شأن أية تحولات سياسية عميقة الجذور تحدث لابد من أن يتواكب مع بداياتها بعض من تداعيات اقتصادية مؤثرة تطول أرجاء السوق وتنعكس بشكل مباشر علي جميع مناحي الحياة الاقتصادية والآليات التي تتداخل معها أو تديرها، ولعلها تكون أشد حساسية وأكثر وضوحاً عندما تتجسد تلك التوابع في شكل انخفاض لقيمة العملة المحلية، معلنة استجابة فورية لارتفاع سعر صرفها أمام العملات الأجنبية الأخري وأخصها الدولار. أسباب ذلك: لكن لماذا دائماً فور تعرض الحياة السياسية والمجتمعية إلي أي بقعة من بقاع العالم بشرقه وغربه لأي تيارات مغايرة يهتز السوق وترتفع علي نحو سريع أعراض سخونة مفاجئة لسعر صرف العملة المحلية، قد نري أن ذلك ربما يرجع لسبب أو لآخر من الأسباب التالية: 1 التكالب المحموم علي دولرة العملة المحلية كملاذ آمن مقبول عالمياً، والنظرة إلي الدولار باعتباره مخزناً للقيمة، ويتضح ذلك أكثر لفئة المدخرين المرتبطة حولهم وظروفهم بالخارج علي نحو ميسر. 2 وينظر هؤلاء المدخرون إلي الدولار في تلك الأوقات باعتباره مخزناً للقيمة سوف تزداد قيمته الرأسمالية مع مرور الأيام بشكل يعوض انخفاض معدل العائد عليه، وكمحصلة نهائية سوف تكون حصلية ارتفاع القيمة الرأسمالية للدولار، بالإضافة إلي عائده الادخاري أفضل بكثير من قيمة العملة المحلية المتوقع تآكل قيمتها، والذي لن يتسطيع العائد الادخاري المضاف ومهما بلغ معدله أن يعوضه. 3 تعرض العملة المحلية لضغوط مؤثرة أمام رغبة المستثمرين المحليين علي وجه الخصوص في البورصة في استعادة أموالهم وتحويلها للعملة الأجنبية بغية خروجها أوحتي الاحتفاظ بها، بل قد يشاركهم في ذلك بعض المستثمرين المحليين، وذلك تحت شعار إن رأس المال جبان ولا يحط إلا في المكان الأمن المستقر، فهو ليس له وطن وعقيدته خطف أقصي قدر من الأرباح. 4 مع توقع تخفيض التصنيف الائتماني من قبل مؤسسات التقييم الدولية، فإنه سوف تتم المغالاة في الشروط والأسعار التي تعرضها الهيئات الدولية أو المستثمرون الأجانب حال قبولهم ضخ أو استثمار أي أموال أجنبية، وبالتالي حدوث اختناقات تمويلية بالعملة الأجنبية بالداخل ويقل المعروض منها في الأسواق. 5 قد تؤدي القلاقل المصاحبة لعمليات التحول الثوري إلي تعطل في وسائل الإنتاج بدرجة أو بأخري، وقد يمس ذلك سلعاً ضرورية، كما تؤدي حالات الترقب والخوف إلي الانكباب علي الشراء بمعدلات غير معتادة، مما يؤدي في النهاية إلي الالتجاء إلي استيراد تلك الاحتياجات بشكل فوري وغير منظم، وبالتالي الضغط علي العملة الأجنبية وطلبها بأي سعر حتي يمكن الاستيراد، والذي يمكن أن يكون بدون أي تسهيلات ممنوحة من الموردين في الخارج، مما يزيد من ضغوط تدبير العملة. 6 هناك موارد بالعملة الأجنبية ستفقدها الدولة بدرجات مختلفة علي المديين القصير والمتوسط، وهي تلك الموارد المتعلقة بالسياحة وربما تحويلات المواطنين بالخارج، مما يشكل خللاً مؤثراً فيما بين المطلوب والمعروض منها. الآثار السلبية: ونتيجة لذلك كله، فإنه قد يصبح من المحتمل أن تحدث الآثار التالية: 1 ارتفاع في أسعار السلع المستوردة، مما قد يجر بدوره إلي ارتفاع باقي أسعار السلع الأخري بالسوق وحدوث موجة من التضخم يكتوي بنارها أصحاب الدخول الثابتة من الموظفين وأصحاب المعاشات، وكذا حاملو السندات وأصحاب الودائع الثابتة. 2 سوف يؤدي التضخم عندئذ إلي انخفاض للقوة الشرائية في السوق نتيجة حرص أصحاب الدخول الثابتة في الحد من إنفاقهم إلا علي الاحتياجات الضرورية فقط نظراً لانخفاض دخولهم، وبالتالي ظهور شبح الركود في الأسواق وضعف فرص العمل، أما أصحاب الدخول المرنة من المهنيين والحرفيين وحاملي الأسهم فسوف يرفعون من أسعارهم تماشياً مع ارتفاع أسعار المنتجات والخدمات الأخري، مما يدخلنا في موجة تضخم جديدة.