نموذجان للتفاني في العمل ورعاية حرفة يحتاجها المجتمع، كل واحد كان يقاتل بشرف في مجاله، لكن ظهره كان مكشوفا نموذجان مختلفان من الشباب، الأول قائد تاكسي كان يمتلك ورشة لصناعة الأحذية في باب الشعرية، يقول إن الورشة متوارثة أبا عن جد يعمل بها عدد لا بأس به من أفضل صنايعية الأحذية في مصر، كانت الأمور تسير بشكل جيد إلا أنها في السنوات الأخيرة لم تعد كذلك، يقول: كان أرخص زوج أحذية يخرج من الورشة بسعر التصنيع بمبلغ 25 جنيها ينزل السوق ليواجه زوج أحذية مماثلا قادما من الصين يباع ب10 جنيهات، هذا الفارق جعل الصنايعية يتسربون من الورشة والمهنة عموما واحدا تلو الآخر مفضلين تجارة الصيني الرخيص سريع الانتشار علي شقاء العمل، إلي أن فؤجئ الرجل بان الورشة صارت شبه مهجورة، قضت الصين علي الصنعة ببطء لكن بثقة وتحولت ورش الأحذية لمخازن للمستورد، يقول الرجل انه لم يكن أمامه حل سوي بيع الورشة وبسعرها اشتري كل شريك تاكسي أبيض ليعمل عليه، يقول أيضا انه لا يرتاح للشغلانة الجديدة وأنه حزين علي حرفة انهارت وصنايعية تحولوا لتجار قطاعي للصيني سواء أحذية أو أقراصا مخدرة. الرجل الثاني يقود سيارة أوبر يمتلك محلا في السبتية لتجارة الحديد، ورث المهنة أيضا عن والده، وظل يبلي فيها بلاء حسنا إلي أن ظهرت مافيا تحكمت في السوق قوامها موظفون كبار سابقون في مؤسسات كبيرة، يقول الرجل انه كان يسافر إلي كل مكان في مصر يشتري كراسات شروط المزادات بالشيء الفلاني ويستعد لدخول مزادات تصفية هالك معدات التنقيب عن البترول في أماكن كثيرة بحثا عن صفقات ينظفها ويجهزها للبيع للمصانع الكبيرة وكان يري أنه يقوم بمهمة نافعة للوطن، لكن المزادات كانت سابقة التجهيز، والصفقات سابقة علي المظاهر التي انخدع فيها هذا الشاب، وثمة فساد أطاح به هو وأمثاله من الساحة تاركين له مساحة للاتجار في الصواميل والمسامير وهي تجارة تليق بأصحاب الفرش لا صاحب محل شاب طموح، كافح الرجل كثيرا ليقاوم ما يحدث لكنه تعرض لتهديدات جعلته يغلق المحل ويشتري سيارة أجرة اختار أن تكون ملاكي تابعة لأوبر حتي لا يراه أحد أقاربه وهو يقود تاكسي. نموذجان للتفاني في العمل ورعاية حرفة يحتاجها المجتمع، كل واحد كان يقاتل بشرف في مجاله، لكن ظهره كان مكشوفا، فحدث ان اشتركا: الصين والفساد في أن (يجيبوا ضلف) الشغلانة، من في مصر يمكن أن نكلمه عن هذه المأساة وتوابعها؟، من في مصر يستطيع أن يفهم الكارثة ويوقفها عند حدها؟!