يستيقظ مبكرا مع اول ضوء, يصلي الفجر ثم يحمل فأسه ويتوجه إلي عمله الذي يرتبط بمهنة الزراعة التي لايعرف سواها منذ الصغر, حتي باتت جزءا من حياته.. انه احمد هارون الجنايني ابن محافظة قنا, ذلك الفلاح البسيط الذي دفعته الظروف السيئة التي عاشها الفلاح المصري خلال العقود الماضية وضيق ذات اليد إلي الهجرة إلي القاهرة بحثا عن الرزق وسلاحه الوحيد خبرته وحبه للزراعة. يقول عم أحمد انه ورث مهنة الفلاحة من والده واجداده, حيث تعتبر مصدر الرزق الاساسي لاهل الصعيد ممن لم تسعفهم الظروف للالتحاق بالمدارس, تزوج وانجب 7 ابناء ولم تعد الارض تجود بمايكفي متطلبات اسرته فجاء إلي القاهرة للبحث عن لقمة عيش افضل.. تنقل بين احياء القاهرة وازقتها, واتخذ حجرة مسكناً له في احدي المناطق الشعبية, وجرب حظه قي الكثير من المهن المختلفة, حتي استقر به الحال في المهنة التي يعشقها وهي مهنة الفلاح او الجنايني بحكم عمله في الحدائق. حاول في البداية ان يعمل في مهن الفواعلية, مثل تكسير البلاط والسيراميك او دهان الشقق والعمارات لكنه لم يستطع الاستمرار, وجرب حظه في مهنة الشيال فلم يستطع الاستمرار ايضا حتي وجد ضالته في مهنة الجنايني يضيف عم أحمد أشعر بسعادة عند القيام بتقليم وتهذيب الأشجار, وزراعة الورود والزهور والخضراوات والفاكهة, فهو يؤمن ان الارض تعطي من يعطيها الاهتمام والاخلاص لذا اعتاد الاخلاص في عمله حتي يري ثمار اخلاصه في شجرة زاهية او نباتات طيبة الشكل والرائحة. لم يفكر عم أحمد في احضار اسرته للعيش معه حيث يعمل بالقاهرة وفضل ان يذهب اليها في الصعيد كل شهرين, للاطمئنان عليها, ايمانا منه بأن مصيره العودة إلي قريته وجذوره وان غربته هدفها البحث عن الرزق فإن تحسنت الظروف ووجد في قريته مايعينه علي تحمل تكاليف الحياة فلن يتردد في العودة النهائية والاستقرار مع اسرته والدليل علي صدق كلامه علي حد تعبيره هو تمسكه بأرضه في الصعيد وزراعتها حتي الان.. متمنيا من الدولة ان تنظر إلي اهالي الصعيد بعين الاعتبار, وتوفر لهم فرص العمل والكسب الحلال خاصة للناس الغلابة الذين لم يحصلوا علي اي قدر من التعليم, مؤكدا ان ذلك سوف يرحم الكثير منهم من قسوة حياة الغربة بعيدا عن اهاليهم. يؤكد عم أحمد ان الفلاح فنان وعنده قدرة علي تصنيف وتشكيل مناظر رائعة الجمال في الحقول, فمثلا تجد الزرع يتم رصه بطريقة فنية مثل الجناين التي نراها في الميادين والساحات, وايضا في الفنادق والاماكن والقري والسياحية, ويتم تنسيقها بشكل جميل يلفت انتباه الناظرين, لان ربنا حباه بحس فطري لتنسيق الزهور وتقليم الأشجار بشكل دائري او مربع, وايضا تقسيم احواض الزرع بشكل هندسي وبدقة, فالارض هي العمل الوحيد الذي كلما تعطيه من جهد وعرق وترويه يعطيك خيرا كثيرا, مشيرا إلي ان اجدادنا الفراعنة الذين برعوا في الزراعة وحددوا بدقة مواعيد جني المحاصيل, مازالت مهنة الفلاحة والزراعة تجري في دماء احفادهم, وهناك مثل شهير يجسد ارتباط الانسان المصري بشكل عام والصعيدي بشكل خاص بالأرض وهو « الارض زي العرض « وتمني عم احمد في ختام حديثه ان تتحسن الاحوال الاقتصادية في صعيد مصر وبالذات محافظة قنا حتي تتاح له الفرصة للعمل هناك ليهنأ بالدفء العائلي وسط اسرته .