطبية بشمال سيناء    وكيل صحة الدقهلية يوجه المستشفيات برفع كفاءة الأداء والتوسع في التخصصات الدقيقة    إخلاء سبيل زوجة والد الأطفال الستة المتوفيين بدلجا بالمنيا    غدا آخر موعد للتقديم.. توافر 200 فرصة عمل في الأردن (تفاصيل)    الرئيس السيسي ونظيره الفرنسي يؤكدان ضرورة إيصال المساعدات الإنسانية لأهالي قطاع غزة    صور| ترامب يلعب الجولف في مستهل زيارته إلى أسكتلندا «قبل تظاهرات مرتقبة»    بيراميدز يقترب من حسم صفقة البرازيلي إيفرتون دا سيلفا مقابل 3 ملايين يورو (خاص)    أحمد حسن كوكا يقترب من الاتفاق السعودي في صفقة انتقال حر    أكسيوس عن مصادر: أعضاء بإدارة ترامب يقرون سرا بعدم جدوى استراتيجيتهم بغزة    انتقال أسامة فيصل إلى الأهلي.. أحمد ياسر يكشف    الأزهر يرد على فتوى تحليل الحشيش: إدمان مُحرّم وإن اختلفت المُسميات    محافظ البحيرة: 8 سيارات لتوفير المياه في المناطق المتضررة بكفر الدوار    وزير قطاع الأعمال يتابع مشروع إعادة تشغيل مصنع بلوكات الأنود بالعين السخنة    نجاح جراحة ميكروسكوبية دقيقة لاستئصال ورم في المخ بمستشفى سوهاج الجامعي    سميرة عبد العزيز في ضيافة المهرجان القومي للمسرح    الإنجيلية تعرب عند تقديرها لدور مصر لدعم القضية الفلسطينية    مصر تدعم أوغندا لإنقاذ بحيراتها من قبضة ورد النيل.. ومنحة ب 3 ملايين دولار    انخفاض سعر الدواجن المجمدة ل 110 جنيهات للكيلو بدلا من 125 جنيها بالمجمعات الاستهلاكية.. وطرح السكر ب30 جنيها.. وشريف فاروق يفتتح غدا فرع جديد لمبادرة أسواق اليوم الواحد بالجمالية    وزير الأوقاف يحيل مخالفات إلى التحقيق العاجل ويوجه بتشديد الرقابة    حبس أنوسة كوته 3 أشهر وتعويض 100 ألف جنيه في واقعة "سيرك طنطا"    أبو ليمون يهنئ أوائل الثانوية الأزهرية من أبناء محافظة المنوفية    بعد إصابة 34 شخصًا.. تحقيقات لكشف ملابسات حريق مخزن أقمشة وإسفنج بقرية 30 يونيو بشمال سيناء    ما حكم تعاطي «الحشيش»؟.. وزير الأوقاف يوضح الرأي الشرعي القاطع    مصرع سيدة أسفل عجلات قطار بمدينة إسنا خلال توديع أبناؤها قبل السفر    "القومي للطفولة" يشيد بقرار محافظ الجيزة بحظر اسكوتر الأطفال    الدفاع المدني في غزة يحذر من توقف مركباته التي تعمل في التدخلات الإنسانية    إصابة سيدة في انهيار منزل قديم بقرية قرقارص في أسيوط    الصحة تدعم البحيرة بأحدث تقنيات القسطرة القلبية ب46 مليون جنيه    تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء.. تحرير 154 مخالفة عدم الالتزام بغلق المحلات في مواعيدها    مقتل 4 أشخاص في روسيا وأوكرانيا مع استمرار الهجمات الجوية بين الدولتين    رسميًا إعلان نتيجة الثانوية الأزهرية 2025 بنسبة 53.99% (رابط بوابة الأزهر الإلكترونية)    وزير الثقافة ناعيًا الفنان اللبناني زياد الرحباني: رحيل قامة فنية أثرت الوجدان العربي    سعر الخضار والفواكه اليوم السبت 26-7-2025 بالمنوفية.. البصل يبدأ من 10 جنيهات    وزير الزراعة اللبناني: حرب إسرائيل على لبنان كبدت المزارعين خسائر ب 800 مليون دولار    كيف احافظ على صلاة الفجر؟.. أمين الفتوى يجيب    بعد «أزمة الحشيش».. 4 تصريحات ل سعاد صالح أثارت الجدل منها «رؤية المخطوبة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ورقة وقلم
الثالث من يوليو.. تاريخ لن ينساه التاريخ
نشر في أخبار اليوم يوم 02 - 07 - 2016


أطواق النجاة التي ألقي بها السيسي وأهدرها مرسي
كانت الرسالة من شقين.. أن الجيش لن يقدم علي انقلاب.. وأنه لن يتخلي عن الشعب
رد السيسي: لو كان وافق.. كنت سأسعي لإقناع الجماهير بالاستفتاء الرئاسي
أتأمل الآن مشاعري بعد ثلاث سنوات من ثورة، حلمت بها، وتنبأت بحدوثها، وعايشت أيامها، وراهنت علي راعيها، ومازلت.
لا أذكر يوماً عشته، أسعد من يوم الثلاثين من يونيو، حتي يوم المجد في السادس من أكتوبر.
يستبد بي حنين الذكري، إلي ذلك اليوم بنهاره وليله.
أسترجع إحساسي. كان خلاصة مشاعر فخر وعزة وسمو ومجد، ممزوجة بصفاء السكينة وبهجة الظفر وراحة الخلاص.
يومها.. حمدت الله ومازلت ألهج بحمده علي نعمة أن جعلني مصرياً، واحداً من أبناء شعب، خلق من صلصال معجون بعطر الكرامة.
أتذكر إلحاح زملائي بأسئلتهم حين تأخرت ساعات الليل دون أن يصدر عن الجيش بيان في ختام مهلة الأيام السبعة التي حددها وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسي يوم 23 يونيو لإيجاد صيغة تفاهم وتوافق لحماية مصر وشعبها.
كل الأسئلة كانت صياغات مختلفة لاستفسار واحد حائر: هل يمكن أن يتخلي عنا الجيش؟! لم أكن أحتاج لأن أسأل، كي أرد عليهم: ومنذ متي تخلي الجيش عن الشعب؟!
مع ذلك اتصلت وسألت وعرفت أن هناك بيانا سيذاع في اليوم التالي.
في الموعد المحدد أذيع البيان، أو بالأدق الإنذار الأخير، الذي أعطي مهلة 48 ساعة، كفرصة أخيرة لتحقيق مطالب الشعب، وإلا سيكون لزاما علي القوات المسلحة استناداً لمسئوليتها الوطنية والتاريخية أن تعلن عن خارطة مستقبل وإجراءات تشرف علي تنفيذها بمشاركة جميع الأطياف والاتجاهات الوطنية المخلصة.
بعد البيان.. تجددت أسئلة زملائي: لماذا مهلة إضافية؟!.. ألم يقل الشعب كلمته؟!.. ماذا لو استجاب مرسي؟!.. إن الوقت قد فات.. وانتهت صلاحية مطلب إجراء استفتاء علي رئاسته.. فلن يقبل الشعب إلا برحيله هو وإزاحة نظام الإخوان عن صدر البلد.
للحق كنت عن نفسي أتعجل صدور بيان يعلن عزل مرسي استجابة لإرادة الشعب بعد أن فاضت بنا المكاييل، برغم أني كنت أدرك مقاصد المهلة الثانية!
كنت أعرف أن الفريق أول السيسي يريد أن يقطع الطرق علي أي مزاعم قد تقال فيما بعد، بأن ما جري هو انقلاب وليس ثورة شعبية.
كان هذا هدفه حين أعطي مهلة الأيام السبعة. فالذي يخطط لانقلاب، لا يعلن عن موعده.
وكنت أعلم أن الفريق أول السيسي يرغب في أن يرضي ضميره أمام الله والشعب وأيضا أمام التاريخ، فلا يقال في المستقبل، إنه أغلق نافذة، كان يمكن أن يمر منها بصيص ضوء.
كان هذا هدفه حين أعطي مهلة الساعات الثمانية والأربعين. لعل وعسي تخطئ الأبصار والبصائر، ويستحيل السراب حقيقة!

لعل وعسي!
كانت هذه هي المقولة التي يتمسك بها السيسي، وهو يقدم نصيحة مخلصة للرئيس الأسبق محمد مرسي تلو أخري يصدها، وهو يفتح له فرصة جديدة من بعد فرصة يهدرها!
مساء يوم 11 ديسمبر 2012.. فوجيء الشارع السياسي بمبادرة يطلقها الفريق أول عبدالفتاح السيسي، لدعوة رئيس الجمهورية محمد مرسي ورئيس الوزراء وممثلي القوي السياسية وشباب الثورة والأزهر والكنيسة والقضاء والإعلام، إلي لقاء حوار لجمع الشمل المصري، في القرية الأوليمبية للدفاع الجوي بطريق القاهرة الجديدة.
الغالبية في الشارع المصري تلقت دعوة وزير الدفاع علي أنها «طوق نجاة» لمن لا يستحق الإنقاذ!
فلقد جاءت الدعوة في ذروة أسابيع ثلاثة من الجرائم التي ارتكبها مرسي ونظامه في حق الشعب، بدأت بإعلانه الدستوري الذي أصدره يوم 22 نوفمبر ووصف بأنه انقلاب دستوري علي القضاء ودولة المؤسسات، ثم حصار ميليشيات الإخوان وحلفائهم للمحكمة الدستورية العليا الذي كان مطلع شهر ديسمبر وكان لايزال مستمرا، ثم أحداث مظاهرات الثلاثاء الكبير يوم 4 ديسمبر التي أحاطت بقصر الاتحادية، والتي أعقبتها مذبحة مروعة في اليوم التالي ارتكبتها عصابات الإخوان ضد المتظاهرين العزل!.. ومن بعدها صدور الإعلان الدستوري المصري الذي أعلنه مرسي يوم 8 ديسمبر، وحاول به الالتفاف علي أزمة إعلانه الدستوري الأول.
صباح يوم 12 ديسمبر 2012.. اتصلت بالفريق أول عبدالفتاح السيسي أسأله عن سر الدعوة. قال: «كما تري هناك أزمة سياسية طاحنة، والنذر تشير إلي ما هو أسوأ، ووجدت أن من واجب القوات المسلحة كمؤسسة وطنية أن تبادر لتهدئة الاحتقان، وأن تعطي للرئيس مرسي غطاء يحفظ له مكانة منصبه، هو مظلة القوات المسلحة، ليعمل من أجل تنقية الأجواء مع قوي المجتمع».
كنت أقدر إخلاص الفريق أول السيسي في هذه المبادرة التي لا تبغي سوي وجه الوطن، برغم أن سوابق مرسي والإخوان منذ جاءوا إلي الحكم مع الجيش ومع السيسي شخصيا كانت تستحق معاملة مختلفة. فلقد تعمد الإخوان الإساءة للجيش بالذات في احتفالات السادس من أكتوبر، وتعمدوا تشويه صورة السيسي تارة بنشر شائعات بأنه إخواني من أسرة إخوانية، وتارة بمحاولة توريطه هو والجيش في مواجهة مع القضاء، بدعوته إلي حضور اجتماع كان الغرض منه استبعاد النائب العام من منصبه في إطار مؤامرة أخونة القضاء.
وعرفت أن مرسي كان علي دراية مسبقة بالمبادرة قبل أن يعلنها وزير الدفاع. فقد اتصل السيسي بمكتب الرئيس، ورد عليه مدير المكتب أحمد عبدالعاطي، وأبلغه وزير الدفاع بالاقتراح، وقال له: «اعرض علي الرئيس وخليه يكلمني». بعدها بقليل اتصل مرسي بالسيسي وقال: إنها فكرة رائعة، وطلب التحرك لتنفيذها!
وبينما كنت أتأهب للذهاب إلي اللقاء.. تلقيت مكالمة تفيد بإرجائه إلي أجل غير مسمي!
وأدركت أن مكتب الإرشاد، تدخل كما هي العادة، وأحبط المبادرة. وعلمت أن مرسي اتصل بالفريق أول السيسي وتراجع عن ترحيبه بالاقتراح. وكان هذا هو أول طوق نجاة لا يلقي له بالاً.

حل شتاء السخط ومن بعده ربيع الخماسين، تكررت النصائح والتنبيهات المخلصة، وتعددت أطواق النجاة!
في الحادي عشر من مايو 2013.. دعا الفريق أول السيسي نخبة من الشخصيات العامة والإعلاميين والفنانين والرياضيين إلي حضور مراسم تفتيش حرب بالفرقة التاسعة المدرعة في دهشور.
تحدث السيسي أمام الحضور، غير أنه قوطع أكثر من مرة من بعض الشخصيات، وكانت فحوي مداخلاتهم هي دعوة الجيش إلي النزول وتخليص البلاد فوراً من حكم الإخوان.. أي دعوة الجيش إلي القيام بانقلاب عسكري.
لكن السيسي رد عليهم بوضوح قائلا: «إن نزول الجيش في انقلاب سيعيد البلاد 40 عاما إلي الوراء وأن الأسلم هو التغيير عن طريق صندوق الانتخاب».
كان السيسي مازال يؤمل في أن تسفر جهوده التي لم تنقطع خلال الشهور السابقة عن إقناع الرئيس ونظامه بحل الأزمة السياسية الطاحنة والقطيعة التي تسبب فيها بقراراته وممارسات جماعته مع قوي المجتمع بلا استثناء.
كان يريد أن يقول إن فكرة الانقلاب ليست موجودة في أدبيات القوات المسلحة، ويطرد الفكرة من أذهان الحضور ومن ثم الجماهير.
وقبيل مأدبة الغداء في نهاية اللقاء.. صعدت إلي المنصة الرئيسية.. وانتحيت جانباً بالفريق أول السيسي. سألني عن رأيي في كلمته. فقلت: «إن الحضور قد يفهمها علي غير ما قصدت. قد يتصورون أن الجيش لن ينزل حتي إذا نزلت الملايين في ثورة، وسيتخلي عنهم. من جانب آخر قد يظن الإخوان أن كلمتك هي «كارت أبيض» لهم ليفعلوا ما يريدون بالشعب وهم آمنون من ردة فعل الجيش».
ثم سألته: «هل هذا ما قصدت؟! فقال: قطعا لا.. موقفنا واضح.. نحن مع إرادة الشعب حيثما ذهبت».
وفي نهاية حفل الغداء.. تحدث الفريق أول السيسي موجها الشكر للحضور.. ثم اختتم كلمته بعبارة ذات مغزي قائلا: «ماتستعجلوش.. علشان خاطري ماتستعجلوش».
كانت رسالة السيسي في هذا اللقاء ذات شقين متلازمين. أولهما أن الجيش لن يقدم علي انقلاب، وثانيهما أن الجيش لن يتخلي عن الشعب.
كان السيسي مازال يريد أن يعطي فرصة لمرسي لكي يعدل موقفه بصورة تحفظ ماء منصبه.
في أعقاب اللقاء.. اتصل الفريق أول السيسي بالرئيس مرسي وقال له: «الآن لديك فرصة لإطلاق مبادرة حقيقية. أنا دفعت الثمن من كلامي، وأدفع هذا الثمن لأني خائف علي بلدي من بكرة. الآن صنعت لك غطاء لكي تتحدث وتطلق مبادرة. فلن يقول أحد إنها جاءت تحت ضغط من أي أحد، سواء القوي السياسية أو المؤسسة العسكرية»!
هذه المرة أيضا.. أطاح مرسي بطوق النجاة!

مع حلول صيف الانفجار.. بدا أن الأمور تتجه إلي طريقها المحتوم.
في يوم 22 يونيو 2013.. كان المجلس الأعلي للقوات المسلحة مجتمعاً في مقر الأمانة العامة بكوبري القبة، خرج المجلس بتقدير موقف قوامه أن الجماهير ستنزل إلي الشارع يوم 30 يونيو بأعداد تتراوح بين 4 إلي 6 ملايين مصري، وأن الشواهد تقول إن مجريات الأحداث ستقود حتما إلي حرب أهلية في غضون شهرين، ستكون خارج القدرة علي السيطرة، ولن يستطيع الجيش حينئذ أن يحول دون تداعياتها.
كان الرأي الذي أجمع عليه القادة دون استثناء، أنه لو نزلت الجماهير، فلابد أن يتدخل الجيش.
علي ضوء تقدير الموقف، طلب السيسي من القادة أن يذهبوا جميعاً إلي قصر القبة لإطلاع الرئيس مرسي علي رأي المؤسسة العسكرية.
وجد مرسي القادة أمامه في قصر القبة. وقال له السيسي: أنا لن أتحدث. لقد تحدثت كثيراً. وسأترك قادة القوات المسلحة الكبار، ليقول كل منهم رؤيته.
استمع مرسي إلي القادة، وكالعادة وعد خيراً، ولم ينجز وعده.
مع ذلك.. طلب السيسي من أعضاء المجلس الأعلي أن تترك له الفرصة لبذل مزيد من الجهود حتي اللحظة الأخيرة.. لعل وعسي!
في اليوم التالي 23 يونيو.. أبلغ الفريق أول السيسي، الرئيس مرسي بمبادرة طرحها، تتضمن المطالب التي يجمع عليها الناس وكان سقفها الأعلي هو الاستفتاء علي الرئيس.
كان السيسي يتمني أن يستجيب لها ويعرض نفسه علي الشعب للاستفتاء علي استمرار رئاسته، فلو وافق علي بقائه، لما كان لأحد أن يتحدث بعد ذلك.
وأطلع السيسي مرسي علي تفاصيل مهلة الأيام السبعة، قبل أن يعلن عنها في الندوة التثقيفية للقوات المسلحة بمسرح الجلاء.
كالعادة أيضا.. أهدر مرسي وإخوانه الفرصة!
طوق النجاة الأخير لمرسي كان يوم الأربعاء 26 يونيو، عندما جلس معه لمدة ساعتين حتي الواحدة ظهراً يقنعه بأن يكون خطابه الذي سيلقيه بعد ساعات، خطابا تصالحياً يتضمن مخرجاً مقبولاً، وطرح عليه عدة حلول، ثم طلب مرسي من السيسي أن يجلس مع الدكتور سعد الكتاتني رئيس حزب الحرية والعدالة ليرتب معه الخطوط العريضة للخطاب.
لكن الخطاب الذي ألقاه مرسي في آخر ساعات الليل، جاء مناقضاً لكل ما اتفق عليه.
حينئذ.. قال السيسي لنفسه وهو يتابع الخطاب مندهشاً: خلاص مفيش فايدة!
مع ذلك.. لم يتوقف عن محاولاته اليائسة في لقاءاته مع مرسي خلال الأيام التالية.. لعل وعسي!

غضب مرسي من بيان مهلة الثمانية والأربعين ساعة الذي أذيع بصوت مذيع عسكري، وكان معه السيسي في مكتبه وتلا عليه البيان قبل اذاعته بالتليفزيون ورد مرسي قائلاً: كل اللي خرجوا ما يجوش 120 ألفاً!.. فقال له السيسي: سوف أحضر لك سيديهات مشاهد المظاهرات!
كان اللقاء الأخير للسيسي مع مرسي يوم 2 يوليو قبل 24 ساعة من انتهاء المهلة الثانية والأخيرة.. ولم يبد مرسي أي مرونة تجاه الاستفتاء، وظل علي فقدانه البصيرة بعد البصر!
مع ذلك.. واصل جهوده حتي آخر لحظة لعل وعسي!
في يوم الثالث من يوليو، وقبيل ساعات معدودة من انتهاء المهلة، طلب السيسي من معاونيه الاتصال بثلاث شخصيات لإجراء محاولة تدخل أخيرة مع الرئيس مرسي لاقناعه. كان الثلاثة هم د. محمد سليم العوا، د. هشام قنديل، د. أحمد فهمي رئيس مجلس الشوري وصهر مرسي.
ظهيرة نفس اليوم.. علمت بالصدفة بوجود د. أحمد فهمي في مبني القيادة المشتركة، واتصلت به وعرفت أنه ذاهب للقاء الرئيس لمعرفة رأيه فيما طرح عليه. وبعدها هاتفته من جديد، وعرفت أن كل ما يطرحه الرئيس هو تغيير وزاري، واجراء انتخابات برلمانية، ثم بعد ذلك يتم الحديث عن مسألة الاستفتاء!
كان واضحاً إذن، أن الإخوان يستبعدون تدخل الجيش لإنفاذ إرادة الجماهير، وكان رهانهم علي أن الجيش سيحجم خوفا من المواجهة!

هكذا صدر بيان 3 يوليو.
ولعلنا لا ننسي مشهد الفريق أول السيسي، وهو يقف صلباً، فارداً ذراعيه علي منصة الخطابة في ثقة ورضا نفس، وهو يتلو البيان، في حضور ممثلي ألوان الطيف المصري الجالسين من حوله، بينما كان هناك مقعد شاغر، أعد لرئيس حزب الحرية والعدالة، لكنه رفض الحضور!
أذكر أنني بعد ثلاثة أسابيع من ثورة يونيو، التقيت الفريق أول السيسي لمدة ساعتين، في لقاء غير صحفي بمقر وزارة الدفاع، يومها سألته: كيف استمررت في طرح اقتراح اجراء استفتاء علي رئاسة مرسي، حتي يوم الثالث من يوليو، برغم أن الوقت تخطي هذا الاقتراح، وأن المطلب الجماهيري الوحيد منذ الثلاثين من يونيو هو عزل مرسي، وازاحة نظام الإخوان؟!
ورد الفريق أول السيسي قائلا: لو كان وافق.. كنت سأبذل قصاري جهدي لإقناع الجماهير بفكرة الاستفتاء!

ليس في معظم ما سردت، أسرار خافية. سبق أن كتبت عن وقائع في حينها وبعدها. لكن هناك من يريد لنا أن ننسي لماذا خرجنا في الثلاثين من يونيو.
هناك من لا يزال يريد أن يصور الإخوان القتلة علي أنهم ضحايا، وأن يظهر مرسي في صورة الرئيس المظلوم الذي أطاح به الجيش في انقلاب!
هناك من يريد أن يصور السيسي علي أنه قائد الجيش الذي ظل يتحين فرصة أي نزول جماهيري ليستولي علي السلطة!
هناك من يريد منا نسيان أن قرابة 30 مليون مصري نزلوا إلي الشوارع لا يريدون العودة إلا برحيل نظام الحكم البغيض الذي تسلط علي الشعب لمدة عام أسود.
هناك من يريد لنا نسيان جهود السيسي المخلصة اليائسة طيلة 10 شهور منذ تولي منصب وزير الدفاع، ونصائحه المستمرة لنظام خاصم الجميع ولرئيس أصر علي اختزال الشعب في جماعة وأهل وعشيرة!
هناك من يريد لنا نسيان أن الثالث من يوليو الذي نحتفل اليوم بذكراه الثالثة، كان حدثاً هائلاً يجسد صميم العلاقة بين الجيش والشعب. فالجيش يأتمر بأمر الشعب، ويؤمن بأنه لا طاعة لحاكم في معصية الشعب.
وأذكر أن المشير السيسي في لقاء له مع الإعلاميين قبل استقالته للترشح للرئاسة.. أشار إلي وزير الدفاع واثنين من قادة الأفرع كانوا علي يمينه ويساره، قائلا: لو كانوا أخرجوني من منصبي، لوجدوا الفريق أول صدقي صبحي. ولو أخرجوه، لوجدوا الفريق عبدالمنعم التراس أو الفريق يونس المصري، ولو أخرجوهما لوجدوا غيرهم من قادة القوات المسلحة علي نفس الموقف في الانحياز لإرادة الشعب.
هناك من يريد لنا نسيان أن السيسي كان يرفض الترشح لرئاسة الجمهورية مكتفياً بالدور الذي أداه لبلاده. وأذكر أنني حين التقيته يوم 21 يوليو 2013، سألته إذا كان يفكر في الترشح، لاسيما أن هناك رغبة جماهيرية تعلو في هذا الاتجاه. فابتسم، وطلب من اللواء عباس كامل أن يأتي له ببيان كتبه يستعد لإذاعته بعد قليل.
أخذت البيان من الفريق أول السيسي، كان مكتوباً في ثلاث ورقات زرقاء بخط يده، يقول إنه لا يفكر ولا يعتزم الترشح لرئاسة الجمهورية، وأن قمة طموحه ومبعث فخره أنه يتولي قيادة جيش مصر العظيم.
حينها رجوته بإخلاص أن يلغي البيان أو يؤجله بعض الوقت، وقلت إنه حينما يأتي الوقت، ربما لا يقدر علي مقاومة إرادة شعبية غلابة تدعوه للترشح.
وأعرف أن قادة عظاماً يثق في حُسن تقديرهم، كان لهم نفس رأيي. وبالفعل.. لم يتراجع السيسي عن موقفه الرافض إلا تحت ضغط موقف شعبي غلاب.

البعض يراهن علي ضعف ذاكرة الشعوب، فيسعي إلي تلفيق تاريخ آخر غير الذي صنعه الشعب المصري.
والبعض يحاول غسل أدمغة الجماهير، لتفقد الوعي بحاضرها فتخسر مستقبلها.
أحسبها رهانات خاسرة ومحاولات مكتوباً لها الفشل، مع شعب مصر، صانع الحضارات والثورات.
أسترجع أيام ثورة يونيو، بحنين من عاشها ككل الجماهير، بنبضات قلبه، وومضات أعصابه، وخلجات نفسه، وإيمان من لم يتشكك ولو للحظة في أن الخلاص آت. واعتقادي راسخ بأن الأيام الصعبة ولت، وأن المقبل مهما كان شاقاً وعصياً، أيسر مما قابلناه علي طريق الثلاثين من يونيو.
أستعيد موقف السيسي ومشهده وهو يلقي بيان الثالث من يوليو الذي قدم به أوراق اعتماده إلي قلوب الجماهير كبطل شعبي، وأنا أراه عشية العيد الثالث لثورة يونيو يتجول بين مقاعد الحضور في إفطار الأسرة المصرية، ينحني علي رأس سيدة عجوز، ويربت علي كتف شاب من ذوي الاحتياجات الخاصة، ويعطي أذنيه لكل من سأل، وأدعو الله أن يديم عليه نعمة القربي من الجماهير، وأن يعينه علي حمل أمانة مسئولية أمة، والوفاء بمطالب شعب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.