أصابني حزن شديد للحالة المتردية التي وصلت إليها الكتابة الدرامية في بعض مسلسلاتنا التليفزيونية التي نشاهدها خلال شهر رمضان المعظم حيث ازدحمت أحداثها بكم هائل من الألفاظ غير اللائقة التي تخدش الحياء العام وتصيبنا بالقرف والغضب والاشمئزاز ونحن نتابعها يوميا داخل منازلنا علي مدار ساعات الليل والنهار وسط أولادنا وسيداتنا وأحفادنا الصغار الذين يطاردوننا بأسئلتهم التي يستفسرون من خلالها عن معني العبارات أو الايحاءات والاشارات التي يستمعون إليها في الحوار بين الممثلين، وهي بكل أسف هابطة وتخرج عن حدود الأدب واللياقة وتؤكد جهل السادة صناع هذه الأعمال الذين يتصورون بكل أسف انهم يقدمون ابداعا فنيا غير مسبوق علي الشاشة الصغيرة وتلك هي المصيبة والآفة الكبري التي أصابت الذوق العام في مقتل علي حد قول مثلنا الشعبي الشهير خاصة أن هذا الكلام غير المباح جاء صادرا علي لسان مجموعة من كبار فنانينا وهو الأمر الذي جعلنا كبارا وصغارا نشعر بالانزعاج والخجل الشديد الممزوج بالأسي! ولا أدري كيف سمح كتاب ونجوم ومخرجو هذه الأعمال بتشويه المعني الحقيقي للإبداع وغرس مفاهيم خاطئة عنه داخل نفوس العامة من البسطاء الذين أصبحوا مقتنعين تماما بأن الإبداع ما هو إلا مجرد القدرة علي استخدام المفردات المسفة والهابطة بمهارة واتقان في لغة الحوار بين الناس علي أرض الواقع حيث يتخذون من هذه المسلسلات القدوة والمثل الأعلي في أمور الحياة! وحسنا فعلت شاشة قناة »سي بي سي« التي سارعت في سابقة تعد الأولي من نوعها بوضع تنويهات مكتوبة قبل عرض بعض هذه المسلسلات التي تحتوي علي ألفاظ وعبارات هابطة لتحذير المشاهدين الذين يرفضون هذا التدني في لغة الحوار وتؤذي مشاعرهم، مشاهد العنف وسفك الدماء وغيرها من أمور أخري تزيد من حدة الإحتقان بين أصحاب التيارات السياسية المختلفة مما يهدد السلام الإجتماعي بين فئات المجتمع في وقت نحن فيه أشد ما نكون في حاجة إلي الوحدة والمصالحة ونبذ الخلافات وصدق النوايا. ياسادة قليلا من الخجل فالكتابة الدرامية للتليفزيون تختلف عن السينما فهي تدخل منازلنا دون استئذان وتقتحم حياتنا وتطاردنا ليل نهار ولابد أن يكون لها ضوابط تسمح بما هو مباح وما هو غير مباح فمن غير المعقول ان يتدخل مقص الرقيب ليفسد البناء الدرامي وتشويه أحداثه بحذوفات تسئ للعمل إذا كان يحمل فكرة جيدة تتطلب استعمال بعض المشاهد أو المفردات الجريئة وهنا ينبغي أن يستخدم السيناريست المسئول عن تقديم الدراما التليفزيونية موهبته وابداعه في تمرير عمله للمشاهد داخل منزله بحرفية فنية تقوم بتوصيل المعني الذي يسعي إليه دون خدش للحياء العام بألفاظ أو اشارات او إيحاءات مثيرة للغرائز مثلما كان يفعل كبار كتابنا ومخرجينا زمان وعلي رأسهم العبقري نور الدمرداش ملك الفيديو وأبناء جيله المبدعون ابراهيم الصحن وأحمد توفيق واسماعيل عبدالحافظ ومرورا بأجيال يحيي العلمي ومحمد فاضل وأنعام محمد علي وابراهيم الشقنقيري ووصولا إلي مجدي أبوعميرة وغيره من المخرجين الكبار فهؤلاء جميعا لم يسيئوا لمشاهدي الفيديو في أعمالهم مثلما فعل غيرهم في بعض المسلسلات التي نشاهدها الآن حيث راحوا يخلطون الأوراق بين التكنيك السينمائي والتليفزيوني وحجتهم في ذلك ان الابداع ليس له حدود علي الشاشة سواء كانت فضية أو صغيرة واللي مش عجبه مايتفرجش! ولا أجد ما أقوله ردا علي قول بعض الأساتذة من المؤلفين والمخرجين الذين رددوا بصوت عال منذ أيام »اللي مش عاجبه مايتفرجش« سوي اتقوا الله وقدموا للناس فنا محترما وخاطبوا العقول والقلوب باحترام واعلموا أن ما تقدمونه من أعمال درامية لا يندرج بكل صراحة ووضوح تحت بند الابداع ولكنه دعوة لنشر سلوكيات خاطئة واستخدام للغة العنف وسفك الدماء واهدار القيم والمبادئ والأخلاق. وأعود لأقول مرة أخري وبصوت عال ياسادة قليلا من الخجل وارفعوا أيديكم عن الإبداع ولا تفتروا عليه فالمبدعون لا يشوهون الجمال ويهيلون التراب عليه ولا يتراشقون بالألفاظ السوقية والمشاهد المخجلة الإباحية وإنما المبدع الحق هو من يناقش قضاياه وموضوعاته بالحدوتة الدرامية جيدة الصنع والحوار الراقي والبناء المحكم للشخصيات والتطور المنطقي للصراع إلي آخره من العناصر الفنية الأخري التي ينبغي توافرها في الكاتب الدرامي الناجح الذي يتصدي تحديدا للكتابة التليفزيونية.. اللهم قد بلغت اللهم فأشهد.. ورمضان كريم.