لا يمكن أبداً تبرير أى عمل إرهابى.. ولا يمكن أبداً أن يكون الإرهابى مسلماً حقيقياً.. فالإسلام دين حرّم القتل كما لم تحرمه ديانة أخرى، فمن قتل نفساً بغير حق أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً. من أجل هذا رفض كثير من المسلمين، وأنا منهم، ذلك الحادث الإرهابى الذى وقع فى صحيفة «شارلى إيبدو» الفرنسية الساخرة منذ 10 أيام، رغم رفضى المطلق للسخرية من رسول الإسلام محمد، صلى الله عليه وسلم، بأى شكل من الأشكال، فالسخرية من الأنبياء لا يمكن أن تقع تحت عنوان حرية الرأى والتعبير. وقد تعاطف العالم كله، ومنهم المسلمون، مع الفرنسيين نتيجة هذا الحادث البشع. وتدافع قادة العالم للمشاركة فى المظاهرة التى تم تنظيمها بباريس بعد يومين من الحادث الإرهابى، وكأن الإرهاب لم يضرب جزءاً فى العالم سوى مجلة «شارلى إيبدو»، أما الإرهاب الذى يقتل العراقيين والسوريين والمصريين وغيرهم فى شرق الأرض، فهو إرهاب درجة تانية لا يستحق التعاطف الدولى، وكأن الضحايا ليسوا على نفس الدرجة من الأهمية.. بل على العكس، فالمجتمع الدولى الغربى يدعم تلك المنظمات الإرهابية بشكل واضح، وبدليل احتضانهم جماعة الإخوان الإرهابية، ودعمهم المطلق لها. فالإرهاب لا دين له ولا وطن، والمسىء فى هذا الأمر أن مرتكبى حادث «شارلى إيبدو»، كأنما أرادوا أن يعطوا دليلاً إضافياً على أن الإرهابيين مسلمون، فزاد ارتباط الإرهاب بالإسلام عند دوائر الغرب التى تصطنع أزمة مع الإسلام وتصفه بأنه دين تطرّف. بل إن مذيعة أمريكية شهيرة طلبت من الإدارة الأمريكية عدم مساعدة أى دولة عربية، لأنها إرهابية. وتناست المذيعة كما تناسى غيرها أن الولاياتالمتحدة هى التى دعمت هذا الإرهاب، وأنها السبب الأول فى وجود تنظيمى «القاعدة وداعش» اللذين أعلنا مسئوليتهما عن حادث «شارلى إيبدو». ولكن مع كل هذا التعاطف الدولى، وتعاطفى الشخصى مع الصحيفة الفرنسية وأسر الضحايا وزملائهم، لا يمكن أبداً أن نمر مرور الكرام أمام حماقة «شارلى إيبدو» التى استخدمت الحادث فى إعادة بعث الصحيفة من جديد، بعد أن كادت تُشهر إفلاسها وأرادت أن تعيد الكرة مرة أخرى، فنشرت رسوماً جديدة، فى عددها التالى تتضمن إساءة للنبى محمد رسول الإسلام (ص)، وطبعت منه 3 ملايين نسخة بعد أن كانت تطبع حوالى 60 ألف نسخة فقط من صحيفتها، وهو رقم محدود للغاية. وتناست الصحيفة أنها بذلك تتعمّد الإساءة إلى أكثر من مليار ونصف المليار مسلم. وهنا لا يمكن الزعم بأن الأمر يأتى انطلاقاً من حرية الرأى والتعبير والانتصار لها، فلا توجد حرية بلا سقف، والمقدّسات يجب أن تظل بعيدة كل البعد عن هذه القواعد، حتى لو كان العاملون بالصحيفة من الملحدين. ولا يمكن ترجمة هذا الفعل إلا بأنه عنصرية واضحة من جانب الصحيفة ضد الإسلام والمسلمين. والحقيقة هنا أن تعاطفى البالغ مع الصحيفة الأسبوع الماضى لم يوقفه إلا الضيق من تلك السخرية المتعمّدة فى حق رسول الإسلام والمسلمين من جانب الصحيفة التى كانت مغمورة وعادت إليها الحياة بفضل هذا الحادث الإرهابى. أليست هذه قمة العنصرية أن تستهدف صحيفة نبياً مرسلاً يدين برسالته 1.6 مليار مسلم؟! ومن قال إن تعاطفنا مع الصحيفة العنصرية يعنى أننا نوافق على إهاناتها المتكرّرة فى حق الرسول الكريم، سواء قبل الحادث أو بعده؟ هذه الصحيفة العنصرية تكرّس الكراهية بين الغرب والإسلام، وهى مسئولية كبيرة جداً عليها.. وللمرة المليون، لا أقول هنا أبداً أن الإرهاب يمكن تبريره لأى سبب من الأسباب، ولكننا لا يمكن أبداً أن نبرّر هذا النشر المتكرر الساخر من رسول الإسلام بأنه تحت إطار حرية الرأى والتعبير.. فإن كانت حرية الرأى والتعبير تعنى الاستهانة بالأنبياء والرسل والمقدّسات، فبئس تلك الحرية التى تتسبب فى إشعال فتنة عالمية، كتلك التى تسبّبوا فيها. وكنت أتمنى من عقلاء الغرب أن يسألوا أنفسهم عن أسباب عدم إساءة المسلمين إلى نبى الله عيسى ونبى الله موسى عليهما السلام.. وكنت أتمنى أن تبحث الصحيفة العنصرية إن كانت صحيفة عربية أو إسلامية سبقتها أو نافستها فى الإساءة إلى الأنبياء.. تماماً كما نتمنى نحن من علماء الدين الإسلامى أن يجتهدوا لتصحيح المفاهيم الخاطئة عن الدين للشباب الذين انساقوا وراء مشايخ الضلال والفتنة، وتعلّموا خطأً أن القتل فيه عزة للإسلام. الحقيقة أننا محاصرون من الداخل ومن الخارج بأفكار خاطئة. ففى الداخل نعانى من مفاهيم خاطئة عن الدين الإسلامى، وفى الخارج استفزاز متعمّد وعنصرية لا تقل فى تأثيرها عن الإرهاب الذى نرفضه. مرة أخيرة، فأنا مع حرية الرأى والتعبير ولا داعى للمزايدة فى هذا الأمر، وأرى أن الحادث الإرهابى أضر بالإسلام أكثر مما أفاد، وأرى أن التجاهل كان أفضل، ولا يمكن توقع أن الجميع يقوى على استيعاب الاستفزاز بالقدر نفسه، ولكن مطلوب خطاب دينى مدروس ومحترم يخاطب الداخل بلغته والخارج باللغة التى يفهمها.