الكل تعامل مع حادث الهجوم البشع علي المجلة الفرنسية « شارلي إبدو « علي هواه.. الكل استفاد من الحادث قدر طاقته.. مصر تقريبا هي الدولة الوحيدة التي لم تستفد من الحادث. كان الحادث فرصة ذهبية لحشد تضامن العالم مع جهود مصر لمواجهة الإرهاب الذي حصد في عام واحد أكثر من ألف قتيل نحتسبهم جميعا عند الله من الشهداء. ولكن لكي يتحقق هذا كان من المفترض أن يكون تمثيل مصر في مسيرة ميدان الجمهورية في باريس أعلي مما كان عليه.. علي الأقل ليعرف العالم أننا عندنا إرهاب احنا كمان. الحادث جاء بعد عام ونصف العام من الإرهاب المنظم المسلح الممول بسخاء.. قاومناه والعالم يتفرج علينا ساكتا صامتا أخرس.. وإن تكلم أحد الزعماء قال : التزموا بالقانون.. حققوا المصالحة. كانوا ومازالوا من المؤمنين بأنه طالما القتل وسفك الدماء والدمار بعيدا عن بيتي.. وأنا مالي. أين هم الآن من القانون؟. أين هم من المصالحة؟. لم يتحدث أحد عن تطبيق القانون وكأننا الوحيدون الذين يجب علينا تطبيقه عند مواجهة الإرهاب هل وقفت فرنسا أو ألمانيا أو أمريكا معنا في حربنا ضد الإرهاب ونحن يقتل منا في كل يوم رجل جيش أو شرطة أو مدني بريء في أي مكان. إنهم ينظرون إلينا كأننا مجرد كمالة عدد. وأن وجودنا في الحياة مالوش لازمة.. لذلك هم لا ينتفضون ولا يثورون إلا إذا سالت نقطة دم واحدة منهم. حتي نتنياهو الذي قتل هو ورفاقه شعبا بكامله تحت مرأي ومسمع العالم كله.. هاهو يمشي في الصف الأول للمسيرة.. يا حلاوتك يا بنيامين.. تقتل القتيل وتمشي في مسيرته. لأ وإيه.. يوجه الدعوة إلي يهود فرنسا بالذهاب للعيش في اسرائيل.. صحيح اللي اختشوا ماتوا. ماتوا من زمان.. نتنياهو في مسيرة تندد بالإرهاب.. وأحمد عز في مسيرة ضد الفساد.. وسما المصري في مسيرة تدعو للفضيلة. طيب هم انكسروا وانتكسوا عندما قتل 12 رسام كاريكاتير أساءوا إلي رسول الله.. بلاش رسول الله.. إلي رجل يعتبره مليار ونصف مليار بني آدم في العالم أنه قدوتهم في الحياة. ونحن بالمناسبة نرفض الإساءة المعنوية إلي أي شخص في الدنيا.. رسول من عند الله أو حتي أبسط خلق الله.. نرفض الإساءة لموسي وعيسي عليهما السلام مثلما نرفضها لمحمد عليه الصلاة والسلام. لذلك فنحن لسنا متعصبين لنبي بذاته أو دين بعينه.. لكننا منحازون إلي ضرورة احترام الرسل والأنبياء والقيم والتقاليد والمقدسات حتي لو اختلفنا مع كل هذا أو لم نكن نؤمن به. نحن مع حرية التعبير.. هذا مما لا شك فيه.. ونحن أبناء حرية التعبير.. ولكننا ضد حرية الإساءة.. وضد السخرية من المقدسات.. أو حتي ما يتصوره الناس أنه مقدس.. نرفض حتي السخرية من بوذا.. وعبدة البقر وعبدة النار.. هؤلاء حسابهم عند ربهم. لأن حرية التعبير تساوي عندي حرية الاعتقاد.. فاذا أردت أن أدعك تعبر عن رأيك بحرية.. عليك أن تتركني أعتقد فيما أراه بحرية. وفرنسا ومن قبلها الدنمارك وبلجيكا لم تتحرك لتنبيه أصحاب حرية الرأي فيها إلي إساءاتهم المتكررة لأصحاب حرية العقيدة. نحن أيضا نرفض سفك الدماء والقتل.. فأنا أكره الدم وكل ماهو أحمر اللون.. ومع ذلك فان القتل يجب ألا يكون حلالا لفئة حراما علي الأخري. ولأننا كذلك فاننا بالطبع نستنكر مثلما استنكر المسلمون في كل العالم هذا الحادث البشع. نستنكر لأنه أساء للاسلام أكثر مما أفاده. ورسخ فكرة الربط بين الإسلام والإرهاب حتي لو قال الرئيس الفرنسي إن المجرمين ليس لهم علاقة بالإسلام.. مجرد أن القائمين بالجريمة مسلمون فسيظل الربط قائما.. وستكون جميع الإجراءات التي ستتخذها فرنسا وغيرها من الدول ضد مسلمين اللي احنا منهم وليس ضد أصحاب دين آخر. كان الربط في السابق بين الإرهاب والشرق أوسطيين اللي احنا منهم أيضا وليس أصحاب جنسية أخري. أما الكلام عن أن الإرهاب لا دين له ولا وطن له فنحن فقط الذين نردده ونحن فقط الذين نصدقه. هناك هم يفكرون بشكل مختلف.. ويخططون بشكل مختلف. لا شك أنهم يعرفون أن ربط الإرهاب بالإسلام سيخلق لدي المسلمين حالة من الاستنكار الشامل التي قد تصل إلي حالة من «الاستبياع «.. مثل فيلم جعلوني مجرما. مجلة شارلي إبدو سبب المشكلة تخصصت في السخرية اللاذعة التي ليس لها سقف بدعوي حرية التعبير.. وتناولت رسوماتها كل ما هو مقدس في الدنيا. وهي مع ذلك لم تحقق الرواج المطلوب وكانت تعتبر من التصنيف الثالث صحفيا وجماهيريا. وتعرضت لأزمات مالية دعتها للتوقف عشر سنوات في الثمانينات. وهاهي بدعوي حرية التعبير تعيد في عددها الصادر أول أمس نشر صورة لما أسمته النبي محمد وهو يحمل لافتة تقول : أنا شارلي ويبكي حزنا علي الضحايا. وقالت إنها لم تخرق القانون ومن لم يعجبه العدد لا يشتريه.. اخبطوا دماغكم في الحيط. أما القتلة فياويلهم من الله.. لأنهم حتي وإن صرحوا بأنهم انتقموا من الرسول الذي نحبه ونجله ونطمع في شفاعته يوم الدين ، إلا أنهم أساءوا للإسلام نفسه.. ووضعوا المسلمين في حفرة بلا قرار.