كم هو مستفز هذا الكلام الذي نسمعه من سماسرة الاستيراد بمجرد أن قالت الدولة إنه لابد من ترشيد الاستهلاك ولابد من الحد من استيراد السلع الكمالية والاستفزازية وزيادة الرسوم الجمركية وغير الجمركية عليها! القضية ببساطة أن لدينا ندرة في النقد الأجنبي، ما حدث للسياحة وللإنتاج والتصدير في ظل الظروف التي مررنا بها يفرض علينا أن نراجع كل السياسات الاقتصادية والنقدية. ونحن نستورد بأكثر مما نصدر بكثير، وإذا كنا قد اعتمدنا علي دعم مشكور من الأشقاء العرب الذين دعموا مصر بعد 30 يونيو، فإن الأوضاع لا يمكن أن تستمر كذلك وعليناأن نصلح من أوضاعنا بلا تأخير. والسؤال هنا: هل نخصص ما نستطيع توفيره من النقد الأجنبي لاستيراد القمح والغذاء ومستلزمات الإنتاج.. أم نخصصه لاستيراد ما يعدل مزاج البهوات من سلع ترفيهية؟ وهل نوفر رغيف الخبز للناس أم نوفر «السيمون فيميه» بدون جمارك؟ وهل نترك مصانعنا تتوقف لعدم توفر مستلزمات الإنتاج، أو لأن سماسرة الاستيراد يستخدمون كل الأساليب لضرب الصناعة الوطنية ولتوفير «الأجنبي» بأرخص الأسعار، ولضرب «الفواتير» وإغراق الأسواق وتحقيق أقصي ما يمكن من الكسب الحرام علي حساب الصناعة الوطنية؟! الجرائم التي ارتكبها هؤلاء السماسرة في حق الوطن لا تعد ولا تحصي، علي أيديهم أكلنا رغيف الخبز من القمح المخلوط بالحشرات، وأكلنا أطنان اللحوم والدجاج الفاسدة، وأدخلوا زبالة البضائع وضربوا أعرق الصناعات المصرية من النسيج إلي الموبيليات، باستيراد الأرخص والأسوأ علي حساب صحة المصريين، وضربا لاقتصاد وطن، وتجسيداً لأسوأ ما جاء به عصر «الانفتاح السبهللي» والنهب الذي لايريدون له أن يتوقف! يختبئ السماسرة خلف منظمات أنشئت لخدمة عموم التجار وتحقيق المصلحة الوطنية، فإذا بهم يسخرونها لمصالحهم الشخصية، يشجعهم علي ذلك أنهم نجحوا مراراً في إفساد خطط لصالح الصناعة المصرية، ليغمروا الأسواق بما يستوردونه من سلع تنتجها مصانعنا وبكفاءة أكبر. ولم يكونوا يستطيعون أن يحققوا ما حققوه لولا أن السياسات العامة للدولة علي مدي سنوات طويلة كانت تساندهم، حتي لو كانت النتيجة تدمير صناعة مهمة مثل الغزل والنسيج، أو إغلاق ورش الموبيليات التي كان إنتاجها المتميز يملأ العالم، أو تبديد القليل الذي نملكه من النقد الأجنبي في استيراد كل شيء.. بدءاً من شبشب الزنوبة وحتي السلع الاستفزازية والأغذية الفاسدة، وكأننا أمام مخطط كامل لتدمير الصناعة الوطنية. الآن.. ينتفض السماسرة كلما سمعوا كلمة عن «ترشيد الاستيراد» أو عن إعطاء الأولوية في المناقصات الحكومية للمنتج المصري، الرضوخ لابتزاز السماسرة سيكون كارثة يجب أن يفهموا أنهم إذا تلاعبوا بالأسواق فسيكون العقاب شديدا. ويبقي التأكيد علي حقيقة أساسية وهو أن الدعم المطلوب للصناعة الوطنية، لابد أن يرتبط بالتزام بأن تقدم منتجاتها للمواطن المصري بأعلي جودة وبأفضل سعر.. هذا هو الطريق لكي يعود للمواطن اعتزازه بكل ما صنع في مصر ولو كره السماسرة والفاسدون!