لا أكتب هذا الكلام لمجرد المعارضة أو التغريد خارج السرب ولكن لأن الصحافة تمثل الشعب في غياب برلمان يجسد إرادة الجماهير ويراقب أعمال الحكومة.. هل نجح المؤتمر الإقتصادي؟..علي المستوي السياسي والإعلامي والأمني..الإجابة..نعم وبلا تردد..فهذا الحضور رفيع المستوي والتنظيم الجيد، كانا رسالة واضحة بأن دول العالم حريصة علي عودة مصر إلي مكانتها ودورها كركيزة للنظام والأمن الإقليميين..أما الرسالة الأهم للمؤتمر فهي أن الإرهاب لن ينجح في هزيمة الدولة وتهديد وجودها مهما طال الأمد وتعددت عملياته اليائسة والخسيسة، وتبقي الرسالة الأكثر أهمية من كل ما سبق هي أن العالم يدرك قدر بلدنا وقامته ودوره الرائد في صنع الحضارة البشرية، أما علي المستوي الإقتصادي والإجتماعي والإستراتيجي، فهناك الكثير من الملاحظات رغم التدفق الإستثماري الهائل الذي فاق التوقعات..أهمها هي أن معظم هذه المشروعات الضخمة التي ستؤثر علي حياة المصريين في حاضرهم ومستقبلهم، وخاصة مشروع العاصمة الإدارية الجديدة (وسأعود لهذا الموضوع الاسبوع القادم)تم طرحها دون دراسات مُعلنة أو حوار مجتمعي مطلوب جداً في مثل هذه المشرعات الإستراتيجية..ولدي الكثيرين هواجس ومخاوف مشروعة من أن تتكرر «مأساة» مشروع «توشكا» الذي فرضته القيادة السياسية بطريقة متسرعة وخرقاء إذ فوجئنا بها تُلقي بمدخراتنا في بحر من الرمال دون دراسات علمية، ناهيك عن الفساد المُرَوِع الذي شاب عمليات توزيع الاراضي وهذه جريمة لم يُحاسب أحد من مرتكبيها حتي الآن!!..وكان من الممكن أن يكون «توشكا» هو مشروع القرن الواحد والعشرين لولا الفساد وسوء الإدارة!!.. ومن الملاحظات أيضاً غياب الرؤية التنموية المستقلة التي تعتمد علي القدرات الذاتية والتصنيع الثقيل والإنتاج للإستهلاك والتصدير وإحياء دور الدولة الراعي والمنفذ لهذه الرؤية وذلك من خلال مشروعات مدروسة تُعيد الحياة إلي آلاف المصانع وشركات قطاع الأعمال العام المتوقفة مما يعزز الصناعة الوطنية ويُلجِم إنفلات الأسعار ويخفض فاتورة الإستيراد ويوفر فرص العمل وهو ما يُسهم في تحقيق العدالة الإجتماعية..فمعظم المشروعات المطروحة من قِبل المستثمرين لم تخرج عن إطار إقتصاد «الفقاعة» الريعي القائم علي تقديم الخدمات والسمسرة وثقافة الإستهلاك وسلاسل السوبرماركت!!..فما معني أن تضخ شركة عربية كبري لصناعة الألبان خمسة مليارات دولار لتوسعات جديدة في مصر بينما «جثة» شركة مصر للألبان الوطنية العملاقة مُلقاة علي قارعة الطريق لا تجد من ينقذها ويعيدها إلي الإنتاج؟!..وما حاجتنا إلي المزيد من فروع سلسلة سوبرماركت تبيع بضائع للمستهلكين المصريين بنحو 30 مليون جنيه يومياً؟!..هل بلغت خيبتنا حد العجز عن استيراد المواد الغذائية والأدوات المنزلية وبيعها للناس؟!!.. لا أكتب هذا الكلام لمجرد المعارضة أو التغريد خارج السرب، ولكن لأن الصحافة تمثل الشعب وتدافع عن حقوقه ومصالحه، وتُصبح هذه المُهمة ضرورة وطنية مقدسة في غياب برلمان يجسد إرادة الجماهير ويراقب أعمال الحكومة ويراجع الإتفاقيات الدولية، وخاصة في وجود قانون كارثي يحصن العقود التي تبرمها الحكومة ضد الطعن عليها أمام القضاء، وقانون للإستثمار لا مثيل له في العالم يرضخ لكل إملاءات المستثمرين ويُقدم لهم امتيازات خرافية لأنه يُطلِق حق الملكية للاجانب دون شروط وأياً كانت جنسياتهم واماكن إقامتهم ويسمح للمستثمرين بجلب عمال أجانب وتحويل كل أرباحهم للخارج مع تسهيلات ضريبية خيالية !!..وكان يمكننا الإستعاضة عن التمليك المُطلَق بمبدأ حق الإنتفاع المعمول به في دول رأسمالية عتيدة مثل بريطانيا..والمؤكد أننا سنواجه مشكلة عويصة عندما يكون لدينا برلمان لن يُمكنه تمرير كل ذلك بسهولة!!..