رغم النجاح الملموس الذي حققته إجراءات البنك المركزي في ضبط سوق صرف العملات الأجنبية والذي استهدف الأنشطة غير المشروعة لشركات الصرافة التي لا يهمها سوي الربح.. فإنه لم يكن غريبا تلك الحملة المدبرة والمنظمة التي يتم الترويج لها ضد هذه السياسة النقدية الفاعلة. يشارك في هذه الحملة المريبة التي لا تستهدف صالح الاقتصاد الوطني مستوردو السلع غير الضرورية والتي جعلت من الأداء الاقتصادي والصناعي المصري أضحوكة للعالم. كيف بالله يمكن ان نقتنع بمنطق هؤلاء الذين لا يبحثون سوي علي مصالحهم وتحقيق المزيد من الارباح فيما يترتب علي ممارستهم لهذه السياسة. انهم بذلك يشاركون في تدمير الكثير من الصناعات الشعبية التقليدية التي كان يتم انتاجها في مصر ويسترزق من ريعها الملايين من العمالة المصرية. ليس من عائد للخضوع لضغوط هؤلاء المستوردين سوي استنفاد القليل الذي أصبحنا نملكه خاصة بعد نضوب مصادر تدفق الاستثمارات الأجنبية وتراجع إيرادات السياحة بما يقدر حاليا بخمسة مليارات دولار. كل هذه التداعيات الاقتصادية ظهرت أثارها بشكل واضح ومؤثر بعد السنوات السوداء التي عشناها في ظل الفوضي والانفلات الأمني وهيمنة وسيطرة جماعة الإرهاب الإخواني بعد ثورة 25 يناير. صحيح أن عمليات الاستيراد العشوائي كان مسموحا بها قبل هذه الثورة ولكن ارتفاع حصيلة الدولة من العملة الصعبة ساهم في التغطية علي هذا الانحراف الذي أخطأ الطريق السليم. كان المطلوب إذا ما كانت النية سليمة نحو بناء هذا البلد توجيه الجانب الأكبر من عوائده لمشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية واستيراد مستلزمات الانتاج. من ناحية أخري فلابد أن نلفت النظر لتفشي وتفاقم ظاهرة انتشار مهنة الاستيراد وهو ما أدي للاتجاه لنقص الخبرة نحو استيراد للسلع الغاية في الرداءة وغير الضرورية. هذا التوجه أمتد أيضا إلي التوسع في استيراد السلع الاستفزازية التي يقتصر استهلاكها علي حفنة الاثرياء الذين لا يشعرون بصعوبة الحصول علي لقمة العيش لقطاعات كبيرة من أبناء هذا الوطن. كل هذه الظواهر العشوائية التي ترفع شعار «اكسب وأجري» والتي تكدست ثرواتها تعمدت استغلال سطوة مالها لممارسة الضغوط ضد السياسات الاقتصادية الاصلاحية. إن أصحابها ومعهم أعضاء مافيا تجارة العملة في السوق السوداء الذين تحولوا إلي أصحاب شركات صرافة كانوا خططوا للوصول بسعر الدولار إلي تسعة وعشرة جنيهات ولتذهب المصالح الاقتصادية الوطنية إلي الجحيم. انهم لا يضعوا في اعتبارهم أبدا ان ارتفاع سعر الدولار ومع انخفاض معدلات عائد الناتج القومي من الانتاج المحلي سوف يؤدي إلي المزيد والمزيد من اشتعال أسعار كل متطلبات الحياة المعيشية التي يتحمل اعبائها محدودو الدخل الذين يمثلون الغالبية من أبناء هذا الوطن. بالطبع فانه وعندما تتيسر أحوالنا الاقتصادية ويعود تدفق العملات الأجنبية إلي السوق كما كانت عليه في السنوات السابقة لثورة 25 يناير.. فان البنوك سوف تتمكن من القيام بمسئولياتها تجاه توفير الاعتمادات اللازمة للاستيراد حسب الأولويات ودون الاخلال بما تتطلبه عملية بناء هذه الدولة. رغم ذلك فإنني أرجو من الدولة النظر فيما أدت إليه السياسة الاقتصادية الحالية من تأثيرات سلبية نتيجة توقف بعض المنشآت عن ممارسة نشاطها. أرجو أن يكون هناك تحرك لمعالجة التداعيات الاجتماعية للعاملين بها ودون أي اعتبار لاصحابها الذين تتسم سلوكياتهم وأفكارهم بالانتهازية.